|
الشاعرة اسماء القاسمي، عندها الشعر هو الجمال المدل على الخلود!!
وجدان عبدالعزيز
الحوار المتمدن-العدد: 5884 - 2018 / 5 / 26 - 20:13
المحور:
الادب والفن
تبقى الشاعرة اسماء القاسمي تمتح من تراث الامة العربية معاني قصائدها، التي تدخل الى القاريء الدهشة الجمالية، وتضيف الى افكاره تجليات مهذبة، فهي تعمد الى الرمزية في ملامسة قضايا كونية مهمة، كما هوالصراع بين الحياة والموت ، ذلك الصراع الازلي، فمنذ ان بدأ التفكير الانساني ينمو، بدأت فكرة الموت والحياة تأخذ مديات في تفكيره وتنظيراته، وهناك تفسير قريب من العلمية جاء به العالم فرويد، يقول : (أن هناك قوتين محركتين للفرد وللمجتمع الإنساني عموما, تتصارعان وتتقاطعان وتتناقضان, إحداهما أسماها القوة الأيروسية باعتبارها قوة الحياة والحب والإبداع والإخصاب الجنسي,والرضا النفسي, وحفظ النوع, وأسمى الثانية القوة الثانتوسية، التي تعني الموت, وهي القوة المحركة للعدوان والسادية, والدمار والعنف والموت أو القتل)، وهاتان القوتان تتجاذبان النفوس, وتتجاذبان المجتمعات, وعن الصراع بينهما نتجت الحروب, وهذا الامر انعكس في تجلياته على الفنون والاداب، فهناك الروايات والأفلام والمسرحيات والقصائد، التي تتكلم عن الصراع بين هاتين القوتين, اللتين يمكن أيضا أن ننسبهما إلى الشر والخير, لذا عمدت القاسمي الى استثمار والتناص مع حكاية كلكماش كي تعمق هذا الصراع الازلي بين الموت والحياة، وملخص حكاية كلكامش تقول : كان كلكامش او جلجامش ابنا للإلهة ننسون حملت به من أوروك المدعو لوجال بندا، فجاء ثلثه انسان وثلثاه إله، متفوقا على جميع الرجال بخصائصه الجسمية والعقلية، حكم أوروك وهو في مقتبل العمر، فطغى و بغى على أهلها حتى ضاقت بهم السبل، فحملوا شكواهم الى مجمع الآلهة يطلبون منها العون على رد مليكهم الى جادة الصواب، استمع الآلهة إلى الشكوى وارتأوا خلق ندٍ لكلكامش يعادله قوة وجبروتا ليدخل الاثنان في تنافس دائم يلهي كلكامش عن رعيته، وعهدوا بهذه المهمة إلى الإلهة الخالقة آرورو، المعروفة في الاساطير الرافدينية بانها خالقة الجنس البشري، فقامت آرورو بخلق انكيدو من قبضة طين رمتها في الفلاة، وبهذا نشأ إنكيدو مع الغزلان في البراري ، يطوف الفلاة مع القطعان كواحد منها. و في أحد الايام رآه صياد فتى وهرع الى ابيه يحدثه بشأنه ، فاقترح عليه الأب أن ينقل الخبر إلى ملك البلاد، مضى الصياد فمثل في حضرة الملك وقص عليه خبر الرجل الوحش ، فاهتم كلكامش بالأمر و رغب في احضار ذلك المخلوق الغريب إليه، أمر كاهنة حب من معبد عشتارأن تذهب مع القتى الى البرية، وتحاول استمالة ذلك الرجل، ثم تأتي به اليه بعد أن يفيء إلى أحضانها و يأمن إليها . وتكمن المرأة والفتى عند النبع الذي يرده انكيدو للشرب مع القطعان، وفي نهاية ثلاثة ايام من الانتظار يظهر انكيدو، فتبرز إليه المرأة و تكشف له عن مفاتنها، ينسى إنكيدو صحبه من ذوات الظلف و الحافر و