|
حدود اللحظة الجزء الثاني
محمد علي القريشي
الحوار المتمدن-العدد: 1497 - 2006 / 3 / 22 - 08:48
المحور:
الادب والفن
2 ـ منعرج سفر بعيد في صحاري الرمل والسماء والكلمات المباحة. تأشيرة ذهاب وإياب بين الأفكار والأشياء والحدود المصطنعة. مصادفات تنشأ تحت ظل الحوارات الصامتة لترسم على الرمل بصمات خطوات مجازة نحو علاقات سريعة .. نحو تصورات جديدة ومحطات مبهمة .. وصول محتمل إلى محطة الأوحال العبثية والمستنقعات المكتظة بزحام الصراعات .. ستتأكد الكائنات من هويتها المصطنعة ؛ حتى المالك الحزين سيطرح يومها حزنه عن جناحيه وسيضحك مستهزئا بالكون .. سيقرر الصوم يومين حتى يربط علاقة صداقة ، محدودة المشاعر والمواعيد، مع السمك والديدان . ستستغرب الطيور، من حوله ، عن تغيره المفاجئ ولربما منحته بطاقة هوية جديدة ، ينتهي العمل بها بعد يومين ، عليها إسم المالك المسرور ! بالطبع هو لن يريد أن يموت جوعا ليكون مسرورا ، ولن يريد أن يبقى حزينا حتى تقتله التخمة .. سوف لن يبحث عن حل لمشكلته الجديدة ، خاصة وأنه تعود منذ زمن طويل أن يكون حزينا ومسرورا في نفس الوقت ، جائعا ومتخما ، حيا وميتا .. لقد عاشر الديدان والحشرات سنين طويلة يتتلمذ عنهم قواعد الصراع ، حتى نال شهادة الحزن بامتياز ؛ فالملك له لا محالة فيهم ، لأنه أكل من عصاه من السمك والديدان والحشرات مأكل الموز . هكذا تعلم دروس الصراع فبايعوه أن يكون ملكا وفقيها وشاعرا . لكنه تذكر بأن النورس ربما يغزو جيشه ويهم بطرده ليترك القرش في حكمه المتغطرس . فقالت له الحشرات : )) إن حكايات ابن المقفع تكفيك حلا لهذا اللغز (( ، فضحك اللعين من قولها قبل قوله : )) في المناهل تصلكم صوري ، فابتسموا واتركوا الحزن جانبا ، لأن سهرة اليوم قعاقع ونباح وصهيل (( .. ولا تسألوا المالك الحزين المسرور ما إذا كانت للسهرة حدود ! ؟ .. وللغطرسة حدود ! ؟ .. وللصراع حدود ! ؟ .. مادامت حكايات ابن المقفع لن تكفي لحل الألغاز، وما دام شهريار مستيقظا لحكايات شهرزاد ... إن كل ما قيل ويقال وما سوف يقال عن الأشياء والأفكار يجد حدوده بين أضلع الزمن المنتهي . لحظات تصادفها حدود ثم حدود تصادفها لحظات ، وكل لحظة تجد حدودها داخل أحشائها . . وتمر الصور و اللحظات والحدود بسرعة لينتهي المطاف بالوجود على عتبة قاعة عرض تجمهر على جنباتها بائعوا اللحظات بالتقسيط .. نعم ، حتى اللحظات بدأت تباع بالتقسيط .. يجب أن لاتستغرب ، أيها المالك الحزين من هذا ، وإلا سوف لن تكون كائن عصرك .. سيستهزئ منك تجار اللحظة المحدودة وسيسمونك بالبلادة والغباء إذا لم تساومهم في تجارتهم .. لاتخف ؛ فقد رأيت كيف أن بطل الفيلم الأمريكي يقاوم المخاطر ويساوم المهالك دون خوف على الرغم من أنه يعرف بأن للشريط حدود، وربما كان هذا سببا كافيا للمغامرة. لقد بدأ الكل يساوم مهزلة الزمن الردئ في حدود لحظة غريبة المعالم ؛ طأطأ بعدها المالك الحزين رأسه بين جناحيه خجولا ومتأسفا لما يمكن أن يتداول من حماقات على أرصفة الشوارع النائمة .. إن الحماقات تختلف باختلاف اللحظات المعروضة بالتقسيط ، وحتى يتأتى لكل واحد من أن يتذوق حماقته ، وجب الدفع مسبقا من خزينة انحرافات الوقت .. لم يرغب المالك الحزين في شراء لحظة محدودة الدقائق ، امتطى صهوة ريح جناحيه وطار مغادرا المكان ليتركني أهيم وسط الأزقة الملونة جدرانها بأحمر شفاه الدعارة والجنون .. الكل هناك يشتم رائحة القمح الممزوجة بالعرق الصيفي تحت ظلال الهذيانات المنزوية في أركان الذاكرة الموسومة بالمجون . لم أرغب في المرور بسرعة ، لأنني أحسست أن لقاء غريبا ربما سيتم بين ثنايا هذه الذاكرة . تساءلت مع نفسي عدة مرات : مع من يمكن أن يتم هذا اللقاء الغريب في أماكن امتزج فيها صخب الحمق بازدراء الزمان ! ؟ في أي وقت من أوقات الدهر يحتمل أن يتم ؟ .. نعم ؛ يجب علي أن أجتر خيطا من بين خيوط ذاكرة التاريخ المعلقة على صندوق من صفيح تكلف بمراقبته ، وقبض ثمن اختيار الخيط لجره ، حارس غليظ الطبع لا يحسن الكلام .. فإذا كان لك حظ جيد ، واخترت الخيط الرابح ، منحت لك صور ذكريات مأخوذة على شواطئ تاريخ منسي.. أغمضت عيناي ثم أمسكت بأول خيط لامسته أصابعي فاجتررته . قبل أن أفتح عيناي قدمت لي صورة لم تكن كجميع الصور التذكارية .. لكنها كانت صورة شيقة تمكنت من خلالها أن أدخل بهوا مفروشا بزرابي أطلسية ، إرتخت فوقها مجموعات من الحسناوات . أول من شاهدت وسط جمع من الصبية ، انزوين في ركن من البهو ، أبا نواس وهو منهمك في لف سيجارة حشيش . ظننت نفسي أحلم لولا أني كنت دائما متمسكا بالخيط الذي اخترت ، واجتررت لأربح هذا اللقاء الغريب .. >> ويحك أبا نواس ، أو لم تكفيك تلك اللحظات التي كنت فيها أميرا للخمريات ! ؟ أو لم ترتوي من تلك السلاف المعصورة من كبد الفرات ! ؟ يتبادر إلى ذهني أنك ترغب في أن تصبح الآن أميرا للحشاشين ! .. أتمنى أن لاتكون قد قلت شعرا في الحشيش .. بالله عليك ، أو لم تقله بعد ؟ أتمنى أن لا تقول ولو بيتا واحدا ، وإلا ستهوى الدار على رؤوسنا ، ولربما حتى السماء .. > تكفي كل تلك المسافات التي قطعتها في يوم لم تختره إلا للنزهة
#محمد_علي_القريشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدود اللحظة الجزء الأول
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|