أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - نصوص القسوة. . رواية جديدة بنكهة مسرحية















المزيد.....

نصوص القسوة. . رواية جديدة بنكهة مسرحية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5915 - 2018 / 6 / 26 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


تحتاج الكاتبة الإماراتية باسمة يونس إلى دراسة نقدية متأنية لأكثر من سبب، فهي تكتب القصة القصيرة، والرواية، والنص المسرحي، والمقال الصحفي، وأكثر من ذلك فهي تمتلك قصب السبق في كتابة النص الروائي النسوي في الإمارات، إذ أصدرت عام 1990 رواية "ملائكة وشياطين" التي عدّها النقاد ومؤرخو الأدب أول رواية نسوية إماراتية. وعلى الرغم من أهمية الروايات التي أنجزتها لاحقًا مثل "لعلهُ أنت" و "حتى آخر الشهر- حكايات يناير" إلاّ أن روايتها الأخيرة التي تحمل عنوان "نصوص القسوة" الصادرة عن اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات في "أبو ظبي" هي الأكثر إشكالية من رواياتها الثلاث السابقات من ناحيتي الشكل الجديد، والاختزال المضموني إلى حدّ التقشّف والاكتفاء بثيمة واحدة وهي "القسوة" التي ستتوهج على مدار النص الروائي بدءًا من مُقتَبَس ابن القيّم الذي يقول فيه:"ما خُلِقت النار إلاّ لإذابة القلوب القاسية، فإذا قسا القلب، قحطت العين" حتى الصفحة الأخيرة من الرواية التي لم يغادر فيها المُخرج قسوته المعهودة في اتخاذ القرار المتعلق بالموافقة على النصوص التي كتبتها المؤلفة أو رفضها جملة وتفصيلا. وأولى أشكال هذه القسوة هو تغيير شكل الرواية المتعارف عليه في ذهن القارئ، وخلخلة قُدرات النص المسرحي إلى درجة معيّنة لا تسمح بمسخِه أو تشويه معالمه الأساسية. تُرى، هل ستنجح باسمة يونس في اجتراح نص سردي جديد يجمع بين الرواية والمسرحية ليفضي، في خاتمة المطاف، إلى نص أدبي مُهجَّن يتلاقح فيه السرد الروائي بالتقنيات المسرحية المستدعاة من أزمنة مختلفة؟ وإذا نجحت الروائية في اجتراح هذا النص السرديّ المهجّن فهل سيكون بإمكانها تحويل القسوة إلى مشاعر حُبٍ غامرة تغدقها على الشخصيات التي تعرضت إلى قسوة مُجحفة في كثير من النصوص المسرحية في العالم؟
تتكون بنية النص الروائي من ثلاثة عشر مقطعًا سرديًا وأربعة نصوص مسرحية وجدت طريقها بين المقطعين الثاني عشر والثالث عشر وكأن الروائية توحي لنا بأنها ذوّبت النصوص المسرحية الأربعة وحوّلتها إلى مادة سردية طريفة، فعلى الرغم من قسوة الأفكار الواردة فيها إلاّ أن جديدها صادم ومدهش، فلأول مرة يلعب المؤلفون أدوار البطولة في نصوصهم المسرحية، وأنّ الشخصيات المُضطهَدة والمقموعة التي تعرضت للقسوة ستُحاسب المؤلفينَ الأربعة على قسوتهم الأبدية، فما هو مكتوب على الورق قد ترسّخ في أذهان الناس ولا أحد يمتلك الحق أو القدرة على تغيير مصائر هذه الشخصيات. أولى هذه النصوص هو نص "عُطيل وديدمونة" الذي كتبه وليم شكسبير عام 1603م ، وهو يدور حول الحُب، والغيرة، والخيانة ولا تجد حرجًا في ملامسة النَفَس العنصري قدر تعلق الأمر بالجنرال المغربي الذي أحبّ ديدمونة وتزوجها ثم أزهق روحها بسبب