|
الرابطة المغربية للقصة القصيرة جدا تقدم قراءة تأويلية لِ ( طوفان) من إنجاز الناقد : الميلودي الوريدي
نجية نميلي ( أم عائشة)
الحوار المتمدن-العدد: 5929 - 2018 / 7 / 10 - 16:47
المحور:
الادب والفن
قراءة تأويلية : في نص : ( طوفان ) الفائز بالرتبة الأولى في مسابقة ( رمضان) للقاص : محمد فوزي الودغيري إنجاز الميلودي الوريدي
النص : طوفان لما غيض الماء واستوينا، رجونا ربنا أن ينزل علينا قصعة من السماء تكون لنا عيدا.. حين استوت، تنازعنا، علا الصراخ..انسل إبليس فالتهمها؛ عدنا سراعا، أحطنا به نقبله. مدخل منهجي : التأويل واحد من المناهج التراثية / الحداثية التي أسست للعديد من المناهج النقدية الحديثة التي تؤسس لعلم التلقي .. وهو ( التأويل ) يتقصد ترسيخ سلظة القارئ وتجذير بعدها المعرفي / الإجرائي ... وهو أيضا أساس " الهيرمينيوطيقا " التي تشير كمذهب إلى ( فن التأويل ) بوصفها تأويلا وتفسيرا للنصوص من استعاريتها ، وبذلك تكون قد تجاوزت التحليل النحوي والبلاغي إلى مقاربة بعد النص ( القصدي).. أو التأويل التراثي الرمزي. وهو تأويل إطلاقي يميز حتما بين ما يجب النظر فيه إلى ظاهر اللفظ ومُطْلَقِه ، وبين ما يجب تأويله مجازيا ورمزيا وتناصيا .. ويبقى الهدف من التأويل عند غالب الفلاسفة المعاصرين ليس هو البحث عن منهج للفهم أو تقويم الفهم الصحيح من غيره ، بل هو البحث عن معنى الفهم وحقيقته .. وبقول آخر أبسط وأوضح فإنه يمكن تعريف الهرمنيوطيقا بأنها "فن القراءة" أي فن حل النصوص وتفكيكها وتفسيرها والكشف عن معانيها . ويقوم منهج التفسير في أساسه على افتراض أن الكلام له معنيان أحدهما هو المعنى الظاهر والمعنى الخفي أو المستتر أو الباطن، مما يعنى أن اللغة لها هي أيضا وظيفتان أحداهما هي التعبير والأخرى وظيفة رمزية تتطلب البحث عما ترمز إليه . وقد أدت هذه التفرقة إلى قيام اتجاهين كبيرين في التفسير: الاتجاه نحو استرجاع المعنى وإعادة بنائه وهو الذي يتبعه رجال الدين الذين يهتمون باسترجاع المعنى الأصلي للرموز في "العهد الجديد." والاتجاه الآخر يقوم على تحليل ـ أو تجزئة ـ المعنى، وليس تجميع الأجزاء كما هو الشأن في الاتجاه الأول، ورد ذلك المعنى إلى عوامل ودوافع كامنة وخفية.
يبقى علينا أن نشير إلى أننا ارتأينا تطبيق المنهج التأويلي إلى أن نص ( طوفان ) يحقق باقتدار مميزات النصوص الاستعارية الرمزية والتناصية .. إضافة إلى نشدانه معنى متساميا يتجلى في البعد التنبؤي الذي يقتضي منا إعادة الكتابة في أفكار المؤلف ... التأويل الإجرائي : العتبة : ( طوفان ) وهو حسب ما أورده ابن سينا في " الطبيعيات " : ( الطوفان هو غلبة من أحد العناصر الأربعة على الربع المعمور كله أو بعضه، أو يكون أحد العناصر غالبا بهذه الصفة، على حسب ما يرى أهل اللغة استعماله عليه. والأعرف عند الجمهور من أمر الطوفانات، هو ما كان من الماء، وكأن هذا الاسم إنما وضع لهذا المعنى.) ومعلوم أن العناصر الأربعة لدى الباحثين في أصل الخلق هي : ( الماء ..الهواء.. التراب .. النار ) .. وبالتالي يكون الطوفان ناتجا عن انعدام التوازن وغلبة أحد العناصر المكونة على الآخرين .. أو خروج أحد العناصر عن حد الإمكان .. أما رمزيا فيحيل المعنى الديني للطوفان = الغمر ..على الغضب الإلهي المسلط على البشر الذين بلغوا حدا كبيرا من الشرور أو تجاوزوا حدود الله وشرائعه .. ولغة : طوف) الطاء والواو والفاء أصلٌ واحدٌ صحيحٌ يدلُّ على دَوَران الشيء على الشيء، وأن يُحفَّ به. ثم يُحمل عليه، يقال طاف به وبالبيت يطوف طَوْفَاً وطَوَافاً، واطَّاف به، واستطاف. ثم يقال لما يدور بالأشياء ويُغَشِّيها من الماء طُوفان. ( مقاييس اللغة لابن فارس ) الاستهلال : (لما غيض الماء واستوينا، رجونا ربنا أن ينزل علينا قصعة من السماء تكون لنا عيدا.. ) والملاحظ أن الاستهلال صُدِّر بكلمة وظيفية (لمّا ) وهي ظرف بمعنى ( حين ) و(غيض الماء ) حين بدأ بالتناقص وكان متيحا للاستواء والاستقرار بعد عدم ثبات وكثرة حركة ..