يقترب من المرأة ويلامسها وتلامسه، ثم يفيء الى احضانها ثلاثة أيام، وعندما يحاول القيام ليلحق بربعه، يجد أن ساقيه لم تعودا قويتين، وأنه غير قادر على الركض كالسابق، فيرجع الى المرأة التي تبدأ تحدثه عن كلكامش، وعن مدينة أوروك و تقنعه بانه لم يخلق لحياة البراري، بل لحياة القصور، فيتوق إنكيدو للقاء كلكامش عله يحظى بصديق . ولكن كان عليه قبل ذلك ان يتحداه مظهرا قوته ونديته له، تقود المرأة انكيدو الى مساكن الرعاة ، و هناك تلبسه الثياب وتعلمه أكل الخبز وشرب الخمر واسلوب الحياة المدنية، وبعد فترة تنطلق به إلى أوروك، وصل الاثنان الى المدينة، وهي في ذروة احتفال كبير ، فابتهج الناس لرؤية انكيدو وهتفوا إنه ند لكلكامش .. سيدخلان في تنافس دائم وتستريح اوروك، وبينما كلكامش يخطو عتبة باب المعبد لأداء طقوس العيد، تصدى له إنكيدو في الساحة وتحداه، فدخل الاثنان في صراع اهتزت له جدران المعبد، وكانت الغلبة أخيرا لكلكامش الذي طرح خصمه ارضا ومنع حركته، وهنا تهدأ ثورة كلكامش ويرخي قبضته عن غريمة ثم يستدير ماضيا في طريقه، فيناديه إنكيدو بكلمات تمتدح رجولته ومروءته، وتكون فاتحة صداقة عميقة بين الطرفين، و ما نلبث أن نجد إنكيدو مقيما في القصر الملكي صديقا وناصحا للملك،عقب لقائه بإنكيدو غيّر كلكامش من سلوكه في الحكم والادارة، وأرخى قبضته عن رعيته، وما نلبث أن نراه في حالة تأمل عميق في مسألة الحياة والموت، راغبا في الاقدام على فعل جليل يخلد ذكره عبر الازمان بعد ماته، ثم يفضي يمكنون فؤاده إلى انكيدو ويطلعه على نيته في الشروع بمغامرة كبيرة تستهدف الوصول الى غابة الارو في أقصى الغرب وقتل حارسها خمبابا، الذي أقامه هناك الإله إنليل، و أوكله برعاية المكان وحمايته، يجزع انكيدو لسماع ذلك، فهو رأى الوحش خمبابا عندما كان يطوف البراري مع القطعان و ناله منه الخوف الشديد، رآه يزأر في الغابة كعاصفة الطوفان، ومن فمه تندفع ألسنة اللهب وأنفاسه تجلب الموت الزؤام عن مسافة بعيدة, وبعد نقاش ومداولة، رضخ انكيدو لرغبة كلكامش ومضى الاثنان إلى معبد الإلهة ننسون للحصول على بركتها، فصلّت ننسون إلى الإله شمش، حامي كلكامش، ودعته أن يحفظ ابنها وصديقه ويرجع بهما سالمين، وعند البوابة التي اجتازها البطلان في طريقهما خارج أوروك تجمع الناس لوداعهما، وأتى شيوخ أوروك لإسداء النصح لهمما وتوصية انكيدو بالسهر على سلامة صاحبه، بعد رحلة مليئة بالمخاطر والاهوال، وصل الصديقان أطراف غابة الأرز واقحما بوابتها المسحورة التي سببت شللا مؤقتا لذراع انكيدو، ثم أخذا يقطعان شجر الارز، و ما لبث صوت خمبابا أن سُمع هادرا من اعماق الغابة يتساءل عن الذي تجرأ على اقتحام الغابة وقطع شجرها، انقض خمبابا على الغريبين دون مقدمات، ودارت بين الطرفين معركة حامية الوطيس، مالت في البداية لصالح خمبابا، ولكن الإله شمش امدهما بثمانية انواع من الرياح هبت في وجه الوحش وشلت حركته، فأمسكا به وقطعا رأسه