الغيرة القاتلة الأمر الذي يدفع بالشخصيات الرئيسة لأن تقاصص شكسبير وتطرح عليه عددًا من الاسئلة الاستنكارية عن الأسباب الكامنة وراء دفعهم لارتكاب جرائم من قبيل السرقة، والتآمر، والخيانة الزوجية، والقتل وما إلى ذلك. فعُطيل يقتل ديدمونة، ثم ينتحر، وياغو يخون صديقه عُطيل، وإميليا تأخذ المنديل وتخون صديقتها من دون قصد حين تعطيه لزوجها "ياغو" وتكون سببًا غير مباشر في ارتكاب الجريمة ثم يأتي رد شكسبير واضحًا لا غُبار عليه وهو أنّ النص يحتاج إلى قسوة ومن دونها فإن الفشل سيكون حليفه "لو كان الجميع متصالحين متحابين ومتعاطفين". والأمر الوحيد الخارج عن إرادته هو أن بعض المترجمين قد يتلاعبون ببعض الكلمات، أو يحاولون تخفيف القسوة في بعض المواضع التي يعتقدون أنها تلقى قبولاً لدى المتلقين الذين يتفاعلون مع النصوص المسرحية، ويتماهون في أجوائها المأساوية. كما نخلص إلى القول بأن المآسي تستفز الآخرين ولا تسعى إلى إمتاعهم بحسب شكسبير نفسه الذي يعتقد بأنه أقل قسوة من كُتّاب آخرين.
تُشعرنا الروائية باسمة يونس عند الانتقال إلى النص المسرحي الثاني بسلاسة السرد وعذوبته وكأننا نتابع نسقًا روائيًا متدفقًا خاليًا من العَثَرات، وهكذا نجد أنفسنا أمام مسرحية "موت بائع متجول" التي أنجزها آرثر ميلر عام 1949م ليضعنا بمواجهة ثلاث ثيمات أساسية وهي الصراع بين الأجيال، والحُلُم الأميركي، والانتحار الذي يتسيّد فيه القسوة التي أظهرها المؤلف ليبزّ بها قسوة شكسبير في غالبية أعماله المسرحية. لا شك في أن الانتحار فكرة صادمة تشدّ انتباه المتلقين وتضعهم في دائرة الخوف والهلع كما أن الأب "ويلي" لم ينتحر نتيجة لذنب اقترفه أو جريمة ارتكبها وإنما لأن ولده لم يحقق أحلامه بالنجاح، إذ فشل في درس الرياضات وتخلّف عن أقرانه. ثمة أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهن الأب "ويلي" من بينها: لماذا أقدمَ على الانتحار وفرّ سريعًا من المواجهة؟ لماذا أقام علاقة مع موظفة الاستقبال في فندق بمدينة بوسطن؟ ولماذا تزامنت هذه العلاقة مع وصول ابنه "بيف" الذي قَدِم دون سابق إنذار؟ لا تلقى هذه الأسئلة إجابات مُقنعة لأن الكاتب المسرحي يبحث عن الصدمة والإثارة التي يُسببها لمتلقّيه، ولا يمكن بالنتيجة محو حبكة درامية تعبِّر عن حجم القسوة التي فرضتها الحياة على الأب "ويلي" الذي خان زوجته، وخذل ابنه "بيف" الذي رفض أن يكون رجل أعمال، فيما سار "هابي" على خُطى أبيه ليصبح بائعًا متجولا.
تأخذنا الروائية في نسقها السردي إلى "أوديب ملكًا" لسفوكليس التي جُسِّدت على خشبة المسرح أول مرة عام 429 ق.م لتزجّنا في موقف درامي لا نُحسد عليه، فهذه المأساة معروفة في مختلف أرجاء العالم حيث يقتل أوديب أباه، ويتزوج أمه، ويُنجب منها أشقاءه الأربعة، وحينما يكتشف فعلته النكراء يسمل عينيه، ويهيم على وجهه في البريّة. أما ردّ الكاتب على أسئلة الشخصيات فيمكن إيجازه بفكرة واحدة مفادها:"أردت أن أُري العالم معنى القسوة والوحشية"، ولكي يخفف من غلواء شخصياته المفجوعة تذرّع بأنه كتب النص في زمن الأساطير والخرافات والنبوءات التي كانت رائجة آنذاك.
