|
في شرعية الاختلاف ومفهوم الغيرية عند أبي الريحان البيروني
عمر بن سكا
الحوار المتمدن-العدد: 5878 - 2018 / 5 / 20 - 18:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تقديم: إن الحديث عن موضوع الاختلاف في حد ذاته يعيد إلى ذاكرتنا النقاش المحتدم الذي عرفه الفكر الإسلامي قديما وحديثا حول مفهوم الآخر وعلاقتنا به وتصورنا له والفروق الحاصلة بيننا و بينه، كما يثير في نفس الآن تساؤلات متجددة تتعلق بمدى إيماننا بحتمية الحوار والانفتاح والتواصل الحضاري بين الثقافات والحضارات، وبمدى فهمنا لقضية النسبية الثقافية وتقاسم جميع الأمم والشعوب لعدد ليس بالقليل من القيم الإنسانية المشتركة...ولعل منطلقنا في هذا السياق نابع من الاهتمام الكبير الذي أبداه علماء الإسلام منذ وقت مبكر لمسألة الانفتاح على الآخر، ومحاولة فهم العقائد والتصورات التي تقوم عليها ثقافته "الغيرية". وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار كون علم مقارنة الأديان مثلا من أشهر العلوم التي أنتجتها الحضارة الإسلامية، أو على أقل تقدير وضعت لبناتها الأساسية. ذلك أن عددا كبيرا من علماء المسلمين أبدعوا في إسهامات منهجية وإبداعات معرفية تروم الانفتاح على "الغير" ووصف منظومته الثقافية والدينية، ومقارنتها بالدين الإسلامي. فقد رأينا البعض منهم يركز على الملامح والقواسم المشتركة بين الآخر من جهة وبين الذات الإسلامية. كما وجدنا البعض الآخر قارب مفهوم "الغيرية" والاختلاف في تلك المنظومات البعيدة عن البيئة الإسلامية مركزا على أوجه التباين بين الأخيرتين... ولقد وقع الاختيار على أحد أبرز العلماء المسلمين الذين كانت لهم تجربة مديدة في الاحتكاك بالآخر (الهندوسية نموذجا)، كما له باع طويل في الانفتاح عليه والتعايش معه، ودراسة منظومته المعرفية والثقافية والدينية وفق منهج علمي رائد في الثقافة الإسلامية يتأسس على المعاينة والحكاية. الأمر يتعلق بمحمد بن أحمد البيروني، الذي عاش في الفترة الممتدة ما بين: 362-440ه الموافق لـــ: 973-1048م. إذن سأعمل –من خلال هذه المداخلة- على طرح جملة من التساؤلات تنصب حول رؤية البيروني للآخر، وحول مقاربته لمفهوم الغيرية، وأخيرا تقويم لتجربة هذا العالم المسلم في غمار التواصل الحضاري بين الإسلام والآخر من خلال الديانة نموذجا. وذلك من خلال المحاور الآتية: مدخل: (مفهوم الغيرية والاختلاف- الأصل في العلاقة بين غير المسلمين من منظور الإسلام- مفهوم الغيرية عند البيروني وأهم ملاحظاته بشأن طرق نقل صورة الآخر (الهندوسي) عند العلماء المسلمين). "الغيرية" ما بين الثقافتين الإسلامية والهندوسية من منظور البيروني. أسس وأخلاقيات التعريف بالآخر، ومناهج دراسة ثقافته عند البيروني. العراقيل والصعوبات التي تعترض فهم الآخر و آليات التواصل الحضاري معه. رؤية البيروني لقضايا: شرعية الاختلاف- الحقيقة الكونية و حدود النسبية الثقافية. ------------------------------------------- أهم المصادر والمراجع:
-البيروني محمد بن أحمد. تحقيق ما للهند من مقولة في العقل مقبولة أو مرذولة. الأول. بيروت: عالم الكتب للطباعة و النشر، 2011م - 1432 ه. - بومسهولي، أخلاق الغير، نحو فلسفة غيرية، سلسلة أبحاث فلسفية، منشورات مركز الأبحاث الفلسفية بالمغرب -حمدي الشرقاوي. «التواصل الحضاري في الفكر الإسلامي: دراسة تحليلية لمنهج البيروني.» المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية 2006: 160-186. -زكرياء غاني. «مجلة الإحياء، الرابطوة المحمدية للعلماء.» s.d. http://www.alehyaa.ma. 13 يونيو 2015. -علي أمليل. في شرعية الاختلاف. 2. بيروت: دار الطليعة للنشر 1993. -المعاجم: معجم المعاني و القاموس المحيط. -Ernst, Carl W. «Muslim studies of Hinduism: A Reconsideration of Arabic and persian Translations from indian Languages.» International society for Iranian studies Jun 2003: 173-195.
