كاظم حبيب
الحوار المتمدن-العدد: 1498 - 2006 / 3 / 23 - 09:53
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تؤكد أساليب وأغراض قوى الإرهاب الشريرة الفاعلة في العراق إلى إنها تسعى إلى إنزال أكبر الخسائر البشرية بالشعب العراقي عموماً وبالكادحين منه بشكل خاص. فغالباً ما تتوجه ضرباتها إلى تجمعات العمال الساعين للحصول على فرصة عمل لإشباع حاجات عائلاتهم الفقيرة, أو تتوجه إلى الأسواق الشعبية حيث التجمع السكاني لمختلف فئات الشعب الكادح للتسوق اليومي, أو إلى محطات نقل الركاب حيث يحتشد الناس. إن هذه الأفعال الإجرامية تجسد طبيعة هذه القوى العدوانية وحقدها الدفين على الإنسان العراقي الذي لا يدين لها بالولاء ويرفض أفعالها الدنيئة ويسعى للخلاص منها. وأنها تستهدف تأكيد عجز الحكومة على ردعها وإيقاف عملياتها واعتقال المتسببين والمساهمين فيها والممولين لها. وهي تسعى بعد كل هذا وذاك إلى إشاعة الفوضى والخراب في البلاد. وهذه السياسة الخائبة تعبر عن ثلاث حقائق جوهرية, وهي:
• أن هذه الجماعة تعيش الاغتراب الكامل عن الشعب العراقي وطموحاته وحاجاته, بغض النظر عما إذا كانت قوى عراقية أم من خارج العراق, فالأشرار يوجدون في كل مكان وزمان.
• وأنها فقدت الأمل في الوصول كلية إلى السلطة, وبالتالي ما عاد يهمها قتل الناس وتدمير الاقتصاد والمنشآت المختلفة وإشاعة الكراهية ضدها لأفعالها الإجرامية. فمن يريد أن يحكم العراق لا يقتل البشر فيه ولا يدمر بنائه أو يحطم حضارته.
• وأنها ترى بأن الكفاح ضدها لم يعد قاصراً على سكان مناطق الوسط والجنوب بل امتد ليشمل شمال وغرب بغداد وكل العراق أيضاً, أي حتى تلك المناطق التي كانت تتزود منها بالناس والسلاح والدعم والتغطية أو حتى الاحتضان.
وهذا يؤكد أنها أصبحت تواجه الشعب كله, رغم المصاعب التي تواجه المجتمع في المرحلة الراهنة. ومن هنا نشأ الإحباط لدى هذه القوى الدموية. وغالباً ما يدفع الإحباط النفسي والسياسي والاجتماعي إلى عمليات جنونية وانتحارية تأخذ معها الكثير من البشر وتحاول بها إثارة النعرات الطائفية والأحقاد بين الناس ضحايا العمليات الإرهابية. وهذا ما حصل أخيراً. سواء بالتفجير الإجرامي لقبة مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري أو تفجيرات الثورة التي أدت إلى قتل وجرح عشرات الناس من نساء وأبناء العوائل الكادحة في مدينة الثورة (الصدر حالياً) البائسة التي يهيمن ويخيم عليها العنف.
إلا أن الإرهابيين, وهم يقتلون الناس الأبرياء في مختلف أرجاء العراق يتوجهون بشكل خاص صوب اصطياد غنائم كبيرة ومهمة جداً ورفيعة القدر في أوساط الشعب العراقي, ولكن من السهل الوصول إليهم, إذ لا حماية لهم. لقد أصبح العلماء والأكاديميون والإعلاميون وكل العاملين في مختلف أجهزة الإعلام العراقية والعربية والأجنبية أهدافاً مباشرة وسهلة لقوى الإرهاب الصدامية والزرقاوية وغيرها. فقد استشهد حتى الآن على أيدي قوى الإرهاب الشريرة أكثر من 250 أكاديمياً (89) أستاذا جامعياً, وباحثاً علمياً واختصاصياً, إضافة إلى استشهاد أكثر من 40 صحفية وصحفيا.
لم تمر سوى فترة قصيرة على استشهاد الصحفية العراقية السيدة أطوار بهجت وزميلها المصور على أيدي إرهابيين مجرمين اعتادوا القتل كمهنة جديدة اختارها لهم أسيادهم من الجزارين العاملين في أجهزة الإرهاب الصدامية والزرقاوية وغيرها, حتى سقط للشعب شهيدان جديدان من قناة العراقية, هما أمجد حميد وزميل له, إضافة على استشهاد السيد محسن خضير, رئيس تحرير ألف باء البغدادية. كما سقط شهيد ثالث هو الأستاذ الدكتور علي مهاوش, عميد كلية الهندسة. ويبدو أن مسلسل الاغتيالات اليومية سوف لن ينقطع بسهولة ما دامت الدولة العراقية الجديدة تعيش في فوضى عارمة وعجز حكومي كامل عن مواجهة الإرهاب.
إن القتل الموجه ضد الصحفيات والصحفيين في العراق يعتبر بمثابة رسالة خائبة إلى أجهزة الإعلام العراقية والعربية والأجنبية تؤكد ثلاث مسائل, وهي:
• أن الإرهابيين يشعرون بثقل أجهزة الإعلام عليهم من خلال نقلهم المحايد لردود فعل الناس على أفعالهم الدنيئة للعالم كله.