أما المسرحية الرابعة "جثة على الرصيف" التي كتبها سعدالله ونوّس عام 1964 بلغة مُرّة لاذعة فهي تصور معاناة الفقراء والمعوَزين بسبب قسوة أسيادهم الإرستقراطيين الذين يمثلون أدوات السلطة في مجتمعاتنا العربية. كلا الشخصيتين في النص المسرحي تحاكمان المؤلف، فالجثة تسأل عن سبب تحويلها إلى مجرد جثة، و "أسامه" يسأل عن سبب تحويله إلى مشرّد على الرصيف الكائن أمام منزل رجل ثري يعاملهم بكل ما أوتي من قسوة ووحشية وفظاظة فيأتي ردّ ونوّس بأن "الإلهام سيد الكتابة" وكأنّ المؤلف لا دور في الإبداع، ثم يطلب منهما الكفّ عن الجدال لأن كل ما يُقال لا طائل تحته.
كان ردّ المخرج على هذه النصوص المسرحية التي ينوي إخراجها مُحايدًا، وقاسيًا قسوة المؤلفين السابقين الأربعة على شخصياتهم المُختلَقة التي تعيش في ذاكرتنا منذ الأزل، وسوف تبقى معنا إلى الأبد، لأن النصوص القاسية، كما تذهب الروائية، هي التي تصمد كلما تقادمت الأعوام.
خلاصة القول إن "نصوص القسوة" هي رواية تجريبية جديرة بالقراءة لما تنطوي عليه من تحطيم للبنية التقليدية، وتجاوز السرد الخطي، والاعتماد على تقنيتي الاسترجاع والاستشراف الزمنيين اللذين استعانت بهما الكاتبة لتجديل الثيمات المسرحية في النص الروائي.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحولات الاجتماعية وأساليب السرد في الرواية الإماراتية الحد ...
- حدود مُتداخلة . . رواية بوليسة عراقية
- ضفاف أمستل: مُشاهدات من المسرح الهولندي
- بيت السودان . . رواية المكان بعدسة شيئية
- الصرح الترجمي للدكتور علي جواد الطاهر
- التشكيلية روان العدوان تستلهم أعمالها الفنية من لآلئ الصحراء
- استنطاق التاريخ وتطويعه في رواية حُب في ظلال طاووس مَلَك
- الحالة الحرجة . . رواية تمجِّد البطل المُغترِب، وتُقارع السر ...
- لماذا أحبّ القرّاء شخصية عمّو شوكت في رواية -ساعة بغداد-؟
- حرب الكلب الثانية. . مصير الإنسان في ظل التطورات العلمية
- زهور تأكلها النار. . . رواية ترصد الإرهاب القديم بعين معاصرة
- أمواج . . . سيرة ذاتية جريئة أثقلتها حروب القائد المتعالي
- باسم فرات. . . جوّاب المدن، وعابر المفازات البعيدة
- الحلقة السادسة من مسابقة شاعر المليون
- التورية والمجاز البصري في تجربة الفنان التشكيلي عبدالكريم سع ...
- الفنان سعد علي يخلّد الحُب في حديقة الحياة
- ساعة بغداد . . رواية تخالف توقعات القرّاء
- تعويم الزمان، وطمس المكان في رواية -بيت البحر- لفاطمة الناهض
- تيريزا أكاديا . . ومغامرة الحُب المستحيل
- أفلام السيرة الذاتية بين الالتزام الحرْفي والتعاطف المُعلن


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - نصوص القسوة. . رواية جديدة بنكهة مسرحية