- Verdon, Noémie. Contribution à la découverte de l Altérité entre le monde Islamique er indien à travers L ouevre D Al-biruni. LAUSANE: Université de Lausane. Faculté des lettres, 2008. -www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/غيرية/
---------------------------------- نص المداخلة: مقدمة: مسالة الحوار بين الأديان والحضارات هي من إحدى نتائج انفتاح المجتمعات على بعضها البعض، و قد جعلت الآراء المختلفة معروضة أمام أنظار الجميع. ويتطلّب هذا الوضع الجديد تغييراً جذرياً في العقليات كي تواجه هذا التحدّي، وأول شروط هذا التغيير القدرة على تقبّل الرأي المختلف مهما بدا بعيداً عن المألوف والسائد. والتقبّل هو غير القبول، لأن الاطلاع على رأي مخالف لا يعني الحكم عليه بالصحة أو الخطأ، فالمعرفة قيمة مطلوبة لذاتها، والحكم مرحلة ثانية تأتي بعد المعرفة، فإذا سبقتها كانت المسألة بعدا عن العلمية المطلوبة وخللاً منهجياً واضحاً. وليس الانفتاح على الرأي المخالف أمرا غريبا عن الحضارة العربية الإسلامية، "فقد كانت حركة الفتوحات قد أنتجت وضعاً يشبه –جزئياً- عولمة اليوم، بما أنها جعلت العرب بعد الإسلام يحتكّون، في أقل من قرن، بأغلب المذاهب والآراء والديانات القديمة". ويكفي أن نقرأ كتاب “الملل والنحل” للشهرستاني –مثلا- كي نتبيّن الطيف الهائل من الآراء التي كانت رائجة بين المسلمين، وقد عرضها الشهرستاني في موسوعته الوصفية- التاريخية على طريقة مؤرخي الأديان المحدثين، ، وكان واثقا من قدرة هذا العلم (مقارنة الأديان) على مجادلة كل المخالفين، فلم ير حرجاً في أن يعرض الآراء بما أمكن له من الدقة والحياد، على اعتبار أن تحريف رأي المخالف للردّ عليه، إنما يسيء إلى قيمة الردّ أكثر من إساءته إلى رأي المخالف. وبالطبع فالشهرستاني ليس الوحيد في هذا الحقل، بل سبقه عدد كبير من العلماء المسلمين في ذلك كالبيروني وابن حزم وابن النديم... • مفهوم الغيرية في اللغة والاصطلاح: 1- مفهوم الغيرية في اللغة: جاء في معجم المعاني تحديد المعاني اللغوية لمفردة: "الغيرية"، وهي مصدر صناعيّ من غَيْر ومعناه يتحدد في: تفضيل الآخرين على الذات ، وهو نوع من السلوك الذي يهتمّ بمصلحة الآخرين بدلاً من الاهتمام بالمصلحة الشخصيّة ، وبالتالي فهو عكس الأنانيّة. -يقال فلان يَتَمَيَّزُ بِالغَيْرِيَّةِ أي: الإِيثارُ ، يُفَضِّلُ الغَيْرَ عَلَى الذَّاتِ خِلاَفَ الأَنَانِيَّةِ. والغَيْرِيَّةُ : كَوْنُ كُلٍّ مِنَ الشَّيْئَيْنِ خِلاَفَ الآخَرِ، وفي ( علم النفس ) يدل على ميول الشخص وحبه وتفضيله