|
الدين كمشكلة سياسية
الشريف ازكنداوي
الحوار المتمدن-العدد: 5918 - 2018 / 6 / 29 - 12:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تأليف: بول ديموشيل ترجمة و تعليق : الشريف ازكنداوي
عوض مواجهة السؤال "ما هو الدين"؟ مباشرة ، اقترح مقاربته انطلاق من الكيفية التي ينأى فيها الدين بنفسه عن نوع من الأنشطة ستُعتبر فيما بعد أنها دنيوية séculier خالصة. فلأن مثل هذا الالتزام (الجواب عن سؤال ما الدين) هو أكبر من أن يُقال في مقال قصير، فإني لا أقترح اعتبار إلا سمة وحيدة للحظة وحيدة في مسار الكنيسة والدولة أو، لكي تقال بكيفية دقيقة، لن نعتبر إلا بعدا من مرحلة المسار الذي أصبحت فيه السياسة دنيوية لدينا. حينما نسأل "ما الدين؟" نفترض بكيفية ضمنية، من خلال عبارة السؤال فقط أن الدين يشكل شيئا مقتضبا، شيئا objet متميزا عن الحقائق الاجتماعية الأخرى والتي نحن قادرون على تحديد سماتها traits المميزة. إن هذا الأمر صحيح حتى حينما ننطلق من مثال واحد. إن الخطر الذي يقض مضجع الباحث، هو الخلط بين الجزئي particulier والكلي ، وبناء صورة عن الدين انطلاقا من سمات مثال واحد. إن أخد السؤال بشكل غير مباشر من تحول للديني، من اختزال للمجال الاجتماعي الذي يشغله، لا يستلزم شيئا من هذا القبيل ، ولا حتى هذه العلاقة بين الكلي والجزئي، التي تفترض أن جميع الديانات هي أنواع من نفس الجنس. إن رؤية كيف يُعاد تعريف الدين في حالة جزئية، لأن هذا ما يتعلق به الأمر أيضا هنا، يجعل الإمكانية مفتوحة أكثر بين الدين وما بين ينفصل عنه، كما أنه يجعل الاتصال يكون كبيرا بحيث لا يجعلنا من النظرة الأولى نفترض هذه القطيعة. أخيرا، سيركز نفس النهج على الطابع الديناميكي للظاهرة الدينية، فهي تتأخر عن s’attardent تحولاتها أكتر من اعتبارها، كمعطى ثابت. إن المثال الذي اقترح معالجته هو علاقة الترابط articulation بين الدين والسياسة وكذا الفصل بين الكنيسة والدولة في اللفياتان لهوبس (1651). إن ما يجعل هذا المثال ذو فائدة أكثر من غيره، هو أن هوبس يعتقد حقيقة بعلاقة الترابط بين هذين المجالين، إنه لا يحصر نفسه بتعداد énumérer المزاعم المتقابلة المتناقضة للسلطة الدنيوية والكنيسة، بالقول أن أحداها مشروعة و أن الأخرى بدون أساس. يسعى هوبس بالعكس على فهم الرابط الضيق الذي وجد دائما بين السياسة والديني، إن الفصل بين الكنيسة والدولة يبدو له كحدث فريد في تاريخ الإنسانية، إنه مرغوب فيه وغير متوقع في نفس الوقت. لا يتعلق الأمر بالنسبة له إذن فقط ببيان لم يكون الشيء مشروعا، وإنما أيضا برؤية كيف يكون ممكنا، لكن الحل الذي يقترحه لهذا الأمر هو مفارق paradoxal بحيث تنكشف فيه إمكانية سياسة عقلانية خالصة (دنيوية)، كنتيجة لتحول الديني.
المشكل السياسي للدين
ما هو المشكل السياسي للدين؟ بالنسبة لمعاصر لهوبس ، إنها بشكل ملموس حينما تدخل أنظمة السيادة الدنيوية في صراع مع القوانين الإلهية. إنها معرفة هل يمكن بشكل مشروع خرق القسم serment السياسي أو هل على العكس، إنها معرفة هل يمكن بدون أدنى خطر على روحه طاعة ما أُمر به بالرغم من أن هذا يخالف معتقداته الدينية، أنها أيضا معرفة هل تخلص شخص مُصلَح réformé من التزامه السياسي اتجاه حاكمه الكاثوليكي، أو إنها معرفة هل يرتبط شخص ما sujet عن وعي بتبني ديانة سيده، لكنها أيضا هي اللايقين والفوضى التي تنشأ من عدم القدرة على إعطاء إجابات واضحة على هذه الأمثلة. لكن هوبس لن يحصر تفكيره في هذه المعضلات التي قسمت معاصريه. إنه سيبحث عن صياغة formulation أكثر عمومية وتجريدا للمشكل، صياغة تظهر فيها صراعات أوروبا الممزقة بالحروب الدينية كحالة خاصة. في كلا المعنيين للكلمة، معنى صعوبة الروابط بين السياسة و الدين الكونية ، إنها حالة خاصة بمعنى أن المشكل يتخذ هنا مميزات فريدة لا يتحصل عليها في أي مكان أخر. إن الدين حسب هوبس هو خاصية le propre إنسانية؛ من بين كل الكائنات، الإنسان هو المتدين الوحيد. إنها أكثر من ذلك أمر لا مفر منه. نحن بالضرورة دينيون. لكن من المناسب أن نكون أكثر دقة: إن ما هو ضروري حسب هوبس، ليست هذه الديانة أو تلك، و إنما العناصر الأولى للديني، المنبع الذي يخرج منه مختلف العبادات cultes والمعتقدات، إن الدقة مهمة. إنها تعني أن تحولات الديني ليس لها غايات، لا أهداف ولا حد لها terme قابل للتحديد assignable. بعض الديانات تختفي، فتعوضها أخرى، لكن الإحساس بالديني لا يمكن أن ينطفئ. هذا يعني أيضا أن المشكل السياسي للدين لا يمكن يحل بمحاولة إلغاء وهدم الدين. مثل هذه المحاولة هي محكومة بالفشل. يتميز هوبس في هذا عن لاحقيه الأنواريين الذين غالبا ما يُطابق بين موقفهم و موقفه من الدين. من الممكن أن يشكل الدين بالنسبة له خطأ، خرافة بدون أساس، لكن إذا كان الأمر كذلك، فإنه لا يتعلق إلا بخطأ خاص جدا، بمغالطة illusion ضرورية، بأفيونopium لا يمكن أن تُحرم منه الإنسانية. ما الذي يجعل من الدين هكذا أمرا لا مفر منه؟ يعترف هوبس بسببين الإحساس الديني. أولا القلق بمسألة المستقبل، التي هي مرتبطة بكوننا كائنات تنبؤية مستشرفة وذكية. ثانيا، الجهل بأسباب الخير والشر التي تقع لنا. إذا كان من الممكن لهذه الأخيرة أن تُختزل بواسطة العلم والحضارة، فإنه لا يمكن إلغاؤها بالكامل. إن الفكرة الألوهية تأتي من هذين السببين، المتعلق بكوننا كائنات خارقة قادرة على التأثير في ما يحتفظ به المستقبل لنا. لكن فكرة الإله والاعتقاد بالخوارق لا تشكل إلا العناصر الأولى للدين والنواة الأولى الجذرية indéracinable (التي لا أصل قبلها) المتأصلة لدى الإنسان على مدى العصور. لكن هدف مؤسسي الديانات، أولئك الدين حصَلوا cultivé العناصر الأولى للديني كان دائما الأمر نفسه، يقول لنا هوبس: جعل الناس أكثر قابلية لطاعة القوانين، لفعل الخير و للمجتمع المدني. ينتج عن هذا تحالف طبيعي بين الدين والسياسة. تاريخيا، كان الدين والسياسة دائما وفي كل مكان مرتبطين. يقول لنا (في الفصل السابع) أن الدين كان جزءا من السياسة، بينما كانت السياسة عند العبرانيين الأوائل جزءا من الدين. من النظرة الأولى، يمكن أن نظن أنه لا يمكن أن يكون هناك مشكل سياسي للدين. إذا كانت الكنيسة والدولة ترميان للوصول إلى نفس الهدف، الذي هو السلم المدني، أليست المؤسستين متكاملتين؟ من أين يأتي صراعهما؟ إن الجواب الأكثر بساطة، الذي لا يشير إليه هوبس، هو أن صراعهما يأتي من حيث أنهما لا يريدان تقاسمها. لكن هذه الإجابة متضمنة implicite في التحليل الذي يقوم به هوبس فيما بعد. في الواقع، إذا كان كل من الدين والسياسة يرميان لنفس الهدف، كيف لا يمكن أن تكونا كلتا المؤسستين مؤسسة واحدة؟ كيف لا يمكن للدين أن يُختزل إلى مظهر من مظاهر السياسة وأن لا تُستوعب السياسة بالكامل من طرف الدين؟ بكيفية أخرى، كيف يمكن للحل الذي أوجده الكلاسيكيون القدماء – المتمثل في كون الدين جزء من السياسة والحل الذي العهد القديم-المتمثل في كون السياسة جزء من الدين، أن يكون غير تابتين؟ إن ما يمنع الاندماج fusion الكامل للدين والسياسة، حسب هوبس، هو أن بنية الإيمان مناقضة للواجب obligation السياسي، إن السلطة السياسية والإيمان الديني يقيمان بين الناس روابط التبعية والخضوع غير المتوافق incompatible . إن محاولة توحيد هما في مؤسسة واحدة، هو خلق وضع غير مستقر، و هو زرع لبذور التمرد والثورة. إن كتاب اللفياتان لهوبس مقسم لأربعة أجزاء يعنون الجزء الأول بـ "عن الإنسان ، يعالج هذا الجزء، كما يقول لنا هوبس، مادة الاجتماع السياسي، الأفراد الذين يُركِبونه. يهدف هذا الجزء إلى وصف الطبيعة البشرية كما هي. يتحدث الجزء الثاني "عن الجمهورية" عن الاجتماع البشري كما يجب أن يكون؛ إنها تصف الجمهورية المثالية، تلك التي يمكنها تدوم دائما وليس تلك الجمهوريات التاريخية السريعة الزوال وغير المتناسقة التي عرفنا إلى غاية الآن. أما الجزء الثالث، المعنون ب "الجمهورية المسيحية" فيتحدث، بالرغم من اسمه، عن التأويل الصحيح للكتابات المقدسة ، أو إذا فضلنا القول، عن الدين المسيحي كما ينبغي أن يُفهم. لكن هذه الأخير، حسب هوبس، من تعاليمه enseigne أنه، لا توجد لأية سلطة إكليروسية eccléastique، وأن المسيح لم يترك أية سلطة سياسية لأتباعه، إنما على العكس أمرهم صراحة بالخضوع بدون تحفظ لحاكمهم السياسي. بمعنى أنه يبين بالمعنى الصريح، أنه ليست هناك جمهورية مسيحية لأن مملكة الاله ليست من هذا العالم. الجزء الرابع والأخير، "عن مملكة الظلمات"، يتحدث عن الدين كما فُهِم تاريخيا، بمعنى بشكل خاطئ. إنها تردد كيف تجاوزت البابوية بكثرة تأويلات الخاطئة سلطة المونارشية والامبراطور. بعد ذلك يبين هوبس كيف أنه في انجلترا ثم اختزال سلطة الكنيسة، ابتداء من القطيعة مع روما تحت حكم هنري الثامن إلى غاية اللحظة التي كَتب فيها هوبس كتابه والتي طالب فيها المستقلون بالتسامح الديني وبهدم دين