|
الشعر العامي العراقي يقاوم طبول الحرب
سعدي جبار مكلف
الحوار المتمدن-العدد: 5923 - 2018 / 7 / 4 - 14:30
المحور:
الادب والفن
الشعر العامي يقاوم طبول الحرب سعدي جبار مكلف السخرية أحدى طرق التعبير، يستعمل فيها الشخص الفاظاً تغير المعنى على عكس ما يقصد به المتكلم، وحقيقة السخرية هو تصوير عيب الشئ بصورة مبالغ فيها او كشف حقيقته مما يجعلها تافهة المعنى ومحط وواقع للضحك، كل ذلك بطريقة خاصة مباشرة او غير مباشرة، حيث يقوم القائل بإسباغ المعنى الواقعي كله على الكلمات والايحاء عن طريق الاسلوب والقاء الكلام بعكس مايقال، وتتركز على طريقة طرح الكلام مع التظاهر بالصمت والسرية التامة والجهل وعدم معرفة الشخص المغير للكلام او الاهزوجة او الشعار في اغلب الاحيان. بعد سلسلة من أيام الرعب التي مرت على الشعب العراقي والشائعات من قبل نظام صدام وجلاوزته وبثها بين صفوف الناس بين فترة وأخرى والتي تنتشر بسرعة كبيرة وضمن ترتيب معين تتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها، ودائماً ما تكون هذه الاشاعات مرعبة ومخيفة مظلمة تثير قلق ومخاوف الناس خاصة عندما يكون مصدرها رسمي حكومي . أن صدام حسين كان على دراية كبيرة بدور الاعلام وتأثيره على أشغال الشعب، فقد كان دائماً يترأس المكاتب التي تدير وتخطط السياسة الاعلامية للدولة والحزب ويعرف كيف يتلاعب بمشاعر الشعب ويشغله في أمور خارج نطاق السياسة وان هذه الاشاعات تعطي أدلة كاذبة وتمثل حكايات كثيرة وأقاويل تحكي قصص الرعب والخوف، يضاف لها الكثير من التضخيم عندما تنتقل من شخص الى آخر، ان أثارة هذه الاشاعات لها أهداف كبيرة ومأرب تتنوع هذه الاهداف تماشياً مع مبتغات مثيريها ومروجيها . فكانت أشاعات حكومة صدام لا تنتهي، حيث كانت تنتشر كل أسبوع وقد يكون قسماً منها صحيحاً كما حدث في تصفية القيادة البعثية المنافسة له من داخل الحزب، أو أعدام التجار، أو الحنطة المسممة ثم أبو طبر، وكيف أنتشر الرعب في بغداد، ثم تسفير التبعية وصدور قانون الرعوية، ان هذه الازمات وغيرها وعلى أختلاف أنواعها السياسية والاقتصادية. فمن أنقطاع الكهرباء الى شحة الغاز الى أختفاء كثير من الحاجيات من الاسواق، وهكذا في كل أسبوع فلم مرعب مخيف ينشره الجلاوزه ويأخذ مداه في الشارع العراقي وخاتمتها الحروب التي استمرت لمدة عشرين عاماً مع الحصار من عام 1980 حتى الاحتلال واعلام الحكومة مستمر في بث الاغاني الوطنية والشعارات الملتهبة الحماسية، ويا كثرة الاناشيد والاغاني والشعارات والصور والتماثيل وجميعها تمجد قائد الضرورة، وهنا لعب الشعراء دوراً مشرفاً في مقارعة النظام وشعاراته وقاموا بدور مضاد في تحوير وتغير كلمات هذه الاغاني من المديح الرخيص الى كلمات مضحكة وسخرية تامة مما جعل السلطة في حيرة تامة من هذا الاستهزاء وقد وصل هذا النضال والمقاومة الجدية للنظام لكسر الصمت والارهاب الذي خيم على الشعب بأن تقوم دوائر الأمن بتوقيف أعداد كبيرة من الشعراء والتحقيق معهم بعد أن أنتشرت هذه المقاومة في أغلب المناطق وعلى مستوى الوطن، لقد أندلعت مقاومة الشعر لحكم صدام ويتم تغير أي هتاف أو نشيد أو أهزوجة نلاحظ هذا الشعار :- البعث قاد المعركة جير ولزگ بالشارع أو ..........الاتحاد الوطني تنظيم حر طلابي تحول الى .....