لغيره بصفةٍ عامَّة حبٌّ غيريّ: منصبٌّ على الغير. -وأيضا فهو صفة ما هو غير، عكس هُويَّة. 2- قراءة في الدلالات العامة لمفهوم الغيرية : إن التفكير في مستقبل العالم-باعتباره الفضاء المشترك للإنسانية- والذي يسمح بإمكانية تحقيق تعايش المجتمع الإنساني بتعددية ثقافاته، واختلاف توجهاته الحضارية، وفقا لغايات لا تستهدف سوى الإنسان ذاته بوصفه غاية وليس مجرد وسيلة- يظل مرتهنا بسؤال الغيرية بما هي القدرة على إمكان الصيرورة والتفاعل مع الوجود ومع العالم. "إن الغيرية من خلال هذا المنظور تغدو إمكانية لإعادة تأسيس الأساس بمعنى تأسيس إمكانية الإنسان ذاته في أفق تحريره من هيمنة التقنية التي تعد المسؤولة الرئيسية لا في اغتراب الإنسان عن التفكير، فحسب، وإنما في خلق أوهام عبادة الخصوصيات الثقافية والحضارية، تلك التي لا تعبر عن القدرة على الاختلاف، بقدر ما تعبر عن أوهام الإحساس بالتفوق والتفضيل وليس التفاضل الحضاري. ومن تم تهديد أية إمكانية في التأسيس للغيرية بما هي القدرة على الاختلاف والانفتاح معا، فما لا يختلف لا يستطيع أن ينفتح، بمعنى أن وهم التطابق والتماثل بالأصل، لا يصير غيريا منفتحا وإنما يؤول إلى بنية مغلقة، وهكذا فكل الأصوليات تتشابه، فبقدر ما تقيم داخل التماهي بالأصل، بقدر ما تكون تتشابه في عبادة النموذج والتعلق بوهم الأصول، وبقدر ما هي متمسكة بوضع الأختام على ما يمكن أن يسمح به التفكير في اتجاه غيريتها، بقدر ما تقضي على إمكانية الاختلاف بما هو اعتراف بالخصوصية لا على أساس الأحقية، وإنما على أساس إبداع سبل جديدة متعددة للتشارك والانخراط في تجربة انبثاق المستقبل، انطلاقا من حاضر متحرر من التطابق والتماثل". إن القضاء على إمكانية الاختلاف، لا يعني إلا الانخراط في أفق ما يسمى اليوم بتصادم الثقافات، إن صراع الثقافات وتصادمها ليس نتيجة طبيعية للاختلاف، بقدر ما هو نتيجة لوهم تفوق الذات على الآخر، بمعنى أن الأساس الثقافي الذي يؤسس للتصادم يظل مرتهنا بعقليات الإقصاء والتفاضل ، القائمة على مبدإ احتكار الحقيقة.. ومن هنا يأتي الحديث عن الشروط الصحيحة لفهم الآخر ويمكن اختصارها في النقاط التالية: تمثل الآخر المختلف وتفهمه بدل إصدار الأحكام المسبقة عليه تجاوز الظرفيات (العراقيل المعرفية والمنهجية وغيرها) لتأسيس علاقات التعايش والتواصل. التشبّث بمفاهيم نسبية الحقائق المؤسسة لمبادئ التعددية والتكامل - توظيف ما هو مشترك دون المساس بما هو مختلف فيه. تجنب المفاخرات وإقصاء فكرة التراتبيية الحضارية . تحييد النزاعات التي لا ترى مصلحة في التفاهم يين الثقافات.
