|
إسرائيل في الملف السوري -2/2
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 5882 - 2018 / 5 / 24 - 22:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ملف المعارضة السورية تتجاوز عدد الدول والمنظمات الموجودة والمتصارعة على الأرض السورية، تلك التي اشتركت في الحرب العالمية الثانية على الأراضي الألمانية، وإسرائيل وبشكل غير مباشر، كانت لها حضورها ضمن هذا الصراع، فهي تدرك أنها ستكون من ضمن الدول الأكثر تضطرا مستقبلا، فيما إذا لم تبنى سوريا المستقبل حسب الموازين الحضارية، ولهذه الغاية إلى جانب غيرها، عملت السلطة على تحريف المعارضة السلمية إلى معارضة تكفيرية إسلامية مكروهة دوليا، وسياسية منافقة وانتهازية مخترقة، سهلة شراؤها واستغلالها، وفاقمت منها توجه المعارضة من قبل قادتها التكفيريين، وبتوجيه خارجي، على جعل إسرائيل هدفا مستقبليا لحروبها، وهذا ما كانت تتمناه سلطة بشار الأسد وإيران، وللأسف لم تكن للمعارضة الحقيقية الإمكانيات بالحد من هذه التوجهات الخاطئة. تداركت إسرائيل هذه المعادلة، فكثفت جهودها لئلا تكسب هذه المعارضة بالذات الصراع، للحفاظ على سلامة شعبها، ووجودها، وليست لها مطامع في سوريا سوى السلام معها، بعكس تركيا وإيران ذات النوايا التوسعية، إما باقتطاع أجزاء من أراضي سوريا أو احتلالها، وهي من أحد المسببات في تعقيد قضيتها، وزيادة احتمالية تقسيمها، وتقلل من عملية تكوينها كدولة فيدرالية لامركزية، فالأولى تخطط لاحتلال الشمال السوري بعمق 30 كم وذلك تحت حجج واهية منها حماية أراضيها من الكرد، وإيران تعمل على جعلها دولة تابعة لمرجعياتها الشيعية أو محتلة عن طريق ترسيخ قواعدها العسكرية أو تكثيف تواجد أذرعها على الأراضي السورية، إلى جانب مطامع الدول الكبرى كمخططات ترسيخ وجودها عسكريا، أو لاستغلال إمكانياتها الاقتصادية. كانت على المعارضة، أن تتدارك هذه المعادلة، وأن تضع حداً لألاعيب السلطة، وتجاوز الدول الإقليمية، ولو كانت حقا تطمح إلى كسب الرأي العام العالمي أو الشارع السوري، وتفضيل الحيز الوطني على مصالح شرذمة مأجورة تحكمت بمصير المعارضة ولوثت مفاهيمها، وتدافع كما تدعي عن الشعوب السورية، كانت عليها قبول إسرائيل والتعامل معها بشكل مباشر، لكن مثل هذه المطالب من منظمات تكفيرية إسلامية راديكالية ومأجورة لخدمة سلطات إقليمية، ومن ضمنها السورية، لن تتمكن من تجاوز الإملاءات المفروضة عليها، ولا مفاهيمها الجامدة والموبوءة. والأن وهي في الواقع المزري الحالي، ولتقطع الدروب عن سلطة بشار الأسد والمتربصين بسوريا، يتوجب على البقية الباقية من المعارضة، أو من الشريحة الناجية النزيهة منها، التخلي ببيان رسمي عن استمرارية الصراع العسكري، وترك المناطق التي تحت سيطرتها شكليا، والانتقال إلى النضال السلمي السياسي، والعودة إلى شعار إسقاط النظام بكليته، والمتضمنة المعارضتين، السياسية الانتهازية، والعسكرية التكفيرية، إلى جانب سلطة بشار الأسد، والاعتراف بإخطائها المصيرية، ومنها: مخططات إزاحة المعارضة الحقيقية عن الساحة، وعمليات القضاء على رموزها، وبأساليب مماثلة لأساليب السلطة. ومؤامرات محاربتها الكرد، وعدم الاعتراف الدستوري بهم كشعب قائم على أرضه التاريخية. وعليها كما كان يجب أن تفعله منذ بدايات الصراع مع السلطة، فتح أبواب الحوار السياسي والدبلوماسي مع إسرائيل كدولة، وعلاقاتها مع سوريا، والتخلي عن أن تكون عراب القضية الفلسطينية، وتركهم يتناولون قضيتهم بين بعضهم. لأن استمرارية المعارضة خلال السنوات السبع الماضية على نهج الأسد بظنية عداوة إسرائيل، وطرحهم في كل مناسبة، مسألة مواجهتها، حتى ولو كانت بشكل نظري، إلى الحد الذي أفتى بها البعض من فقهاءهم، أدت إلى تخلي معظم الدول عنهم، وعلى رأسهم أمريكا، وعلى أثرها لم تجد لا إيران ولا روسيا من يعترض بشكل جدي على مجازرهم في سوريا، مع ذلك لم تبالي المعارضة المأجورة إلى أن محاربة إسرائيل هي في الواقع تعني مواجهة أمريكا، وجميع المحللين السياسيين يعلمون أن إسرائيل عن طريق لوبيها هي التي تتحكم في معظم القرارات الخاصة بالشرق الأوسط لأمريكا، وعليه فالتغاضي الأمريكي عن المعارضة، كانت من نتائج عدم عرض حلول منطقية مع إسرائيل بدل معاداتها، وهو ما أدى إلى التساهل الأمريكي مع روسيا عندما وضعت الأخيرة 170 منظمة عسكرية من المعارضة ضمن قائمة الإرهاب، وقننت من تسلحيها بشكل مباشر أو فرضت سقف المساعدات العسكرية على الدول المعنية بالأمر، في الوقت الذي صعدت فيها روسيا من قصفها، أي عمليا تخلت أمريكا عن المعارضة، ومن حينها ظهرت بوادر أفولها. لا شك النهج الإسلامي التكفيري المعادي لإسرائيل، والمبني عليها المعارضة العسكرية وأغلبية السياسية التي أبرزت على الساحة، خدمات جليلة للسلطة ولإيران، وهذا ما تفعله تركيا الأن على الإعلام، ولكن لغايات آنية، وإلى الحد المحافظ فيه على عمق العلاقات الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل. علما