أمجد سيجري
كاتب وباحث
(Amjad Sijary)
الحوار المتمدن-العدد: 5887 - 2018 / 5 / 29 - 00:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يروي لنا التاريخ حكاية شخص عاصر صلاح الدين وكان من الدّ أعدائه حاولت ان اختم مقالات صلاح الدين اليوم لكن عبثاً فهذه المرحلة من الصراع الاسلامي- الإسلامي لايمكننا الا التوقف عندها وإظهارها لما لها من حساسية كونها تمس احدى الطوائف الشيعية المغيبة عن التاريخ قسراً كونهم احدى الاقلايات والتاريخ هو تاريخ الأكثرية قبل ان يكون تاريخ المنتصر فيتم طمس كل قصة تظهر ضعف او جبن أبطالهم ليشكلوا البطل المغوار الهمام الذي لايهاب الموت .
وهذه الشخصية الحساسة التي سأطرح علاقتها مع صلاح الدين اليوم هي شخصية القائد والمعلم الإسماعيلي سنان راشد الدين لن أخوض في مولده ونشأته لانها موضع خلاف بين الإسماعيلية انفسهم لذلك لن ابدأ بالتعريفات سأبدأ بالاعمال كان من أهم أعماله هو تدريب الفدائية وهي مجموعة من الإسماعيلية تم تدريبهم تدريباً عسكرياً صارماً كما علمهم لغات البلدان المجاورة وعاداتهم وتقاليدهم و التنكر و اﻻختباء حيث كانوا يقومون بمهمة محددة فقط لايريقون الدماء كما قيل عنهم لكنهم يحاولون انهاء الصراع بإغتيال سياسي للمعتدي بغية حقن أكبر كمية من الدماء كانت امارة سنان راشد الدين في بلاد الشام مركزها مدينة مصياف السورية بسط نفذه على القﻼع المجاورة لقلعة مصياف و هي : المرقب ,الكهف، القدموس , المينقة , أبو قبيس , المهالبة , الرصافة وجهزها ﻹيواء اﻻسماعيليين الهاربين من المذابح الوحشية ضدهم .
- رأينا في المنشورات السابقة ان صﻼح الدين اﻷيوبي اقام دولته على أنقاض الدولة الفاطمية بعد أن نكل باﻻسماعيليين في مصر تنكيﻼً فظيعاً , وفتك بعائلة الخليفة الفاطمي " العاضد " وكانوا أحد عشر ولد وأربع بنات و أربع زوجات بالاضافة الى الالوف من الاسرة الفاطمية ومنعهم من التزاوج كما أحرق المكتبة اﻹسماعيلية الشهيرة بدار الحكمة و لما سمع سنان راشد الدين بهذا تألم ألماً شديداً رغم الخصومة الشديدة بين فرعا اﻹسماعيلية " النزارية " و " المستعلية " فأوفد الفدائي الشهير " حسن اﻷكرمي " ليهدد صﻼح الدين في القاهرة , فتمكن هذا الفدائي من دخول القصر و الوصول على غرفة نوم صﻼح الدين وغرس خنجر بقرب رأسه مع الرسالة التالية :
( اعلم أيها السلطان المغتصب العاتي .. أنك وإن أقفلت اﻷبواب , ووضعت الحراس , ﻻ تستطيع أن تنجو من القصاص ومن انتقام اﻹسماعيلية . أراك قد بالغت في القحة واستبددت و قتلت , دون أن تحسب حساباً لشيخ الجبل اﻻسماعيلي الذي يقف لك بالمرصاد , لو أردنا قتلك الليلة لفعلنا , ولكن عفونا عنك لعلك تقدر هذا , و إننا ننذرك لتصلح من سيرك وتعيد الحق المغتصب إلى ذويه , وﻻ تحاول أن تعرف من أنا فذلك صعب عليك , وبعيد عنك , بعد السماء عن اﻷرض , إذا قد أكون أخاك أو خادمك أو حارسك , أو زوجك وأنت ﻻتدري و السﻼم .
يروي بعض المؤرخين قيام عشرة اﻻف فارس من " النبوية " وهي طائفة دينية معادية للشيعة في العراق - باﻻغارة في عام 1175-1174 على مراكز اﻹسماعيلية في " الباب " و " البوزعة " حيث ذبحوا 13 الف إسماعيلي، فما كان من صلاح الدين الا أن انتهز فرصة ارتباك اﻹسماعيليين وارسل جيشه عليهم يغزو سرمين ومعرة مصرين و قتل معظم سكانهما ويعتقد ان هذا قد تم خلال مسيرته شماﻻ باتجاه حلب .
لذلك حاول الاسماعيليين الثأر لمن قُتل فحاولوا اغتيال لصلاح الدين في أيلول 1174 م بينما كان يحاصر حلب . حيث تمكن بعض الفدائية من التسلل إلى معسكر صﻼح الدين وقتل اﻷمير أبو قبيس وتﻼ ذاك عراك قتل فيه عدد كبير من الناس ولكن صﻼح الدين نفسه لم يصب باذى وكانت المحاولة اﻻخرى في 22 أيار 1176 م عندما كان صﻼح الدين يحاصر عزاز حيث تمكن بعض الفداوية كما يسمونهم الاسماعيلية النزارية المتنكرين بزي جنود جيش صﻼح الدين من التسلل لمعسكره ومهاجمته . ووتمكنوا من قتل العديد من اﻷمراء ولكن صﻼح الدين نفسه لم يصب سوى بجروح بسيطة بفضل الدروع التي كان يرتيدها . وقد اتخذ صﻼح الدين بهد هذه اﻷحداث احتياطات واسعة للحفاظ على حياته، فكان ينام في برج خشبي لقيم خصيصا له ولم يكن يسمح ﻻحد ﻻيعرفه شخصيا باﻻقتراب منه .
وفي أب 1176 م تقدم صﻼح الدين في اراضي الاسماعيلية النزارية تحدوه الرغبة في اﻻنتقام وضرب حصار حول قلعة مصياف - كبرى قﻼع الحشاشين - ولكنه لم يلبث ان فك الحصار وانصرف .
وتروى الكثير من الحكايا حول انسحابه وخوفه من الإستمرار في مواجهة النزاريين حيث يُروى ان صلاح الدين ارسل خطاب تهديد الى سنان راشد الدين ويطلب منه تسليم القلعة والاستسلام ونص التهديد :
من الملك الناصر أبي المظفر صﻼح الدين ملك مصر إلى سنان راشد الدين زعيم اﻹسماعيلية في بﻼد الشام :
إعلم يا سنان أنك وإن كنت قد أغلقت أبواب قﻼعك , و أوصدت أبراج حصونك في وجهي , و أقمت الحراس , وحشدت الفدائية بالنبال و اﻷقواس , فأنت ﻻتقدر أن تنجو من صﻼح الدين , الذي سيقطع رأسك , ويخمد أنفاسك , بالرغم من فدائيتك و حراسك . أنا قادم إليك بجيوشي و رجالي , فإما أن تأتي إلينا خاضعاً تائباً و ﻷوامرنا طائعاً , أنت و جميع قوادك ورؤساء جندك , و تسلموا إلينا مفاتيح القﻼع و الحصون , لنرفع عليها اﻷعﻼم و البنود , وإما نصبنا عليكم المنجنيقات فﻼ أبقينا منكم أحد على قيد الحياة , وقد أعذر من أنذر و السﻼم
" صﻼح الدين"
فكان رد الاخير كما نقلها الينا ابن خانكان :
يا للرجال من أمر هال مفظعه *** مامر قط على سمعي توقعه
ياذا الذي بقراع السيف هددنا *** ﻻ قام مصرع جبيني حين تصرعه
قام الحمام إلى البازي يهدده *** و استيقظت ﻷسود البر أضبعه
أضحى يسد فم اﻷفعى بإصبعه *** يكفيه ما قد تﻼقي منه أصبعه
لو أن عمرك حبﻼً أنت ماسكه *** فسوف تعلم يوماً كيف نقطعه
إنا منحناك ثوباً للحياة فإن *** كنت الشكور وإﻻ سوف نخلعه