• مفهوم الغيرية عند البيروني: حينما نقرأ ما كتبه البيروني حول الأديان والثقافات الأخرى، نجد أنفسنا أمام مفكر إسلامي خبر خفايا ذاك الآخر المختلف عن الذات الإسلامية، ويتعلق الأمر تحديدا بالآخر الهندوسي في هذا السياق، وليس المسيحي أو اليهودي كما جرت به العادة في الكثير من الكتابات الإسلامية قديما وحديثا. ربما لأن الرجل كان متعايشا مع جو الاختلاف ومندمجا فيه باستمرار قبل وبعد زيارته للهند... ولعل هذا ما يعكس اعتماده الكبير على منهج المقارنة، والمعروف بأن المقارنة من أفضل الأساليب لبيان التماثلات والاختلافات بين مكونات يختلف بعضها عن بعض في غالب الجوانب كالهندوسية والإسلام على سبيل المثال. بالفعل لقد اهتم البيروني بالثقافة الهندية أكثر من أي عالم مسلم آخر، وقد كان واعيا بتفرده في ذلك المضمار، بل إنه انتقد بشدة مؤلفات سابقيه من أصحاب الآراء والمقالات والديانات، لأنهم –حسب رأيه- لم ينقلوا حقيقة ما عليه البراهمة أو الهندوس من معتقدات وأفكار فلسفية أو علوم...إضافة إلى ذلك فقد عاب عليهم عدم التزامهم بالموضوعية والحياد في وصفهم لتلك التصورات الدينية. وقد عبر أبو الريحان عن صعوبة المهمة التي دخل غمارها، فالهند عالم غريب، كل ما فيه غير معهود لذهنية المسلمين وعاداتهم. غير أن المثير للاهتمام في هذه المسألة أنه قلما يقارن بين الهندوسية والإسلام، بل كثيرا ما يقارن حضارة وأديان الهندوس بتصورات قدماء اليونان، وأحيانا بمعتقدات بعض الشعوب المألوفة عند القارئ المسلم كالمجوسية والمانوية. في دراسة له تحت عنوان:" Muslim Studies of Hiduism" أكّد "Carl. W Ernst" أن البِيروني هو العالم المسلم الوحيد الذي أبدى اهتماما بالغا بالنصوص الدينية والفلسفية للهندوس. ولم يوجد عالم آخر تبعه في خطواته المنهجية كمتخصص في الديانة الهندوسية... إلا أن هذا لم يمنع "Ernst" من تسجيل عدد من الملاحظات تخصّ كيفية تعامل البِيروني مع النصوص السنسكريتية التي استند إليها في دراسته لديانة الهندوس أو البراهمة. وخلاصة ما قاله: " إن الإعلان الجريء الذي صرح به البِيروني حول مفهوم "الغيرية"/Otherness أثناء حديثه عن الفكر الديني الهندوسي يحجب حقيقة وجود تأويل ملحوظ ومعقد للمصادر التي تعامل معها؛ تأويل بلمسات إسلامية. إن ترجمته لكتاب " پَاتَنُچَل" اعتمدت على الجمع بين النصوص الأصلية وبين الشروح أو التعليقات التي ليس متاحا تحديدها، لقد تمت إعادة صياغة كل ذلك على شكل سؤال- جواب... بحيث قدم البِيروني الآلهة السنسكريتية "ديفا" تحت المسمى/ المصطلح العربي "الملائكة" أو "الروحانيات"... النتيجة إذن تفيد بأن البِيروني وظف استعمالا متعمدا –مختارا- لتلك المفاهيم مشتقا من الفلسفة اليونانية، ومن علم الجدل/ الكلام، ومن التصوف من أجل نقل وترجمة المصطلحات السنسكريتية الخاصة باليوغا الهندية" .
