|
نزوة أبدية
عامر بيبو البابيري
الحوار المتمدن-العدد: 1498 - 2006 / 3 / 23 - 07:17
المحور:
الادب والفن
النزق الذي تشبث به كظل مخيف هو من أبعده عن ارتجالات واقع مبعثر و قوض في نفسه هزائما ظلت طوال الأزل تتراقص على أرواح من عاشوا و تمسكوا بخيوط واهية اصطبغت بزيف أمل ذلهم و سحقهم كل يوم و شوه ادراكاتهم و انتماءاتهم و مزق لهم التفاتات خرساء حاولوا فيها أن يعرفوا حقيقة ما هم عليه من متاهة كانت و بقت كالصخرة التي ابتلت بها انطلاقات أزمنة تبكي لأجل وهم الوجود الذي غادرها بغير رجعة أو رحمة. لقد استطاع لسنوات أن يكون خارج الحدود التي رسمتها الأقدار، و فضل أن يحيا كما تسيره أهواء كانت وراء كل نجاحاته التي رفعته نحو غرور أعمى تناسى فيه انه لا يملك على هذه الأرض غير شيء من حظ كان له كحارس أمين رافقه من ذلك اليوم الذي أعلنت فيه الطفولة هيجانه الأول حينما بدأت الأشياء تتزاحم بين يديه بغير عناء منه أو إلحاح قد يذرف فيه دمعة قلما كانت تنهال من عينيه التي تحمل بريق مِن رهبة ارتعد منها مرارا رفاقه الأطفال و نكست لاحقا كثيرا من رؤوس زملائه الذين حاولوا معارضة أحداث قلما أخطأ في استقرائها أو تقديرها ليجعل من هؤلاء الشبان أضحوكة له لعدة أيام أو حتى أسابيع دون أن يقدروا هم أن ينبسوا بحرف عدا محاولات الممازحة التي كانوا يتحولون فيها لدمىً أو مهرجين تماشيا مع ايماءآت يجتروها من نظراته التي حطمت قلوب كثير من الصبايا اللواتي تعلقن به و تسابقن من اجل رضا و ابتسامة من وجهه أو حتى وعود كاذبة لغدهن الآتي بكلمات حطمت قلوبهن الظامئة لشيء من رائحة حياة لم تداعب أيامهن أو تغزو أحلامهن أو يغرقنّ في أساطير حب تبهج من لم تعرف لذة الانبعاث أو جنونـها التائه عن دروبهن السائرة نحو هاوية تقبع فيها شتى أشكال الانعدام و اللا حياة التي رفض أن تكون جزأ من واقع عجيب يحمل بين دفاته غربة الطير الذي لا يعلم شيئا عن بيرق الاستقرار الكاذب. لم تكن (مَيان) أوفر حظا من الفتيات اللواتي سبقناها.. لقد رفعها بكلماته الأثيرية لمسافات حطت فيها على عرش الأمان بالرغم من أنها كانت كالتراتيل الدافئة التي يبحث عنها كل من تاه عن جمال المرأة الصادق وأنها لم تنجرف يوما للكلمات النارية التي تتطاير من السِنَة المعجبين بعيون جهنمية تطـارد كل جزء من جسدها الفاتن.. كانت الغيرة تحرقها عندما تشاهد الصبايا ملتفات حوله بشوقهن الأبدي مع أنها تعلم انهن كالفراشات التي تتراقصن على نيران قنديل لا يعلم غير أن يحطم أجنحتهن و يستبيح طهارتهن المتهاوية تحت رغباته القذرة.. وبدأ الحسد يخلخل اتزانها و التزاماتها التي عاهدت بها والدها الأستاذ في كلية الطب التي التحقت بها منذ ثلاث أعوام عندما أقنعها أن تكون قريبة إليه خوفا من حماقات قد تتغلغل نحو سذاجتها التي ظلت حتى تلك اللحظة كتاج ملائكي ابعد عنها كل مَن حاول التفكير والعبث ببراكين عواطفها الغائرة في عوالم اللا مبالاة لماهيتها حتى أن جاء يوماً تغيرت فيه تفاصيل حياتها اليومية التي عاشتها دون أن تفكر لمرة واحدة أن تضع شيئا من الأحمر فوق تلك الشفاه المعبئة باللهب أو أن تضع عطوراً كانت تملأ أروقة المبنى الذي تدرس فيه حتى أنها لم تهتم يوما للتسريحات التي كن يتابهين بها رفيقاتها مع بعضهن البعض أو يستفزن به شباب لاهث وجدوا في ابتساماتهن وضحكاتهن الصاخبة في الأجواء سببا يتيما للاستمرار رغم وقاحة كل المسميات و ريائها. لم تعلم حتى تلك اللحظة كيف أنها وهبت نفسها إليه و كيف أقدمت على التكفل بنفقات دراسته بعدما شعرت انه لا يبادلها تلك الحميمية التي وجدتها بين أحضانه تحت تلك الشجرة المنزوية التي ترنح عند ظلالها مئات العشاق.. لقد أصبحت على استعداد لان تفعل أي شيء كي لا تخسر قبلات منه تحملها لجنة حاكتها بأناملها التي خطت لها أول عتبة لارتقائها و ابتعادها عن صراعات حمقاء يخسر فيها الإنسان كل بقاياه المشوهة. اقتربت نهاية عامها الرابع هناك لكنها ليست كما كانت بالأمس و أصبحت تتفنن في تدخين سجائر أدمنت عليها قبل أن تصل إلى درجة من الضحالة بان أقدمت على البحث عن مثيلاتها اللاتي لم يجدن من يدفع عنهن لعنة الوجود الذي تسبب في زرعهن على هذه الأرض و تقديمهن إليه بروح محطمة قبل أن تقدم على انتحار أعتقت به ما تبقى لديها من هزلية بقاء و الم أمسى عِبئاً عليها حينما دكت الرذيلة روحاً كانت لزمن قصير كطفل حمل في وجهه ذات يوم مسحة آلهةٍ غادرت و تركت ورائها أمنيات الخلود.
#عامر_بيبو_البابيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأنثى بين الواقع و الافتراض
-
من وحي طرزان
المزيد.....
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|