أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - العائلة الحمراء..















المزيد.....

العائلة الحمراء..


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5911 - 2018 / 6 / 22 - 02:00
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة.
...........
لم تكن الحياة آنذاك، كما الآن، تسير ببطء وبتثاقل. ليس لأن ما كنا نحتذيه بالأمس، حذاءً من الجلد، واليوم ننتعل أحذية من خشب، إنما لأن قياساتنا هي من تتغير بين الأمس واليوم، وكأننا أجمعنا أن سرد ما نعانيه من ظروف واخطاء في حياتنا، هو أشبه بمن يخوض حتى الحزام بالوحل، فما هي الجدوى في أن ننتعل أو نخوض بأقدام عارية؟.
وليس لأن الناس لم يعودوا يبالون بغيرهم. لكن النفوس التي تعاني من القسوة والمفاجأت الغليظة، لم يعد لديها الوقت لمشاركة من يعاني الاخطار والفخاخ، لطالما أن العديد منا هم أولئك الذين يعطونها استسلامهم الاعمى.
كانا في جلستهما تلك يشعران بمنتهى السأم، وعلى وشك أن يبكيا. أشياء كثيرة كانت تعوزهما ليتذوقا طعم تلك المفاجأة التي يعدانها، في حالة لو غديا في تلك الليلة الموعودة وحدهما في البيت.
كانا عاجزين عن التعبير عما بهما. وربما يجهلان المعنى الحقيقي لما يعتمل في قلبيهما. كل منهما لديه الشجاعة أن يفعل أي شيء في تلك الليلة التي سيكونان فيها وحدهما. وكل منهما يشعر بأنه سيقوم بتلك المهمة التي سيقطعان بها حبل الصمت الوقور، على خير ما يرام.
" حياة " بعد أن اطمأن قلبها، وأن عليها من الآن أن تجهز نفسها لساعة الموعد الذي سيحل بعد ثلاثة أيام، انضمت لأختيها اللتين جلستا للطعام بغير شهية.
كانت هي الأكثر عزوفا عن المشتهى. كانت تفكر بتلك الليلة التي يمكن قضائها معه عندما يختليان. ولكونها كانت تعد نفسها لقضاء ليلة مع حلم آتٍ، ستنساق معه في ساعة من الانسجام قبل أن يهتدي النوم إليها.
أما " " نبات " الأخت الوسطى والتي أصبحت بدينة وغير مبالية بما يحصل لأختيها " حياة " وللأخت الصغرى " جليلة "، وكما تفعل بنات جنسها في العادة، فقد بدت مستغرقة في التفكير عن الكيفية التي تخفف فيها من وزنها الزائد وعن حجم الألم الذي تعانيه لأنها فقدت الكثير من اعجاب الآخرين بها، وليس غير زوجها " حسن " الذي تحول من صبي وراعٍ لأغنام أبيها " فهد الأحمر " قبل وفاته، ومن ثم لزوجها حين يهجع للنوم بعد عودته مباشرة من عمله المرهق كـ " خلفة " بناء. حتى لا أحد يدري هل كان يوليها ظهره في الفراش، أم يأخذها سريعا قبل أن ينام؟. لكنها ما كانت تخفي مثل هذه الأمور عن بعض النساء ولا عن بعض الرجال أحيانا، عندما تحب أن تشكو حالها لهم.
" نبات " في الغالب الأعم، كانت تكتم الأمر على وجه الخصوص، عن شقيقتها الكبرى "هيلة" المرأة الجميلة، والتي تسكن لحسن الحظ، في بيت مستقل عنهن، ولأنها الأكثر حظوة بالأثرة والإثارة من أخواتها الثلاث، بقوامها الجميل الأهيف وملاحة وجهها الاصهب الأنثوي الداعر، وكيف كانت تعتني بميلان " جرغدها " الاسود على جانب من رأسها لتترك بعض من خصل شعر رأسها المائل للحمرة، بائنا، مما تزيد من كثرة الرجال حولها من غير خشية من أحد، أو لومة لائم. ولا حتى خوفاً من زوجها مفوض شرطة المرور، أو أخيها " فيصل " الأكثر شبها بأبيه. الذي كان هو الآخر، طويل القامة مهيب الطلعة، بوجهه وجسمه ذو البشرة الصهباء المنمشة، وبشعر رأسه الأحمر. والذي منح لنفسه، هو الآخر، حياة خاصة، بعيداً عن أخواته الاربع، مع زوجة وثلاثة أطفال. وكما لظروف كثيرة واسباب كانت سائدة يومها، اختار أن يكون شيوعياً.
" حياة " هي المرأة التعسة التي تجهل ما تخبئ بقلبها غير الألم. وأن لا أحداً سواها، يعرف سر هذا التانغو المُشَبعُ بثقل المناخ.
تأخذ المدينة نصيبها من الراحة ليلا، وحين يهجع سكانها للنوم، وحتى يبدو الفجر وشيكا، عندها يستسلم جسدها للنوم. وتشعر بأن الأرق قد حط أخيرا من على ظهرها، تلك السلال المملؤة بالأفكار والفرضيات الثقيلة.
كانت على دراية بأنه الوحيد من تلجأ إليه في أي فرصة، وتشعر أن لا حجة من أن تفي بوعدها له. في الليلة المُتفق عليها، ستذهب أمه مع أختيها " نبات " وجليلة لزيارة ضريح " العباس " وهي ليلة السابع من عاشوراء. عندها ستنتزع منه الاعتراف بما ستقدمه من جميل وجداني وعاطفي. وأنها ستعترف بجميله عليها أيضا حين ينتزعها من فكي تمساح معاناتها.
كم كانت تؤمن بأنه من تلك الطينة الطيبة التي تعمل من أجل الوئام بين الاجناس. وأنها ما كانت لتطلب منه، في تلك الليلة، لحظة ينتشلها من غرق الوحدة، غير ان تتنهد بين يديه.
