|
اسمه لاشيء (قصة قصيرة)
محمد عبد الزهرة شاني
الحوار المتمدن-العدد: 5884 - 2018 / 5 / 26 - 18:38
المحور:
الادب والفن
اسمه لاشيء قصة قصيرة
لا شيء … كان هذا ما ُيلقب به ، فهو لم يختار اسمه ولا يملك اي شيء حتى اسمه وكيانه وكل شيء هو ملك لأخرين غير موجودين في أي مكان ، يرتدي ما يرغب منه المجتمع ان يرتدي ويأكل طعام الاخرين ، في لحظة من صدف التأمل من ذلك الدهر العتيد. فكر وخالف التعليمات فلم يُسمح له حتى بالتفكير ، لان اسمه لا شيء ويعيش في قرية مضادة للإيجابيات . فتبادرت له فكرة ما. ذهنه امتلئ ولأول مرة بشيء ما . بفكرة بحدس بخاطرة . ، شيء ما دخل الى وعيه الى دماغه ، شيء غير الصفر ، شيء أضاف ثقلا الى كاهله ، امرا قد رفضت ان تحمله الجبال ، فقط هذا الانسان العجول قد اتفق بصفقة مع الشيطان ، . شعور رائع وجديد بان تجرب تحريك خلايا مخك بان ترقص عصبوناتك على موسيقى خيالية وعالم جميل ، نشوة لم يجربها من قبل ، صرخ عاليا لقد امتلكت شيئا انها فكرة انها تصورات انها رموز وصور انها معلومات انها بيانات انها حياة . انها تشكل معنى بأن هناك مغزى بهذا العالم بعد كل شيء عانيناه. ومهما كانت تلك التصورات بما تحمله من سخف وسطحية فهي ملكي . انا املك شيء فبعد ان كنت مملوكا اصبحت مالكاً. هناك شيئا يضاف الى جوهري ، هنه تباعا لي ومرهون بإشارتي . فقرر ان يُحذر المجتمع من دكتاتورية القدر ويقول لهم انكم من الممكن ان تملكوا شيئا ما. أنكم في سبات عميق .استيقظوا ايها الغير موجودين .. أفيقوا يا سلبيين افتحوا اعينكم . مارسوا هواية الرؤية وتمارين الاستماع لعلكم تشاهدون وتسمعون وتتحدثون وتفكرون وتعقلون باننا لسنا على هامش الحياة باننا لسنا مجردة ذرة كاربون في هذا الكون الحقير . اننا لسنا صراصر تسحق تحت قارعة التهميش . فاخذ الناس يستهزؤون به ويرمونه بالجنون ويصفونه بالمضحك تارة وبالدجال تارة اخرى ، وبعدها رد على استهزائهم بانهم يملكون الرفض فلماذا لايكون رفضهم فكرة بحد ذاتها ؟ ولم يفهم الجميع ما يقصده من كلام وقد احاطوه من كل جانب وهم يلهثون للهجوم على تلك الغرابة المفرطة وتحدي ما يريده منا الذين يعلمون . ناداه شخص اسمه (عديم الجدوى) بان رفضنا لفكرتك لايعتبر شيئا ما لانه رفض وانعدام تماما كفكرة اللاشيء التي نقدس، انه رفض لمفهوم اعتباطي اسمه شيء ولن نسمح بان يملك (ال) التعريف ليصبح الشيء .. نحن لانعرف ولا نعطي قيمة لمفاهيم ايجابية فنحن محتومون بان لانكون وعلى هذا تكونت تعليماتنا والخروج عنها هو كفر مبين وهذه من وصايا الذين يعلمون . فقال له اللاشيء . لكن هذه العادات التي تُقيدنا تم وضعها من اشخاص في قديم الزمان اذن لماذا هم يملكون الحق بالملكية ؟ ونحن لا؟ ، لماذا يفرضون علينا ما يجب ان نفكر به ونضع له القواعد لنعيش بانسجام لماذا لايحق لنا ان نرتقي لمرتبة الذين يعلمون وخصوصا ونحن من الممكن ان نستقبل ونعلم ونفكر ، لماذا يحتم علينا ان لا نكون ؟. فضحكت امراة اسمها (عدمية) وضحك معها الجميع ، ثم صرخ رجل عجوز اسمه (ميؤوس) بان التعاليم لم تاتي من كائنات من جنسنا بل جاءت عن طريق كتاب غير موجود ولايسمح لاحد بان يبحث عنه وتوارثنا هذه التعاليم جيلا بعد جيل ثم تم إخفاء الكتاب من قبل الذين يعلمون لانهم أولى بمصالحنا وما يجب ان نكون عليه من هيآة.
