بهيج وردة
الحوار المتمدن-العدد: 1494 - 2006 / 3 / 19 - 11:27
المحور:
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
بين الثقافات المغلوطة و معايير السوق نستنجد بالمعايير الدولية
يعرف المعلم بطرس البستاني في قاموسه محيط المحيط , الفقراء: " بأنهم أصحاب الحرف الذين لا تقوم حرفهم بحاجاتهم " , و يعرف توفلر الأمي : " بأنه ليس ذلك الذي لا يعرف القراءة , بل الذي لا يعرف أن يتعلم و أن ينسى ما تعلم و أن يتعلم من جديد " , لا رابط واضح بين التعريفين , إلا أن النزول إلى واقع ملموس بعيدا ً عن التعاريف و التنظيرات , يظهر الحاجة لعنصر بشري يساعد على النهوض من واقع متخلف تقنيا ً إلى مجتمع المعلومات , فتلحظ تشريعات الدولة محاولات حثيثة للسير في هذا الاتجاه , من خلال التعليم الأكاديمي الهادف إلى تخريج أكاديميين قادرين أن يكونوا حاملين لهذا المشروع , و مساهمين بدخول سوريا إلى عصر المعلومات و التحول من مستهلك إلى منتج محلي , حيث لا يوجد إستراتيجية خاصة بالعلم و التكنولوجيا في سوريا إنما طموحات و مطالبات , و بعض المحاولات أخذت معنى تقانة المعلومات تحديدا ً , و هذا انتقاص هائل للعلم و التقانة في العصر الحالي , لأن تقانة المعلومات و الاتصالات جزء هام لكنه ليس كل شيء , و أن تكون إستراتيجية العلم و التقانة في سوريا منبثقة مؤسسيا ً من وزارة الاتصالات و التقانة , هذا يعني شيئا كثيرا ً و يعني إنقاص و إهمال كبيرين لجوانب هامة كثيرة أخرى لأنها حصرت الاهتمام في مجال معين .
د. معن النقري احد الباحثين المشاركين في تقرير التنمية البشرية السوري 2005 , و الحاصل على دكتوراه في فلسفة العلوم, منذ العام 1985 , يتحدث عن أهمية العامل البشري فيقول :
استراتيجيات التنمية يجب ألا توضع في الغرف المغلقة دون أن يسمع بها أحد إلا بعد صدورها, يجب إعلام الناس و أن يقدم للأخصائيين جميعا ً إمكانية المشاركة لا فقط المعلوماتيين و المختصين بالاتصالات .
المال أم الإنسان ؟؟
يتابع د. معن حديثه : " الدخل ليس كل شيء , و الفجوة ليست فقط في الدخل , فلا بد من لحظ التقنية و العلم و التكنولوجيا و الالتفات إلى أكثر المجالات هوة و هي براءات الاختراع , إضافة إلى فجوة المعلومات , تقارير التنمية البشرية جاءت رد فعل على أن (الدخل كل شيء) مع تركيزها على أن الفرد هو العنصر الرئيسي ,و ليس المهم فقط الجانب الاقتصادي , فالتنمية البشرية صارت تتناول الجوانب الصحية و البيئية و السكن و التعليم و الجندر و العلم و التكنولوجيا والاتصالات والإعلام ... الخ , و ما دام برنامج الأمم المتحدة يصدر تقريرا سنويا عن التنمية البشرية هذا يعني أن التنمية البشرية من أهم ما يجب التركيز عليه في العالم ككل , و بالتالي البشر أساس , حتى في تعريف التقانة يمكن أن نقول الإنسان الخبير الماهر العالم , هو عنصر أساس في التقانة لا كما تتداول الأدبيات العربية , الإنسان في التقانة هو المحور بمهاراته و خبراته و أساليب تفكيره " .
