|
الأمسية الثانية للأفلام اللبنانية القصيرة 2018
علاء موفق رشيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5914 - 2018 / 6 / 25 - 19:59
المحور:
الادب والفن
الأمسية الثانية للأفلام اللبنانية القصيرة : أربعة أفلام سينمائية تجريبية
نظمت (الجمعية اللبنانية للسينما المستقلة ميتروبوليس سينما ) الدورة الثانية من ( أمسية الأفلام اللبنانية القصيرة ) ، والتي تضمنت عرض أربعة أفلام لبنانية تتراوح سنوات إنتاجها بين العامين 2016 – 2017.
الفيلم الأول كان بعنوان ( متوسط، 7 د) للمخرج طلال خوري. بدأ طلال خوري عمله في التصوير في العام 2006، وقد حقق العديد من النتائج المتميزة مع عديد الأفلام التي شارك في صناعتها، عرف منها مؤخراً فيلم تعاونه مع المخرج ( زياد كلثوم ) بعنوان ( طعم الإسمنت ) الذي نال العديد من الجوائز الدولية. في فيلمه القصير الأول بعنوان ( 9 آب ) نال جائزة التحكيم في مهرجان دبي السينمائي، واليوم يعرض تجربته الثانية في الإخراج في فيلم (متوسط ) من إنتاج مؤسسة بدايات للإنتاج السينمائي العام 2017. يهدي ( طلال خوري ) فيلمه هذا إلى : ( اللاجئين الذين يعبرون البحر، هرباً من موت للقاء موت آخر )، والفيلم تجربة وجدانية شعورية يعيشها المتلقي بصرياً وسمعياً بين لقطات تحققها الكاميرا على سطح بحر الهجرة ، أي المتوسط، وتحت مياهه.
يموضع المخرج طلال الكاميرا في زوايا ومنظورات تحاول ما أمكنها أن توصل المشاهد إلى لحظات من الطفو والغرق فوق الماء وتحته، كأنها محاولة لمعايشة تجربة الغرق التي يعايشها العشرات والمئات من المهاجرين بين ضفتي البحر المتوسط ،البحر الذي يحمل الفيلم اسمه عنواناً. متلاعباً بحركة الكاميرا وسرعة اللقطات. يدمج المخرج في هذا الفيلم بين المتعة البصرية التشكيلية التي تكونها اللقطات، وبين تجربة القلق والخوف وإنعدام الأمل بالنجاة التي يعايشها الغارقون في مياه المتوسط، ورويداً رويداً يخلق المخرج بين الموج المتكرر على الشاشة إيحاءاً بالأجساد الغارقة سواءاً تلك التي تطفو فوق سطح الماء أو تلك التي تغوص في العمق تحت السطح.
تبتعد خيارات المخرج في إلتقاط الجثث الغارقة في البحر عن الواقعية، بل هي تحاول ما أمكنها أن تستخرج الجماليات البصرية من حالة جثة غارقة أو جثة مستسلمة لحركة المياه التي ابتلعتها، فاللقطات بالإضافة إلى خيارات المونتاج توضح المحاولات التي سعى إليها المخرج بالدمج بين رهبة الموت والجثث الغارقة، وبين الإحتمالات الجمالية التي توّلدها حالة متابعة جثة غارقة سينمائياً. الفيلم الثاني للمخرج ( وليد مونس )، وهو بعنوان ( الجفت، الواوي، الذئب، والصبي، 2016 )، بما يقارب العشرين دقيقة، وبالأسلوب السينمائي الذي حملته إلى السينما المعاصرة جماليات السينما الإسكندنافية، ينجح المخرج وليد مونس في تطبيق جمالياتها وإسقاطها على الواقع اللبناني، حيث صور الفليم في بدلة بسكتنا في منطقة المتن – لبنان. الفيلم يروي حكاية أخوين استعارا بندقية صيد والدهما من دون علمه، وأطلقا النار على واوي كان يغير على دجاجاتهما. وعند معرفة الأب بالحادثة، وبعد أيام قلائل تكتشف العائلة أن الطفلين قد قتلا ذئباً بدلاً من الواوي، وذلك بعد أن تغير مجموعة من الذئاب على الدجاجات وتنتقم بالفتك بالعديد منها.
تسعى الحكاية البسيطة للفيلم إلى إظهار مدى الأذى الذي قد يتسبب به الإنسان في حال تدخله في دورة الطبيعة، فالعقوبة التي ينزلها الطفلين بالواوي تنقلب عليهم بالوبال حين يخطئان الحيوان ويستنتجان مما جرى لدجاجاتهم بأنهم عرضة للإنتقام من قبل قطيع من الذئاب، ورغم بساطة القصة إلا أن الإمكانيات التي يظهرها المخرج في خيارات زوايا الكاميرا، اختيار الكادرات، وتقطيع لقطات السيناريو توشي بموهبة سينمائية قادرة على سرد قصص أكثر تعقيداً، وعلى تحقيق أفلام بسيناريوهات أكثر كثافةً على مستوى الحدث، وأكثر عمقاً على مستوى رصد المشاعر الإنسانية التي يبرع فيها المخرج في هذا الفيلم.
تالياً، تم عرض فيلم ( 95 أوكتان ) للمخرج ( فرانسوا يزيك )، وهو من 23 دقيقة ومن إنتاج العام 2017. تخرج فرانسوا يزبك حديثاً من معهد الدراسات السمعية البصرية في جامعة القديس يوسف. وفيلم (95 أوكتان ) الذي يعرض في هذه الأمسية هو فيلم التخرج الذي قدمه في الجامعة حسبما صرح المخرج قبل بداية عرض الفيلم. يستعير المخرج في هذا الفيلم أسلوبه السردي وجمالياته السينمائية بالكامل من أسلوب المخرج السينمائي المتميز (دايفيد لينش )، وهو يروي علاقة حب بين ثنائي مراهق، أودت بهما إلى أن تحمل الفتاة طفلاً في أحشاءها لا ترغب بالتخلص منه، مما يؤدي إلى مجموعة من الأحداث تودي بنا في نهاية المطاف إلى جريمة قتل يرتكبها العاشق تجاه أنثاه.