أن تصريحات قادة المعارضة العدائية اللامسؤولة لإسرائيل، لم تستند إلى عمق فقهي، ولا تخدم المصلحة الوطنية، وأضرت ليس فقط بهم كمعارضة بل بالمجتمع السوري عامة، فمواقفهم كانت ترسيخاً لصراع مع أفضل دولة ديمقراطية ليست فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل على مستوى العالم، وبالتالي كان مصيرهم الفشل، وحتمية الأفول. وبغض النظر عن الصراع الجاري بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، والتكثيف الإعلامي العربي ضدها، والتحريضات الإيرانية للحركة الفلسطينية وخاصة حماس لمحاربتها، تبقى إسرائيل أفضل الدول الإقليمية في معاملتها مع الفلسطينيين، ولا يمكن مقارنتها مع الأنظمة العربية والإسلامية المجاورة، وأساليبهم الإجرامية للشعوب المغلوبة على أمرها، ومن بينهم المعارضة السورية والنظام. وكسؤال جدلي، ماذا كانت ستؤول إليه مصير الفلسطينيين المقاومين، في ظروف سلطة بشار الأسد الحالية أو تحت جدلية وجود المعارضة التكفيرية الإسلامية العروبية، أو في ظل حكم جميع الدول العربية، أو مع إيران أو تركيا، أو غيرهما من الدول الإسلامية؟ إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة تتعامل، رغم بعض التجاوزات ولظروف معينة مع القضية الفلسطينية، بعمق ديمقراطي، وهو الفضاء المحافظ على عدم حدوث المجازر، بينها وبين الفلسطينيين بل والدول المجاورة، كالتي فعلتها المعارضة السورية والسلطات العروبية والإسلامية بشعوبها. فمعاداة إسرائيل بتلك السذاجة من قبل شريحة انتهازية إسلامية كانت من أحد بوادر تحريف الثورة عن مسارها، ومنهم تم تشكيل المعارضة التي ساومت على مصير الشعوب السورية في المؤتمرات السابقة وساومت مؤخرا في أستانة 9، وهي التي كرهت الدول الصديقة للشعب السوري بقضيته، وتخليهم عنه في محنته، حتى أن البعض ساعدوا على بقاء سلطة بشار الأسد، ومنهم من قارنوه بالمعارضة بل وأحيانا تم تفضيله، رغم كل جرائمه ومجازره، وتدميره للوطن. كما وكانوا السبب في التعتيم على المعارضة النزيهة، وتغييب ممثلي الشعب الحقيقيين المجتمعة من أجلهم في بدايات الثورة ثمانين دولة، وعلى رأسهم أمريكا، معظمهم ساندوا شعار الثورة والشارع السوري، والبعض منهم طالبوا بتغيير النظام، وليس فقط سلطة بشار الأسد. كانت من الأمور الحتمية أن تتجه مصير المعارضة المنافقة والانتهازية إلى ما ألت إليه، وأفولها الحالي انتصار لقسم كبير منهم (الانتهازية والمنافقة) ولأربابهم ومن بينهم سلطة بشار الأسد. وما يتم الحديث الأن عن تمثيل البقية الباقية المحصورة في عفرين أو جرابلس أو إدلب كممثلين عن السوريين في المؤتمرات، تجديد للنفاق الدولي على السوريين، وهي مرحلة وقتية ستتخلى عنهم تركيا عاجلا أم آجلاً، ففيما إذا فرضت روسيا وأمريكا على أردوغان الخروج من سوريا، حينها ستكون قد بلغت فلول هذه المعارضة نهاياتها، ولا تعني هذا أن المعارضة الحقيقية منتهية، بل ستظل وستستمر ما دامت هناك أثار للنظام الحالي. د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية [email protected] 19-5-2018م
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل في الملف السوري 1/2
-
مستقبل الكرد في سوريا القادمة
-
تداعيات أفول المعارضة السورية
-
بساطتنا الكردية وأخطاء المحتل
-
مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً- الجزء الخامس و
...
-
ترمب وسياسة التويتر
-
استيقظي يا أمتي نحن في متاهة
-
مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً- الجزء الرابع و
...
-
ماذا قال العدد 68 من بينوسا نو
-
تصريح ترمب والكرد
-
ماذا تجني أمريكا من استغلال الكرد
-
قراءة في المشروع الأمريكي الفرنسي البريطاني لمنطقة الجزيرة
-
لماذا الدول الكبرى تغض الطرف عن إرهاب أردوغان -2/2
-
لماذا الدول الكبرى تغض الطرف عن إرهاب أردوغان- 1/2
-
ماذا وراء تهديد وزير خارجية روسيا لأمريكا
-
مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً -الجزء الثالث و
...
-
مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً- الجزء الثاني و
...
-
من أسقط الطائرتين الإسرائيلية والتركية
-
ماذا سيقول تيللرسون لأردوغان
-
العرب والعروبيون
المزيد.....
-
لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف
...
-
أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
-
روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ
...
-
تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك
...
-
-العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
-
محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
-
زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و
...
-
في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا
...
-
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
-
الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|