تجعلها سعادة غير منظورة، وهي تسمعه يقول تلك الاشياء الثمينة:
ـــ " يا ألهي، ..
اشعر كأن المطر
يجعلني كالطفل،
وبذهن رجل
ممتلئ باللبن
والشعور المتقد .
كلما وصلت لأسماعها عنه من أخبار وشائعات وقصص مقلقة، كانت على دراية تامة، أن ما يحمله في رأسه، ورغم الخطورة والخوف عليه، يجعلها تلوذ من كل اسباب القلق والسكينة، إلى الايمان به كلية. وهنا يتغلب عشقها له.. ويصل إليها بنعومة. كان إيمانها به هو الأشد حضورا في قلبها.
عندما قصت عليه قصة انفصالها عن زوجها، وعاشت لا هي بالمطلقة ولا هي بالزوجة، عامين كاملين مع أختيها وزوج أختها الوسطى. كانت تشعر حين يختليان معا، بأن بعض الأمل قد عاد إليها، وأنها ستتغلب على ألمها الغليظ الذي يجثم على صدرها، ومن احساسها بالهجران خصوصا في ساعات السهر المضني وهي تتقلب في الفراش وحيدة.
كانت على ثقة انه حتى لو لم يكلمها عن افكاره السياسية كثيرا، فهو يتمتع بقدرة عجيبة ومدهشة، على اشعارها بأن لتلك الافكار رائحة طيبة أيضا، وأنه بما فيه من رائحة شيقة، فلابد أن لأفكاره تلك الرائحة أيضا.
وحين كانت تسمع منه كلمات المواساة، كانت بعض ابتسامة دافئة ترتسم على شفتيها الجافتين، ويصعد الدم على وجهها الشاحب، عند ذاك تشعر بأن ملامحها قد استردت عافيتها.
مرة أو مرتان، عندما تجد أن لا وسيلة حين تجهش قدامه بالبكاء، ما كانت تمنعه من أن يأخذها لصدره. كان من الطيبة الزائدة والحنان الكريم، وما بإمكانه من الحب البنيوي، أن يشدها لعناق حانٍ يلامس شغاف خلاياها الدفينة، فتحس به كالمخدر الذي ينسيها ما تبارحه من أسى.
كانت تقول له وهي في نعاسها الرقيق، رقبة لرقبة:
ــ " كم أسأل نفسي، هل أن في وسعي، أن أفعل لك ما تفعله من أجلي" ؟
وكانت حقاً تلك، هي لحظتها الحزينة، السعيدة، المليئة بالتعقيد.
هي من نوع النساء اللواتي يبرعن في عدم الاحتفاظ برباطة جأشهن، ولا في التحكم في مشاعرهن حين لا يستيقظن إلا بعد أن يكتفين من نزاع الغرق في مياه الفردوس، ويسترددن أنفاسهن. امرأة كلما حاولت أن تتغلب على إيلام ما تعاني، تشعر بأنها واحدة من القلة اللاتي جُرِحت في الصميم كزوجة وتسربت أنوثتها كما الى مستنقع نتن، وهي من تعلم بدقة، كيف كان زوجها يخونها بتلك الطرق الدنيئة الغادرة. وكيف كان يرمي أحيانا، إلى إفسادها عنوة، وهو يتعمد إذلالها لا ملاطفتها، أو حين يحاول التغلب على انفعالها بأن يطلب الصفح منها، تزلفا، كما كان يفعل كذباً في العديد من المرات، أن يسوق نفسه أمامها وكأنه الحمل الوديع وبأنه وقع ضحية فتاة جميلة قاصر لعوب، أو أنه كيف لم يقو على الصمود أمام المرأة التي جعلته يرتعش محموماُ وكأنه أصيب بالملاريا ساعة أحتكت به في الباص العمومي. لكنه يوم طردها لبيت أهلها، تعمد أن يسلبها مخشلاتها الذهبية وأبنتها التي بسن الثالثة من عمرها، خوفا من أن تصاب الطفلة بعدوى مرض السل التي أصيبت فيه وبرأت منه بعد عامين من العلاج.
ويوم اضطرت أن تقيم مع شقيقتها " نبات " وكانت ترى بعينيها كل تلك الورش الشيطانية والكثير من الدهون والسخام والقذارات التي تخلفها أخواتها الثلاث مع الرجال، ومن خلف ظهور رجال العائلة، أو وقت تحدث تلك الفضائح تحت سمعهم، وكيف أنهم يتغاضون عنها. كل هذا يزيدها هماً فوق همها.
تلك الاسقاطات كانت تدفعها بداية الأمر للتقيؤ أو لخرير مكتوم من الفزع والخوف. على أنها وقد ادمنت تساقط الفضائل من حولها، وتأكد لها أن الحياة التي تجري أمامها كما سيل من قذارات، لم تعد تشبه بأي شكل من الاشكال تلك الحياة التي أخذت تنهار بداخلها. قوة اللامنطق هي على غير منطق مشاعرها. وهذا ما جعلها تعطي يديها لفصاحة ما ألم بها من فشل.
ويوم استسلمت قررت أن تغلق فمها وتترك الحبل على الغارب.
في البدء كانت تنكمش وتتصلب روحها، وتندهش لما يحصل أمامها من سفالة، وحين كانت تسيء فهمها لمنطق تحول المياه النقية لغير مجاريها. كانت وكأنها تسير عكس التيار فترتطم بكسور الاغصان الصغيرة والكبيرة. تحيط بها الاعشاب البدائية. كل شيء يدفعها أن تسكن أمام تيار اكتشافها الجديد.
اشياء، نتيجة سوء ظنها الغريزي. وحقائق بعضها وهي غير المتصور حدوثها، وغيرها قليلة الحظ، هي من كانت يوماً ما، قوة مجردة وسائدة. وبسبب ما أحدثه زلزال الكوارث المتلاحقة، من فواجع وآثام، لم تعد تشبه سوى أثار كدُمى الزينة يمكن لأي شخص عرضها في غرفة استقبال الضيوف لإشعار من يستقبلهم أنه ما يزال ينتمي إلى عالم ما قبل الكارثة.

