سعيد بلغربي
الحوار المتمدن-العدد: 1494 - 2006 / 3 / 19 - 11:19
المحور:
الادب والفن
.قصة قصيرة........همسات مدثرة في كفن الغربة
إهداء : إلى الأكراد الذين لم يخرجو بعد عن طاعة الأرض و اللغة
شاخ الليل في أعماقه و حفر فيها شروخا من التأوهات الملونة بالتشرد و الضياع ، بدى شيبه الأبيض يخط تفاصيل عتمات أيام عمره التي قضاها هناك وحيدا يلعق بعده الأسود ، تأوه في مرارة ، مد نظرته الثاقبة إلى إحداهن بدت له وكأنها تنحت معه زمانه وترتب معه مشيته المتمايلة على أرصفة المدينة ، زينها بإبتسامة مهترئة لم تأبه لها . عهدها في نفس الوقت وفي نفس المكان وهي تمضغ صمتها هنا ، تمشي في أخر الليل بين أرصفة مبللة ، و تحمل ضباب المدينة كله على شفتيها الملونة بالتعب .
وقف إلى جانب لغزها الحائر ، حاورها صامتا ، غمز إليها و ذكر لها إسمه وسنه و أخبرها بالجرح الذي يحمله منذ أن أتى إلى هنا ، وقدم لها الرصيف وقال لها أنه دائما يتناول معه كؤوسه هنا .
شم رائحة كريهة تنبعث من أصابع يديه ، هما متسللا هاربا ، ودعها و دخل الضباب الذي كانت تحمله على شفتيها ، لعن يوم ميلاده ، وسب عمله في قنوات الصرف الصحي ، كل أنواع المبيدات التي جربها لم تتمكن من إبادة رائحة النـفـيات البطنية التي تلتصق بجلد يده . البشر هنا يأكلون لحوما كثيرة و تكتسب فضلاتهم رائحة نتنة ، عاد يجرغضبه إلى بيته الكائن في آخردرج من سقف العمارة ، إستقبلته رسالة موجعة تركها البريد أمام باب بيته جاءت من هنالك ، وجد فيها شيئا من رائحة الحنين إلى التفاصيل اللذيذة ، صديقي العزيز ، الأشجار هنا مازلت تلبس عريها ، منزلكما تآكل طلائه بدأت أحجاره تتساقط واحدة تلوى الأخرى وأنت تعلم جيدا أنه لم يرمم منذ أن مات والدك ، تقول لك والدتك وهي حزينة إبعث لنا ببعض النقود لكي لاتقع علينا و نموت جميعا تحتها ، وأما الأمور أخرى فإنها تبدو لي على أحسن ما يرام ، ولايخصنا إلاّ النظر في وجهكم العزيز ، إمضاء صديقك الدائم ، حررت هنا .
قام ونفض غبار أيام الزمن العابث به ، طوى الرسالة ، ومزق صمتها بيديه ، تسللت في حذرمن المذياع أغنية أمازيغية تبكي فراق الأرض ، وتسربت معها دمعة ساخنة على خديه وأحس لأول مرة بالغربة تنتهك رجولته ، تلاشت أمامه لحظات غير مرتبة من الذكريات ، عانق ليلته بكل شهوة ، أفرغ فيها ما تبقى من تأوهاته المرة ، شم أصابعه ونام إلى جانب رائحته .
#سعيد_بلغربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