|
لا للاحتراب البغيض بين الفلسطينين والعراقيين
أحمد يعقوب
الحوار المتمدن-العدد: 1494 - 2006 / 3 / 19 - 11:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المؤلم جدا أن نسمع يوميا عن الحالة المأساوية التي وصلت إليها العلاقة بين أهلنا الفلسطينيين وأهلنا العراقيين أيضا. وعبر الصحافة قرأنا الكثير والكثير من المناشدات والمبادرات والاحتجاجات..وكذلك التعليقات والردود على العديد من المواضيع والمقالات التي تناولت هذه القضية الحساسة والمقلقة جدا. ولأنني شخصيا عشت في العراق لأكثر من عشر سنوات ، ولي أفراد من عائلتي يقيمون في بغداد منذ 1948، ولي أيضا من العراقيين أصدقاء وزملاء ومعارف : مبدعين فنانين أدباء وإعلاميين ،وأكاديميين ،وأطباء ومهندسين ،وجنرالات ،وفاريين من الجيش، وموظفين ،وتجار،وعمال، ومزارعين ، وشيوخ عشائر ،ورجال دين وغيرهم.. وكانوا شيعة ،وسنة ،وأكراد ،وتركمان، وأرمن، وصابئة، وآثوريين ،وحتى يزيديين ..إذ وصلت العلاقة بيننا إلى أكثر من أهل ، فأدخلوني بيوتهم في الجنوب والوسط والشمال والغرب من العراق الحبيب ،،ودخلوا بيتي ،وتقاسمنا رغيف الخبز في الأيام الصعبة من أعوام الرمادة ، نعم لقد وحدتنا الصداقة الحميمة القائمة على الإحساس المتبادل بمعانة الآخر .بعدما عانى الشعب العراقي بكامل طوائفه ومذاهبه وقومياته من سلسلة الحروب التي خاضوها بشرف وببسالة منذ 1980 وحتى يومنا الراهن. فلقد أثخنتهم الحروب وأكلت طواحينها حياتهم بكل تفاصيلها ،وأفقدتهم الغوالي من أحبتهم وأهلهم وأصدقائهم ..وعلى طريقة "حرب تلد أخرى" فما أن يخرجوا من حرب ،حتى تلحق بهم نيران حرب أخرى وجراحهم لم تبرأ بعد من الحرب الأولى . فحلت الويلات والكوارث على المجتمع العراقي ..إذ من المعروف عن الحرب أنها تنقل المجتمعات من حالات إلى حالات فإما تدفعها إلى الأمام أو تعيدها إلى مراحل كارثية ..وهذا ما حصل للشعب العراقي. لهذا فإن إدراك معاناتهم والإحساس بها والتضامن معها لهو واجب أخلاقي وإنساني وثوري أيضا طالما نحن الفلسطينيين أبناء ثورة كبيرة (وان كانت نارها قد خبت). فهذا الشعب الكريم ،المعطاء ،المحب ،المضحي ،المعتد بشخصيته التاريخية التي تمتد إلى حمورابي ونبوخذ نصر وكلكامش وجد نفسه فجأة مثخنا بالجراح ،وتحت حصار بشع من 1990حتى2003،ومن مفردات ذاك الحصار اليومية البحث عن كسرة خبز !!وهذا فعل ٌ وقعه مؤلم بالمعنى الإنساني الشمولي وليس على العراقي أو الفلسطيني فقط. رغم ما هو معروف عن الشعب العراقي عن أنفته واعتداده بنفسه، فعندما نقول بلهجتنا الفلسطينية:" لا تتبغدد".. فإننا نقصد :" لا تسلك سلوك البغدادي".. وهذا يرجع إلى فترةٍ كان العديد من أشقائنا العرب يأتون فيها إلى فلسطين بحثا عن العمل، بينما كان العراقي يأتي للزيارة والنزهة بكل " بغددة ". عندما كنت أنا في العراق غريباً عن وطني..وجدتني أتوحد مع غرباء في وطنهم..