أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهند طلال الاخرس - عندما ينصفك التاريخ















المزيد.....

عندما ينصفك التاريخ


مهند طلال الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 5917 - 2018 / 6 / 28 - 22:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عندما ينصفك التاريخ

قديما قالوا : لا يموت من يقطن التاريخ، وقالوا ايضا: ربما لم تنصفك الدنيا، لكن الاكيد أن ينصفك التاريخ».
ليس بالأمر الهين أن تجد نفسك فجأة تسير في الاتجاه المعاكس للجماهير وتتكلم بفهم مغاير للنهج السائد والفهم العام، وليس من السهل وابواب الموت مشرعة امامك على مصراعيها ان تحدث الناس عن اسباب البقاء وهم يرون لك كل اسباب الفناء.
الجماهير هنا قد تصاب باليأس والاحباط ويسكنها ابشع انواع القنوط وهي في هذه الحالة تكون مستعدة لسحقك دون النظر لهويتك ومكانتك وتاريخك.
وفي أحيان كثيرة، تجد نفسك مخيرا بين أمرين أحلاهما مر: إما أن تغير اتجاهك حتى تساير التيار فتنجو بنفسك، ولكن على حساب قناعاتك، أو أن تواصل طريقك غير عابئ بحسابات الموت او الحياة ، فتقبل مصيرك على أمل أن ينصفك التاريخ. وهذا كان دائما ديدن التاريخ مع الرائد والقائد وحامل السراج والنبي والرسول، وإلاّ من اين لنا الحكايا وقصص البطولة ومن اين تأتي الرموز وكيف تولد الاسطورة.

عندما أستولى فيليب المقدوني على أثينا ( اليونان ) ووصل إلى إسبرطة بعث لهم برسالة يقول فيها ( لدى أفضل جيش في العالم ، وقد أخضعت كل اليونان ، أستسلموا لأنه ( إن ) أحتليت إسبرطة بالقوة ، فسأقتل جميع الأحياء فى المدينة وأحرق زرعكم وأدمر المدينة كلها )، فأجابوه بأقصر رسالة حربية عرفت في التاريخ حتى وقتنا هذا ( إن ).

ليپا راديچِ شيوعية يوغسلافية كان عمرها فقط سبعة عشرة عاما عندما وقعت في الاسر بعد ان حملت السلاح ضدّ القوات النازية الألمانية، وعندما علّقها ضابط "الگوستابو" على حبل المشنقة
قال لها : سأسألك لآخر مرة، اذا أخبرتني عن اسماء خليّتك التنظيمية وكشفت عن شبكتهم فسوف أنقذ حياتك. فأجابته: ستعرف أسماء رفاقي عندما يأتون إليك للانتقام لموتي!!

أثناء اعتقال عمر المختار في السجن الايطالي أراد المأمور رينسي وهو السكرتير العام لحكومة برقة في أن يُقحم الشارف الغرياني في موقف حرج مع عمر المختار فأبلغه بأن المختار طلب مقابلته أي الغرياني وأن الحكومة الإيطالية لا ترى مانعًا من تلبية طلبه.
وعليه ذهب الشارف الغرياني إلى السجن لمقابلة عمر المختار وعندما التقيا خيم السكوت الرهيب ولم يتكلم المختار فقال الشارف الغرياني مثلًا شعبيًّا مخاطبًا به المختار "الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل"، وماكاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدة إلى الشارف الغرياني وقال له: "الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، وسكت هنيئة ثم أردف قائلًا: ربِ هب لي من لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو تلقين، أنني أومن بالقضاء والقدر، وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله، أنني متعب من الجلوس هنا فقل لي ماذا تريد؟
وهنا أيقن الشارف الغرياني بأنه غرر به فزاد تأثره وقال للمختار ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك فقال المختار كالجبل الشامخ، أنا لم أطلبك ولن أطلب أحدًا ولا حاجة لي عند أحد، ووقف دون أن ينتظر جوابًا من الشارف الغرياني، وعاد الغرياني إلى منزله وهو مهموم حزين وقد شعر بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته، ولما سُئل الشارف الغرياني عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر، كان جوابه بيتان من الشعر:
عليه ثياب لو تقاس جميعها بفلس ٍ.... لكان الفلس منهن اكثر
وفيهن نفس لو تقاس ببعضها ....نفوس الورى كانت أجل وأكبر

