|
-عوالم خفية- وراء صناعة الفساد
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 5905 - 2018 / 6 / 16 - 09:20
المحور:
الادب والفن
أود في البداية أن اشكر الاساتذة محمد محرز وأمين جمال ومحمود حمدان، مؤلفو مسلسل "عوالم خفية" على جرأتهم وشفافيتهم ونزاهتهم في تناول موضوع العفن السياسي المَحمي بنفوذ السلطة وسوء استغلال المسؤول لنفوذه حتى القتل لاخفاء معالم فساده، وتداخل هذا الامر مع جريمة خطيرة تؤرق عدد عظيم من الناس ليس في مصر أو الشرق الاوسط فقط بل في كل قارات الدنيا، وتتمثل خطورتها في العودة بالانسانية مرة أخرى إلى عصور ما قبل ظهور الدول المدنية والقانون المدني وشرائع حماية حقوق الانسان بغض النظر عن جنسه ولونه ومكانته الاجتماعية وايمانه، عن طريق التمكّين من الدول بواسطة اشباح في"عوالم خفية" يتعاون الفساد السياسي فيها مع الفساد الديني، ويغض كل طرف منهما النظر عن الاخر إلا في حالة الصراع على كرسي الحكم نفسه. دخل في صناعة الفساد الذي يلتهم 2.6 تريليون دولار من الناتج المحلي العالمي، من هو مفترض أن يكون ورعا نزيها، فبدأ يحركه ويغذيه باخطبوط مالي متعدد الجنسيات يحاول شراء ذمم أهم النافذين في كل الحقول بدءا من السياسة والصناعات الثقيلة حتى العطور وبيوت الازياء، لتقويض الدول باسقاط هياكلها الثقافية وقوتها الناعمة ونظمها التعليمية وحصانة قوانينها وهيبة جيشها وشرطتها وقيمة قضائها، وسط صمت مريب من معظم رؤساء الدنيا ومندوبي دولهم في الامم المتحدة؛ آخر من يؤرقها هذه الظاهرة، بينما بعض المؤلفين والممثلين والمطربين خصوصا مطربي الراب، ناهيك عن كُتاب العلمانية يعرضون حياتهم وحياة أولادهم للخطف أو القتل أو البلطجة ومصادر ارزاقهم للتوقف، لأنهم يتحدثون علانية وبجرأة عن مشكلة تكاد أن تسبب علاوة عن الفساد المستشري تخلفا إنسانيا هائلا وحروبا وتصدعات ونزاعات بين المدنيين لا جدوى أو تطور أو انتاجية منها، ولا علاج لها سوى بالمزيد من الدماء، حتى يدرك الناس في مجتمعات الدنيا أن الوقت قد حان لمواجهة هذا الطاعون الفكري الهائل، بغض النظر عن الخسائر ومناعة دعاته وأصوله الثابتة وأمواله وبتروله ونفوذه متعدد الرؤوس في معظم دول العالم ومؤسساته ومحافله الدولية، أو إدراك أن كل ما حدث لم يكن له أي فائدة للإنسانية، فقد كان ضد العلم والعقل وحقائق التاريخ وأهمية وعظمة الحياة نفسها. مجرد رابط تميّز مسلسل "عوالم خفية" بظهور شخصيات كانت ملء الشاشة معظم الوقت، وشخصيات ظهرت لمدة دقائق لمرة واحدة أو لبضع حلقات، وكان الجميع ابطالا ليس بسبب اسمائهم على الشاشة، بل بقيمة ما قدموا من عمل حتى ولو كانت مدته دقيقة واحدة، فقد أدى الجميع بحساسية وحرفية وصوت يُعبّر تماما عن مضمون ما يُقال، باشراف استاذية مخرج هذا العمل رامي إمام الذي استطاع بسيناريو متقن التصوير والمونتاج إدارة مثل هكذا عمل، أشار مؤلفوه في لقطات معبرة ذات اسقاطات مهمة عن وجود مسيحيين في مصر، بعضهم مؤتمن على أمور لا يؤُتمن عليها مستفيد من الاسلام سياسيا، ورامي إمام يستحق الاحترام على جرأة كل ما تبناه. تسرّع المعلقون على "يوتيوب" بعد أول حلقة بالربط بين موت سعاد حسني في الواقع ورانيا فريد شوقي في مسلسل "عوالم خفية"، لكن مع تطور النص الدرامي نكتشف أن الموت في المسلسل كان مجرد بداية وضعت امامنا اسئلة كثيرة عن فساد وتربّح واستغلال نفوذ وموجة شهادات عُليا مزورة للحصول على مناصب مؤثرة وليس من أجل وجاهة علمية، ولحى كانت من المفترض أن تدّل عن ورع وليس توحشا، وحوادث منها وفيات في الوسط الفني لم يكن المرض العضوي أو السلوكي سببها كما أُشيع، بل ما يحدث في "عوالم خفية" يسيطر ويدير معظمها اسياد القرن الذي بدأ في سنة 1928 وليس سنة 1900. عطاء تنويري عندما تخطى عادل إمام مرحلة الادوار المعروضة عليه في بداية مشواره الفني بتأكيد وجوده كنجم، بدأ الجزء الأهم في حياته وهو اختيار مشواره التنويري بأدوار استخف بها ممثلون باهتون لا يملكون حتى الحس الفني مثل فاروق الفيشاوي الذي قال ان عادل إمام قدم ادواره وسُكت عنه لأنه كلب السلطة، لكن وضع اسم عادل إمام على رأس قائمة اعداء الثورة المزعومة التي سرقت حِراك الشعب المصري الذي جعل الرئيس مبارك يستقبل، وركبت الموجة لتصل إلى السلطة بمساعدة المشركين، إضافة إلى زج اسمه في محاكمات سياسية صورية هدفها النيل من ادواره التي جسد فيها مقاومة ما يُسمى بالاسلام هو الحل، تؤكد أن عادل إمام لم يزل الرجل الجريء الذي يمكنه أن يقول سينمائيا ومسرحيا وبالكوميديا والدراما وحتى الخروج عن النص المرتجل ما لا يستطيع ممثل آخر أن يقوله. لم يزل عادل إمام وبعدما تخطى الثامنة والسبعين يعطي ويقف بقوة زعيما للشاشة والمسرح، وقد خرج من دائرة نجومية الترفيه والصفحات الفنية إلى دائرة الرسالة، ولم يزل يربح تصويتا شعبيا ديموقراطيا يتيح له الاستمرار في هذه الزعامة التي لم يصل فنان من قبل إليها. هناك فرق هائل على سبيل المثال بين زعيم فني هو عادل إمام ورئيس وزراء هو ديفيد كاميرون الذي علّق على ما كتبه صحافي بريطاني عن نتائج عمل التيار نفسه في بريطانيا، وهو التيار نفسه الذي يحاربه عادل إمام في العالم الناطق باللغة العربية بالقول: "صحافي أحمق". عبارة مقتضبة تؤكد عدم احساس كاميرون بالمسؤولية، وانه مافيش حاجة ولا خطر وبريطانيا زي الفل مافيهاش مجتعمات مغلقة ولا حوادث إرهابية ولا كراهية للمواطنين البريطانيين وتحريض عليهم في اراضيهم، رغم انهم بشر فتحوا دولتهم لأسباب إنسانية لتيار نبذته ونبذت دعاته مجتمعاتهم الاصلية! سطحية النقد تجاهل النقد الفني رسالة النص الجرئية لكشف التعاون الديني/سياسي واصطدام السلطة التنفيذية بمشكلة خطيرة على أرض الواقع، هي تناقض التعاون والحرب الضروس بين من يدير المجتمع سياسيا للإستفادة من منصبه ومن يعمّق ويجذّر تخلفه الثقافي للقفز على السلطة، وركّز على امور مثل عمر عادل إمام وعمله كصحافي عادي رغم أن مَن في مثل هذا العمر يشغلون مناصب إدارية أعلى. تجاهل النقاد أن بعض أهم كُتاب الاعمدة في الصحافة العربية والعالمية ليسوا ولم يكونوا رؤساء تحرير ولا حتى رؤساء أقسام، وكانت رسالة هلال كامل (عادل إمام) ليس مهاتفة النافذين لتقصي الاخبار وكتابة عاموده اليومي أو مقاله الاسبوعي لكن البحث عن الحقيقة، أما سهولة الحصول على المعلومات التي عاب النقاد المسلسل عليها فكانت نتيجة تجاهلهم لسلاح الانترنت الذي أصبح موصل كم هائل من المعلومات إلى أي بيت بواسطة كتابة ما يريد الانسان على أي محرك بحث، وأضاف كُتاب المسلسل موضوع استقصاء المعلومات التي يحصل عليها ابطال المسلسل من الانترنت من ناس كانوا شركاء بالصمت ترهيبا أو بالتواطؤ أو بالرشوة أو بالمصلحة المالية المباشرة في تنفيذ جريمة طبية أو تعليمة أو اجتماعية. رسالة "عوالم خفية" تشفع لبعض هفوات السيناريو البسيطة وقصر الحلقة ومّد اشارة المقدمة وتكرارها في النهاية حتى يغطي المسلسل كل شهر رمضان، وهي عادة غريبة أدمن الجمهور عليها ولا يستطيع أي مخرج تجاهلها، وكأن المسلسل إذا انتهى بعد خمسة وعشرين يوما لن يكون رمضانيا. كل سنة ونحن مبصرون من العمى الذي يُراد لنا والعوالم الخفية التي تحرك عالمنا ولم تصل سطوتها لنا بعد!
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ولهم في علمانية أوروبا مآرب أخرى
-
إقامة جهادي وترانزيت طفل
-
دموع محي إسماعيل
-
مطربة ورسالة وبتر ثقافي
-
ساعة محمد رشدي وربابته
-
مستقبل مملكة ومصير قارة
-
قدِّس اسطورتك واحترم اساطير الاخرين
-
اليوم العالمي للمواطنة
-
عذاب القبر/الجزء الثاني
-
عذاب القبر/الجزء الاول
-
رسائل مبطنّة في الاغاني الجريئة
-
أعمق من الجيم القاهرية
-
أساطير المعارج السماوية
-
كل سنة وإنتم طيبين وبعودة
-
النفاق والاساطير المتبادلة حول أورشليم
-
ثورة المسيح على مفهوم الايمان
-
الاموات يحكمون الاحياء
-
شيما واخواتها
-
ذكرى الاربعين للربيع العربي
-
الاساطير أقوى من الوقائع احيانا (2)
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|