نبع العشاق

شهاب وهاب رستم

الحوار المتمدن-العدد: 5918 - 2018 / 6 / 29 - 15:09
المحور: الادب والفن
    

هناك في تلك الربى وعلي بُعدْ فَرسَخْ من الوادي الممتد خلف الجبل ، كان يعيش
الشاب الأسمر( عبدالكريم ) يرعى الغنم ، عبدالكريم تعلم القراءة والكتابة في مدرسة القرية التي لم تكن سوى غرفتين من اللبن ومعلمهم من أهل المدينة .
نمت عند هذا الشاب الأسمر الرغبة للقراءة والمطالعة ، خاصة قراءة الشعر للشعراء القدامى ، كان يحاول ان يحفظ ابيات من اي كتاب شعر يحصل عليه وهو في البراري مع الغنم ، مرة التقيته عند نبع القرية البعيد يدندن بصوت مسموع لأغنية قديمة ، متلهف بشوق للقاء محتمل شاهدت الفرحة تتطاير من وجههُ أو كاد ان يطيرهو من الفرح .
النبع ملتقى العشاق ، العشاق الشباب من القرية ، هنا يلتقي الشباب بمن يحبون ، لم يكن الحب ممنوعاً عندهم ، فهم يعيشون للحب ومن اجل الحب ببساطة.الغريب كان الوضع بالنسبة لي فأنا ابن المدينة كنت أكثر تحفظاً منهم في مشاعري .
قلت لـ (عبدالكريم) مالذي جاء بك ايها السعيد المبتسم في هذا الوقت الى النبع . كانت وقت الظهيرة ، الجميع يركنون الى البيوت من شدة الحر، أبتسم بسحرغامض وعنفوان ورغبة في البوح ،لكنه لم يفعل ولم ينبس بكلمة ، لا يفهم هذه اللحظة إلا من كان له صلة بالقرية وبشباب القرية البسطاء الذين لا يملكون إلا الحب والدفء في قلوبهم . انتظر الاسمرالعاشق برهة من الزمن لا يستطيع أخفاء مشاعره الذي يثير قلقه ، نار يشتعل في دواخله ، غضب جامح ظاهرعليه، يركل بقدمه الأعشاب حول النبع . قلت له ألم تحضر اليوم في موعدها ، دون اي تفكير نظرلي بغضب عارم ، نعم إنها لم تحضر حتى يوم أمس .
وقف جافلاً امامي خائفاً مما قاله لرجل غريب . انه يعشــقها كالهواء وماء النبع ، تركته عند النبع وهو يسبح بعرقه وخياله وعشقه.
تجذرت علاقتي بـ عبدالكريم واهله لكننا افترقنا او فرق بيننا الاوضاع المزرية ، أكلنا وشربنا سوية (أكلنا الزاد والملح) ، افترقنا رغم عنا بسبب الظروف القاسية .
وتمضي السنين ، الشيب يغزو مفارقي والزمن ياخذ مني الصحة ، سمعت ان اهل القرية رُحلوا من ديارهم ، تمكن الشاب مع أهله عبور نهر سيروان الى الجهة الثانية بعد ان حرقوا قريتهم ودمر نبع العشاق ، لم يعد هناك نبع للعشاق.
سنوات كنت ورفاق الدرب نتحدث عن الثورة الطويلة الامد وتحرير الشعوب من الظلم والأضطهاد ، اقترب مني شاب في العشرين من عمره يبتسم مليء أشـــداقه وهو يقول هل تعرفني ، الحقيقة لم اعرفه ، لكنه أصر على معرفته لي ، ثم قال تتذكر يوم كنت تصطاد السمك وتشويها على القصب في بيتنا !!!
قبل ان يكمل كلامه قلت له نعم اتذكر ولا انسى تلك الايام ... أبتسم بكبرياء وقال انا عبدالكريم !! ...رحل والده رحل الدنيا ، التقيت باهله واخوانه الصغار الكبار اليوم . الشاب الاسمر بلحية وشارب كثيف ، يحمل بندقية كلاشنكوف على كتفه ، مؤمن بنيل الحرية بالتضحية والفداء ومستعد لهذه التضحية ، أصيب بجراح بليغة اقعده عن الحركة ، لكن روحه ما زال يحب ويعشق بما آمن به .

#شهاب_وهاب_رستم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات