|
لا ترحل سريعاً يا عيد عن -غزة-
أحمد يونس
الحوار المتمدن-العدد: 5903 - 2018 / 6 / 14 - 17:27
المحور:
القضية الفلسطينية
بأيِّ حالٍ عدت يا عيدُ، هل عودتك تحمل الفرح لقلوب أرهقها الفَقد، أخبرني أيها العيد ماذا تحمل لنا من أخبار؟ هل سيفرح الأطفال بكعك العيد ولبس العيد وعيديٍة ممن يحبون؟ هل ستتباهى أمهاتنا بالمعمول الذي عهدن على إعداده؟ أخبرني ما بالك صامتاً !
أرجوك أيها العيد حينما تطرق باب غزة لا تغادر باكرًا، امسح دموع اليتامى، احضن ما تبقى من شتاتِهم ولا تذكّرهم بأنك ستُغادر، رافق الشيوخ المحملين بالحكايات في جولة بين بقايا وطنهم، سيحدِّثونك عن أمنياتهم في الصلاة بالقدس وسجدة بباحات الأقصى، ستترجم عيونهم سنوات الحصار والفقر والحرب، اصغِ إليهم جيداً فقلوبهم طاهرة وحكاياتهم صادقة وإن استطعت دوِّنها في مجلدات الشرف حتى يقرأ العرب عن الرجولة، ثم احمل باقة من الورود إلى سيدات يرتدين أثوابهن التقليدية ستجدهن يتشبثن بك رغم ما يعتصرهن من ألم، سيحكين لك الكثير عن الصبر، رافقهن إلى المقبرة ففلذات أكبادهن تحت الثرى تعانق أرواحهم نقاء السماء، سيروين لك حلم الشهداء البريء في حياة شرف وكرامة، نعم أيها العيد.. النساء في غزة جعلن من الفقد سلاحًا يسقي عطشهن إلى جنة اسمها "فلسطين".
لا تُغادر باكراً.. عليك بواجب العزاء، فغزة الجريحة فقدت في رمضان 127 شهيداً، تحدثَ عنهم كل العالم بسلميتهم وبسالتهم وقوة حقهم، أخبرهم يا عيد حلم ياسر مرتجى بالتحليق، وحلم فادي وإبراهيم بأطرافٍ صناعية، وحلم عُمر سمُّور (أول شهيد في مسيرات العودة الكبرى) بزراعة وحصاد أرضه بـ حرية، أخبرهم عن عزَّام عويضة ذلك الطفل الصغير الذي عبَّر بطائرته الورقية البسيطة عن حبه وشغفه، أخبر عن أحمد الصحفي المجتهد وعن رزان التي عرفها العالم بأسره برداءها الأبيض وبطاقتها التعريفية الملطخة بدماء من أسعفتهم، وأخبرهم عن شجاعة الطفل هيثم الجمل وهو يحمل الإطارات المطاطية على شرق غزة لإخوته الشهداء الأحياء، أخبرهم يا عيدُ أن جل ما تمناه هؤلاء وغيرهم كان صلاة في القدس أو إفطارًا على أبوابها.
أي عيد بعد هواك؟! -- كان العيد بيوم لقاك حتى لو تنساه فإني -- لم يُخلق قلبي لينساك! أيُّ جُرح صاب فؤادي؟! -- ولمن بعد الهَجر أنادي؟ فأنت حدودي .. وأنت بلادي -- والآن سيهجرني ضِياك!
ما إن يحل المساء حتى يخلد الجميع إلى ما يشغله، وما بين هذا وذاك قلوب طيبة لا ملجأ لها إلا الدعاء، هؤلاء من يقدمون لنا بعض العزاء ليس في رجال ارتقوا إلى السماء أحياء عند ربهم يرزقون، بل يُعزوننا في عُزلتنا حينما تخلى عنا العرب من أجل مصلحة صفقاتهم الاقتصادية وملفات تطبيعهم السياسية على حساب حقوقنا وأرضنا وقدسنا.
اطرق أبواب كل المنازل يا عيد، سترى ماذا فعل الحصار في أناس تعمل وتشقى دون أن تنال، ربما في هذا العيد الأسواق خاوية على عروشها فلا طعم ولا رائحة، لن تجد الأطفال يمرحون بثياب جديدة، لن تغرق جيوبهم بالحلوى ولا بالعيدية، لن ترى البالونات الملونة متطايرة في السماء.
سيُخفي الناس أحزانهم ويتوجهون إلى المساجد مهللين مكبرين، سترى أيها العيد كم يحبُّك أهل غزة، سيتبادلون التهاني والذكريات، سيصلي الفتى دون صديقه سيبكيه معاتبًا إياه على الرحيل وحيدًا، كيف له أن يستشهد دونه، حينها ستعرف بأننا لا نستجدي أمور الدنيا، فقد كبرنا على حبِّ الشهادة، رضِعناها من أول صرخة لنا في هذا الوجود، ولن نفطم منها حتى تعلو صرخات الله أكبر فلان ابن فلان شهيد..
127 شهيدًا ليس بالشيء الجديد، فتراب غزة غني بدماء الشباب، الشيوخ، الأطفال، والنساء.. هذه الأرض ولودة بالرجال والطاهرات، أرضنا يا عيد تُسقى بدماء الشهداء، تُنبت الشهداء، تُربي الشهداء هي كما قال عنها محمود درويش: (إن سألوك عن غزة قل لهم: بها شهيد، يُسعفه شهيد، ويصوِّره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد). لا ترحل أيها العيد باكرًا .. سلِّم على صغيرهم وكبيرهم واطبع قبلة على جبين صبرهم.
لك الله يا غزة.. سلامًا لشبابك الوفي، وكل الرحمة لشهدائك الأبرار، كل عيد وأنت نابضٌة بالحياة رغم رائحة الموت المنتشرة في زواياكِ، كل عيد والله أكبر ترتفع في مآذنك لا يحجب صداها صوت الحرب والرصاص، كل عيد وأجراس كنائسك ترفرف شامخة في سماء القيامة تخترق حُجُب الاحتلال.
عدتَ يا عيدُ وغزة لا تزال تنزف، يكيد لها الظالمون، ويخططون لسقوطها يومًا بعد يوم لكن الله شاء أن يرفعها، ستظل واقفة تروي قصص الخيانة وحكايا العار عندما كان الصامتون على حالها يشاهدون ما يجري ولا تسري فيهم إنسانية، ماتت ضمائرهم بعد أن غمرتها الأنانية وحب السلطة والمال، لا بأس .. ستبكي غزة لوحدها، وستُلبس أبناءها الأبيض موشَّحين بأعلام العودة وتزفّهم إلى الجنة. غزة.. كل عام وأنتِ أقوى يا حبيبتي.
#أحمد_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل حققت روسيا أحلام العظمة؟
-
مديات بنية التفاعل تقنيا رواية سرديات نخلة التفاعلية مثالا
-
بنية المجتمع العرااقي
-
اشكالية العلاقة الان وفقدان الاواصر
-
غياب التفسير المعرفي للحرب /شكل المحرر وفعل المحتل
-
الانتاج التدميري للمرأة
-
سينما المطلق سينما الثلاثيات
-
ماهية الفن والهدف الانساني
-
كابوس ليلة صيف
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|