وفي اثناء المحاكمة ايضا طلب الحاكم العسكري الايطالي من عمر المختار ان يعتذر ان افعاله حتى يحصل على حكم مخفف بعد الهزيمة؛ فأجابه عمر: "نحن لا نعتذر ولا ننهزم؛ نحن نننتصر او نموت".

وفي 5 تموز عام 1920 أوفد فيصل مستشاره نوري السعيد للقاء الجنرال الفرنسي غورو في بيروت، فعاد السعيد إلى دمشق في 14 تموز عام 1920 مزودًا بإنذار عرف باسم "إنذار غورو" وحددت مدة أربعة أيام لقبوله، وشمل خمس نقاط وهي:
١قبول الانتداب الفرنسي.
٢التعامل بالنقد الورقي الذي أصدره مصرف سورية ولبنان في باريس.
٣الموافقة على احتلال القوات الفرنسية لمحطات سكك الحديد في دمشق وحمص وحلب وحماة.
٤حل الجيش السوري وإيقاف عمليات التجنيد الإجباري، ومحاولات التسليح.
٥معاقبة من تورط في عمليات عدائية ضد فرنسا.

جمع الملك فيصل وزرائه لتداول الأمر فيما بينهم، فكان رأي الكثيرين منهم النزول عند مطالب غورو ومهادنته وقبول الإنذار ، وهنا برز الموقف التاريخي لوزير الحربية يوسف العظمة الذي عارض قبول الإنذار بشدة وحاول بكل الوسائل ثني الملك فيصل عن الاستجابة لتهديد الفرنسيين بحل الجيش العربي السوري، وبعد أن يئس من تغيير رأي الملك أنشد عليه بيت الشعر الشهير للمتنبي:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدمُ

وبالرغم من قبول الحكومة السورية للإنذار والعدول عن فكرة المقاومة، وقبول مطالب الجنرال غورو، وارسال الملك فيصل خطاباً إلى الجنرال غورو بالموافقة على الشروط وحل الجيش، وعلى الرغم من كل ذلك بدأت القوات الفرنسية بالزحف بإمرة الجنرال غوابيه (بأمر من الجنرال غورو) باتجاه دمشق في تاريخ 24 تموز عام 1920 بينما كان الجيش العربي السوري المرابط على الحدود يتراجع منفضًا، ولمّا سُئل الجنرال غورو عن هذا الأمر أجاب بأن برقية فيصل بالموافقة على بنود الإنذار وصلت إليه بعد أنتهاء المدة.

لم يكن أمام أصحاب الأنفة والشهامة والغيرة الوطنية والذي يعون دورهم في صفحات التاريخ إلا المقاومة حتى الموت وكان على رأس هذا الرأي وزير الحربية يوسف العظمة، الذي عمل على جمع ما تبقى من الجيش مع مئات المتطوعين والمتطوعات الذين اختاروا هذا القرار واتجهوا لمقاومة القوات الغازية الفرنسية الزاحفة باتجاه دمشق، وقد أراد العظمة بخروجه أن يحفظ لتاريخ سورية العسكري هيبته ووقاره، فقد كان يخشى أن يسجل في كتب التاريخ أن الجيش السوري قعد عن القتال ودخل المحتل عاصمته دون مقاومة، كما أراد أن يسجل موقفاً أمام الشعب السوري نفسه بأن جيشه حمل لواء المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي منذ اللحظة الأولى، وإن ذلك سيكون نبراساً للشعب السوري في مقاومته للمحتل، فقد كان يدرك معنى قول المتنبي:
من يهن، يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميت ايلام