الاتحاد الوطني موت وقتل أرهابي وعندما يصل رجال النظام يتحول الى الشعار الاصلي، ان الكلمات كانت تحرض على الثورة والاحتجاج وهي تنهل من وجدان الشعب ما تطرحه وما تريده من مطاليب او رفض للسلطة الدكتلتورية وجميع هذه المتغيرات في شعارات الحكومة والبعث من تأليف الشعراء الشعبيون وتؤلف بصورة فورية عفوية وقد تكون منظمة، وهذه الابيات تنتقل بسرعة كبيرة بين صفوف الجماهير وتفجر روح الثورة وتصرخ بصوت عالي مدوي لا بوجوه الطغاة، وعندما أندلعت الحرب بدأت الاغاني ذات الكلمات الحماسية التي تذاع في كل مكان وعلى طول اليوم ...... أتقدم وأحنه أوياك أثنين جيشين لصدام حسين او ......أحنا مشينا للحرب أو شعار هتفت به حناجر المتظاهرين المجبورين في ملعب الشعب والذي يقول : سواها البعث وحدة ثلاثية وبقدرة قادر تحول الى سواها البعث وحدة حرامية أن شعر المقاومة معروف في الشعر الشعبي يشحن الهمم وينور طريق النضال ويمزق جبروت الحكام الطغاة ويقرب الامل الى لحظات الخلاص ويحث الناس الى النهوض والدخول الى ميدان الصراع ضد الدكتاتورية انها لغة سيوف الاقلام التي تحارب دون معرفة اصحابها وكيف يتم تغيير الشعارات والاناشيد والاغاني وعندما أذيعت أغنية :- فزعنا وشوف أشما بينا ....تغيرت .... الى نزعنا وشوف أشظل بينا وقد تم تغيير معظم الاناشيد والاغاني والكلمات بصورة علنية او سرية مجهولة التأليف، فعندما شرّع البعث قانون محو الامية وعّدت الحكومة أعطاء راتب لكل ملتحق في المراكز مبلغ مالي قدره 700 دينار في ذلك الوقت ويشمل كل ملتحق بما فيها النساء وعندما إتضح انها كذبة وخدعة ولم تستلم أي أمرأه راتبها المقرر خرجت مظاهرة كبيرة أمام مديرية تربية محافظة البصرة تنادي وتردد فيها النساء أمام مدير التربية المدعو شهاب : راشد مات وألتمت الامية ...جذابين جا وين السبعمية كل حجيك طلع جذاب يا شهاب أبن خيرية حيث كانت والدة مدير التربية أسمها خيرية فعند التوجه الى أعمالنا كل يوم لابد ان نقطع الطريق بين الباعة المتجولين الذي أفترش الكثير منهم جوانب الشارع وقد يصل الى منتصف الطريق ويضعون الچنابر لرفع بضائعهم عن الارض وقبل ان نصل الى المكان الذي نتوجه منه بواسطة السيارات الى عملنا ومدارسنا تتعالى بصورة عالية جداً صوت الاهازيج والاناشيد الحماسية والتصفيق من المسجلات الموضوعة على تلك الچنابر وقد وضعت اكثر من شاشة كبيرة في جميع الزوايا وتعرض فلم لشباب يرتدون زياً عسكرياً مرقطاً أسدلوا شعورهم السوداء اللماعة وزينوا وجوهم بلحى حددت أطرافها بعناية تامة شديدة ينشدون للحرب والبوابة الشرقية أنها أغاني المعركة فالمطرب صلاح عبد الغفور يرتدي بدلته الزيتوني رافعاً يمينه وأصبعه المعكوف ويصيح ويستريح :- أتقدم وأحنه وياك أثنين جيشين لصدام حسين وما أن ينتهي حتى تبدأ أغنية متشنجة أخرى يؤديها أكثر المغنيين تشنجاً بلون بشرته الداكنه وبشواربه الكثة التي توحي للناظر بأنه قابض بين فكيه على غراب أسود ويصيح من أعماقه ويؤشر بحركات لا يوجد من يفهمها وبحركة عصبية غريبة المعنى ويغني :- كل أحنه أجنود ياريس ... بالدم أنجود يا ريس وسرعان ما تحولت كلمات هذه الاغنية الى :- كل أحنه أصلوخ يا ريس ....نشرب وندوخ يا ريس ..وندك بدفوف يا ريس وما ان تنتهي الاغنية حتى تظهر طفلة أسمها وفاء وهي تنشد للمعركة أغنية :- هسه يجي بابا البطل متخيل الدبابة وتتغير الى ...هسه يجي بابا البطل متمدد أبتابوته بس يخلص أسبوع العزة نتسلم التيوتا لا تبجي كافي لا تون حط بالعلم جكليته لكن بابا لن يأتي بعد ان ذاب جثة هامدة محترقة مع ملح هذه الارض التي أدعى أخواننا أنها البوابة الشرقية ولم نكن نعلم ان للوطن ألف باب يتسع لآلاف البشر وله ملايين من الأبواب تؤدي الى الجحيم وهكذا تغيرت كلمات هذه الاغنية واصبحت رصاصة مقاومة بعين الطغاة أنها صرخات ثورية تصحي النيام وتصرخ لا بكل شموخ وقوة وعنفوان، لا أيها القتلى وكانت جمعيها بأسلوب ساخر مضحك لمجابهة غطرسة وبطش النظام الدكتاتوري ويسخر من شعاراته وانتصاراته الوهمية الكاذبة وعندما تنخى سعد بجده حيث قال :- لا يا سعد يا جدنا يل رايتك من عدنا تحولت الى : - لا يا سعد يا جدنا ......تنكة نفط ماعدنا وكانت حصة المرأه الطيبة فضيلة العمية أسبوع في التوقيف للتحقيق معها عمن قال هذه العبارة ومن غير الاغنية وهي تقسم انها لم تعرفهم والمحقق سامي المياح يعدد لها أسماء الشعراء وهي تقسم له انها لم تسمع بهم وأشتدت المعارك وبدأت قوافل الشهداء تصل بأرتال كبيرة وأنشدت الاغاني الحماسية من جديد وهي تنادي الارض :- يا كاع أترابچ كافوري على الساتر هلهل شاجوري وهلهل الشاعر المعارض :- يا كاع أترابچ كافوري بالموتى ينگل قدوري وكانت النساء الگوالات لهن حصة الاسد في أسلوبهن لتغير المعنى وأثارة غضب الناس ، انها أصوات رافضة للحرب والموت الجماعي الذي يجتاح العراق من الشمال الى الجنوب حمد بالشيب وخليف أبجلولاء جابولي الهويه وكومة أشلاء أمنيين العبرة يا صدام ماهو الحل أيها القائد المقدام حفظه آلله ورعاه أن تلك العبارات هي منشور سياسي سريع الانتشار وصوت مدوي قوي في وجه الظالم ورفض صريح للظلم والنظام صوت ضد السيف والموت الجماعي للبشر، وعندما بدأت مكارم المال والسيارات تعويضاً الى أهالي الشباب الشهداء وقتلى الحروب تم رفض هذه المكارم والسيارات ذاع صيت انشودة تقول :- شكي الثوب يا سارة .....بدلنا أعليوي أبسيارة حيث أخذت نساء المحلة يدورن حول السيارة ويرددن مقاطع هذه المقولة وتستمر المسرحية وتحدث محاولة قتل عدي في بغداد حي المنصور وبعد الشفاء تخرج مظاهرات للتهنئة بالسلامة وتهتز الاعلام مع الهوسات الجنوبية وتقول أحداها :- سلامات سلامات .....خمسين طلقة مامات حرامات حرمات .....الفشگ كله بذات سلامات سلامات هكذا كان الشعر الشعبي يحارب الطغيان بقوة الكلمة ويشق الصمت والخوف الجاثم على صدور الشعب وحتى في القوات المسلحة هناك كثير من الاهازيج والابيات قيلت من أجل السخرية والرفض وبأسلوب مضحك : آخ منچ عسكرية .....صف رصاص وبندقية كل نذل وأبن .....النذل يأمر علية هكذا تكلم الشعر وناضل من أجل التخلص من الدكتاتور أن السخرية سلاح خطيرلكونها فن راقي يحتاج الى ذكاء وفكر وهي صرخة بوجه السياسات الظالمة المستبدة المتحكمة بمصائر الشعوب .
#سعدي_جبار_مكلف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشرارة الاولى للشعر العامي العراقي
-
لميعة عباس عمارة شاعرة الحب والجمال والرقة والشعر العامي الع
...
-
الوجيه عسكر الرومي من التراث المندائي القديم الجزء الخامس
-
الوجيه عسكر الرومي من التراث المندائي القديم الجزء الرابع
-
الوجيه عسكر الرومي من التراث المندائي القديم الجزء الثالث
-
الوجيه عسكر الرومي من التراث المندائي القديم الجزء الثاني
-
الوجيه عسكر الرومي من التراث المندائي القديم الجزء الاول
-
القديسة التي علمتني الشعر الجزء الثالث
-
القديسة التي علمتني الشعر الجزء الثاني
-
القديسة التي علمتني الشعر
-
قصيدة اعز الناس
-
قصيدة نجوى
-
قصيدة صديق الاربعاء
-
الشهيد صلاح الدين احمد الجزء الخامس
-
الشهيد البطل صلاح الدين احمد الجزء الثالث
-
الشهيد صلاح الدين احمد القسم الثاني
-
الشهيد صلاح الدين احمد
-
من التراث المندائي القديم الشاعر سوادي واجد جثير الجزء الثام
...
-
من التراث المندائي القديم الشاعر سوادي واجد جثير الجزء الساب
...
-
من التراث المندائي القديم الشاعر سوادي واجد جثير الجزء الساد
...
المزيد.....
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|