وهنا نشأت علاقة الاحترام والتقدير المتبادل ، حتى مغادرتي للعراق في ديسمبر 1999، وهي علاقة تاريخية لا تزال متقدة ومتأججة كعنوان لما يجب أن يكون عليه الأشقاء.. لهذا فإنني أشعر انه من واجبي أن أدلو بدلوي في هذه القضية الدامية.. بالتأكيد لقد تغيرت أمور كثيرة في العراق .. وجرى في النهر مياهٌ ودماءٌ كثيرة وكثيرة، ولم يعد كل شيء على حاله. فها هو الشعب العراقي العظيم يئن تحت سياط الاحتلال البغيض ،،،وأنا هنا في فلسطين أدرك جيدا ماذا تعني سياط الاحتلال .. لكنني كلما اتصلت بالكثير من أولئك الأصدقاء وجدتهم على حالهم مكتنزين بالمودة والمحبة والأصالة والعرفان لفلسطين وللفلسطينيين. لهذه الأسباب والمعاني مجتمعة اعتقد جازما أن حالة " الحرب والاحتراب ".. بين العراقيين والفلسطينيين المقيمين في العراق هي حالة خارج السياق الطبيعي للعلاقة التاريخية بين العراق وفلسطين..وبخاصة إذا عرفنا أن هذه العلاقة تعود إلى ما قبل التاريخ ،إلى نبوخذ نصر الذي جاء إلى فلسطين لأكثر من مرة وعاد بالسبي إلى بابل وكذلك فعل بختنصر .. وفي التاريخ أيضا نجد أن صلاح الدين الأيوبي جاء من شمال العراق .. وهناك بعض النسابين العارفين يؤكدون إن الشيخ عز الدين القسام ينحدر من عائلة عراقية نجفية .. ( وكنت قد تباحثت معهم مطولا، والتقيت مع بعض أفراد هذه العائلة الكريمة ).. ومن المعروف أيضا عن مقبرة الشهداء العراقيين في جنين ..وفي 1974 عندما نفذت أول عملية استشهادية في تاريخ الثورة الفلسطينية (الخالصة كريات شمونة)،كان من أبطالها الشهيد العراقي الشيعي الجنوبي ياسين موسى الموزان أبو هادي ،والذي قال في وصيته : " كل حزني أني لا أملك سوى روح واحدة أقدمها فداء لفلسطين " . نعم بهذه الروح كان العراقي الأصيل يعامل الفلسطيني في العراق. أما اليوم فالأمر يخرج عن نطاق المعقول .. لقد ذكرت وصفا دينيا إلى جانب التعريف بالشهيد أبو هادي.. مع أنني امقت الطائفية والطائفيين.. إنما ذكرت ذلك لأنني عرفت الشيعة عن قرب وقرأت عنهم من مراجعهم وليس من مراجع خصومهم.. فوجدتهم عربا أقحاح ..فهم بني هاشم سادة قريش، وبني ربيعة، وبني مالك ،وبني لام ،وبني أسد ،والخزرج ،وبني الإمارة والكعبي ووو .. أليست هذه هي أصول العرب ؟؟ أليست اللغة العربية مشتقة من لهجات هذه العشائر والقبائل؟؟ لهذا فان ربط الشيعة بأي جهة غير عربية هو ربط لا جذور تاريخية له إنما يندرج ضمن الربط السياسي الانتهازي. الأمر الذي قد يجعلنا نطرح الكثير من الأسئلة التي لا مجال لطرحها الآن وربما نعود إليها في مقالة أخرى.. لكن من المعروف أن غالبية الشعب الفلسطيني يدينون بالمذاهب السنية وهذا أمر تاريخي معروف ،لكن بين الفلسطينيين أنفسهم من يدين بالشافعية ومن يدين بالحنبلية بل والحنفية ،لكننا لم نسمع عن احتراب بين أتباع هذه المذاهب ..لأنه من المعروف عن الفلسطينيين أنهم أقل الشعوب العربية تأثرا بالطائفية المذهبية أو السياسية.. ولقد جسدوا في الثورة الفلسطينية وفي لبنان بالتحديد عاملا توحيديا للمذاهب والطوائف اللبنانية والعربية المتواجدة في لبنان.. لهذا فإنني لا اعتقد أن الفلسطينيين في العراق هم طرف في صراع مذهبي وطائفي..