معايير دولية
" تقرير التنمية البشرية الدولي عام 2001 متخصص بالتقانة , حيث يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي , محوره توظيف التقنية الجديدة في خدمة التقنية البشرية , و فيه معيار لوضع الدول تقنيا ً اسمه دليل الإنجاز التقني الدولي , فيوجد ثلاث أو أربع فئات للتصنيف في هذا المعيار , المبدعون التقنيون , المرشحون للإبداع التقني , المتبنون النشيطون , المتأخرون تقنيا ً , من بين الدول العربية هناك 3 دول هم خارج الفئة الأولى و الثانية بالكامل , في الفئة الثالثة نجد : الجزائر ,سوريا , مصر , تونس , هذه الدول يبدو كوادرها محسوبين تكنولوجيا ً , لأن عنصر الإنسان يحسب على الجانب التقني , لوجود كثير من العناصر التقنية , و ربما لو كان التقرير عربيا لما لا حظ هذه القدرات البشرية لأن الأدبيات العربية معتادة على حساب المال و القدرة على اقتناء الأجهزة , وعندها تتراجع سوريا أمام كثير من الدول الغنية الخليجية و هذا خطأ علميا بينما التقرير الدولي فهم هذه الإشكالية رغم عدم وجود إمكانات متطورة , بدليل الإنجاز التقني الدولي , وصنفنا كمتبنين نشيطين , يعني هذه الدول عندها فرصة لتحسين وضعها " .
بين العام و الخاص
تهدف كلية الهندسة المعلوماتية ,الى تأهيل الطلاب( لتلبية حاجات المجتمع و إعدادهم للمشاركة في التطوير و الإنتاج في نطاق المعلوماتية على الصعيدين المحلي و العلمي ) , كما ذكر في اللائحة التنفيذية للكلية أما عن الواقع بعيداً عن التشريعات و الخطط و السياسات , فسرعان ما تبخرت الأحلام الوردية, و طارت عقود العمل الموعودة المتوقعة , و رميت كثير من الجرائد و نشرات الأخبار المطعمة بالتصريحات و الوعود الملتهبة , و ثبت أن الدراسة في أي فرع تشابه الآخر , و لا يكفي أن تحمل حرف ( م ) قبل اسمك حتى و لو كانت الهندسة معلوماتية , فيتحدث المعيد في كلية الهندسة المعلوماتية بجامعة البعث علي محمد ( لم أتخيل أن الصورة المرسومة في ذهني ستنهار لحظة محاولتي البحث عن عمل , فالتأهيل الأكاديمي شيء و سوق العمل شيء مختلف تماما ً , لكن رغم ذلك يبقى القطاع الخاص أفضل , فالمسؤول المباشر في القطاع العام لا يعرف عن المعلوماتية سوى القليل , و كذلك الموظف فهو لا يعرف ماذا يريد ليسهل العمل على نفسه , و كل همه التفكير أن الكمبيوتر سيحل مكانه , لذا فهو يرفض هذا المنافس نتيجة قلة الوعي , و عدم إدراكه أنه الجزء الأساس في هذا النظام ) , بينما يتحدث م. علاء ضاحي (خريج جامعة دمشق - يعمل في قطاع خاص) عن جدية ( العمل في القطاع الخاص و قابلية التطور مقابل إمكانية التهميش في القطاع العام , إضافة إلى الفروق المادية الواسعة , و يرى أن كثيرا ً من المبادرات الحكومية " بروظة " , و يورد مثالا أنظمة أل GIS ( نظم المعلومات الجغرافية ) التي هرعت كل البلديات و القرى لتنفيذها , رغم أنها تفتقد لركيزة أساسية لقيامها و هي موثوقية المعلومات ؟! , فما الفائدة ؟؟ ) , أما المهندس عامر حسون ( خريج جامعة البعث) فيصف العمل في القطاع العام ( بالانتحار , عدا المتوظفين ضمن كلية الهندسة المعلوماتية , و يتحدث عن زملاء كثر يعملون كمدخلين للبيانات و هي لا تحتاج أي شهادة , هذا عدا عن جهات لا يوجد بها كمبيوترات , و يقسم القطاع الخاص إلى نوعين : قطاع خاص يعمل كباقي المهن و يشبه الحداد و الأجراء الذين يعملون معه , حيث يفعلون ما يفعل المعلّم و كفى , و هي برمجيات مكتبية فقط , لا ابتكار فيها و تتميز بروتين متكرر , و قطاع خاص 2 كما يصنفه و هو الذي يعمل بجد , و في الغالب هو قطاع تصديري ) .