( رجونا ) المسند إلى الجماعة المتكلمة بمعنى سألنا ربنا = إلهنا( ظاهر اللفظ ) أو ولي أمرنا ( إحالة اللفظ )أن ينزل علينا قصعة مثل مائدة الحواريين .. وإن اختلفت المناسبة والشرط فمائدة الحواريين كانت أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين يوما، فلما أتموها سألوا من عيسى إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها، وتطمئن بذلك قلوبهم، أن الله قد تقبل صيامهم، وأجابهم إلى طلبتهم، وتكون لهم عيدا يفطرون عليها يوم فطرهم، وتكون كافية لأولهم وآخرهم، لغنيهم وفقيرهم.والتناص هنا قائم على أن قصعة السارد المأمولة أيضا طلبت بعد صيام رمضان والقرينة الدالة ( لتكون لنا عيدا ) . وعلى هذا تكون لفزة ( استوينا ) دالة على تحقق رؤية هلال العيد واكتمال الأجر .. المتن : ( حين استوت، تنازعنا، علا الصراخ..انسل إبليس فالتهمها؛ ) والجلي من المتن أنه تطابق في التصدير مع الاستهلال ( لمّا= حين ) بينما تطابقت نهايات العبارات الأولى ( استوينا = استوت ) وإن كان فعل (استوى ) في المتن أسند إلى ضمير عائد على القصعة في الاستهلال .. والصراخ الذي يعلو فيما تبع دال على الرفت والتنازع والخصام وهي منكرات لا يجوز اقترافها في العبادات خصوصا .. والنتيجة تسلل إبليس وإفساده لأجر الصيام والعيد .. القفلة : (عدنا سراعا، أحطنا به نقبله.) وعدنا سراعا بعد صحوة ( ربما تلقائية أو بعد نصيحة عقلاء من القوم ) لتتحقق المفارقة : فالأولى بالقوم أن يثوروا على إبليس وينتقمون منه بنبذه ، لكننا نجدهم يحيطون به ويتمسحون بتلابيبه كما يفعل الضالون مع آلهتهم .. خاتمة تركيبية : - تراوح التناص بين تناص توافقي يعيد إحياء المتن الديني ، وتناص تجاوزي يغني النص الأصلي ويعيد تأسيسه بما يوافق المناسبة والاشتراطات الظرفية والشخوص ... - اختيار الشخوص ( الصائمون ≠ إبليس ) للدلالة على الصراع الأبدي بين الإيمان والكفر .. ( الجمعي ≠ الفردي ) قصد توريط القارئ وجعله في صلب الصراع .. - مفارقة القفلة كانت على أساس إمكانية التحقق ، وليس على الاستحالة .. - جمالية اللفظ وغناه لتحقيق جودة المعنى ...أتاح شعرية السرد بانزياحاته وميله عن التقريرية والوعظية المباشرة .. - الغنى الترميزي الإحالي / التضميني ( استغلال الرموز الدينية ..التراثية ..الإنسانية .. ) - نحث العتبة على أساس جمالي / وظيفي.. فجاءت محيطة بغالب – إن لم نقل بعموم – لفظ النص .. - البعد الحجاجي للنص كان خفيا ( عبر عمارة النص المتسلسلة والمترابطة بإحكام .. واختيار الشخوص )وقويا في نفس الآن نظرا لبعده التنبؤي وصياغته الاستشرافية ..
الميلودي الوريدي
#نجية_نميلي_(_أم_عائشة) (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- انتكاسة- بين العنونة و التناص / محمد العمراني
-
حوارمفتوح مع الناقد المغربي :الميلودي الوريدي على صفحة الراب
...
-
قصيدتي
-
قصصي القصيرة جدا 20
-
يا وطني
-
فلّة العمر
-
ربيع
-
عبور
-
قصصي القصيرة جدا 19
-
قراءة في -شامة سلطانة الحكما- للزجال المغربي :أنس لحلو
-
قصصي القصيرة جدا 18
-
محمد خالدي و- قفلة خائنة-
-
نص ( طاقة) لعبد الله الواحدي تحت مجهرالسعيد ابن سعيد على صفح
...
-
قصصي القصيرة جدا 17
-
حوار مفتوح مع الأديبة المغربية :سعاد بني أخي على الرابطة الم
...
-
قصتي القصيرة جدا تحت مجهر قراء الرابطة المغربية
-
قصة قصيرة جدا تحت مجهر القراء على صفحة الرابطة المغربية
-
صمت عينيك
-
من وحي - صورة- على صفحة الرابطة المغربية للقصة القصيرة جدا(3
...
-
قصص قصيرة جدا 16
المزيد.....
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|