الدولة. تنقسم إذن أجزاء الكتاب الأربع إلى مجموعتين، تُخَصص أحداهما إلى السياسة كما هي، أما الثانية فقد خُصصت لارتباط هذه الأخيرة بالمسيحية. تحتوي كل مجموعة على جزء معياري وآخر وصفي. إن فكرة الدين والسياسة كانتا دائما مرتبطتين بشكل ضيق في الفصل السابع من الجزء الأول، يتعلق الأمر إذن بتأكيد affirmation موضوع ما هو موجود ce qui est، بدون أن يُعرف في نفس اللحظة ماذا كان ذلك أيضا هو ما ينبغي أن يكون. نجد في الفصل السابع من نفس الجزء تعريفا لماهية الإيمان وبِم تتميز عن المعرفة. إننا حسب هوبس، نعرف شيئا ما حينما نقبل بقضية ما بسبب الحجج والأدلة التي تدعمها. إن المعرفة هي إذن أساسا علاقة بين قضية وبين ما هو كائن بوجود، وهذا العلاقة هي التي تُعَرف ما إذا كان شيئا ما معروفا أم لا. إن الإيمان على العكس، يستند على العلاقة بين الأشخاص، وهذه العلاقة هي التي تبرر الاعتقاد. إننا حسب هوبس، نعتقد ونومن بما لا نعرفه-لا أحد يحتاج للاعتقاد بما يعرفه-، وما نعتقد pensons، هو يعني بمعنى من المعاني، أننا لا نستطيع معرفته. إننا في الواقع لدينا القابلية للاعتقاد ببعض القضايا بخصوص هذه الأشياء التي لا نعرفها والتي لسنا قادرين على معرفتها، على سبيل المثال أصل العالم أو القدر الذي يحتفظ به المستقبل لنا. إننا نعتقد بهذه القضايا حينما نتعلم من آخرين الذي لدينا حيالهم سبب يدعونا للاعتقاد أنهم يعرفون أفضل منا والذين ليس لدينا حيالهم أي سبب للشك في أنهم يسعون لخداعنا، نجد أن هوبس في الفصل الثاني عشر من الجزء الأول يتطرق لأسباب التحولات الدينية، هذا ما يأتي ليؤكد تعريف الإيمان هذا؛ يقول لنا هوبس، إن أسباب إهمال دين أو تعريضه بآخر أربعة. الأولى، هي حينما تطلب ديانة ما من أتباعها الاعتقادات بأشياء غير ممكنة بشكل واضح. الثانية، وهي حين لا يتبِع الكهنة ما يشرعونه prêchent. الثالثة، حينما يفرضون على مريدهم ouaille واجبات والتزامات تصب في مصلحتهم الخاصة بشكل واضح. ويشكل عدم قدرتهم على القيام بمعجزات لتعزيز أقوالهم سبب آخر للتحول عن الدين. لكن من الواضح أن هذه الأسباب الأربعة تحيل جميعا على بنية الإيمان؛ يتعلق الأمر، في كل حالة، بأفعال أو أحداث تنزع من الشخص المعتقِد croyant الأسباب التي تدعوه إلى الاعتقاد بأن أولئك الذي يومنون بما يقولون أحسن منه أو أنهم لا يسعون لخداعه . ينتج عن هذه البنية العلائقية relationnelle للإيمان أن لا أحد يمكنه أن يكون ملزما على الاعتقاد. إن الإيمان لا يشكل واجبا obligation. ينبغي لهذا أن يفهم بمعينين. أولا، من غير الممكن إجبار شخص ما على الاعتقاد بشيء ما. بالنظر لبنية الإيمان، لا يمكننا أن نعتقد تحت الطب sur commande .ثانيا، ليس فقدان الإيمان أو تغييره خرقا transgression. إن هذا ليس شيئا غير مشروع البتة، لأن ما تغيره المعتقدات، ليس مسؤولا عن فقدان الإيمان. إن واجب الحفاظ على الديانة كما هي لا يستند على طاعة الأتباع ، بل على الكهنة، على أولئك الذين يخلقون إيمان الآخرين. إنه على عاتق القساوسة من تقع مسؤولية تجنب السلوكات الكفيلة بالطعن في أولئك الذين يدعون إلى الاعتقاد بهم. إن الإيمان ،يقول هوبس، هو نصيحة، ليس أمرا ordre. أولئك الذين يغيرونه أو يفقدونه، يقومون بذلك تحت التهديد والخطر، لكنهم لا يرتكبون أي خطأ، و لا أحد يمكنه لومهم على ذلك. أما بالنسبة الواجب السياسي فهو شيء آخر. أولا، إن العقد الذي يشكله لا يستند على الإيمان ولكن على المعرفة؛ إن ما يدفع الناس للخضوع للسلطة المطلقة للحاكم، هو معرفة الشر الذي إن ترك لهم، سيكونون قادرين على أذية se faire بعضهم البعض. بينما تجد فكرة الألوهية أصلها في جهل من أين هم الناس من أسباب الخير والشر الذي يقع لهم، فإن السلطة السياسية تظهر إلى السطح حينما يكشف الناس أن الشر الذين يقومون به فيما بينهم ينبع من غياب سلطة قادرة على الحفاظ على عنفهم. ثانيا، يشكل الالتزام السياسي واجبا obligation على الأشخاص sujet. لا يمكنهم أن يتخلصوا منه و لا أن يغيروه على هواهم. لا يمكنهم إلا بالغزو أو بفقدان الحاكم أن يتحرروا من الالتزام الذي اتخذوه. أكثر من ذلك، يمكن للناس أن يكونوا مكرهين على طاعة واحترام قسم الولاء allégeance. ليس هنا ما هو مستحيل أو متناقض. ثالثا، إن الحاكم، على خلاف القس، ليس له واجب تجاه أولئك الذين يجدون فيه توجههم. إن الحاكم، كما يقول صراحة هوبس في الفصل الثامن عشر، لا يمكنه في جميع