|
المسرح الإستهلاكي
نجيب طلال
الحوار المتمدن-العدد: 5907 - 2018 / 6 / 18 - 20:00
المحور:
الادب والفن
قـَول الــقــــول: مـبدئـيا؛ لـيس هـناك فـن بدون قـضية، والمـسرح باعـتباره أبو الفـنون؛ بالمعنى الإبيسـي للكـلمة؛ فـهـو الأقــدرعـلى طـرح القـضايا ذات الـطابع الإشكالي المنغرس أو المنبعث من البنـية المجتمعيـة؛ ولاسيمـا أنـه الأقـرب؛ إبداعـيـة للتفاعـل بين الجسدي والفـكـري والروحي؛ بغـية اكـتشاف معـنى الـوجود ومـا في الـوجود؛ مـن مـوجـود، مـما يسـاهـم رأسيا تـغيير نظـرة الإنسان للـكـون وللإنسان؛ وأفقيـا في طباعه وسلوكاته وتطبعه في محيط وجوده. ومـن ثمـة فـهو سلاح حضـاري؛ حـاد الزوايا في استنهاض الفـكر وانتعـاشة الروح وصياغـة ثقـافة سـليمة وفـعالــة ؛ تدفـع بالمـكون الثقافي الـذي أساسه الإنسان؛ تجـاه الرقي والسـمو؛ لكن المسـرح[العربي]تبـدلت معـطياته السامية التي من أجـلها انوجَـد؛ وأمسى ضمـن ثقافة الاستهلاك؛ متـحولا إلى [ سلـعة ] خاضعا لشروط الإنتـاج والتـرويج؛ وهـذا لا ينفي بأن المسـرح الاستهلاكي ( أو) التجاري لـمْ يكـُن حـاضرا في الثقافة العـربية ! ولكنـه كان يعـيش نـوعا من الحصار الجماهـيري؛ وفي نـفـس الآن كـان مـدانا ومـرفوضا ؛ من طرف العـديد من القـوى الثقافـية/ الإبـداعـية؛ بحكم طروحاته المـبتذلـة والترفـيهية الفجـة وكـذا سطحيتها الـهادفة لتبليـد الفـكر والأحاسيس؛ وترسيخ مفهوم – الكاتتريس- بمنظور يذكي المهادنـة والاستسلامية ؛ تجاه كل ما هو سلبي ؛ وضد أحقية إنسانية الإنسان في العيش والعـدالـة الاجتماعية إلا: أن مـضامـين انتشار إيديولوجية ثقافـة الاستهـلاك والمؤسسات الثقافـية والسياسية؛ التي تبنى عـليـها في قـــلب مركزها في العالم الأول والأماكن الأخـرى؛ حيث تبنـتها الأقـليات القليلة المنتفـعة؛ إلى بقـية أنحاء العـالم، هـو تغـيير اجتماعي عـلى قـدر حقـيقي من الأهـميـة العالمـية (1) بـداهة التغيير يفـرض نـفـسه؛ بحكـم حـركية المجتمع وما يحيط بـه مـن تحولات طـبقا للسيرورة التاريخـية؛ ولكن ليس من أجـل أقـلية ضـد الأغلبية؛ لكـن منظور العولمة يسيـر في الاتجاه المـعاكس؛ وذلك بـغية تقـليص قـدرات الشعـوب؛ في الـحراك المضاد وايجابية في الحراك الاستهلاكي؛ بحيث يلاحظ الآن التسابق اليومي نحـوَ مـحلات[ الهـومبورغـر/ الماكرو تجاري] من أجل[الأكل/ التسوق] فحتى الأسـر ذات الدخل المتدني أو التي تعيش في هـوامش الـمدن أوالأرياف؛ أوالـذين هاجروا من القـرى والمداشر؛ ولـم يـتـكيفـوا بعْـد بمظاهر المدينة والـمدَنـيَّة، تتسابق وتتلفـظ ب [shopping] بـدل[ التـسوق] أو [ الاقتناء] فمن وجـهة نظري: مـن حقها؛ وتلك قناعات ذاتية كاختيارات؛ ولكن الأمـر يترك نـوعا من الارتجاجات النفـسـية؛ التي تـؤدي للجـنوح والانحراف؛ ومـا الشذوذ والجرائم المحيرة للعقل التي طفت في عـدة دول عـربية؛ مـاهي إلا مـؤشر نفـسي ومدى علائقه بالاستهلاك ؛ الذي يـعد إيديولوجية العولمـة إضـافة لانتزاع سـيادة الدولة في الضبط والاحتراز حول السلع والبشـروتدفـق المعلومات والأفكار؛ وطبيعي جــدا أن الدولة [ العربية] ستتراجع وتتقـلص قـدرتها لاعـتبارات داخلية أهمها؛ عـدم تجـدد شرايين الأنظمة والتناوب والحسم في إشكالية التنمية؛ وخاصة الاقـتصادية والفـكرية ,أما العامل الخارجي فـهو الأقـوى وخاصة في التـدفق الهائل في مجال المعلومات والإعـلام؛ التي اخترقت