- هل كان البيروني موضوعيا ومؤمنا بالاختلاف وبالنسبية الثقافية؟ لاشك أن البيروني كان منفتحا بشكل عميق على الآخر غير المسلم عموما، وكان يؤسس دراساته وأبحاثه في الثقافات الأخرى على منهجية حوارية. جاء في كتاب "التحقيق" ما مفاده: " ولما أعاد الأستاذ أيده الله مطالعة الكتب ووجد الأمر على الصورة المتقدمة، حرص على تحرير ما عرفته من جهتهم ليكون نصرة لمن أراد مناقضتهم، وذخيرة لمن أراد مخالطتهم.."( ) وهذا ما لمسناه في مقدمة كتابه "تحقيق ما للهند من مقولة". علاوة على ذلك فهو من أشد العلماء تشبثا بمنهج تحقيق ونقد لمرويات التاريخية وغيرها، لتميز الحقيقي منها عن الأسطوري أو الخرافي. بعبارة أخرى : إن البيروني يؤكد على أهمية الدراسة العلمية للأديان والثقافات الأخرى بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لكن هل هذا يعني أن الرجل ليس محكوما بقناعاته الدينية كمسلم يرى في الإسلام الحقيقة الكبرى، وينظر إلى مخالفيه على أساس أنهم مخالفين للحق.؟ يجيب البيروني قائلا: "ولهذا استشهد من كلام بعضهم على بعض بسبب الاتفاق وتقارب الأمرين والتصحيح فإن ما عدا الحق زائغ والكفر ملة واحدة من أجل الانحراف عنه"( ). وبالتالي فهو يعطي تحديد دقيقا لمفهومي: الموضوعية و العلمية، إذ أن الدارس لثقافة الآخر عليه أن يتحرى الدقة والتحقيق في ما ينقله عنه ، كما عليه أن ينتهج منهجا علميا يكفل له نقل الحقيقة وليس غيرها، كما يكفل حسن فهم ما عليه ذلك الآخر. ولعل هذا ما يبرر تفضيل البيروني لمنهج "العيان" على غيره من المصادر المكتوبة أو الشفوية. لأنه كما يقول: "«إنما صدق قول القائل ليس الخبر كالعيان، لأن العيان هو إدراك عين الناظر عين المنظور إليه في زمان وجوده، وفي مكان حصوله»( ). غير أن معنى الموضوعية لا يستلزم أن يتخلى الباحث عن قناعاته الدينية أو أن يرى الحق متعددا في ذاته، أو له صور شتى تعبر جميعها عن ذات الحقيقة. وفي الحقيقة لا نشاطر الرأي الأستاذ علي أمليل حينما وصف موضوعية البيروني بأنها "متعالية"، وأن البيروني فشل أيضا كما فشل غيره من العلماء المسلمين في التعاطي بشكل إيجابي مع قضية "الغيرية". يقول علي أمليل: "لم يؤد به (البيروني) الأمر إلى القول بالتكافؤ والنسبية بين مختلف الآراء والعقائد. وهو يبدي ما يمكن أن نسميه "موضوعية متعالية" تجاه النظم الفكرية الأخرى، وهو لا يجد نفسه مضطرا للمجادلة، لأنه لا يجد نفسه أمام مستوى لائق بالدرجة التي بلغها علمه الإسلامي..."( ). بكل بساطة لم يجد البيروني نفسه مضطرا للمجادلة، لأن الكتاب الذي ألفه لا يرمي إلى ذلك، بل هدفه الأساس هو وضع موسوعة تعين من أراد الدخول مع الهندوس في حوار أو تواصل حول القضايا الدينية، أو سندا لمن أراد مناقضتهم. إضافة إلى كون البيروني كان محكوما بغاية تصحيح المعلومات والتصورات الخاطئة التي انطبعت في أذهان المسلمين حول الهند كبلاد للعجائب والغرائب فقط. • الغيرية ما بين الثقافتين الإسلامية والهندوسية: وصف البيروني جل الاختلافات بين الحضارتين الإسلامية والهندوسية، وركز على ذلك بشكل دقيق في الفصل الأول من كتابه حول حضارة الهند محاولا بيان أوجه التباين بين الحضارتين والعوامل المتحكمة فيه. إن تلك العراقيل والصعوبات التي تحدث عنها البِيروني وهو بصدد