فقدماه قربانا لشمش، عاد البطلان إلى اوروك وغسلا عنهما وعثاء السفر، وعندما اكمل كلكامش ارتداء لباسه الملكي، شخصت الإلهة عشتار إلى قامته الفارغة وهامت به حبا،وعرضت عليه الزواج منها معددة الهدايا والاعطيات التي ستمنحه إياها إذا قبل العرض، لكن كلكامش رفض عرض عشتار منددا بخيانتها المعروفة لعشاقها و أزواجها ، وذلك بكلمات قاسية لاذعة جرحت كبرياء الإلهة، ثارت ثائرة عشتار وعرجت صاعدة الى السماء العليا، فمثلت في حضرة كبير الآلهة آنو وشكت إليه إهانة كلكامش، طالبة ان يسلمها قياد ثور السماء، الكائن الوحشي المهول ، لتهلك به كلكامش، وهددت إنها في حال الرفض سوف تحطم بوابات العالم الاسفل فيخرج الموتى ليأكلوا ويشربوا مع الاحياء وتعم المجاعة في الارض، نزل آنوعن رغبة الإلهة الغاضبة وأسلمها قياد ثور السماء فأطلقته في مدينة أوروك يعيث فسادا فيها ويهلك المئات من اهلها، ولكن كلكامش وإنكيدو ما لبثا أن تصديا للثور، وبعد صراع مرير قتلاه وقدماه قربانا للإله شمش. بعد هذا الحدث الجلل، عقد الآلهة اجتماعا في السماء و قرروا أن يموت أحد البطلين عقوبة لهما على قتل خمبابا و ثور السماء ، و وقع الخيار على انكيدو، وقع إنكيدو فريسة الحمى بضعة عشر يوما، ثم أسلم الروح بين ذراعي كلكامش الذي راح يدور حول صديقه المسجى، كلبوة فقدت أشبالها وهو بين مصدق ومكذب، يبكي ويقطع شعر رأسه، احتفظ كلكامش بجثة انكيدو ثلاثة ايام رافضا تسليمه للدفن عسى من بكائه عليه ان يفيق انكيدو من غيبوبته، إلى ان سقطت دودة من انف الجثة التي اخذت تتفسخ، عند ذلك صحا كلكامش من هذيانه وتأكدت له الحقيقة المرة، أقام لإنكيدو طقوس حداد لائقة، ثم انسل من قصره وحيدا شريدا تطارده فكرة الموت، لقد تحول جزعه على صديقه الراحل إلى قلق على مصيره الشخص و خوف من موته هو، تطوح كلكامش في البراري يصطاد الحيواات فيغتذي بلحومها ويقنص الآساد فيرتدي جلودها، وهدفه الوصول الى الحكيم أوتنابشتيم، المخلوق الوحيد الذي انعمت عليه الآلهة بالخلود واسكنته مع زوجته في جزيرة نائية تقع خارج العالم المعروف ، وتفصلها عنه مفازات لا نهاية لها وبحر يموج بمياه الموت، كان عازما على الوصول اليه باي ثمن ليسأله عن سر الحياة والموت، وكيف يستطيع الانسان تحقيق الخلود لنفسه، وصل كلكامش الى جبال ماشو، التي تحرس ذراها المتقابلة الفوهة التي تنزل منها الشمس الى باطن الارض، لتسير مسارها الليلي قبل شروقها من الطرف الآخر، وهناك سهّل له البشر العقارب الموكلون بتلك الجبال، عبور مسالكها، ودلوه على أقصر طريق يوصله إلى اوتنابشتيم، عبر كلكامش مسالك جبال ماشو ووصل الى فوهة الشمس فنزل فيها ليصل عبرها الى الطرف الآخر من العالم ، وفي عمل معجز لا يقدر عليه سوى إله ، اجتاز ممر الشمس السفلي في أقل من ليلة واحدة، وخرج من الطرف الآخر ليجد نفسه على شاطئ البحر الذي يفصله عن جزيرة اوتنابشتيم، وهناك تقيم سيدوري ساقية حان الآلهة، حيث يتوقف الخالدون