أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود سلامة محمود الهايشة - من يشتكي ...؟! قصة للأديب محمود سلامة الهايشة














المزيد.....

من يشتكي ...؟! قصة للأديب محمود سلامة الهايشة


محمود سلامة محمود الهايشة
(Mahmoud Salama Mahmoud El-haysha)


الحوار المتمدن-العدد: 5884 - 2018 / 5 / 26 - 09:23
المحور: الادب والفن
    


كلَّما تقدَّم خطوةً جاء مَن يُفسِد عليه فرحته، إذا ساعَد أحدًا، أو تفوَّق في شيءٍ بعمَلِه، كُتِبَ فيه شَكوى تَصِلُ لإدارة العمل، كلَّما أنجز إنجازًا جاءت الكلمات كالرَّصاص مكتوبةً بقلم بارد، كلُّ خطوة يَخطُوها يجدها بعد أيَّام بل ساعات معدودة على ورقٍ أبيض مسطر، بقلمٍ جافٍّ أخضر، بخط رقعه، المدهش تفاصيل التفاصيل، فمن أين أتى بها صاحب الدم البارد؟! لا يدري! يحدِّث نفسه: "أنا الذي كتَبَها في أنا"، هل هذا معقول؟! أأكتب في نفسي شكوى تِلوَ الأخرى؟! فمَن إذًا الذي أخبَرَه بكلِّ نَفَسٍ أتنفَّسه، فيعده عليَّ؟ كذلك حركاتي، سكناتي، كل مرَّةٍ تصل شكوى يُحِيلها المدير العام لمديري المباشر؛ كي يُحقِّق فيها، إلى أنْ وصلَتْه ورقة بها كلمات تنمُّ عن مشاعر حقدٍ وكرهٍ دفينٍ واضحٍ من صاحب تلك القَنابِل تجاهي؛ ممَّا دفَع المدير العام أنْ يَكتُب عليها عِبارة: مُؤكَّدٌ أنَّ هذه الشكوى من أحد الأصدقاء أو الزُّمَلاء المقرَّبين جِدًّا للمُشتَكى في حقِّه، فحذِّرْه وانصَحْه، حتى ينتبه لما حولَه ويأخذ حذره، فإنها بالتأكيد شَكاوَى كيديَّة الغرض منها إيذاؤه بأيِّ طريقة.

كلُّ ذلك وهو لا يَعرِف مَن يكتبها، ظَلَّ يُفكِّر، فكلُّ مَن حوله كلُّهم خارِج نِطاق الشكِّ وفوقَ الشُّبهات، علاقته بالجميع ممتازَة، فمَن يتبعه إذًا؟! أعفريت يُصاحِبه دون أنْ يَشعُر؟! تحوَّلت حياتُه لكابوسٍ اسمه الشكاوى، لدرجة أنَّه كلَّما دخَل محلَّ العمل، انتَظَر أنْ يُنادِيَه مديرُه ويدفع في وجهِه ورقةً أو عدَّة وُرَيقات تَحمِل في طيَّاتها كلامًا جديدًا فيه إدانةٌ له، إلى أنْ أصبَحَ مشهورًا وسط زملائه ومَعارِفِه في العمل بـ"المشكو في حقِّه"، إلى أنْ جاء يومٌ ناداه أحدُهم وطلب التحدُّث معه على انفِراد، فسأله:
♦ هل بالشكاوى تواريخ وأرقام؟!

فنظر إليه يُحَملِق في وجهه وفمُه مفتوحٌ نصف فتحة، فكرَّر عليه السؤال:
♦ هل بها أرقامٌ وتواريخ.
♦ آه.. نعم.. بها..!

فابتسم ابتسامةَ المتأكِّد من كلامه:
♦ هناك شخصٌ واحد يستَخدِم هذا الأسلوب في كتابته للشكاوى!
♦ أتقصد الأرقام والتواريخ؟!
♦ نعم.

♦ أهو معروف لهذه الدرجة؟!
♦ بكلِّ تأكيد، فمنذ أنْ عرفناه وهو يشتَكِي الدنيا كلَّها؛ حيث إنَّه إذا سمع أيَّ رقمٍ أو تاريخ يخصُّ أيَّ شيءٍ يحفَظُه على الفور، يختَزِله ثم يَكتُبُه في دفترٍ خاصٍّ مخبًّأٍ في غرفة نومه، ثم يربط بعد ذلك عِدَّة تواريخ أو أرقام في شكوى واحدة، بعدَ أسبوع أو أشهر أو سنوات؛ ممَّا يجعل الشكوى قويَّة وذات قيمةٍ كبيرة عند المسؤولين الذين تَصِلُهم الشكوى المدعَّمة بالإحصائيَّات!