لأنني عرفتهم فوق هذه الآفة اللعينة التي تنخر سنديانة الهوية الثقافية والحضارية لشعوبنا المقهورة والمغلوبة على أمرها.. فإذا كان الشيعة يعتبرون أنفسهم أنهم ضحية قمع متواصل عبر التاريخ منذ معركة صفين حتى يومنا الحالي، فإن الفلسطينيين بكل دياناتهم ومذاهبهم هم ضحايا القمع الإحتلالي وغيره..وربما عبر العصور ..وبخاصة إذا عرفنا أن فلسطين قد مر عليها 28 احتلال منذ الحقبة الكنعانية حتى يومنا الحالي.. فما هي الأسباب والمسببات لكل هذا الاحتراب وشلال الدم والقتل والخطف والاعتداءات المتكررة؟؟ برأينا إنها أياد ٍ غريبة عن العراقيين والفلسطينيين بعد أن صار العراق مرتعا لمن هبّ ودبّ من الاحتلال إلى الاختلال السياسي والإجرامي. إن الشعب العراقي بكل ألوانه وأطيافه هو شعب قادر مقتدر على قيادة نفسه بنفسه، وله التجربة والخبرة والحق الطبيعي في اختيار ما يراه خيرا لمصلحته العليا ،وهو الشعب الذي أسس الحكمة والقانون والأدب والجيوش عبر التاريخ ..لذلك هو الأدرى بمصيره.. والأعرف بالسبل والوسائل التي عليه أن يتبعها .. فإذا كان جورج بوش قد قال إنه :" لو كان عراقيا لقاوم الاحتلال "..فكيف هو الأمر بالنسبة للعراقيين الذين لا يطيقون ذبابة على أنوفهم!! إنني أكاد اجزم أنني لا أتوقع وجود عراقي واحد ضد مقاومة الاحتلال.. واقصد بالمقاومة دحر قوات الاحتلال وليس بائع الخضار أو الخباز في سوق الكرادة أو شارع فلسطين .. ربما أكون قد أغرقت في بعض التفاصيل لكنها باعتقادي مهمة.. فدائما توجد دهماء وسوقة ورعاع في كل امة ومجتمع ، لكن دائما يوجد حكماء.. أردت لمقالتي أن تكون رسالة شبه شخصية حميمية صادقة ومعبرة إلى أهلي الفلسطينيين العراقيين والعراقيين الفلسطينيين ..ولتكن صوتا صارخا بكل صدق وحسرة وانتماء.. لوقف هذا الاحتراب البغيض الذي يزهق أرواحا بريئة ودماء زكية غالية وعزيزة على قلوبنا الفلسطينية والعراقية .
#أحمد_يعقوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخاسر الأوحد في الانتخابات الفلسطينية
-
اعذريني سيمونا
-
جانب مما ينبغي أن يقال في صدام حسين
المزيد.....
-
فرمت سيارته.. الداخلية القطرية تتحرك ضد -مُفحط-
-
المفوضية الأوروبية تعلن تحويل دفعة بقيمة 4.1 مليار يورو لنظا
...
-
خنازير معدلة وراثيا..خطوة جديدة في زراعة الأعضاء
-
موسيالا -يُحبط- جماهير بايرن ميونيخ!
-
نتنياهو يؤكد بقاء إسرائيل في جبل الشيخ بسوريا
-
فون دير لاين: الاتحاد الأوروبي يعد الحزمة الـ16 من العقوبات
...
-
الدفاع الروسية: أوكرانيا فقدت 210 جنود في محور كورسك خلال يو
...
-
رئيس حكومة الإئتلاف السورية: ما قامت به -هيئة تحرير الشام- م
...
-
سوريا: المبعوث الأممي يدعو من دمشق إلى انتخابات -حرة ونزيهة-
...
-
الجيش الإسرائيلي يعترف بتسلل مستوطنين إلى لبنان
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|