|
(12) عام جديد
فوزى سدره
الحوار المتمدن-العدد: 5882 - 2018 / 5 / 24 - 21:01
المحور:
الادب والفن
" دور يمضى ودور يـجيـىء والأرض باقية للأبد " سفر الجامعة 1 : 4
تظلم الأرض إذا أعطت ظهرها للشمس وتستنير إذا صبحت بوجهها على الشمس
قلت لميكو : نحن على أبواب عام جديد فما الذي تتمناه ؟ قال : ليس هناك عام جديد وعام قديم إلا في أذهان البشر كل ما في الأمر أن الكرة الأرضية اذا أعطت ظهرها للشمس اظلم وجهها فتسمونه ليلا ، واذا اعطت وجهها للشمس أنار وجهها فتسمونه نهارا ، ثم تجمعون الليل والنهار عند أرقام معينة فتقولون اسبوعا وشهرا وعاما ، ولا نعرف لماذا تحتفلون بكل عام في أن تكونوا طيبين قلت : هذه فلسفة ياميكو .. ألا تعترف بالزمن ؟ والدليل نحن كل عام تتغير أشكالنا ونكبر قال : هذه حقيقة ولكن بين الشمس والأرض عقد إتفاق يتكرر وأنتم جعلتموه زمنا ، والزمن رسالته إنقاص رقم الإنسان علي الأرض إلي أن يصبح صفرا ، فيرحل الإنسان حيث لايجد له رصيد علي الأرض ، فكيف ترسلون التهاني وتقيموا الحفلات مع رصيد ينحدر للعد التنازلي ؟ قلت : وماذا تريد من الناس أن يقبلوا علي عام جديد ليس موجودا إلا في أذهانهم كما تقول ؟ قال : علي الأقل يحزنون علي رقم ، نقص من أعمارهم ويحرصون علي باقي الأرقام فيحسنوا استخدامها .. قلت : نعم يا ميكو .. الإنسان مجرد أرقام ، فعند دخوله الأرض يحصل علي رقم دخول وعند خروجه يحصل علي رقم خروج ونحن نسميه تاريخ الميلاد والوفاة . قال : وإن كان كذلك فلماذا لايوضع الرقمان أو ماتسمونه تاريخين في ورقة واحدة يُترك فيها تاريخ الخروج ليكتب في حينه ؟ قلت : الحياة ماهي إلا دخول وخروج ، ومابين الدخولين هناك مئات الدخول والخروج .. فنحن ندخل المدارس ونخرج منها وندخل المواصلات ونخرج منها وندخل في (هدومنا) ونخرج منها وندخل في زواج ونخرج منه وقس علي ذلك ملايين الدخول والخروج حتي يحين الخروج الكبير ... ولكن ياميكو هل تظن أننا في حلم كبير عندما نستيقظ منه نجد أنفسنا في عالم آخر ، وهذا الحلم الكبير نمارس فيه أشياء كثيرة .. نعمل ونأكل ونتزوج ونمرض وتمر علينا أحداثا مزعجة وسعيدة ونحلم أحلاما صغيرة من داخل حلمنا الكبير ثم نستيقظ منها، ولكن الحلم الكبير اذا استيقظنا منه نجد أنفسنا في عالم غريب لم نعهد به من قبل .. عالم لم تره عين ولم تسمع عنه أذن ولم يخطر علي عقل بشر وهذا يسبب لنا الخوف ، فلم يقل أحد عنه شيئا ، فالذاهب إليه لم يجيء إلينا بخبر والقادم إلينا لم يفدنا بخبر إلامن بعض القليل الذى يقوله لنا رجال الدين . ميكو : أنا مندهش إن كان الأمر كذلك والناس تسافر في قطار فانٍ يقف في كل محطة لينزل منه البعض بدون حقائب ولا أمتعة فلماذا يحرص الناس علي حمل أمتعة وحقائب وتخزين الأموال وقتال بعضهم البعض فى حروب وخصام ؟!! طالما يعلمون أنهم سوف يسافرون بدون منقولات أو حمولات . - فعلا ياميكو .. لأن الناس لا تفكر ولا تريد أن تفكر .. فرغم أنهم يعلمون ولكنهم ينسون ، والشيء الوحيد الذي ينساه الناس هو رحلة العبور من هذه الأرض إلي عالم أعلي من كل الكواكب ... وقد قرأت قصة لا أعرف مدي صحتها هل تمس الواقع أم أنها من نسج الخيال .. جنين رفض أن يخرج من بطن أمه ليدخل أرضنا ميكو : كيف ذلك ولماذا يرفض؟ - لقد سأل أمه عن أشياء يريد أن يعرفها قبل النزول .. عن المسكن الذي سوف يعيش فيه وفي أي حي ؟ راق أم شعبي ، وعن عدد الحجرات وكم عدد أخوته وعن عمل أبويه وممتلكاتهم وأموالهم التي يقتنوها وعن الدين الذي يعتنقوه ... فلما علم أنهم يسكنون في حي شعبي ومسكنهم ضيق ولايملكون ممتلكات ولاسيارات ولهم عمل متواضع ، أى أن حياتهم ضَنْك .. رفض النزول وقال لماذا أدخل في كل هذه الصعوبات ؟ لماذا أبدأ حياتي بمشاكل ومتاعب ويتحدد مصيري بين الناس وتقييمي عند الشرطة بالمكان الذي أعيش فيه وبالملابس التي أرتديها وبأبوين ليس لهما مركز ولاسند ولا شهرة ، فأنا هنا في حالة مريحة مضمونة ولا أريد مجهولا مظلما . - وما الذي حدث بعد ذلك ؟ - طبعا لم يكن يعرف أنه بلا إرادة في الإختيار .. فقد طُرِد عن أمه بشق البطن وفُرض عليه نسبه إلي أبويه ، وتحددت معيشته وتعليمه وأصحابه وثقافته من حي شعبي ولم يكن له اختيار في أي شيء حتي اسمه وشكله .. كل هذا تحدد برقم في بطاقة هوية .. ميكو : إذا أولاد الناس الباشوات ليس لهم فضل فيما هم فيه - ليس هناك فضل لأحد بل قل حظوظا وكل واحد وحظه - ينتابني رعب وخوف - مما تخاف ياميكو ؟ - أخاف من المجهول - أي مجهول ؟ - كلما أفكر لو أنك رحلت قبلي سوف يكون مصيري أسوأ مصير يقابلني ، والموت أهون فسوف يرمونني في الشوارع بلا فرش ولاغطاء ولاطعام ولاحنو ولا دفء ، وكل من تسوله نفسه في أذيتي لا يعرف إلا الحجارة لأنهم لا يعرفون لي صاحب ولا أنتمي لسيد وأُفضل أن ارحل قبلك فعلى الأقل سوف تحزن قليلا ومع مرور الأيام تهب عليك رياح النسيان . بل وأعلم أنك سوف تجهز لي قبرا وتضع عليه رمزا و سوف تزورني بالورود ويكون لنا حديث .. ولأنك مشهور ولك الكثير ممن يعرفونك ويقرأون لك فسوف تكون جنازتي مهيبة ويحضر لك من كل فج يجاملوك ويواسوك في فقدان ميكو العزيز وسوف تسمع كلاما كله اطراء واستحسان ومحاسن في الفقيد الصديق الوفي المخلص الذكي وسوف يؤلفون الروايات والحكايات والبطولات التي لا أعرف عنها شيئا .. وسوف يتفننون في كلمات الرثاء و تسمع خطبا : كان ميكو نِعمَ الصديق .. حيث كان يسامرك ويحاورك ويأتي لك بالحكايات والأساطير وينقل لك خبث الأصدقاء ونفاقهم ومؤامراتهم ودهاءهم... وسوف تجد أيضا يا صديقى من يقوم عنك بكل إجراءت ومراسيم الجنازة ... ويكلفون بيوت تجميل الموتي ليُغسلونني ويُمشطوني ويَمطون في ملامح وجهي ويجعلوني في شكل مبتسم سعيد حتي أحيى كل المُودْعِين بالابتسامات ... وسوف يدثروني بأجمل الثياب المزركشة ويضعوني في صندوق من الزجاج ليلقوا علىّ نظرة الوداع ، وسوف تجد من يعرض عليك أن أُدفن في حديقة منزله ... وربما ينحتون لي تمثالا يُكتب عليه .. ميكو الذي فَجر في صاحبه الخيال فكتب كتابا نشر فيه فضائح الناس وأهوال النساء .. هذا ياسيدي كله طالما أنت موجود .. أما إذا رحلت قبلي كما قلت لك فلن أنال إلا التحقير والازدراء ، فيشيرون علىّ بأصابعهم .. أتذكرون هذا الكلب وصاحبه . صاحب القلم السليط الذي كان ينقد كل من هب ودب واتهمنا بأننا غير أوفياء ومنافقون وأننا نتلون طبقا للمصالح .. علينا أن ننتقم من هذا الرجل في كلبه الحقير ، وعندئذ فلن أجد ياسيدي سندا ولا شفيعا . - ما الذي تقوله ياميكو؟ أنت صديق مخلص وكم سيكون ألمى إن فقدتك وانت ياميكو لاتعرف محنة الانسان في فقد عشرة الأحباب .. فدعنا نتخلي عن مشاعر ليس لنا أن نعرف كيف تكون وليس لنا أن نملك زمامها أو نعرف كيف تكون وجهتها . دعنا نعيش اللحظة ونجملها بالمتعة ... لماذا نفكر في الموت ونخشي فيما بعد الموت ؟ ربما يكون بعد الموت حياة أفضل من قبله .... هناك البعض ممن يتخيل مشاعره بل ويتصور تقييم الناس له وماذا تقول عنه بعد رحيله وهو لازال بعد علي الأرض ومنهم الكتاب والأدباء والفنانون، ففكرة خلود ذكراهم تحفزهم أن يبدعوا ... وقد بلغ اهتمام بعض الناس بالخلود ، و قيامهم بعمل يخلد ذكراهم حتي لو كان تافها ، أن شخصا لم يكن يشعر بقيمة لحياته ولم يكن له عمل يقدره الناس ، ذهب ليلا إلي معبد الآلهة التى تتلقي القداسة والتبجيل من الشعب وحطم أحد هذه الآلهة ، وعند القبض عليه سؤل.. ألا تعرف أن فعلتك هذه عقوبتها الاعدام ؟ فأجاب .. وما الذي يساويه الموت أمام الخلود ؟ - وهل فكرة الخلود تشغل بالك ؟ - ليس بالضبط ، ولكن أن تجد شخصا يستمع لك أو يقرأ لك ، أو تجد أفكارك ومشاعرك مطبوعة فى أوراق .. أليس هذا في حد ذاته يسرك يا ميكو ؟ - نعم يا صديقى .. انه لشئ رائع أن يتحدث عنا الناس جيل بعد جيل
#فوزى_سدره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(11) أنا والأدباء
-
(10) حكايتى مع الكتب
-
(9) محكمة الضمير
-
(8) أنا وكتبى
-
(7) ميتشو صديق ميكو
-
(6) لماذا الإيذاء
-
(5) عودة ميكو وفضائحه
-
(4) الإحساس الضائع
-
(3) هل للإنسان أن يختار طريقه
-
بالقراءة تُقاس حضارة الشعوب
-
البحث عن الوفاء
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|