التعريف بالديانة الهندوسية كثيرة نجملها في العرائض التالية: 1- صعوبات مرتبطة باللغة والثقافة والترجمة( ): تشكل عراقيل اللغة والمشاكل التي تطرحها الترجمة –حسب البِيروني- أولى الأسباب والعوامل التي تعوق تقديم المعتقدات الهندوسية للمسلمين وتعريفهم بها بالشكل الدقيق والصحيح، ناهيك عن كون العوامل ذاتها هي ما منع التواصل بين الهندوس والمسلمين وزاد من العداء والخصومة، لأن «القطيعة تخفي ما تبديه الوصلة»( ). فالبِيروني يقر بأنه متى أراد أحد تعلم لغة الهندوس وهي «السنسكريتية» لإزالة هذه المباينة اللغوية والثقافية لم يتسن له ذلك إلا بشق الأنفس، لأن لغتهم جد معقدة إذ أن حروفها أولا وقبل كل شيء تختلف عن الحروف العربية «بل لا تكاد ألسنتنا ولهواتنا تنقاد لإخراجها على حقيقة مخارجها ولا آذاننا تسمع بتمييزها»( )، ويتسمى الشيء الواحد فيها بعدة أسماء مقتضبة ومشتقة، لا يقدر على التفريق بينها إلا ذو فطنة لموضع الكلام وقياس المعنى. وذلك من معايب اللغة يقول البِيروني وليس مدعاة للافتخار: "فإنهم يسمون الشيء الواحد بأسماء كثيرة جدا، والمثال بالشمس فإنهم سموها بألف اسم على ما ذكروا، كتسمية العرب الأسد بقريب من ذلك بعضها مقتضبة اقتضابا وبعضها مشتقة من الأحوال المتغايرة فيه أو الأفعال الصادرة، وهم ومن شابههم يتبجحون بذلك وهو من أعظم معايب اللغة، فموضوعها إيقاع اسم على كل واحد من الموجودات وآثارها بمواطأة بين نفر يعرف بها بعضهم عن بعض غرضه عند إظهار ذلك الاسم بالنطق"( ). وينضاف إلى ذلك كون لغة الهنود منقسمة إلى مبتذل لا ينتفع به إلا السوقة، وإلى مصون فصيح يتعلق بالتصاريف والاشتقاق ودقائق النحو والبلاغة لا يرجع إليه غير الفضلاء المهرة( ). ويترتب على ذلك الأمر أن تعلم لغة الآخر إلى درجة الإتقان أمر ضروري للتواصل معه وقراءة ثقافته في لغتها ووعائها الأصلي، حيث «تنبه البِيروني إلى هذه الفكرة وقيمتها، فعمل على إعداد نفسه بهذه الآلية إعدادا متقنا، ليجعل من قراءته لثقافة الهند بألسنتها نوعا من التواصل الحضاري الناجع. والقارئ لتراثه على الجملة، ومن خلال توثيقه لمصادره ومقارناته وترجماته يقف على إتقانه للغات عديدة منها إلى جانب السغدية لغة خوارزم مسقط رأسه: السنسكريتية، اليونانية، السريانية، العبرية والفارسية (...) وقد أجمع المؤرخون والدارسون لتراث البِيروني العلمي والفكري على إجادته لهذه اللغات»( ). من جهة أخرى، لقد كان البِيروني واعيا بأهمية الترجمة في وصف الأديان ومقارنتها، وفي نفس الوقت متنبها إلى مخاطرها والمشاكل التي تطرحها على مستوى الفهم السديد لمعتقدات وطقوس الأديان الأخرى( ). وفي هذا الصدد يقول البِيروني: «فمن تَحَقَّق الحالَ لم يلُمني على ما أزال أكدح فيه وأتحمله من أعباء الاجتهاد في النقل من لغة الهند للأنداد والأضداد(...) وما زلت أنقل من الهند كتب الحساب والمنجمين، إلى أن أقع الآن إلى كتب ما يدّخره خواصهم في الحكمة»( ). وقبل ذلك أشار البِيروني في كتاب التحقيق أنه عمل على ترجمة كتابين حول الديانة البراهميّة، أحدهما في المبادئ وصفة الموجودات واسمه «سَانْكِ»، والآخر في تخليص النفس من رباط البدن ويعرف بكتاب «پَاتَنجَل»، وفيهما أكثر الأصول التي عليها مدار اعتقادهم دون فروع شرائعهم( ). إن البِيروني يؤكد