الأحوال أن يُزجر sanctionné أو أن يُلام réprimandé من طرف الأشخاص التابعة له. إنه أحد المستفيدين bénéficiaire من العقد، لكنه ليس أحد الأجزاء المتعاقدة. ليس لديه تجاه الأشخاص أي واجب يمكن للنسيان أو التجاوز أن يُنهي أجله. أخيرا، فإن أقواله ليست نصائح، بل أوامر. أي رفض لطاعته هو خطأ. إن ثقل وعبئ الواجب السياسي هو إذن بالكامل من جهة الأشخاص. تتعارض بنية الإيمان والواجب السياسي في كل نقطة نقطة. قُدم لنا العقد في الفصل السابع عشر، في بداية الجزء الثاني. إن المشكل في شكله الأكثر عمومية هو إذن بين الإيمان كما هو والسياسة كما هي، إن المشكل السياسي للدين هو في هذا الفارق بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، بين الديانات الحقيقية والسياسة المثالية، إن الدين والسياسة هما دائما وفي كل مكان مرتبطين بشكل ضيق لأن الناس لم يفهموا أبدا لا طبيعة الواجب السياسي ولا طبيعة واجب الإيمان. لكن، عدم التوافق بين الإيمان والواجب السياسي، كما يبين ذلك التاريخ يُضعف الدولة .إنها تُخضع assujettit السلطة السياسية للآراء الدينية للناس. يُخضع الحاكم، الذي يكون رئيس الكنيسة، سلطته السياسية لتحولات المعتقدات الدينية للأشخاص sujet التابعين له. هذا ما حاول فعله، بدون شك، أولئك الذين حَصلوا العناصر الأولى للدين عبرالتيقن مما إذا كان ما يعتقد به الناس مناسبا للسلم المدني ولطاعة القوانين. لكن الإيمان متعلق خاضع sujette لمسار طبيعي من التحول ينفلت من قبضة الحاكم. تعرض السلطة السياسية نفسها ، بسعيها في محاولة إعادة الإعلان من قيمة القوانين الهيبة المقدسة، لبؤرة تغيرات لا يمكنها التحكم فيها. هذا هو المشكل السياسي للدين في شكله الأكثر عمومية.
التاريخ والغائية téléologie السياسية
يُرجع هوبس السلطة السياسية إلى توافق أولئك الذين يخضعون لها. في الواقع، إن هذا التصور للسلطة لا ينفصل عن فكرة التمثيلية، بمعنى أن سلطته هي بناء اصطناعي artifice لا ينبع من أي شيء آخر غير توافق الأشخاص sujets.هذا معناه أيضا أن سلطته ليست شيئا آخر غير تمثيلية اتفاق المواطنين. يتعلق الأمر هنا بنظرية دنيوية جذريا للسلطة السياسية. لكن من المفيد هنا أن هذه النظرية الدنيوية للسياسية تأخذ أصلها من الكنيسة. إن فكرة مشروعية وسلطة الحاكم التي تأتي من اتفاق بين الأشخاص sujet توجد أولا وبشكل منتظم لدى كتاب مثل سواريز وبلارمين. بمعنى عند كتاب يدافعون على تفوق suprématie الكنيسة ويعظون prêchent بتبعية السلطة السياسية للسلطة الدينية. يظهر الأصل الإنساني الخالص للسلطة السياسية لهم كوسيلة لتبرير مسألة أنه في مرتبة أدنى مقارنة بالدين. إنها علامة على مرتبته الأدنى. أولئك الذين على العكس، يؤكدون على أسبقية السلطة السياسية على الدينية، أو على الأقل استقلالها، مثل هوكر، فلمر أو جاك الأول في انجلترا، يصرحون بالأصل الديني للسلطة السياسية. بإخذهم بعين الاعتبار هنا لتقاليد "إمبراطورية" تعود على الأقل إلى القرن الثاني عشر، فهم يعترفون للحكام السياسي بتفويض investiture إلهى مستقل لا يمر عبر وسيط الكنيسة (أنظر ساكردوتي، 2002). إن هذا الرابط المباشر مع المقدس الإلهي divin هو الذي يؤسس السلطة السياسية وهو الذي يعطي المشروعية لإخضاع الكنيسة لسلطتها. إن خصوصية هوبس في هذا النقاش هو أن هذا المدافع القوي عن حقوق الحكام الدنيويين ضد انتهاكات الكنيسة يتبنى بشكل مفارق Paradoxalement في مسألة أصل السلطة السياسية مذهب أولئك الذين يعلنون بدنوه (بكونه في مرتبة أدنى) مقارنة للدين. لكي نفهم هذا الأمر، يجب أن نُدير اتجاهنا إلى الجزء الثالث للفياتان، الجزء الذي يتعلق بمسألة الدين كما ينبغي أن يكون. يدافع في هذا الجزء هوبس عن فكرة أن الدين المسيحي ليس سلطة وأنه لا يؤسس أية سلطة. في الواقع، إن هذا العجز impéritie السياسي للدين يوجد سابقا بشكل صحيح في العهد القديم. لأنه، يقول لنا، بأنه ليس الوحي الإلهي الذي أسس سلطة موسى على العبرانيين، بل على العكس، لأن هؤلاء كانوا خاضعين قبلا له سياسيا بحيث أنهم كانوا مرغمين على الاعتراف بكلام الإله في الوصايا التي أملاها عليهم. لا يمكن إذن أيضا لحُكم الديني théocratie أن يوجد داخل البناء الإنساني للسلطة السياسية. هذا الأمر هو أيضا صحيح لديانة تعظ بشكل واضح بمملكة ليست من هذا العالم. إن الدين، بالنسبة له، كما تركه لنا المسيح، لا يؤسس أية سلطة. لم يعط لأتباعه أية سلطة، وإنما