• وأن الإعلاميين لم يعودوا يخشون الموت ويتوقعونه في كل لحظة, رغم حرصهم وحبهم للحياة ورغبتهم في البقاء والعمل في المهنة التي اختاروها.
• وأن الغالبية العظمى من الصحفيات والصحفيين ترفض الابتزاز والوقوف إلى جانب الإرهابيين وأفعالهم الإجرامية الشريرة, كما تفعل بعض القنوات والصحف العربية وبعض مراسليها الذين يشوهون الحقائق ويحثون بل ويحرضون على الصراع والنزاع والاقتتال الطائفي في العراق.
والتقدير العام يشير إلى أن قوى الإعلام ستكون هدفاً سهلاً من أهداف قوى الإرهاب لأنهم يبحثون عن الحقيقة في كل مكان وأنهم موجودون دون حماية أو غطاء مناسب, وهو شأن العلماء والأكاديميين أيضا. والتقدير العام يشير كذلك إلى أن الحكومة العراقية وأجهزتها ولأسباب كثيرة, بما في ذلك الاختراقات, عاجزة حتى الآن عن توفير الحماية الضرورية للشعب العراقي عموماً وللعاملات والعاملين في أجهزة الإعلام والجامعات والبحث العلمي.
ما أن سقطت الشهيدة أطوار بهجت وزميلها في أعقاب جريمة سامراء حتى أكد المسؤولون العراقيون أنهم سوف يعملون بمثابرة وجدية من أجل الكشف عن الجناة, وأنهم سيضعون حداً للإرهاب الدموي الذي وصل أخيراً إلى حي منطقة الخضراء أيضاً بقتل أمجد حميد وزميل له وترويع الناس بالرمي العشوائي علناً. إن تصريحات رئيس الحكومة لم ترعب الإرهابيين ولم يصدقوها لأنها لا تصدر عن قدرة فعلية لمواجهة هذه القوى الشريرة ولأنها كلمات جوفاء في غالب الأحيان, كما لم تبث في صدور الضحايا أجواء الأمن والثقة بقدرة الحكومة على تنفيذ وعودها بإحلال الأمن والاستقرار في العراق!
إن ما يحصل في العراق يفوق تصور الإنسان السوي أيها السيد رئيس الوزراء والسيدات والسادة الوزراء, أيها المسؤولون من أعلى مركز في الدولة إلى أخر منصب فيها. إن ما يجري في العراق كارثة بل كوارث لا يمكن أن تحصل دون وجود أجهزة إرهابية مجرمة داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة, وتمارس نشاطها الإرهابي بحماية الدولة, وأشك بأنها لا تعرف بذلك أو ببعضه الكثير. إنها الطامة والمصيبة الكبرى أن يفقد العراق يومياً الكثير من مواطناته ومواطنيه ومن حملة مشاعل الحرية والكلمة الحرة. إن الإرهابيين, هذه الموجات من الجراد الأصفر المسموم, أسسوا بنيتهم التحتية وخلقوا لهم قنوات اتصال وتعاون وتنسيق مع أطراف في أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية, وخارجها وخارج العراق أيضاً. إنهم مدربون جيداً وعلى أيدي أجهزة صدام حسين السابقة, إنهم أتباع الجزار صدام حسين وبن لادن والزرقاوي, وهم يمارسون أعمالهم بكل حرية دون عوائق تذكر تهدد خطوطهم بالتوقف أو الارتداد. وبدلاً من أن تكون لنا أجهزة في وزارة الداخلية تمارس نشاطها بشكل فعال وحيادي, تنبثق عنها فرق الموت السيئة الصيت, فهل في مثل هذه الأجهزة يمكن وضع الثقة, حيث يذهب من أتباع وزارة الداخلية وأجهزتها الكثير من الضحايا أيضاً.
وفي الوقت الذي يقتل الصحفيون والعلماء لأنهم يساهمون بنقل الحقائق إلى الشعب ولأنهم غنائم سهلة, يتابع الشعب بانزعاج وقلق شديدين الصراع السياسي الدائر في الساحة السياسية العراقية وعجز القوى السياسية عن إيجاد مخرج من الأزمة الراهنة, فهل حقاً لا توجد أزمة سياسية في العراق غير تلك التي بين قوى الإرهاب والمجتمع, كما ادعى السيد رئيس الوزراء بعد اللقاء الذي تم بينه وبين السيد رئيس الجمهورية؟ هناك أزمة حقيقية في السياسة العراقية وفي ما بين القوى السياسية العراقية, هناك أزمة ثقة أيضاً, وأزمة تجسد الرغبة في الهيمنة على الحكومة وسياساتها وفرض رئيس وزراء غير مقبول من غالبية القوائم العاملة في العراق ومن نسبة تصل إلى النصف ناقصاً واحد في صفوف قائمة الائتلاف العراقي الموحد.
إن حل الأزمة لا يوقف الإرهاب كلية ودفعة واحدة, إلا أن استمرار الأزمة ينشط قوى الإرهاب ويزيد من قتل الناس الأبرياء, إذ أنهم يعتقدون وكأنهم يقتربون من أمل السيطرة على العراق, وهو كابوس حلم رهيب لن يصلوا إليه ولن يتحقق, في حين أنهم يقتربون من النهاية التي ستكون على أيدي الشعب وعلى أيدي حكومة وحدة وطنية قوية وقادرة على إعادة الثقة إلى نفوس الناس وإلى رفع استعداد الناس إلى مزيد من التعاون معها لضرب الإرهابيين في سائر أرجاء العراق.
# كاظم_حبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