ما هي الا لحظات حتى جاءت شرطة الافكار لتلقي القبض على (لاشيء) .فانه قد ارتكب ابشع جريمة من الممكن ان تحدث . جريمة التفكير والتي لم يجرُ أحدا على ارتكابها من قبل ! . جاءت الدورية وهي مكونة من ثلاث اشخاص لايملكون حتى اسماء وهذا الترتيب قديم بقدم الهراء الذي يعيشه المجتمع. لكن كان هناك تدرج برتب الشرطة فاول سنة يطلق على الشرطي (مفقود) والثانية (محروم) والثالثة (مجرد) ومن ثم يمكن ان تدخل بمنافسة على لقب رئيس الشرطة بانتخابات نزيهة والشخص الذي لايصوت له الناس هو الرابح .. رئيس الشرطة له لقب شرفي لايناله الا من له حظ عظيم .. (مطرود) هذا هو اللقب الذي يسعى اليه كل شرطي للحصول على شرف التعاسة الابدية وهي الهدف الاسمى من هذا العالم الكارتوني اللعين ، ويسعون جاهدا بان يجعلوا الاخرين يصوتوا بالرفض لهم حتى تكون سنة كاملة من حقهم من التعاسة المجردة والحصول على لقب مطرود . تم القبض على (لاشيء) فحكم عليه القاضي (فراغ) بسحب هويته وتهجيره من القرية الكارتونية فصديقنا اللاشيء لم يعد يملك لا اسمه ولا أشيائه التي لم يمتلكها . ولا حتى قريته. الان اصبح وحيدا من بعد ما كان أيا وحيدا ، ولايملك في حياته الا تلك الشرارة التي اشعلت لهيب وعيه وانهلت عليه بنشوة التفكير .. غادر (لاشيء) تلك القرية وبعد سنوات من المغامرة والاجهاد والعيش بعزلة تامة . وصل الى قرية ثانية قرية الموسيقى عسى ولعل يجد ضالته بالملكية والاستحواذ فوجد ما كان يحلم به وتعرف على فتاة جميلة اسمها (كل شيء) ونظام القرية مكون بالنقيض من قريته فيوجد كل شيء بجمالها الصارخ وتدرج الشرطة يكون من (متفائل) و(عظيم) و(دؤوب) ورئيس الشرطة له لقب( وجود) وينتخب الرئيس بان يصوت له الناس .. والناس تملك اسماء والقاب ومنازل وهناك زهور وفراشات وموسيقى والوان ..تزوج (لاشيء) من (كل شيء) فاصبحوا يملكون معا اشياء واشياء وتغمرهم السعادة ولحفاهم السماء وسريرهم الأرض الا ان سعادتهم لانهائية . يبتسم صديقنا في ليلة قمرية ويغني ويرقص ويلوح بيديه للنعيم الذي فيه. سقطت قطرات المطر على وجهه فنعم بالخلد والهناء وهو يحدق الى شرقنة قد تحولت تواً فراشة بالوان قوس قزح تنبعث منها رائحة النوتات الموسيقية وتلك قطرات مياه شلال خصب يروي فم العذارى لتغمس اجسادهن ببركة مياه وتخرج برائحة الطيب وتتلألأ هيئتهن كأنهن السماء وهي تتزين بالنجوم .. لاشيء وهو ينعم بهذه السريالية المفعمة بكل الامل ، قد سقط على الارض ليجد نفسه في حلم غريب وكان ما زال بقريته التعيسة ، وكل تلك الاحداث هي من نسيج تلك الفكرة التي خطرت له فمجرد ان فكرة وجاءت اول فكرة فهي لم تأتي فرادا بل جلبت معها حلم كامل من الامل حلم كل شخص بان يكون .. ارادة شخص ونظام لمجتمع سعيد .. استيقظ وذهب الى اصدقائه بقريته البائسة وكما هي عادته جلس ولا يتكلم بشيء ويشعر بالفراغ التام .. عزلة كونية مع انفاس مظلمة . ليحصل على تأملات الكأبة وهذا ما كان يتغذى عليه في تلك القرية . واراد ان يخبر اصحابه عن الحلم عن الامل عن تلك القرية عن الالوان والموسيقى وعن الطيور الجميلة الا ان قانون الذين يعلمون يمنع هذا الامر، فصمت كما هي عادته مع كل يوم ومع كل حلم جديد. اصدقائه يملكون احلامهم ويملكون افكارا مبطنة بين خلجات انفاسهم و لايمكن ان يسمح القانون بان يسردوا تلك القصص والحكايات . لاشيء فكر بفكرة واحدة فجلب عالماً من الامل ، وكل شخص بتلك القرية لهم افكارهم اليومية الا ان التعليمات لاتسمح بالمشاركة .. فكر بصمت والا سيقبض عليك . صمت وفراغ ، يأس وتشاؤم .. أفكار حبيسة في صدورنا .. ولا نملك الجرأة بان نتحدث .. نثور ونقص ما نفكر به للاخرين .. تلك هي حقيقة ما نكون .. الى ان جاء مراهق بفكرة ثورية .. وصنع معجزة تجعلنا نكتب ونتناقش … معجزة حينما نقترب بان نتواصل معها تخبرنا مالذي تفكر به ومالذي يدور في خاطرك ويمكن ان نكتب او نضع الصور والمرئيات وما نشعر به كل هذا حتى نسرد احلامنا وافكارنا وخلجاتنا للاخرين .. فشكرا مارك.
#محمد_عبد_الزهرة_شاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|