فقط واجب تعليم الدين الجديد . إذا كانت الديانة المسيحية تتمتع أحيانا ببعض السلط، فإن هذا كان دائما بفضل الحاكم السياسي. ليس هناك إذن سلطة أخرى غير السلطة الدنيوية، وكل سلطة يمكن أن تكون لدى الدين تأتي من الدولة. هذا، حسب هوبس، ما تقوله الكتابات المقدسة حينما تفهم جيدا بخصوص العلاقات بين الكنسية والدولة. لكن في الواقع، هذا الحل يصطدم فقط من حيث المبدأ بحقيقة مختلفة عن معتقدات معاصيره وبموقف الخلط بين الميدانيين الذي أبان لنا التاريخ عنها. إذا كان المشكل، في الحالة العامة، هو التناقض بين السياسة كما ينبغي أن تكون، والإيمان كما هو كائن، فإن الصراع في هذه الحالة الخاصة يقابل بين الدين المثالي والموقف الوحيد الذي تعلن فيه العديد من الكنائس المسيحية، الكاتوليكية والبروتستانتية المُصلَحة reformés أسبقيتها على السلطة السياسية، كما أنها تحاول الحد امتيازات الحكم الدنيويين. ما هي وصايا recommandation الفيلسوف السياسي اتجاه هذا الموقف؟ بما أن المشكل السياسي للدين يجد أصله في مسألة المعتقدات الدينية للأشخاص sujets الذين ينفلتون من سلطة الحاكم، فإنه من الواضح أن هذا الأخير لا يمكنه أن يحاول حل الصعوبة بتحويل دين الأشخاص التابعين له ses sujets دون يقع في التناقض. مثل هذه المحاولة ليست حلا، لكن الاعتراف بهذا المشكل ليس له حل. لا يمكن للحاكم إذن إلا أن يذكر بأن كل سلطة فهي سياسية وأن يتشبث بالواجب المفروض على الأشخاص التابعين له ses sujets، بما فيهم رجال الكنيسة. لا يمكنه إلا أن يؤكد من جديد بأن سلطة الكنيسة، مهما كان وجودها، فهي تأتي من الدولة وأن الحاكم السياسي في نهاية المطاف هو الذي يقرر حول جميع الأسئلة سواء كانت روحية أم زمنية. لكن كيف أن يُطاع الحاكم السياسي إذا كان تابعوه sujet يعتقدون أن "كل سلطة تأتي من الإله"؟ إنه مثل القول بأن وصية الفيلسوف ليست واحدة (من الوصايا) وأن المشكل ينفلت من فهمه مثلما ينفلت من قبضة سلطة الحاكم. سيطلب هوبس من التاريخ وبالضبط من علم أديان théologie حل هذه المشكلة. سيؤول في الفصل الأخير من كتابه اللفياتان تاريخ الانجليز الذي امتزج فيه الدين بالسياسة، منذ الانفصال إلى غاية الحرب الأهلية التي كانت مازالت مستعرة إلى غاية اللحظة التي كان يكتب فيها، كعملية طويلة و صعبة بواسطتها تمكنت السلطة السياسية من تحقيق استقلاليتها تجاه السلطة الزمنية. تصور هوبس تاريخ انجلترا على غرار التاريخ المقدس كوسيلة تجسد بها كلام الا له، وبها أقيمت مؤسسات مطابقة للتأويل الصحيح للمسيحية التي يقترحها. يشكل التسامح الديني التي صرحت به الفروع البروتستانية المستقلة تحت سلطة كرومويل نقطة تتويج لهذا التاريخ لأنه وضع حدا لفكرة دين الدولة وتفرغ للفصل التام للسلطة الدنيوية عن السلطة الدينية للدولة (أنظر، ديموشيل، 2000). إن مفارقة هذا الحل، هو أنه يخضع ظهور سياسة دنيوية خالصة وعقلانية لتحول ديني، لتجذير الإصلاح. أكثر من ذلك، أراد هوبس أن يفهمنا أن هذا التحول الديني يوجهه الاله؛ من حيث أن المسيحية التاريخية أصبحت بالأحرى أشبه بالمسيحية من ناحية كمالها (نفس المرجع). ينتج عن ذلك أن الالوهية في نهاية المطاف تجعل من النظام السياسي أمرا ممكنا. بالرغم من أن كل سلطة فهي سياسية، حسب هوبس، فإن هذه السلطة لا يمكنها أن توجد دون حالة معينة من الديني تنفلت من فهمها juridiction. إن شرط إمكانية سلطة سياسية دينية، هو بعض (ص 243) المعتقدات الدينية لأصحابها، المعتقدات التي تبدو السلطة السياسية غير قادرة على مراقبتها. يعيد، من نظرة أولى، الحل المقدم من طرف هوبس العلاقة التي حسب لويس ديمون louis Dumont (1979، ص.397) تميز التراتبية: "شمل واحتواء النقيض « englobement du contraire ». يجعل الدين، الذي هو ليس سلطة، إمكانية وجود السلطة السياسية أمرا ممكنا. وهي بهذا المعنى أعلى منه. وما يمنع لذلك من إقامة تراتبية حقيقية بين الميدانين هو أن العكس ليس صحيحا. إن الدين ليس لذلك خاضعا لسلطة دنيوية في النظام السياسي. إن كليهما منفصل عن بعضه البعض. وهذا ما يفسر التحيز الهوبسي لصالح التسامح، ولصالح مذهب دين الدولة. إن قبول التسامح الديني هو تنازل لأجل لدِين مُمَأسَس يكون كذراع روحي للسلطة السياسية، لسلوك دين الدولة. لكن هذا لا يحل المشكل السياسي للدين. إن هذا يعيد قيادته فقط. لم يبق للحاكم فقط إلا أن يتصرف بحذر في موقف صعب لا يمتلك حياله أي خريطة موجهة.