وعند اجتياح اسرائيل لنهر الاردن بهدف القضاء على الفدائيين وقواعدهم في الاغوار وبالذات في بلدة الكرامة في آذار من عام 1968 نُصح ياسر عرفات من القريبين والبعيدين ومن الاخوة الاعداء بعدم صوابية فكرة المواجه وعدم جدواها خاصة ان كل جيوش الدول العربية لم تلبث ان هزمت مجتمعة امام اسرائيل قبل ثمانية شهور في نكسة حزيران 1967، هذا ناهيك ايضا عن النصائح بعدم قدرة الافراد اصلا على مواجهة الدبابات بسلاح فردي، فأجاب : "نطعم لحومنا لجنازير الدبابات ولا نستسلم".

وليس هذا فحسب؛ فعند اجتياح اسرائيل للبنان في عام 1982 للقضاء على الثورة الفلسطينية بدأت النصائح العربية تنهال على الرئيس ياسر عرفات ناصحة إياه بعدم جدوى المواجه مع اسرائيل وبأنها مواجه حتما خاسرة وأن من الاجدى الحفاظ على قوات الثورة والقبول بشروط اسرائيل بالرحيل عن لبنان، فما كان من ياسر عرفات إلا أن إجتمع بكافة قيادات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية ،فوضع الجميع بصورة التطورات وبحجم الضغوطات، فكان من الجميع ان وضعوا القرار بين يديه وحده، فاستأذنهم لدقائق وطلب ان يختلي بنفسه ليصلي ركعتين، وعندما فرغ من صلاته خرج عليهم قائلا : "هبت روائح الجنة".

بوسع بعض الكلمات والقليل من الذكريات تحفيز الناس على التفكير دوما بكثير من المواقف التي تبقى في التاريخ نبراسا وتغدو نهجا حتى وإن رحل اصحابها بنتيجتها او هزمو في حينها جراء تمسكهم بها. لكن على كل حُرٍ ان يكون على يقين ان ما تراه هزيمة اليوم سيكون اول خطوات النصر غداً. هذا طالما آمنت ان الحق احق ان يتبع، وطالما عرفت ان دولة الظالم ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة وأن الايام دول
وان تؤمن بقول الحق جل وعلا "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" وقوله تعالى:" وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا".

اذ ان أكبر القضايا في الحياة يمكن تفكيكها لتكون شخصية ومجرد خيارات فردية، لأنه في آخر المطاف الفرد هو المسؤول عن قراره والفرد هو الذي يبني قيم المجتمع ومبادئه وهو ايضا من يخُط لها اسباب البقاء او الفناء. المهم ان يدرك الفرد دوره في التاريخ وان هذه الصفحات التي تكتب ستكتب بما تُمليهِ انتَ عليها، فأنت تختار بين ان تتركها بيضاء فارغة او أن تُفرغ عليها كل ما أوتيت من علم ومعرفة وعنفوان . لذلك قالوا قديما: لا يموت من يقطن التاريخ.



#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يتكلم الشعراء!
- حتى أنت يا بروتس!
- النسيان
- يوميات حصار بيروت، جميل هلال
- مصطفى ذيب خليل -ابو طعان-
- خالد وابو خالد؛ الخطأ والخطيئة
- خليل الجمل، اول فدائي لبناني في الثورة الفلسطينية
- رسالة تشبه الوصية
- هوية تحت راية الحرية
- المجموعة 778 رواية للكاتب توفيق فياض
- مرافىء الذاكرة، حوار مع بهجت ابو غربية..سليم النجار
- دير ياسين؛ المجزرة التي انجبت ذاكرة وجامعة
- مدينة الله .. رواية لحسن حميد
- عندما يعود الشهداء!!
- المَثل الشعبي الفلسطيني
- إقرأ
- آذار
- لماذا نحب الجزائر أكثر؟!
- الهوسة
- بغداد


المزيد.....




- الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي ...
- إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
- طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
- صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
- هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
- وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما ...
- حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر ...
- صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق ...
- يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مهند طلال الاخرس - عندما ينصفك التاريخ