|
فيليتسيا لانجر شاهدة بأم العين
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 5923 - 2018 / 7 / 4 - 18:54
المحور:
القضية الفلسطينية
فيليتسيا لانجر شاهدة بأم العين عبد الحسين شعبان «أنا شخصياً، أنا اليهودية، أنا سليلة العائلة اليهودية التي فقدت عائلتها في المحرقة النازية، شاهدة على ما يرتكبه الاحتلال «الإسرائيلي» بأم عيني، شاهدت الفظائع التي يرتكبها هذا الاحتلال، وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني». هذا ما جاء في كتاب «بأم عيني» للمحامية اليهودية فيليتسيا لانجر المعادية للصهيونية، والمدافعة عن حقوق الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون «الإسرائيلية»، وهو شهادة عادلة، ومنصفة، على الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان التي يرتكبها الاحتلال «الإسرائيلي». وكان اسم فيليتسيا لانجر ارتفع في المحافل الحقوقية الدولية بالتدرّج بعد نكسة 5 يونيو/ حزيران، العام 1967، وارتبط حينها بأسماء عدد من المثقفين والأدباء الفلسطينيين الذين بدأ أدبهم وشعرهم ينتشران في العالم العربي الذي أخذ يقرأ محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وأميل حبيبي، وغسان كنفاني، وأميل توما، وإدوارد سعيد، وناجي العلي، وغيرهم، في موجة من الإعجاب لدرجة الانبهار بالأدب الرفيع، واللغة الأنيقة، والكلمة المقاومة، والريشة المحرّضة. أطلق الأسرى الفلسطينيون على فيليتسيا لانجر لقب»الحاجة فولا» التي قامت بتمثيلهم أمام المحكمة العسكرية، وكان مكتبها في القدس رفع دعاوى بالآلاف ضد الجيش «الإسرائيلي»، و»المخابرات «الإسرائيلية» الداخلية - الشاباك»، وقد نجحت في الكثير من القضايا في إطلاق سراح الأسرى، وحالت دون تنفيذ قرارات ترحيل آخرين، أو إبعادهم، إلى جانب مساندتها نضالاتهم داخل السجون، ودفاعها عن مطالبهم العادلة لتحسين ظروف اعتقالهم وتطبيق اتفاقيات جنيف لعام 1949 بشأن «معاملة الأسرى». وعملت لانجر على فضح جهاز الشاباك بكشفها حقيقة ما يتعرّض له الأسرى من عمليات تعذيب وحشية، جسدية ونفسية، ولاسيّما للنساء والأطفال، وساهمت في تزويد الإعلام والمنظمات الحقوقية الدولية بمعطيات وشهادات حيّة وحقيقية عن أساليب التعذيب التي تمارس في السجون والمعتقلات «الإسرائيلية»، خلافاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية وللقواعد القانونية العامة كاشفة حقيقة النظام العنصري الاستعلائي الاستيطاني، ودعاواه «الديمقراطية» الزائفة. وكان أهم ما تركّز عليه لانجر في دفاعها عن الأسرى مسألتين أساسيتين هما: الأولى، أن المعتقلين هم «أسرى حرب» ينبغي أن تطبّق عليهم اتفاقيات جنيف لعام 1949 وفيما بعد بروتوكولي جنيف لعام 1977 الأول - الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، والثاني- الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية. والثانية، أن من حق الفلسطينيين مقاومة الاحتلال، وأن من يجب محاكمتهم هم قادة الاحتلال، طبقاً للقانون الدولي المعاصر، والقانون الإنساني الدولي، والشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وكنت بسبب انشغالاتي بالقضية الفلسطينية، قرأت بإعجاب شديد، في أواخر السبعينات، كتابين لفيليتسيا لانجر: الأول، بعنوان « بأم عيني»، والثاني، الموسوم «أولئك إخواني». وقد أدركت منذ ذلك الحين، وعلى مرور نحو خمسة عقود، أهمية «المقاومة