للراحة و تناول الشراب، فزعت سيدوري لرؤية ذلك العملاق الاشعث الاغبر الذي يرتدي جلود الأسود، فدخلت خانتها و أوصدت الباب ، فناداها كلكامش معلنا عن هويته وقصده، ولما اطمئنت إليه و فتحت الباب قص عليها قصته وطلب معونتها، تصادف وصول كلكامش مع وجود ملاح اوتنابشتيم المدعو اورشنابي في المكان يحتطب من أجل سيده، فدلت سيدوري كلكامش على مكانه، وأخبرته بانه الوحيد الذي يستطيع بقاربه عبور مياه الموت، وذلك بمعونة رُقُم حجرية عليها طلاسم سحرية. انطلق كلكامش كسهم مارق الى حيث دلته سيدوري، وفي غمرة اضطرابه وهيجانه داس فوق الرقم الحجرية التي كان يضعها اورشنابي جانبا وهو يحتطب، فبعثرها وحطمها ، فقال له اورشنابي، بعد ان كشف له كلكامش عن شخصيته و أخبره بقصته طالبا منه العون على حمله الى اوتنابشتيم ، بأن يديه قد حالتا دون عبوره لأنه قد كسر الرُقُم التي تعين المركب على اجتياز مياه الموت، وبعد تقليب الامور على وجهها، توصل اورشنابي إلى حل للمشكلة، فمياه الموت التي تبدأ حدودها بعد مسيرة طويلة في البحر، هي مياه راكدة والهواء فوقها ساكن، حيث لا ريح تدفع ولا مجذاف ينفع ، وحيث الرذاذ إذا تطاير يقتل باللمس، وقد ارتأى الملاح المجرب ان يعمدا الى الدفع بالمردي، وهو مجذاف طويل يستخدم عن طريق ركز طرفه السفلي في قاع الماء لاعن طريق التجذيف العادي، فطلب من كلكامش ان يحتطب من الغابة مئة وعشرين مرديا طول الواحد منها ستين ذراعا، ففعل كلكامش، أبحر الاثنان في المركب الذي قطع في ثلاثة ايام رحلة تستغرق في الزمان المعتاد والمكان المعتاد مسيرة شهر ونصف، ثم ولج المركب في مياه الموت، حيث طلب اورشنابي من كلكامش ان يبدأ باستخدام المردي، وكان عليه ان يستعمل كل مردي لمرة واحدة فقط ثم يتركه بعد الدفع الى الماء، لئلا تمس يده ما علق عليه من ماء قاتل. وصل كلكامش الى اوتنابشتيم، و قص عليه قصته وما جرى له، و رجاه ان يخبره كيف استطاع تحقيق الخلود لنفسه من دون بني البشر، فقص عليه اوتنابشتيم قصة الطوفان العظيم بجميع تفاصيلها وكيف انتهت الى مكافأته بنعمة الخلود، فقد قرر الآلهة إرسال طوفان على الارض يفني كل نسمة حية، وحددوا لذلك موعدا، و لكن الإله ايا الذي حضرالاجتماع وعرف القرار، نقل الى الحكيم اوتنابشتيم ملك مدينة شوريباك قرار الآلهة، و أمره ببناء سفينة عملاقة يحمل فيها أهله ونخبه من اصحاب الحرف و أزواجا من حيوانات البرية ووحوشها ، ففعل اوتنابشتيم، وعندما ازفت الساعة وانداح الطوفان، ابحر اوتنابشتيم بسفينته واغلق منافذها، دامت عاصفة الطوفان ستة ايام والمركب تتقاذفه الامواج، حتى رسى في اليوم السابع على قمة جبل يدعى نصير، فتح اوتنابشتيم كوة وتطلع حدود الافق، كان الهدوء شاملا والبشر قد آلوا في الطين، فخرج واطلق ركاب السفينة، وقدم بعض حيواناته قربانا للآلهة، حصر الآلهة مسرعين لنداء نار القربان وقد تملكهم الندم على مافعلوا، وعندما رأوا ما فعله اوتنابشتيم وكيف انقذ بذرة الحياة على الارض، فرحوا لذلك وقام انليل باسباغ نعمة الخلود على اوتنابشتيم و زوجته مكافآة له على صنيعه، وأسكنها في هذه الجزيرة، ثم ينهي بطل الطوفان قصته بالقول الى كلكامش : والآن يا كلكامش، من سيدعو مجلس الآلهة الى الاجتماع من أجلك، فتجد الحياة التي تبحث عنها؟