هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 5918 - 2018 / 6 / 29 - 11:30
المحور:
الادب والفن
وقفت كما قلت لكي أعدل أطراف اللوحة المائلة , فشعرت بيد أبي الضخمة تمسد على رأسي
تجاهلت تلك الحركة الغريبة التي لا تصدر عن الجنرال أبدا
ولكن في داخلي إنتابني شعور خاطف من سعادة وفرح ,
من ذلك النوع لا يمكن وصفه و شعرت بالإمتتان
لقد كنت بحاجة لها , نعم إعترف بذلك , لقد كنت بحاجة لتلك اللمسة الأبوية
لو يعرف الآباء ,كم هي مؤثرة فينا تلك الحركات لما حرمونا منها
وتساءلت كالعادة وأنا أكتب مقالا بعنوان
لما يخجل الشرقي من إبداء عواطفه !
في الحقيقة لم يفعل ذلك أبي عفويا , إنا من تحركشت فيه مساء تلك الليلة
لقد اقتربت منه و أمسكت يديه , شعرت بأنه جفل واهتز , ولكني أبقيت يداه بيدي لأطول فترة ممكنة
كنت ما أزال تحت تأثير الحلم المخيف , حلما لا أتذكر تفاصيله , ولكني أتذكر إن والدي كان جدار حماية لي
لقد كان يتلقى الرصاصات عني يتلقاها بصدره الضخم , نعم لقد تذكرت الآن
كيف كان يصدها عني وهو يبتسم
كم هو جميل أن يكون لك أب يحميك و يدافع عنك و يعرف ماذا تريد قبل أن تقوله
لذا إستغل أبي فرصة إقترابي منه لكي يمسح رأسي المبلل بيديه الخشنتين المثقوبتين .حيث يوجد بيده ثقب لرصاصة ضلت طريقها إلى يده , بدلا من الذهاب للجهة المقصودة كما كان يبوح ضاحكا وهو يرمي بحكمه ونصائحه عن حروبنا المجنونة
يقول والدي : لقد كانت مخاسرنا أكثر من أرباحنا , وهذه حقيقة الحروب الغير معلنة
فالحرب تأكل منك ولا تطعمك تسرقك ولا تهبك شيئا
في النهاية لا يوجد خاسر و لا رابح
الكل خاسر
ويتابع موضحا لكل دمعة صبية في يوم عرسها ولا تجد يد والدها لتقدمها لزوجها لأنه ذهب وقودا للمعارك الخاسرة
لكل أم فقدت ولدها في المعركة , ونزلت ترثيه بدموعها ,فهي شرارة لعنة لابد أن تأكلنا يوما ما
فكل غصة يستشعر بها يتيم لا يجد أباه يوم العيد ليقدم له العيدية لأنه خسره في الحرب ستقف تلك الغصة لكي تحاربنا و تأكل منا قطعة من السلام الذي حاربنا من أجله فخسرناه
كانت تلك عظات أبي لذلك اليوم ,كلمات جنرال محارب شهد معارك العراق جميعا وخبر الموت و الحياة و مات في ساحة الحرب في عمق دبابة في وسط الصحراء فجرها بوش وأعوانه من حزب الشيطان و تذكرت صراخ إختنا زينب وشهقة رياض المتتابعة و دمعة سميحة الحارة و إنهيار أمي و سقوطها على الأرض , عندما جلب الجيش جثة ابي و وضعها في وسط الغرفة لكي نراها لدقائق ثم لفها بالعلم العراقي وأخذها معه حيث لا نعرف و لا يعرف العراقيين اين تدفن جثث موتاهم في زمن حرائق بوش المجرم و غلمانه
ولذلك كتبت في دفتري اليومي وأنا ما زلت مفتونا بملمس يد أبي على شعري
لا يمكن أن يحل السلام في أراض مدمنة على الحروب
لا يمكن أن تكون الحروب عادلة
ولا يمكن لها أن لا تحدث
هذا جزء من قانون الحياة الذي يعتاش على الحب والحرب معا
أليس كذلك يا ابي !
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