« قرأنا خطابك وفهمنا نصه وفحواه وﻻحظنا مايحتوي عليه من تهديدات لنا بالكلمات واﻷفعال، ووالله انه لشيء يدعو إلى الدهشة أن نجد ذبابة تطن في أذن فيل وبعوضة تلدغ تمثاﻻ، كثيرون قبلك قالوا مثل هذه اﻷشياء ودمرناهم دون ان يشفع لهم شفيع، فهل تبطل الحق وتؤيد الباطل؟ " وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون " اذا كنت حقا قد أصدرت أوامرك بقطع رأسي وتمزيق قﻼعي في الجبال الصلدة فان هذه امال كاذبة وخياﻻت واهمة ﻻن اﻻساسيات ﻻتدمرها العارضات كما أن اﻷرواح ﻻتدمرها اﻷمراض، اما اذا عدنا إلى المحسوسات التي تدركها الحواس وتركنا جانبا المعنويات التي تدركها اﻷذهان فان لدينا أسوة حسنة برسول الله الذي قال : " لم يقاس نبي مثلما قاسيت " وأنت تعرف ماذا حدث له ولأهل بيته وحزبه، ولكن الموقف لم يتغير والرسالة لم تفشل وحمد لله ﻻيزال اوﻻً واخيرا . اننا مضطهدون ولسنا طغاة، محرومون ولسنا حارمين " قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا ." وانت تعرف ظاهر أحوالنا وقدر رجالنا وما يمكن ان يحققوه في لحظة واحدة كيف يحبون الموت " قل ان كانت لكم الدار اﻻخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين " والمثل الشائع يقول انك ﻻتستطيع أن تهدد بطة بالقائها في النهر ! فخذ كل مافي اسطاعتك اتخاذه من احتياطات دون الطوارث والفواجع قانني هازمك من داخل صفوفك، ومنتقم منك في مكانك، وستكون كمن يدمر نفسه بنفسه " وماذالك على الله بعسير " عندما تقرأ خطابنا هذا فارتقبنا وترحم على نفسك واقرا اول " النحل " واخر " صاد ." » – سنان شيخ الجبل
وفعلا كما هدد صلاح الدين قصد معاقل اﻹسماعيلية فقصد معاقلهم في منطقة مصياف في جيش عظيم ونصب على مصياف المنجنيقات وعسكر بضواحيها وجلس ينتظر سنان راشد الدين الذي لم يكن في مصياف وقتها والذي حاول استدراج صﻼح الدين إلى الحصون الجبلية لمﻼقاته ولكن هذه الحيلة لم تنطل على صﻼح الدين العسكري المحنك ﻷن لو جرب دخول هذه المسالك الجبلية الوعرة لقضي على جيشه فرداً فرداً . عاد سنان إلى مصياف و صعد على قمة جبل المشهد العالي يراقب جيوش صﻼح الدين تحيط بالبلدة من جميع نواحيها وبدأت المراسﻼت ورسائل التهديد بين الطرفين ولما وجد سنان أن الرسائل ﻻ تكفي عمد إلى قرن القول بالفعل فعمد على إرسال أحد الفدائية ليﻼً إلى غرفة صﻼح الدين فدخلها رغم الحراسة فبدل موضع الفوانيس ووضع سكيناً مسموماً من سكاكين الفدائية في رغيف خبز من صنع اﻹسماعيلية قرب رأس صﻼح الدين , وبجانبه ورقة كتب عليها أبيات شعر من نظم سنان راشد الدين يقول فيها :
قد قام قف إلى قاف يزعزعه *** كضفدع تحت صخر رام يقلعه
ما يستحي ثعلب صغر همته *** يرسل إلى أسد الغابات يفزعه
إنا منحناك ثوباً للحياة فإن *** كنت الشكور و إﻻ سوف نخلعه
ولما نهض صﻼح الدين مبكراً كعادته شاهد السكين والرسالة فنادى على رجاله وأطلعهم عليها وقال لهم : لو أراد قتلنا لكنا اﻵن في عالم اﻷموات .
