عائشة اجميعان
الحوار المتمدن-العدد: 5924 - 2018 / 7 / 5 - 09:13
المحور:
القضية الفلسطينية
(1)
تعيش الحالة الفلسطينية في مختلف مناحيها, زمنها الحاضر, والذي فيه من السيولة والخلط والتخبط والتيه السياسي, وعلى مدى اكثر من عقد من الزمان, ولعل بداية تلك الحقبة السوداء, والتي باتت معلنة, كانت يوم اعلان الرئيس, اجراء الانتخابات التشريعية في اشد حالات الوهن والضعف البنيوي الامني والهيكلي والتنظيمي, لكل من حركة فتح والسلطة, وهي الحالة التي دفعت اليها اسرائيل بعد اغتيال رمز الوطنية, ثم من خلال الانسحاب الاحادي الجانب دون تنسيق مع السلطة في قطاع غزة, بعد حملة من الهجمات والاعتداءات التي اوهنت السلطة, والتي شاركت بعيد ذلك قوى عديدة في تكريس تلك الحالة, تحت سمع وبصر القيادة التي كانت واحدة موحدة, انذاك.
لم يعد سراً خافيا ان الانتخابات جاءت بضغوط امريكية بناء على ارادة اسرائيلية, وتوافق ودعم البعض العربي المطلع على المخطط والداعم له تمويلاً وسياسة, فسارت الامور على ما يشتهي مخططو الربيع العربي, وصولا الى الانقلاب الحمساوي, حيث بدأت رحلة التدمير للكيان الوليد الهش, الذي يفترض انه يسعي الى التحرر والاستقلال فاذا بنا, نري انشطارا في النظام السياسي الحاكم ليصبح, شطرين على طرفي النقيض, في جغرافية منعزلة سلفا بيد الاحتلال الاسرائيلي, يرفع كل منهما راية الشرعية والقرار المستقل ولا ندري ايه شرعية بقيت لكليهما, واية استقلالية في القرار, لكن الامور سارت توافقيا بين الطرفين والمحيطين, على نحو ادارة الازمة وليس حلها.
(2)
في مفارقة لاتبدو من مظاهر العمل الوطني, تلك التي يعاني منها الجنوب دون الشمال في وطن مقطع اصلاً بيد الاحتلال, لتكون النهاية الحتمية هي الانفصال كما اريد لبعض بلداننا ولعل نمودج السودان (مع الاختلاف), حيث عاني الجنوب مزيدا من التهميش المتعمد وصولا الى الانتفاض في وجه السلطة المركزية يدفعه في ذلك اعداء الاوطان, على راسهم اسرائيل خلال اكثر من خمس وعشرين سنة, لايزال نموذجا واقعا, يحذر الوطنيين من مغبة تفضيل جزء من الوطن على جزء اخر, او تهميش جزء من الجغرافيا خدمة لمخططات بعيدة عن الوطنية.
وعلى غرار الحصار الاممي لعراق صدام حسين, مضت احد عشر عاما ولا تزال, هي عمر الحصار الذي عاني فيها القطاع من الويلات, من مختلف الاطراف على راسهم قيادة السلطة في رام الله, مضافا الى حالة من الادارة العسكرتارية الداخلية, من مختلف اطراف الحكم والسيطرة الحمساوية, المعلن والخافي على العامة, ولكنه ليس سريا تماما, وكما يصفها البعض بــ ,الخطوط, الواصلة بين اطراف في حماس وقوي خارجية عربية واقليمية تدير الحالات او الخطوط وتمولها بمعزل عن الخط السياسي الحمساوي المنقسم بين خارج وداخل.
كما اصر الرئيس على اجراء الانتخابات اصرارا لم تنفع معه التقارير التي تفيد ان الانتخابات في غير صالح فتح السلطة, كحريص على الاستحقاق الانتخابي وطنيا, اصر وبطريقة فجائية على ازالة اثار الانقسام, فور ظهور تقارب بين حركة حماس ومحمد دحلان, زعيم تيار الاصلاح في فتح, واعلان اما التسليم واما اجراءات غير مسبوقة, والتي انتهت في اخر اصدار منها, الى تخفيض رواتب وقطع رواتب وفصل واستحقاقات, اخرى, تحت سمع وبصر الرباعية العربية المكلفة اصلا بمتابعة الحالة الفلسطينية وكذلك جل المانحين من العرب والغرب, وكأنهم يوافقون على الاجراءات الغير حكيمة والغير وطنية, الامر الذي سايره وبرر له, قيادات من الضفة المحتلة, على راسهم رئيس الوزراء الحالي, بما يبرر القطع والتخفيض, باعتبار كل هذا منة من قيادة السلطة لا حق لأهل غزة فيها, وكذلك غير واحد من قيادات الضفة الغربية في تصريحات ذات معاني مشينة, لاتصدر عن وطنيين في حق الوطن والوطنيين, بما يكرس حالة من العداء التنافري وصناعة عنصرية جهوية تفصل بين ابناء الوطن الواحد على اسس جغرافية.