بعد ذلك دعا اوتنابشتيم كلكامش الى اختبارعسير يثبت من خلاله استعداده ومقدرته على قهر الموت الاكبر بقهر الموت الاصغروهو النوم، فكان عليه ان يجلس في وضعية القعود ستة ايام وسبع ليال دون ان يطرق الكرى أجفانه، قعد كلكامش قابلا تحدي اوتنابشتيم مصمما على قهر النوم، و لكنه بعد وقت قصير، غرق في سبات عميق استمر ستة ايام ، وفي اليوم السابع هزه اوتنابشتيم فأفاق معتقدا انه لم ينم الا هنيهة، وعندما عرف حقيقة ما وقع له وتأكد من فشله في الاختبار، استعد لمغادرة الجزيرة ومعه اورشنابي الذي امره اوتنابشتيم بمغادرة المكان دون رجعة ومرافقة كلكامش الى اوروك، و بينما هما يدفعان المركب بعيدا عن الشاطئ ، شعرت زوجة اوتنابشتيم بالشفقة على كلكامش وهي تراه يعود خالي الوفاض بعد رحلته المستحيلة إليهم، واقترحت على زوجها ان يقدم له بعضا مما قدم لاجله، نادى اوتنابشتيم كلكامش واطلعه على سرة نبته شوكية تعيش في اعماق المياه الباطنية، مسكن الإله انكي، وتحمل خصيصة تجديد شباب من يأكل منها إذا بلغ الشيخوخة، غاص كلكامش في القناة المائية التي تصل الى الآبسو، مجمع المياه السفلية العذبة ، رابطا إلى قدميه حجرا ثقيلا يشده نحو الاسفل، وهناك رأى النبتة فاجتثها بعد ان ادمت اشواكها يديه، ثم حل وثاقه صاعدا نحو الاعلى، وهناك عرضها امام اوتنابشتيم وزوجته شاكرا ، وقال لهما إنه سيحملها معه الى اوروك ليجعل الشيوخ يقتسمونها فيما بينهم، وإنه سيأكل منها أيضا عندما يكبر. انطلق الاثنان في طريق العودة الطويل، وفي غحدى المحطات التي توقفا عندها للراحة، رأى كلكامش بركة ماء بارد فنزل إليها واستحم بمائها تاركا النبتة عند الضفة، فانسلت حية إلى النبته واكلتها وبينما هي راجعة الى وكرها تجدد جلدها، جلس كلكامش عند الضفة وقد انهار تمام بعد ان فقد الامل في تجديد الشباب، وقال لاورشنابي وهو يبكي بكاء مرا : ” لمن أضنيت يا اورشنابي يدي، ولمن بذلت دماء قلبي؟ لم اجن لنفسي نعمة ما، بل لحية التراب جنيت النعمة”، ثم يتابع الاثنان طريقهما .. وعندما يصلان اوروك، يشير كلكامش الى سور اوروك الذي بناه قائلا لاورشنابي : “أي اورشنابي، أعلُ سور اوروك إمش عليه، إلمس قاعدته، تفحص صنعة آجره، أليست لبنائة من آجر مشوي، والحكماء السبعة من ارسى له الاساس” ) . و تنتهي الملحمة بوصف اوروك. وقد ارتأيت ان انقل ملخص الملحمة، لادل على ان الشاعرة القاسمي حاولت هضمها واستثمارها في قصيدتها، مدلة من خلالها على صراع الموت والحياة الازلي، وما الخلود الا اعمال الخير والمحبة والسلام .. تقول الشاعرة :