مجريات الفيلم تروي أحداث الحكاية بطريقة رجعية، فالمشهد الأول في الفيلم يتكرر في نهاية الفيلم، ويجري شرحه وكشف ملابساته للمتلقي مع مشهد الختام. هذه الإستعارة أو التطبيق المنهجي لأسلوب ديفيد لينش السينمائي قسم الآراء حول الفيلم بين أولئك الذين لم يروا في الفيلم سوى مجرد محاولة لتقليد أسلوب المخرج الكبير ديفيد لينش، وبين آخرين وجدوا في هذه القدرة على تحقيق فيلم سينمائي بمواصفات مخرج متميز كديفيد لينش ميزة تحسب للمخرج اللبناني الصاعد.
المخرج فرانسوا يزبك لم يستعر فقط جماليات ديفيد لينش البصرية من أسلوب الإضاءة، اختيار زوايا الكاميرا، وحتى في عملية المونتاج، بل أيضاً استطاع أن يحقق حكاية تروى بروح سيناريوهات ديفيد لينش المتميزة والخاصة، مما يوحي بمخرج قادر على تحقيق أهدافه بدقة، وقادر التحكم بالعناصر العديدة التي تشكل العالم الجمالي السينمائي من حيث الصورة وسرد الحكاية.
الفيم الأخير بعنوان ( تشويش، 26 دقيقة ) من كتابة وإخراج ( فيروز سرحال). عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان لوكارنو السينمائي العام 2017، وعرض ضمن فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة. . يستعيد فيلم ( تشويش ) بلقطات وزوايا تصوير سينمائية بانورامية لمدينة بيروت موضوعة قديمة – جديدة وهي استمرار الحياة اليومية وتفاصيلها في مدينة اعتادت الهجمات وأصوات القصف والطيران.
تجري أحداث الفيلم في اليوم الأول لمونديال كأس العالم لكرة القدم، حيث نتابع سكان المدينة في مناطق مختلفة من بيروت وهم يعدون جلساتهم، ويهيئون تلفزيوناتهم والراديوهات لإستقبال صفاة المباراة الأولى من المونديال، كما أننا نتابع تفاصيل لحياة يومية أخرى من قصص عشق تجري على أسطح الأبنية، ألعاب أطفال تجري أمام الكاميرا في الطوابق العلوية للأبنية، وحالة ثنائي من كبار السن يشربون قهوتهم اليومية متنقلين في متابعتهم بين التلفاز وأغاني القديمة عبر الراديو. وفجأة، تهدر أصوات محركات طائرات، وتبدأ أصوات أعيرة نارية وقصف صاروخي يطال مناطق لا نراها ولا نلمح أثرها ولكنها قريبة ولاشك من مكان مجريات الفيلم ومؤثرة على المناطق التي تصورها الكاميرا.
رسالة الفيلم الأخيرة تبدو واضحة حيث أن سكان المدينة يتابعون حياتهم الومية، فتكتمل الحكاية العشقية الجارية على السطوح، ويكمل ثنائي كبار السن قهوتهم وتمتعهم بأغنيات أيام زمان، والأطفال يتابعون اللعب بالدراجة الهوائية وبأحواض السمك بإشارة تحمل معنيين، الأولى تشير إلى حيوية الشعب ورغبته في الإستمرار في حياته اليومية وتفاصيل متعته، والثانية تدين الإعتياد المستمر لأهالي المدينة لأصوات الطائرات الحربية والقذائف الصاروخية، كل ذلك نراها بكاميرا تختار مواقع صعبة وبانورامية للأحداث، فكل مجريات الفيلم تجري في الطوابق الأخيرة من الأبنية وعلى أسطح العمارات العالية وأحياناً المثيرة للإهتمام بكيفية الحصول عليها.
الأمسية اللبنانية للألإرم القصيرة فرصة جدية تتيح لهواة السينما ومحبيها التواصل مع أفلام المبدعين المحللين، والتعرف على أعمالهم التي يغلب عليها الطابع التجريبي مما يجعلها عصية على المشاهدة ضمن عروض السينما التجارية والجماهيرية.
علاء رشيدي
#علاء_موفق_رشيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- إيروتيكا - باللغة العربية
-
عن الفنون الفردية السورية وآليات إنتاجها بين عامي 2012 – 201
...
-
فيلم - الآن: نهاية الموسم -، محطة المهاجر بين البياض والماء
-
مسرحية (صاحب الصورة المشهورة ) : تماهي المتلقي بين المنقذ وا
...
-
المغامرة السريالية
-
القصة القصيرة الروسية الساخرة
-
رحيل منظر المفاهيم السردية الأساسية
-
مسرحية (صاحب الصورة المشهورة ) : تماهي المتلقي بين المنقذ وا
...
-
فيلم - الآن: نهاية الموسم -، محطة المهاجر بين البياض والماء
-
مسرحية الإعتراف : الموت والعذراء في الراهن السوري.
-
Haven For Artists : ملاذاً للفن والفنانين.
-
القصة الروسية الساخرة
-
المغامرة السريالية
-
القراءة والقارئ صور في البلاغة الأدبية - فيليب دايفيس
-
النماذج البدئية واللاوعي الجمعي - كارل غوستاف يونغ
-
الجنس في الإسلام لقاء مع فتحي بن سلامة
المزيد.....
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|