وهناك قصة مثيرة يرويها المؤرخ كمال الدين نقﻼ عن أخيه فيقول ان سنان أرسل مبعوثا إلى صﻼح الدين وأمره ان يسلم رسالته اليه دون حضور أحد فأمر صﻼح الدين بتفتيشه وعندما لم يجدوا معه شيئا خطيرا أمر صﻼح الدين بالمجلس فانفض ولم يعد ثمة سوى عدد قليل من الناس، وأمر المبعوث ان ياتي برسالته، ولكن المبعوث قال : " امرني سيدي اﻻ أقدم الرسالة اﻻ في عدم حضور أحد " فامر صﻼح الدين باخﻼء القاعة تماما اﻻ من اثنين من المماليك يقفان عند رأسه وقال : " ائت برسالتك " ، ولكن المبعوث اجاب : " لقد أمرت باﻻ أقدم الرسالة في حضور أحد على اﻹطﻼق " فقال صﻼح الدين ": هذان المملوكان ﻻيفترقان عني، فاذا أردت فقدم رسالتك واﻻ فارحل " فقال المبعوث ": لماذا ﻻتصرف هذين اﻻثنين كما صرفت اﻻخرين؟ " فأجاب صﻼح الدين ": انني اعتبرهما في منزلة أبنائي وهم وأنا واحد " عندئذ التفت المبعوث إلى المملوكين وسألهما ": اذا امرتكما باسم سيدي ان تقتﻼ هذا السلطان فهل تفعﻼن؟ " فردا قائلين نعم ، وجردا سيفهما وقاﻻ ": امرنا بما شئت " فدهش السلطان صﻼح الدين وغادر المبعوث المكان وأخذ معه المملوكين، ومنذ ذلك الحين مال صﻼح الدين إلى مسالمة سنان والدخول معه في عﻼقات ودية .
عندها علم صلاح ان لاطاقة له على مجابهة الإسماعيلين النزاريين فاقترح عليه خاله شهاب الدين الحارمي أمير حماه أن يكون وسيطاً بينهما لعقد صلح بينه وبين الإسماعيلين ويقال أن سنان لم يشأ أن يقتل صﻼح الدين ﻷنه عرف من حركة النجوم. والكواكب أنه يموت بنفس العام وقد تحقق ذلك .
وكان من ثمار التعاون بينهما تأسيس جيش قوي لمحاربة الصليبيين وقد ساهم سنان بفدائيته المشهورين ورماته المهرة في معركة حطين و بيت المقدس و احتﻼل القﻼع و الحصون .
يذكر ابن الأثير أن الفرنجة حاولوا مفاوضة سنان و التحالف معه ضد صﻼح الدين ولكن سنان رفض ذلك مما أدى إلى حصول منازعات مستمرة بينه و بين الفرنجة فنرى كونراد مونتفرات ، أمير صور يعتدي على سفينة إسماعيلية في عرض البحر ، فيرسل إليه سنان فدائيين لقتله و تقديم رأسه لصﻼح الدين وكان هذين الفدائيين قد تدربا على الحديث بلغة الفرنجة و أن يقلدوهم في سائر عاداتهم تقليدا بارعا ظهرا فيه بمظهر راهبان مسيحيان فتمكنا بواسطة ذلك من أن يقيما في معسكر الصليبيين ستة أشهر كاملة بانتظار الفرصة السانحة من أجل تنفيذ المهمة التي بعثا من أجلها.
يقول الباحث السوري السني محمد حبش " بعد سقوط الدولة الفاطمية، وعندما غزاهم صﻼح الدين في مصياف، برز اﻻمام سنان راشد الدين رجل مسؤولية ووعي ونجح في تحويل الحرب إلى سﻼم، والسﻼم إلى تحالف، وأطلق كتيبة إسماعيلية فدائية، سارت إلى جانب صﻼح الدين نحو القدس حيث دخلوا مع صﻼح الدين إلى القدس فاتحين ظافرين عام 583 هجرية "
يقول الباحث المصري محمد كامل حسين : "فكان إتفاق اﻹسماعيلية مع أهل السنة من أسباب إنتصارات العرب علىالصليبيين في حروب صﻼح الدين اﻷيوبي . . "
يتبع........
المراجع
1- شيخ الجبل الثالث - مصطفى غالب
2- الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ اﻹسﻼم- لبرنارد لويس
3- الطائفة اﻹسماعيلية تاريخها نظمها عقائدها - محمد حسين كامل
#أمجد_سيجري (هاشتاغ)
Amjad_Sijary#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