" حياة "، وبعد أن تضخم عالم الاسئلة، وفقدت حسها في التلقي الحسن، ولكون حياتها ظلت تجري فيما بعد، حولها، وبعيداً عنها، من غير أن تحدث تعويضا لفقدانها حسن الظن، لم تشعر، قبل رحيلها الأكيد. يوم طواها الأجل الارعن، بشيء ذا قيمة، وأمن حقيقي، سوى بما كان يُقدم، ثمة ذلك الحب الجليل، لها من سعادة. يوم تعلمت، وهي تفترش الارض القديمة، وساقاها تحت فخذيها، كيف كانت تتذوق من بين أصابعها أشهى السعادات.
وأنها يوم أخذها رجل المواعيد الحريفة والطازجة في تلك الليلة، لحانة الأجوبة المستساغة، كانت هي كل حياتها.



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخطئٌ إن لم تتألم!
- لا شيء حَذِرٌ، البتة!..
- مفاصلٌ تبحثُ عن مشاج!
- التآخي لا يرهق الحياة!
- ... وعمَ يتساءلون؟!
- الملامحُ، على أفقٍ أوسع!..
- لوجهٍ كما عبّادُ الشمس!..
- ما يُخففُ عن الطفلِ الحيوانيّ !..
- لو لم تكن، لكانت...!
- سككٌ مجهولةُ النهايات!
- التحليق ابتهالاً!..
- أنوثة شعاع..
- حزنٌ مضافٌ، دائماً !..
- بين ارتكاسٍ وطفو !..
- وللحب غناء..
- غيبوبة!..
- حالةٌ تتسعُ لِأشياء!..
- للجهاتِ وللخبيء!..
- ولأنكِ عربية !..
- لِتبلُغ مداك ..


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - العائلة الحمراء..