قوانين السوق
يرى م. روني جروج (خريج جامعة البعث - يعمل في قطاع خاص بدمشق ) أن هنالك ( حاجة لتشريعات تحمي العامل في القطاع الخاص و خصوصا ً الأكاديمي , فالسوق يعطي برمجيات رخيصة غير مدروسة تقنيا ً , و هذا نتيجة لجهل المستهلك الذي للأسف هو جهة حكومية في الغالب , فعند أي مناقصة تأخذ الجهات الحكومية السعر الأدنى أو تلعب الواسطة دورها , و حتى بوجود الكثير من الشروط المتعلقة بالوثوقية و نوع الشركة و معيارية البرنامج , لا يوجد متابعة للبرنامج من قبل الشركة الحكومية , فلماذا يحمل المنتج نفسه أعباءً إذا لم تكن هناك جهات رقابية على جودة المنتج ؟؟ ) .
لا يرمي عامر المسؤولية بكاملها على السوق , ( فإذا كانت أعمال كلية الهندسة المعلوماتية غير مؤتمتة , فكيف نستطيع النظر إلى الواقع المعلوماتي الذي يفرض هذا التخلف ؟؟!! ) , و يؤكد علي هذا الكلام بالتساؤل ( لماذا تقوم الجامعة بطلب مناقصات من شركات في مجال المعلوماتية إن كان خريجوا كلية الهندسة المعلوماتية يبحثون عن عمل ؟ ) .
ثقافات مغلوطة
يتابع عامر :( وزارة التقانة و الاتصالات تساهم بنشر ثقافة بالاتجاه المعاكس من خلال حالات الحجب التي تقوم بها , الجمعية العلمية للمعلوماتية تقوم بنشاطات لكنها مقتصرة على فترة المعارض ), و عندما أخبرناه عن مجلة الثقافة المعلوماتية التي تنشرها الجمعية , تبين أنها المرة الأولى التي يسمع بها , ( دور النشر العربية فتساهم إلى حد كبير في التنفير من المعلومة باللغة العربية , إضافة إلى فقر المكتبة المعلوماتية العربية , فلا يوجد قاموس مصطلحات معلوماتية , و هذه معاناة كبيرة , أما المسؤولية الاجتماعية نظراً لنسبة انتشار الكمبيوترات التي تستخدم للألعاب أو حضور الأفلام , أو كجهاز تسجيل بديل عن التقليدي , أو انترنت و مواقع إباحية , فيتحمل الجميع مسؤوليتها ) .
يعقب روني : ( الجزر المعلوماتية مرفوضة , فكل دائرة تعمل لوحدها بعيدا ً عن أي حالة تربط بغيرها , ما معنى حكومة الكترونية و يوجد العديد من مواقع الوزارات , و الجامعات و الكليات لا رابط بينها , و الكثير منها مبني بسذاجة لمجرد الحضور على الشبكة ) , يؤيد علاء هذا الكلام و يقول أن ( القطاع العام يعمل على أساس أنه بحاجة لبرمجيات يتسلمها قبل نهاية العام المالي , أو نهاية شهر محدد لأسباب معينة مادية في الغالب ) .
الغربة أم الوطن ؟؟
سؤال محير لكن الإجابة تأتي بسرعة الصاروخ من الجميع , فهو أول سؤال يقوم الخريج بالإجابة عنه , فيتفق جميع الشباب أن العمل براتب مقبول نسبة للاختصاص الذي درسوه , كفيل بالحد من خروج المختصين , فيظهر السفر حاجة تلبي الطموح المهني لوجود ثقافة معلوماتية مختلفة و لوجود فرص عمل أوسع و احتكاك يعطي خبرة مهمة , يقول م. جرير عاد (خريج جامعة البعث) ,( أنا مضطر للسفر لأن خدمة العلم ستوقف كل مشاريعي من اجل تأمين دخل مادي جيد , فانا أود الزواج و علي تأمين دخل مستقر يكفيني لتكوين أسرة , رغم وجود بعض فرص للعمل في سوريا ) , روني ينظر للموضوع بطريقة مختلفة ( فهو وحيد , و سيسافر للعمل لكن بعد تكوين خبرة لا بأس بها) , أما علي فيرى العمل خارج سوريا (خبرة مادية و معنوية يجب الاستفادة منها للعودة ) , علاء يرى انه (إذا استمرت المشاريع مجرد عناوين , فيجب أن يكون الفكر متجول للاحتكاك ), يتفق الجميع على السفر , لكن تاريخ العودة غير محدد, فالذي سيحتك بسوق عمل متطور كيف سيقدر على العودة إلى شروط أدنى ؟! .