العرضية contingence والمعرفة
يقال، أن هوبس بتفكيره على هذا النحو، لم ينخدع إلا في التاريخ la date. إن القناعات الدينية لمواطنيه، شيئا فشيئا، لم تتحول كما اعتقد. لقد فرض التسامح نفسه و الإنجليكانية توفقت أن تكون معتقد الدولة لكي تصبح فقط دينا من ضمن أديان أخرى. إن الحل الذي اقترحه شبيه كفاية بما جرى لدرجة يحق التساؤل إذا كانت قراءته للعلاقات بين الدين والسياسة لا تخفي أيضا دروسا لنا. (ص 244) إن الدرس الأول، على ما يبدو، هو أن الديني سوف لن يختفي. إن الديني بالنسبة لهوبس، ليس شكلا من التفكير أو من التنظيم الاجتماعي الموجه لكي يعوض بالعقل Raison أو بالتدبير العقلاني للمجتمع. إنه من الصحيح القول أن هوبس، مثل تابعيه من الأنواريين، يموضع الدين من جهة الجهل، ويتصور السياسة كنظام عقلاني ينبغي عليه الانفصال عنها، لكنه على خلافهم، يرى أن هذا الجهل لا يمكن تجاوزه. إن المنبع الذي تخرج منه الأديان لا ينضب. ستكون هناك دائما أنواع جديدة من الديني التي تظهر، بعضها يختفي والبعض الآخر يعوضها. أكثر من ذلك، إن الديني حسب هوبس هو أساسا عنصر دينامي للتحول الاجتماعي. في المقابل، تظهر له السياسة كقوة محافظة conservatrice للحفاظ على النظام. لدينا، على الأقل تقليد سوسيولوجي موروث من ماركس و دوركايم يميل أو يؤول تلقائيا لرؤية العكس، لرؤية الدين كشيء تقليدي ومحافظ، ويميل إلى الاعتراف في السياسة بالمجهود الواعي لتحول العالم الاجتماعي. استبق هوبس من جهته بالأحرى طوكفيل وماكس فيبر. أنه يعتقد أن ما يشكل شروط إمكان التحولات السياسية هي هذه الحركات العميقة الممتدة في الزمن التي تنفلت من رقابة الفاعلين agents والتي نتائجها غير مرئية مسبقا apriori. يشكل بالنسبة له الديني بامتياز شكلا، ويمكن أن يكون الشكل الوحيد الذي يعرفه، تلك الحركات التي لا يمكن تجنبها والتي هي غير قابلة لأن تراقب، التي تهدد البناء الهادئ للسياسة العقلانية. الدرس الثاني هو أن الدين والسياسة في أي مكان وزمان يشتركان في رابط ضيق و شبه غير قابل للفصل. لكن هذا الرابط بالنسبة لهوبس ليس عرضيا accidentel ولا ضروريا. إنه ليس ضروريا بما أنه يمكنه أن يُكَسر. إن المسيحية و بالخصوص الإصلاح الديني، بالنسبة لهوبس تفك الرابط بين الدين والسياسة، إن الدين المصلح reformée هو دين فرداني. إنه يضع الانسان بشكل مباشر في علاقته بالإله دون توسط الكنيسة. وإذا دفع به إلى حده الأقصى، فإنه يسمح لكل واحد بان يشرف honorer الاله كما يبدو له جيدا. هذا هو معنى التسامح عند هوبس. إن الفصل الجذري للكنيسة والدولة هو المؤسس السياسي الوحيد الموافق للدين الفرداني المبني على "فردانية المسيحي". لكن هذا الرابط ليس لذلك عرضيا محدثا accidentel لأن الدين والسياسة لهما تقريبا نفس الأصل المشترك. يأتي الدين من توجس من المستقبل ومن الجهل بأسباب الخير والشر التي تصيب الإنسان. أما السياسة فهي بالأساس تعلمنا أن الناس هي أسباب الخير والشر الذي يلحقهم. إن العقد السياسي ممكن حينما يعرف الناس أن خيراتهم وشرورهم الكبيرة هي يمكنهم فعلها لبعضهم البعض. إن مأسسة الحاكم هي إذن الوسيلة التي يتخذونها لحماية أنفسهم (ص 245) من بعضهم البعض. إن السياسة والدين كانتا دائما مرتبطتين لأن لديهما نفس الهدف: حل المشكل الإنساني للعيش المشترك ومشكل العنف. هذا التطابق في الهدف هو الذي يفسر أيضا صراعهما. لن يكون هناك إذن حل ممكن للمشكل السياسي للدين إلا بفضل ظهور دين مختلف، دين لا يُعد من بين باقي الأديان الأخرى. الدين الصحيح الوحيد للإله الصحيح. وهذا ما يعني أنه دين ليس من ضمن الأديان الموجودة. لا يهم هنا معرفة ما إذا كان هوبس مؤمنا أم لا؛ إن ما يهم هنا، هو تفرد وعرضية الموقف الجذرية التي لا يمكن أن يحد منها إلا علم أديان التاريخ. هذا هو الدرس الثالث لهوبس. إن الصورة التي يقدمها هوبس للعلاقات بين الدين والسياسة هي أسبقية الديني على السياسي. هذه الصورة التي تنمحي شيئا فشيئا لتصل إلى الفصل بشكل كامل. وبالتالي إن السؤال الذي يُطرح ليس معرفة ما هو الديني ولا فهم في أي شروط وكيف يمكنه أن يترك المكان لغيره. هل يتعلق الأمر بخروج حقيقي للديني؟ بالنسبة لهوبس، يتعلق الأمر بأحد تحولاته أخرى. بشكل جديد من الديني يتيح وجود سياسة دنيوية. لكن هذا الأمر يسمح بأن نفهم بأنه يمكن لهذه التحولات أن تكون مختلفة جذريا عن سابقاتها. إن خصوصية، أو بالأحرى غموض هذا التحول، هو لأنه يمكن أن يُرى إما كنهاية للديني، كاختفاء، وإما كنقطة وصوله، حقيقية المكتشفة أخيرا. لا يقترح هذا الغموض أن خروج الديني مستحيل، وإنما أنه في الزمن الذي كان يكتب فيه هوبس، هذا الأمر لم يتم بعد. لكي أختم، أود التذكير أنه توجد نظرية حديثة عن الديني تشبه في بعض ملامحها بشكل مذهل نظرية هوبس و تقدم نفسها هي أيضا كثمرة للتأويل الصحيح للمسيحية. هذه النظرية هي التي يقدمها روني جيرار René Girard في كتابه "العنف والمقدس" (1972) وبعد ذلك في كتابه "الأشياء المخيفة منذ تأسيس العالم" (1978) وفي العديد من المؤلفات منذ ذلك الحين. التجأ جيرار، مثل هوبس، إلى علم أديان التاريخ للأخذ بعين الاعتبار بخصوصيتها التاريخية. إنه يرى مثله، في الدين وفي السياسة وسائل لحماية الناس من عنفهم تجاه بعضهم البعض. إنه أيضا يظن أن الديني، أو المقدس هو أساسا عملية دينامية ، و هو كهوكار Hocart (1978)، يظنه أنه هو أصل كل المؤسسات الإنسانية. أخيرا، إن مقاربته تلقت نفس الغموض الذي عرفته مقاربة هوبس، إن حقيقة المسيحية المُصلَحة تشكل، بالنسبة له كما لهوبس شرط إمكان سياسة دنيوية خالصة، يشكل الوحي révélation المسيحي بالنسبة لجرار Girard شرط إمكانية انتروبولوجيته الوظيفية بشكل الجذرية للديني. يسمح هذا أيضا بفهم أن خروج الديني، إذا كان ممكنا، فهو أيضا ما سيأتي. ما يبينه لنا مقارنة بهوبس، بشكل واضح هو أن مسألة الخروج من الديني هي قبل كل شيء مسألة إبيستمولوجية، يتعلق الأمر بإمكانية علم بالديني.
المراجــــــــع
- DUMONT Louis, 1979,Homo hierarchicus. Le système de caste et ses implications ,Paris, Gallimard ,Tel. - DUMOUCHEL Paul, 2000, « The problem of religion : Hobbes’s reading of the Bible »,in STEWARTM. A. (sous la -dir-. de),English Philosophy in the Age of Locke ,Oxford, Clarendon Press, p. 1-27. - FILMERR., [1681] 1991,Patriarcha and Other Writings, Cambridge, Cambridge University Press. - GAUTHIER David, 1969,The Logic of Leviathan, Oxford - GIRARD René, 1972,La Violence et le Sacré, Grasset. – 1978,Des choses cachées depuis la fondation du monde, Grasset. - HOBBESThomas, [1651] 1994,Leviathan´-or-the Matter, Forme and Power of a Commonwealth Ecclesiastical and Civil, Edwin Curley, Indianapolis. (Trad. fr. parF. Tricaud : Léviathan ,Paris ,Sirey.) - HOCARTM., 1978,Rois et Courtisans, trad. M. Karnouh et R. Sabban, Paris, Seuil. - JORDANW. K., 1938,The Development of Religious Toleration in England, vol. III ,From the Convention of the Long Parliament to the Restoration, 1640-1660,Harvard University Press. - SACERDOTI Gilberto, 2002,Sacrificio e sovranità Teologica politica nell’Europa di Shakespeare eBruno, Turin, Einaudi. - SKINNERQuentin, 1978,The Foundations of Modern Political Thought, vol. II, The Age of Reformation, Cambridge, Cambridge University Press
تعــــــليق