(بين يديك جلجامش أفاق السؤال العتيدُ المعتقِ بالدماءِ وبالقصيد الرمز حرٌ يا قديم الرمز حرٌ كا لصباح تبدأ رحلة الإغواء تحتفل النجوم ، ترقص للخصوبة للنماء ، وللموت المؤجّل سبعة أيام تكفي لأخلد للشعر يا جلجامش عل الشعر يقتلني ببطئ ولا يُبقِ لي رسمًا ولا اسمًا علّ الشعر يكون أنكيدو .. .أويكون عشتارًا او يكون سؤالا بحجم الكون)
فهنا في نص القصيدة ذكرت جلجامش والايام السبعة وانكيدو وعشتار واعتبرت هذه المسميات رموزا ذات دلالات، ثم قرنت بها الشعر، كونه من عوامل الخلود، الباحث ابدا في منطقة الجمال، ثم رسمت سؤالا قد يكون بحجم هذا الكون، ودلت بدون ادنى شك على انفعالاتها النفسية وقلقها المتزايد في خلق معادلة بين الموت والحياة، وهذا قد يعطينا مسوغا لتحليل ذائقة القاسمي واجتراح نتيجة مهمة، تركزت كما يبدو للمتلقي في ان الموت والحياة صنوان للخلود، أي بمعنى الحياة عمل مستمر، ثم الموت يكون في استثمار هذا العمل، وكون القاسمي شاعرة عمدت الى الترميز، لخلق فلسفة خاصة بها، فـ(هل يسقط المعنى/وينسلخ عن الرمز اعتباره)، لكن الشاعرة تقول : (سأعزف عما كان/من شظف التساؤل)، لتبقى القاسمي في دائرة اثارة الاسئلة المتوالدة في استدراك واضح من خلال قولها : (وأتذكّر أنني جئت/قبل الموت بلحظةٍ أو لحظتين/لأُعتقِ الرمزعن مداه)، ثم تختم قصيدتها بقولها : (المتشبثون بأطراف القصيدة/ماذا سـنفعل/لو سقطت ورده في المدى/وانكسر الياسمين ؟)، وهذا اثبات لمساحة الجمال الذي يؤكد لنا انه الخلود بعينه ...
ـ قصيدة (جلجامش) الشاعرة اسماء القاسمي
#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعر مصطفى الشيخ، ووعي العلاقة بين الذاتي والموضوعي ..
-
الشاعرة مفيدة الوسلاتي، وحالات القلق من اسئلة الوجود ..!!
-
الكاتبة فاديا الخشن، وصراعها الجمالي بين الأنا والآخر ..!!
-
الشاعرة نرجس الجبلي، والانفعال الذاتي الجمالي ..!
-
الشاعرة مسار حميد الناصري، رغم الاوجاع تُسرج حلمها تحت سنبلة
...
-
علي الفواز مثل حضورا فاعلا في الواح الغياب
-
ليلى القواس في المحكمة الشعرية !!
-
وسكتت شهرزاد، لكن الشاعر حبيب السامر لم يسكت !! /ديوان(شهرزا
...
-
الكاتبة ذكرى لعيبي، الغياب وصراع البحث عن الذات ..!!
-
الشاعرة اسماء صقر القاسمي، بين التراث ومحاكمة الذات ..!
-
الشاعرة مها ابولوح، تتبنى الحزن المُبرر ..!
-
الشاعرة ساناز داودزاده فر، تصنع حوارا شبه سري مع الاخر ..!!
-
الشاعر رافد الجاسم، رومانسية بشكل كلاسيكي ورؤية حديثة ..!!
-
الشاعرعبدالعزيز الحيدر ومحاولة ترويض اللاوعي للوعي ..!!
-
الشاعر كريم الزيدي في كندا، مصطحبا الحزن العراقي معه..!!
-
التشكيلية أفين كاكايى /رحلة البحث عن الوطن
-
جنة عدنان .. موصلية ابداعها امتداد لحضارة بلدها
-
الشاعرة حنين عمر/ورقصة الوهم
-
الشاعر علاء احمد ، تتجلى معانيه بصور المفارقة
-
الشاعرة رشيدة موني في صراع لاختراق المألوف
المزيد.....
-
الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|