النجدة
عندما يصل الحوار إلى سؤال ماذا تطلب من المسئولين , يترافق هذا بشهيق عميق و زفير مترافق مع تنهيدة عميقة لا تتناسب مع الشهيق إطلاقا ً , فيطالب عامر ( بآلية مختلفة للقبول الجامعي فطلاب الهندسة المعلوماتية لا يزال أكثر من نصفهم يحلم بالطب و الصيدلة , أما التسجيل في الجامعة تحت ضغط المجموع فيجب وضع حل له ) , روني يطلب ( المعايير النظامية للعمل , لا أن يتساوى من قام بدورات للبرمجة مع مهندس معلوماتية فآليات التفكير مختلفة , لكن الطلبات في السوق متشابهة و غالبا ً ما يصبح المهندس مجرد مبرمج و هذا ليس انتقاصا ً للمبرمج لكنه هدر للطاقات ) , باسم سليمان (خريج مركز البحوث – قسم هندسة المعلوميات) يرى ( قوانين الملكية الفكرية ( حماية الحقوق ) موجودة نظريا ً , لكن عمليا ً لا احد يحتاج لهذا الشيء !!! , و لا يوجد بيد المسئولين الحكوميين شيء ؟؟ , إنما الاستثمار هو القادر على التغيير في الواقع المعلوماتي , و ينصح كل من لديه نقود بالاستثمار في هذا المجال ) , يطلب علاء ( أن يقارن المسئولون الأسعار بالنسبة لدخل الفرد و كفاءة الانترنت مقارنة بالجوار , مع عدم نسيان كمية الخدمات التي يتم السماح بها , لكن بعد أن تستهلك !!؟؟ ) , يقترح عامر ( مكتبا ً هندسي متخصصا ً بالبرمجيات في كل جامعة يكون تحت إشرافها الأكاديمي , و يقوم بتنفيذ التعهدات داخل الجامعة و خارجها , و أن يتوظف فيه الخريجون ليكونوا نواة لعمل معياري تقني ذو موثوقية عالية , يستطيع المنافسة محليا ً في وجه المستثمر الأجنبي , و أن تتم الاستعانة بالخبرات السورية المقيمة بالخارج و هي كثيرة , و مفيدة سواء من ناحية الفائدة العلمية أو المادية ) .
تعليم أم تعلُم ؟؟
يعود د. معن النقري إلى العملية الأكاديمية فيقول : ( الأساس للمنظومة التعليمية الشاملة هو تطوير المناهج , إضافة لتطوير الكادر التدريسي طريقة التدريس , و هذا ما تكفل به تقرير التنمية البشرية الحالي من تطوير للمنظومة , فهناك تركيز في النظم التعليمية في العالم أن التعليم ليس أساس إنما التعلم هو الأساس , يجب تعليم الطالب أن يتعلم , خزانة المعرفة موجودة حاليا ً لا كالسابق , الكوادر هي أساس مجال البحوث و التقانات المتطورة في ردم الجوع التقني و القضاء على الفقر التقني , و يقترح مقررا ً جامعيا ً لكافة الاختصاصات هو " مقرر العلم و التكنولوجيا و المجتمع " , لتقريب الطالب من الحاجات الاجتماعية و التنموية في المجتمع و تفهمه موقع اختصاصه من العلوم الأخرى ككل و من التطبيقات ككل في المجتمع و تطبيقاته ) .
خاتمة
بين التفاؤل و التشاؤم , كثير من الطلبات و الاقتراحات , تتحدث عن معاناة أكاديميين دخلوا حيز العمل , في مجال لا زالت الصورة التي يتم ترويجها عنه , توصف بالربحية , بعيدا ً عن كل ما يروج في وسائل الإعلام من تصريحات , و خطابات جاهزة , و مقولات رنانة يتمنى مستمعوها نزولها إلى أرض الواقع لتلامس طموحا ً ينمو , مع شباب يحلم بغد أجمل , دون أن يكتفي بالحلم , لتسليط الضوء على خبرات مستعدة للعطاء , و آمال تتمنى وجود طاولة مستديرة .
#بهيج_وردة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