القانونية» في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي»، لاسيّما في الدعوة لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، إضافة إلى جريمة شن الحرب، وتشريد شعب، واغتصاب وطنه، وأعتقد أن المعركة الفكرية والثقافية، سواء على المستوى الدبلوماسي والدولي، ولاسيّما في جانبها الحقوقي والقانوني، لا تقلّ شأناً على المواجهة بمختلف جوانبها من أجل تمكين الشعب العربي الفلسطيني في حقه بتقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وتتأكّد هذه الحقيقة يوماً بعد آخر، في أن «القوة الناعمة» يمكن أن تكون سلاحاً مؤثراً وفعّالاً، استكمالاً متوازياً مع الأسلحة الأخرى ، علماً بأن الدبلوماسية والقانون وحقوق الإنسان تتداخل مع الحقول الأخرى السياسية والثقافية والاقتصادية، إلى حدود كبيرة، وهي في ديناميتها جزء من حركة مقاومة سلمية مدنية ضرورية، وهو ما يحتاج إلى استراتيجية تكاملية بين وسائل الكفاح المختلفة، لتفنيد الرواية «الإسرائيلية» ومزاعمها الخرافية. توفيت لانجر عن عمر ناهر ال88 عاماً، فقد ولدت في العام 1930 في بولونيا، من أبوين يهوديين، وهاجرت إلى فلسطين المحتلة العام 1950 برفقة زوجها ميستيو لانجر الناجي من معسكرات الاعتقال النازية، ودرست القانون وتخرجت في الجامعة العام 1965، وقد انضمت إلى الحزب الشيوعي، ولكنها تركت « إسرائيل» في العام 1990 وهاجرت إلى بلدها الأصلي ألمانيا، لأنها، كما قالت لصحيفة «الواشنطن بوست»: لا تريد أن تكون «ورقة التين لتغطي على الاحتلال». نالت في العام 1990 جائزة الحق في الحياة (المعروفة باسم جائزة نوبل البديلة) لدفاعها عن حقوق الشعب الفلسطيني. وحصلت على جائزة كرايسكي (النمسا) العام 1991 لإنجازاتها في ميدان حقوق الإنسان، ومنحها الرئيس الألماني هورست كولر في العام 2009 «وسام الصليب الفيدرالي لجمهورية ألمانيا الاتحادية»، كما منحتها السلطة الوطنية الفلسطينية «وساماً فلسطينياً» رفيع المستوى . مارست لانجر قناعاتها الفكرية برفض الاحتلال بكل شجاعة وجرأة، ولم تثنها الحملة الصهيونية ووصفها «بالخائنة»، والإساءة إليها عن مواصلة كفاحها الحقوقي العادل، بل دفعها ذلك لتكريس حياتها كلّها للدفاع عن القضية الفلسطينية، ومناهضة الصهيونية، ولم تمنعها رؤية المحرقة من وقوفها ضد اضطهاد شعب آخر تم وضعه تحت محرقة مستمرة.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلام عادل ..الشيخ راضي ينفي تعذيب أمين عام الحزب الشيوعي ويؤ
...
-
سلام عادل .. عبد الناصر يعيّن هويدي سفيراً في بغداد ويرد الس
...
-
مشكلة «أطفال الدواعش»!
-
سلام عادل ..الاستخبارات الأمريكية تنصب إذاعة في الكويت لبث أ
...
-
سلام عادل ..أهم خدمة تقدم للعدو هو إخفاء أخطاء الحزب والزعم
...
-
سلام عادل ..الرجعية جزء من مذبحة كركوك وتراجع الحزب الشيوعي
...
-
سلام عادل ..الترهل في جسد الحزب الشيوعي منعه من قرارات حاسمة
...
-
سلام عادل .. كلوا فالحزب يريدكم أقوياء - ح2
-
سلام عادل .. الدال والمدلول وما يمكث وما يزول ح1
-
العنف «الإسرائيلي»ضد الأطفال نموذجاً
-
الاستبداد الناعم
-
الصين تتغير
-
قول آخر في «الدولة المدنية»
-
محمد بحر العلوم والرؤية العربية
-
الانتخابات .. دلالاتها وسيناريوهات
-
حقيقة العنف ولا عنف الحقيقة
-
لغز البغدادي
-
عن ترامب ومبدأ -فن الصفقة-
-
«الهولوكوست» وما يخفيه النفاق
-
حين تفعل الثقافة فعلها
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|