يضاف الى ذلك تقليص القيادات وتطهير الاماكن القيادية في السلطة, من ابناء قطاع غزة, بحملة ممنهجة, بما يحقق الفصل المجتمعي والانساني والوطني, بين شطري الوطن, ويكرس العنصرية المقيتة التي ارادها الاحتلال يوما ما , فكما قام مغرضون برفع شعار "لا للحكم الغزاوي " في العام 1997 في الضفة الغربية, اذا كتبت على جداريات على مداخل غير مدينة من مدن الضفة الغربية, فان السلطة تتبناه الان ,ممارسة فجة بغير شعار.
(3)
طوال عمر الحصار الرباعي, الذي عصف ولا يزال بالقطاع الفقير المزدحم بالسكان والذي يفتقر الى اهم مقومات الحياه, المعتمدة بالاساس على المعونات والمساعدات التي تاتي عبر السلطة, ووبنسبة اقل عن طريق الاونروا, والتي تحاك حولها محاولات الالغاء, في محاولة لطمس قضية اللاجئين, وهي امور تنعكس سلبا في مجملها على ظروف حياة المواطن في الكيان المحاصر, على كل المستويات مما خلق ازمات متعددة :
فنتيجة لنقص التمويل في قطاع الخدمات, عاني القطاع من ازمات بيئية, منها تملح ابار المياه التي تمد القطاع بالمياه نتيجة ثبات اماكن الابار, اضافة الى غور المياه الجوفية نتيجة الاستنفاذ الغير عادل, خاصة الابار التي تمد الشبكة الاسرائيلية(موكوروت) من ابار متعددة جنوب القطاع , اضافة الى زيادة تلوث البحر بمياه الصرف الغير معالج نتيجة عدم القدرة على تشغيل وانشاء محطات جديدة لمعالجة مياه الصرف.
اما الازمات الانسانية فهي كثيرة متراكبة يقع في اول سلمها خفض وانقطاع رواتب موظفي السلطة في غزة التي ظلت لسنوات ثابتة لاتتغير حتى بدات تتاكل نقصا وخصما مع بداية حكومة رئيس الوزراء رامي الحمد لله, لكنها على اية حال تحرك الحالة التجارية فور ضح الرواتب في بنوك القطاع, ورغم وجود اكثر من فئة مختلفة في مصادرها المالية, الا ان سوق التجارة محرك الاقتصاد الغزي الهش, يتحرك فقط مع صرف رواتب موظفي السلطة وهي الفئة المستفيدة مباشرة ,الا ان الاستفادة تكمن في الحركة التجارية التي يستفيد منها فئات كثيرة في مختلف القطاعات.
اما المواطن بصفة عام فلقد عاني من غياب الخدمات الاساسية واولها انقطاع الكهرباء لاكبر عدد ممكن من الساعات قد تصل الى احدى وعشرون ساعة, في اليوم الواحد نتيجة لعدة عوامل تشارك فيها كل من السلطة في رام الله وحماس في غزة.
وكذلك العلاج الطبي في مستشفيات القطاع التي تفتقر المواد والمستحضرات والادوية , اضف الى ذلك غياب الخبرات الاساسية بعد ايقاف الموظفين الصحيين المؤهلين, وتوظيف البدلاء من حماس الذين يفتقرون الى الخبرة في العمل والتخصص الطبي الدقيق, وبطء الى درجة التوقف, للتحويلات الخارجية التي تحول الى مستشفيات مصر والاردن واسرائيل, والتي تعالج فيها امراض مستعصية لا وجود لعلاجاتها في القطاع كالسرطان مثلا, ولعل اعادة مديرة التحويلات الطبيه المقالة ,دليل على تعمد السلبية من القيادة في الضفة تجاه هذا الملف .
اما منع الطلية من الالتحاق بجامعاتهم فحدث ولا حرج نتيجة اغلاق المعبر الوحيد الرابط بين مصر والقطاع كنافذة خروج الى العالم الخارجي, فكم من سنوات ضاعت وكم من طلبة ضاعت عليهم فرص الالتحاق, او فصلوا من جامعاتهم نتيجة تاخرهم عن الالتحاق بها,ربما حدثت انفراجه في هذا الملف نتيجة لفتح المعبر طوال الايام الفائتة, لكن اين نتائج احد عشر عاماً.