الحـدود؛ وساهـمت في تغيير الجغرافية السياسية؛ وكـذا الـتوظيف العملي للتـكنولوجيا والتحكم في الأقـمار الاصطناعـية؛ وبالتالي ف [الخوصصة] استراتيجية لتجاوز نظام الدولة والشعب وتـقـليـص أدوارهـما؛ وهاته المعطيات سائرة في التطبيق؛ مما تم تهميش المجال الثقافي الفاعــل في كيان الأمـة؛ وانحصرالفـعـل الثقافي والإبداعي؛ في الزاوية الترويجية/السياحية [فـلكرة الثقافة] وتشريع بوابة الشراكات الأوربية والمؤسسات الدولية غـير حكوميـة؛ وهـذا الانفـتاح من طبيعته أن يغـير أساليب الإنتاج ؛ ليظل تابعا للعرض والطلب وبالتالي : إن قـفـز المجتمعات العـربية إلى الاستهلاكية من دون أن يرافق هذا القفز تحولات داخلية فــيها ضاعــف النتائج السلبية لهذه الأنماط, مما حول النتاجات الفـنية والإبداعية ؛ إلى مواد وسلع واستهلاك.. هـذا هو الانهيار الكبير الذي نشهده ونشاهده ونعيشـه؛ على مستوى الفـن, وهـذا التراجع الرهـيب لكل ما هـو خارج النمط الاستهلاكي؛ مما تحول المجال – المسرحي- بكل تنويعاته وتفريعاته؛ إلى سلعة استهلاكية إعلامية, وتخلّي عـن موقعه في مواجهة الواقع وتجاوزه ، كيف يمكن له ذلك ولقد أضحـى : سلعة مرتبطة بمختلف التعابير المتخلفة والمتراجعة, فبدل أن يتجاوز المنحى الاستهلاكي الذي جرف ما يسمى وسائل الاتصال توقف عـندها فأصبح المسرح الاستهلاكي الذي يستغل مآسي الناس وقـضاياهـم وهـمومهم وتناقضاتهم والواقع لأهـداف تجارية بحتة (2) فهاته الـوضعيـــــة فـرضت إقـحام الشركات؛ لعـرض منتوجاتها التجارية؛ بشكل مباشر؛ وذلك بحـكم أن العـديد مـن الـفـرق التي كانت شعلة في العـطاء الإبداعي/ الفكـري/تحولت إلى شبه مقاولات؛ أو مقاولات تتحـكم فيها المقايضات سواء بين المـنتجـين والمستشهرين والممثلين والأطراف المساهـمة في العرض[المسرحي] وبالتالي تمـيع المجال المسرحي؛ وأمسى سوقا للمضاربات والصراعات؛ من هـنا افـتقـد الوجه الأسمى للمسرح؛ جماليا وفكريا وسياسيا: كأنما لم يبق من المسرح السياسي العربي أثر يذكر, هـذا الانطباع تكرس سواء عبرالمهرجانات أو العروض المنفردة في (مهرجان القاهرة التجريبي وقرطاج والمهرجات الخليجية وعمان) كأنما تراجع المسرح السياسي أدي إلى حد كبير إلى تراجع المسرح ككل كما لو أنهما توأمان وكأنما الجمهور بابتعاده عـن الحالة المسرحـية كان يسجل ارتباطاً بالسياسي(3) فـطبيعة الجـدل تـفـرض هـاته الصـورة القـاتمة عـن نـوع من الفعـل المسرحي الراقي والفعال في البنية المجتمعية؛ وبالتالي فالعولمـة فـي بعـدهـا العام هـجمـة وحـرب ثـقافـية؛ مفـادها تهـجين العـالم الـعربي؛ وتجـريده من خصـوصيته؛ عـلى أسـاس فـرض وترسيخ مـفاهـيم ثقـافـية و سلوكات وتقـاليد[ الآخـر] عـبر آلـيات ثـقافـية؛ تمارس الغـزو والفـتك؛ لتشويه الهـوية ثـم القـضـاء عـليها؛ وذلك مـن خلال تـمرير مصطلحات وتقـديم النماذج؛ ولـنا الآن (مثال) في [الـجـنـدر »sexe » ( ليعـوض مصطلح[ التفـريق بين الذكـر والأنثى] وذلك لشـرعـنة الشـذوذ الجـنسي؛ وبالتالي فـمدخل القـطب الـثقافي لـن يتم إلا عـن طريق القطب السياسي ؛ ولاسيما أن الـوضع السياسي العـربي، أمسى متهلهلا وسلبيا سواء في قـضاياه المحـلية أو القـومية أو الدولية؛ ولم يـعـد يسيطر إلا عـلى ما أراده [ الآخـر] أن تتم السيطرة عـليه؛ ونلاحظ عـبر الخـريطة العـربية؛ ليست هنـالك [معارضة/ احتجـاج] حول أخطار أوسـلبـيـات الـعولمة؛ -عـلى