يتناول هذا المقال الحيثيات التي يراها هوبس، تجعل من الدين مشكلة سياسية. إنه يصبح كذلك حينما تدخل القوانين الأرضية في صراع من نظيرتها السماوية. وهذا الصراع هو صراع على السلطة. إنهما يدخلان في الصراع لأن لهما نفس الهدف، وهو حل مشكل العيش المشترك والعنف. عموما لحل هذا الصراع يتطلب أربعة حلول لا خامس لهما. فإما أن يقصي أحدهما الأخر، أي أن يقصي الدين السلطة السياسية أو العكس، وإما أن يندمجا في بعضها البعض، وإما أن يغير أحدهما من صفاته لكي يصبح تابعا للأخر. إن الحل الأول غير ممكن، لأن الدين هو من طبيعة الإنسان، فهو مشكل أساسي لماهيته. وهو كذلك لأنه ينبع طبيعة الإنسان التي تتميز، كما يقول هوبس، دائما وأبدا بالقلق من المستقبل، و كذلك بالجهل بأمور الخير والشر. لذلك فكل حل ينحو نحو منحى إقصاء الدين سيبوء بالفشل. ولا يمكن أيضا إقصاء السياسية، لأنها تؤسس على المعرفة، المعرفة بما هو كائن. تنشأ السياسة من تواصل الفرقاء بطبيعة الإنسان والمجتمع إلى ضرورة الاتفاق فيما بينهم. وهذه الأسباب أيضا هي التي تجعل دمجهما مسألة مستحيلة. إن لهما بنية مختلفة، تبنى الأولى كما رأينا على الجهل، كما أنها تبنى على البنية العلائقية، أي علاقة الثقة التي تنشأ بين المريدين والأتباع. لذلك، فإن أي فقدان لهذه الثقة قد ينشأ عنه في الغالب إهمال للدين أو تغييره. أما الثاني فهو لا يتأسس على هذه البنية العلائقية، وإنما على المعرفة، على معرفة ما هو كائن. وما هو كائن هو أن الخير والشر أمر واقع، وأن الناس إذا تركت لبعضها البعض دون تفاهم فستهلك. هذا ما يجعل من الأول أمرا غير واجب، فلا يمكن إجبار الناس على الإيمان، وبالتالي، فإن فقدانه أو تغييره أمر مشروع. يصبح بهذا المعنى الدين مجرد نصيحة، إن شاء المرء أتبعها، وإن لم يشأ فله ذلك. أما بالنسبة للسياسة، فهو أمر واجب، إذ أن عدم الالتزام بها سيؤول إلى الفوضى. ولذلك فإن أقوال السياسي ليست نصائح، بل أوامر موجبة الإتباع. هذا ما يجعل من مسألة الدمج بينهما مسألة مستحيلة، فبنية الإيمان مختلفة في كل نقطة نقطة عن بنية السياسة. وهذا ما يفسر أن جميع محاولات الإقصاء وكذا الدمج بينهما باءت بالفشل. يبقى أمر رابع لحل هذا المشكل، وهو الرهان على الدينامية الدينية، أي تحويل وتحرير الدين لجعله تابعا للسياسة. صحيح أن الدين له أسبقية عند هوبس. بحكم كما رأينا أنها أصيلة في الإنسان، لكن هذه الأسبقية هي فقط روحية. يمكن، كما يرى هوبس، تحويلها لجعلها تابعة للسياسة، وقد بين هوبس ذلك بالاعتماد على قراءة التاريخ وكذا على علم الأديان. لقد وضح ذلك ببيان أن الدين لم يشكل أبدا سلطة سياسية، فقد كان دائما تابعا. وحتى إن تم له ذلك أحيانا، فإنه يكون بتفويض من سلطة سياسية. كما بين عن طريق تأويله للنصوص الدينية، أن الدين لم يعظ بأي سلطة سياسية؛ وإذا صودف أن وجدت في التاريخ سلطة سياسية دينية، فإنها لا تأتي إلا بعد خضوع سياسي. بين هوبس كيف ساهم هذا التأويل المعين للدين من تمكين السلطة السياسية من تحقيق استقلالها تدريجيا، بداية عبر مساعدة الدين السلطة السياسية في إقامة المؤسسات، ثم بعد ذلك تثبيتها وتوسيعها عن طريق إشاعة فكرة التسامح - التي هي الفكرة الأصلية للدين الحقيقي قبل أن يتم خرقها- التي تبناها شكل جديد من الدين تبنته البروتستانية. تبين من هذا الأمر كيف أن الدينامية الدينية من خلال التغيرات التي وقعت داخلها أصبحت ذراعا روحيا للسلطة السياسية، مما جعلها أمرا ممكنا. لكي نختم، و بناء على ما قاله هوبس، نقول أن الدين و الاعتقاد عموما هو شيء أساسي ملازم للإنسان، قد يقزم أو يختزل من طرف العلم و الثقافة إلى أشكال متعددة، لكنه أبدا لن يختفي. لن يختفي لأن كلا محدديه لا يمكنهما أن يختفيا. يتعلق الأمر بطبيعة الإنسان الاستشرافية والجهل. فالأول هو سر بقائه و سر تميزه عن باقي الكائنات، فإن ألغي ألغي الإنسان. أما الثاني فهو صفة ملازمة للإنسان. إن الإنسان مهما بلغ علمه، فسيبقى جاهلا. قد يُختزل لكنه أبدا لن يختفي. ربما هذا هو سر وجوده و سر ما آل إليه من تقدم، فهذا الأمر هو ما يجعله يتميز بكونه لا يركن إلى وضع معين. لكن رغم هذه الأسبقية الروحية للدين، فإنه لا يجب أن تكون له أسبقية سياسية، بحيث يجب عليه أن يكون دائما منفصلا عن السلطة السياسية و تابعا لها في نفس الوقت، و إلا فإنه سنكون تحت تهديد السقوط في فخ المشكل السياسي الديني.
#الشريف_ازكنداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أرسطو و النظريات ما قبل سقراطية حول المعرفة
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|