قطاع غزة المتخم بالبطالة القسرية كاعلي نسبة بطالة في العالم نتيجة توقف اغلب القطاعات عن العمل, ما يستتبع غياب القوى العاملة القادرة, وترغب في العمل, باي اجر كان, يسد رمق الجياع من ابناء الشعب المقهور نتيجة غياب فرص العمل, ورفض السلطة في رام الله استبدال او استيعاب الشباب الا ان السلطة في غزة توظف فور الاحتياج, فقط على اسس حزبية لا اساس احتياج وظيفي او شواغر مهنية, وبذلك عملت كل من جناحي السلطة, على تغييب قوة الشباب القادر على العطاء والبناء, بفعل اقرب الى المكايدة السياسية, والمصالح الصغيرة, لا على اساس المصلحة الوطنية.
اضافة الى كل ما تقدم,, اقدمت السلطة في رام الله على احالة اغلب موظفيها على التقاعد القسري المبكر, بقرار رئاسي بناء على تصور, اهدر حقوق الموظفين العسكريين منهم والمدنيين, بما يمكن تسميته مجزرة رواتب واستحقاقات, لم يسمع بها قبلا.
كل تلك الكوارث نتيجة قرارات في المستوي الاعلي من السلطة نتيجة تصورات غابت فيها المصلحة الوطنية والانسانية, وقعت في نفوس قاطني القطاع من مختلف المراحل العمرية موقع الياس والاحباط, وبدا ان الامل الوحيد هو الرحيل, وتفريغ القطاع, تلك الامنية الغالية على قلوب صناع القرار الاسرائيلي واصحاب الراي الصهيوني, والتي راودهم في حلهم وترحالهم, وصحوهم ومنامهم, وانتقل معهم, ابتداء من جيل ارهابيي الاربعينات من ارجون وشتيرن, الى جيل الارهاب الحديث المتصهين بقيادة نتنياهو .
(4)
على صعيد عام, ليس غريبا ولا جديدا ما تقوم به الديكاتوريات الحاكمة لاى كيان, من استخدام ادارة الازمات, لاشغال المواطن بعيدا عما تقوم به السلطات الحاكمة, وتوجيه الهمة نحو ما هو حياتي مباشر, حتى لا يجد الشعب وقتا او مقدرة لمتابعة هموم السياسة, وعلى التخصيص ,هذا ما تقوم به كلتا السلطين الحاكمتين في كل من رام الله وغزة, مع تباين تكتيكات واليات ادارة الازمات, حينا, باختلاف الوضع والجغرافيا, الا انهما تتشابهان وتتشاركان في الضغط على الشعب في غزة, وغزة فقط, فلطالما سمعنا من قيادات رام الله ان اكثر من 50% من موازنه السلطة تذهب الى غزة, وان بنود الصرف اتسعت وان السلطة صرفت على غزة ما يعادل بالمليار طوال سنوات حكم حماس, وان.. وان.. ,.. وعلى الصعيد المقابل تتبني الحكومة الربانية في غزة مقولة, ضبط امن وامان المواطن وتسهيل الحياة, واحترام الراي والراي الاخر, وان المواطن يحيا في الفردوس الارضي في ظل الحكم الرباني متجاهلة كل الماسي التي تموج في القطاع والتي تطفح بها الدراسات التي تعلن نسب جرائم النفس, والسرقة والسطو, والمخدرات وانواعها, الناتجة عن الحالة النفسية السلبية التي يحياها اهل القطاع نتيجة فقدان الامل ,في حياة كريمة في مستقبل ات.
ولجهة التعامل باستعمال القوة, فان حماس تتبني النظرية الامنية الاسرائيلية المتبعة سلفا وحاليا "ما لاتحصل عليه بالقوة, تحصل عليه بمزيد من القوة", ولعل اخرها, ماتم في مسيرة رفض العقوبات والاسري في ساحة السرايا, بعد ان اشبعتنا حماس نقدا وتقريعا لما قامت به قوات امن السلطة لقمع مسيرة تحت ذات العناوين لعدة ايام, وغياب توضيح او استنكار او حتى دعوة الى فتح تحقيق.
تسعى كل من قيادتي الجهتين الى مخاطبة كل الاطراف, عدا طرف وحيد, هو الشعب الفلسطيني, مستغلة تواجدها فوق رقاب العباد وعلية نتساءل:
كيف؟ ولماذا؟ ولمصلحة من؟ تدار السياسة الداخلية الفلسطينية بشكلها الحالي؟ وهل حقا يوجد مايسمي القرار الوطني المستقل؟ في ظل تباين وتعارض مصادر تمويل سلطتي رام الله وغزة؟؟؟
وطالما هناك قرار وطني ومستقل, لماذ صمد الانقسام كل هذا الوقت؟؟!!
#عائشة_اجميعان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