البنـي المجتمعـية[عـربيا] كما هـو الـشأن في الـحراك المـدني والسياسي في /أوربا/ أمريكا/ شرق آسيـا/ ومـن البدهي؛ أن يسهـل التأثيـر؛ وإن كان المنطق يقـتضي؛ بأنـه لا يمكـن لأي مـجتمع أن يعـيش بدون سلطة؛ التي هـي شرط تماسك الجماعة؛ سلطة ليست بالمفـهوم القـمعي والاستبدادي؛ والتي تبدأ منذ التنشئة الاجـتماعـية (الوالدين) مرورا بالتعلـيم الأولي والرسمي ؛؛؛ إلى غــير ذلك؛ لكـن في سياق التحـولات؛ أمست السلطة متراخـية أو بالأحـرى مـغـلوبة عـلى أمـرها؛ مـما يـقـع/ وقـع انفلات ؛ أحـدث فـجوات أعـمـق تهـدد القـيم والتـصورات؛ التي أدت باستـفحال [الجـنس] كـقـيمـة استـهلاكـية في بـعـدهـا السلبي والإبتذالي :
صفــوة القــول:
وعـليه؛ فـنحـن أمـام مـخطط أعـد لـه سلـفا ومنـذ عـقـود؛ مـن لـدن جهابذة الاخـتراق والاستراتيجيات منـطلـقـيـن مـن أرضيـة فـكرية بـعـيدة المـدى؛ ومـا أطـروحة المعـرفة والتواصل التي تـلوح فــي فضائنا وخطاباتنا؛ ماهي إلا غـطاء لـمفـهوم العولمة ذات البـعد الهـيمني؛ التي يعـبرعـنها [ صموئيل هـنـتجـتون] صراع الحضارات ؛ والتي هـي فـي الـواقع صـراع قـيم؛ نظـرا أن الحـضارة مـلك إنساني؛ ولكن أطـروحة الصراع وجـه لخلق نـوع مـن الانفـتـاح الفـكري والسلوكي نحـو الآخر؛ مـما يـفرض عـدم الانغلاق على الـذات؛ مـن أجل نبـد التـعـصب الفـكري والثـقافي؛ الذي يهدف ضمنيا إلغـاء الآخـر؛ وفـعلا؛ مـا وقـع ويـقع من حـروب واستعمار للعَـديد من الدول العـربية / الإسلامية؛ فأوضح نموذج [العراق] ومخـطط التـهويـد لبيـت الـمقـدس الذي يعتـبر الروح الـحية والنابضـة للحضارة الإسلامية / العربـية؛ وفي السـياق ذاته فالـقـوى[العربية] المناهـضة؛ لكل مـا يحاك حولنا؛ بكل أسف شديد تتخبط في صراعاتها الداخلية؛ والبعض يبحـث عـن تخريجات لإثبات انوجاده ؛ عــبـر مسالك محتشمة؛ وبعض البعض انهـارت معـنويته؛ إثـر الحصار والقـمع الممنهـج؛ مـما تهـلهل ـ الإبداع ـ الـمتميـز وَ الفاعـل في النسيج الاجــتماعي ؛ بحـكم أنه كان يلازم ويتغذى ويتقـاطع وخطاب اليسار أو المعارضة لكل خطاب أو ممارسة مهادنة واستسلامية ؛ وبالتالي انـجـرف وراء [ ثقافة الاستهلاك] الإحـــالات :
1) من الحداثة إلى العـولمة؛ تأليف ج تيمونز روبيرتس أيمي هايت ترجمة سمر الشيشكلي /عالم المعرفة عـدد310/ ديـسـمبر/2004 ـــ ص 247 2) المجتمع العربي بحاجة إلى مراجعة نقـدية ذاتية / حوار مع بول شاؤول في الملحق الثقافي لجريدة الثورة أجـراه ايفـلـين الأحـمد في 8 /02/2005 3) نــفــس الحـــوار مـع بـول شــاؤول
#نجيب_طلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دمعة عين لك يا جمال العَبراق
-
من أهدر دم مسرح الهواة المغربي؟؟
-
نسوك يا شيخ المسرحيين !!
-
وداعا توهراش...المسرحي المتشائل
-
نَشوة الصمت في اليوم العالمي للمسرح !
-
المرأة والصنم - 02 -
-
المبدع والمخابرات -03 -
-
المبدع والمخابرات -02 -
-
المبدع والمخابرات -01 -
-
المرأة والصنم -01-
-
لماذا حبال الرحيل ؟
-
فساد أم انحطاط ثقافي ؟؟
-
أين المثقف المغربي من التأجيل ؟
-
إشكالية الإنتحار ؟؟
-
اعترافات ( شاهد عيان) ليلى الشافعي
-
رحيل مفاجيء يامصواب ؟؟
-
عتمة الرؤيا لصنم الكتبة - 09 -
-
عتمة الرؤيا لصنم الكتبة - 08 -
-
عتمة الرؤيا لصنم الكتبة - 07 -
-
المرأة الحاضرة الغائبة
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|