♦ هذا تفكيرٌ خطيرٌ من شخصٍ ليس بالسهل أبدًا، مَن هو؟!
♦ وائل.

♦ يا رجل، كيف هذا؟! هذا الشخص بالتحديد بيني وبينه علاقة طيِّبة للغاية، فلم يكن بيننا في يومٍ من الأيام أيُّ سوء، فهو بالتحديد آخِر إنسانٍ في الكون أفكِّر - مجرَّد التفكير - أنْ أشكَّ فيه!
♦ الأوراق التي بها الشكاوى موجودة، ارجِع إليها وضاهِها بخطِّه في أيِّ ورقهٍ كتَبَها تخصُّ العمل، فهذا لن يكلِّف شيئًا.

نزَل عليه الحديث كأنَّه جبلٌ انهار فوقَ رأسِه، لم يستَطِع أنْ يتفوَّه بكلمةٍ واحدة يردُّ بها على صاحِب النَّصِيحة الغالية، التي من المُمكِن أن تفكَّ اللغز الذي حيَّرَه منذ أكثَر من شهرَيْن، ذهَب إلى بيته وعقلُه به ثورة، يُفكِّر في اتِّهام وائل بكتبه الشكاوي فيه، لم يستَطِع النومَ طوال الليل، جفنُه لم يغمض، فقام وتوضَّأ وصلَّى، فتذكَّر موقفًا دارَ في بيت وائل، فتذكَّر الحديث الذي حدَث بينهما، أخبَرَه فيه بسرٍّ معيَّن لم يسمعه غيرهما، ولم يشهد عليهما إلا الله - سبحانه - فجاءَتْ شكوى بعد تلك الواقعة بيومَيْن فقط تَحمِل ما جرَى بينهما بالضبط، لدرجة أنها كانت أسرع شكوى تُكتَب فيه.

وفي صباح اليوم التالي، تَوَجَّه في بداية الدَّوام إلى موظف الأرشيف يَطلُب منه أيَّ أوراقٍ مخطوطة بيد وائل، فرَفَض في بداية الأمر، فهمس في أذنه بأنَّ هذا الأمر قد يُوصِله لِمَن يَكتُب فيه الشكاوى، فقام على الفَوْر بإخراج الملفَّات من بين الأرفف، ظَلَّ يبحث فيها إلى أنْ وصَل لمذكرة كامِلة بخط يد وائل، فبمجرَّد أنْ وقعَتْ عينه على خطَّته، قال:
♦ الحمد لله رب العالمين.

♦ فسأله موظف الأرشيف:
♦ هل هو؟!

فأخرج من حقيبته صورًا ضوئيَّة ممَّا كُتب في حَقِّه من شكاوى:
♦ انظر وقارِن بين هذا وذاك!
♦ نعم، فعلاً، هذا الخطُّ هو هذا، لا يحتاج إلى خبير خطوط، مبروك؛ قد أظهر الله الحقيقة.



#محمود_سلامة_محمود_الهايشة (هاشتاغ)       Mahmoud_Salama_Mahmoud_El-haysha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توقيع ومناقشة ديوان -أتفحص فوضاي- للشاعر أشرف عزمي
- مسلسلات رمضان قد تصيب المشاهدين بالأمراض النفسية
- بالصور والفيديو। الشاعر عبدالناصر أحمد الجوهري: التجرب ...
- مداخل تضمين التربية البيئية في المناهج الدراسية المختلفة
- هل هناك علاقة بين الثورة/الثورات والإبداع بكافة أشكاله ؟!
- الأوبريت الغنائي الاستعراضي الرمضاني - مسحراتي الربيع العربي
- فضفضة ثقافية (415)
- الانتماء ماهيته وأهميته .. كندا نموذجاً
- فرض التعريفة الجمركية على الصُلب ثم تأجيلها .. والتأثير على ...
- نظرة معمقة لعملة البيتكوين في ظل حفاظها على مكانتها
- البيئة بين العلم والتربية
- الحسد والجسد .. ما بين كرة القدم والثانوية العامة!!
- فضفضة ثقافية (414)
- الأطفال وضرورة الاهتمام بما يكتب لهم
- فضفضة ثقافية (413)
- التوعية الغذائية لأطفال المدارس
- بعض إشكاليات التعليم العالي العربي
- بعضا من الأسئلة التي تواجه للتعليم الجامعي العربي
- إذابة المعادن بين المحاولة والخطأ!!: المحاولة والخطأ في إذاب ...
- فضفضة ثقافية (412)


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود سلامة محمود الهايشة - من يشتكي ...؟! قصة للأديب محمود سلامة الهايشة