بالفعل أن الترجمة أو ما يسميه «النقل» من الممكن ألا تكون أمينة في نقل المعنى الأصلي للغة المنقول عنها، والمطلوب من الباحث هو تحري أعلى درجات الحرص والضبط للقيام بتلك المهمة الشاقة: «هذا مع عدم اهتمام الناسخين لها وقلة اكتراثهم بالتصحيح والمعارضة حتى يضيع الاجتهاد ويفسد الكتاب في نقل له أو نقلين ويصير ما فيه لغة جديدة لا يهتدي لها داخل أو خارج من كلتي الأمتين»( ). في نهاية المطاف لقد تمكن البِيروني من تعريب ما يربو على عشرين مصنفا علميا، تشمل فروعا عديدة من المعرفة والثقافة الهندية وعقائدها وفلسفاتها الدينية، ونقل عن اليونانية إلى السنسكريتية بعض النصوص والتصانيف الرياضية الإغريقية، فضلا عن اطلاعه على التراث الفارسي والعبري، ونقله مقتبسات مطولة منه إلى العربية في سياق دراساته المتعددة( ). 2- القطيعة والمباينة على مستوى الديانة: لما كانت الديانة الهندوسية أو البراهميّة من الديانات البعيدة عن البيئة الإسلامية، فقد ظلت أكثر غرابة وأشد تعقيدا بالنسبة للمسلمين خلال عصر البِيروني( )، وذلك بخلاف الديانات الكتابية التي حاورها الإسلام وعرّف بها الكثير من علماء مقارنة الأديان المسلمين قبل البِيروني وبعده. وقد قال أن الهندوس يباينوننا مباينة شديدة في الديانة والمعتقد، وهذا في حد ذاته من أسباب القطيعة بين المسلمين والهنود خلال تلك الفترة، حيث «لا يقع منّا شيء من الإقرار بما عندهم ولا منهم بشيء مما عندنا.. وليسوا مع من عداهم (الغريب أو الأجنبي) بهذه الوتيرة وإنما يسمونه "مُليج" وهو القذر لا يستجيزون مخالطته في مناكحة ومقاربة أو مجالسة، فليس بمطلق لهم قبول من ليس منهم إذا رغب فيهم أو صبا إلى دينهم»( ). 3- المباينة في العادات والتقاليد والطقوس: فالهندوس يتبعون العديد من الطقوس الغريبة بالنسبة للأجنبي عنهم، فلا سبيل له لفهم كنهها أو دلالاتها، بل إنهم – يقول البِيروني- كادوا أن يخَوِّفوا ولدانهم بنا وبزينا وهيآتنا وينسبوننا إلى الشيطنة. وفي هذا إشارة إلى انغلاق الهندوس على أنفسهم، واكتفائهم بثقافتهم، وتخوفهم من الآخر، وخاصة إذا كان محاربا كما الحال مع المسلمين في تلك الفترة، إذ أن كتابة البِيروني عن أديان الهند وحضارتها تزامن مع الفتوحات التي قادها الأمير الغزنوي محمود بن سبَكْتُكين في شمال الهند على الخصوص. وهذا العامل بالتأكيد هو ما زاد القطيعة تجذرا وحال دون مد جسور التواصل بشكل يسير مع خاصة الهندوس وعامتهم. 4- الظروف العسكرية والسياسية: يحكي البِيروني أن ظروف الحرب والصراع بين المسلمين والهندوس زادت من العداء بين الفريقين وجعلت من الصعب الاندماج داخل المجتمع الهندوسي، «فقد زادهم غزو أرضهم استِيحاشا لما دخل محمد بن القاسم بن المنبه أرض السند من نواحي «سجستان» وافتتح بلد «بمهنوا» وسماها «منصورة»، وبلد مولتان وسماها «معمورة»، وأوغل في بلاد الهند إلى مدينة «كنوج» ووطئ أرض «القندهار» وحدود "كشمير"، وتحدث البِيروني كذلك عن ما فعله الأمير محمود بن سبَكْتُكين حيث أباد بها خضرائهم وفعل من الأعاجيب في بلادهم ما صاروا به هباء منثورا وسمرا مشهورا، فبقيت بقاياهم المتشردة على غاية التنافر والتباعد عن المسلمين بل كان ذلك سبب انمحاق علومهم عن الحدود المُفْتَتَحة وانجلائها»( ). إذن بموجب المباينة في الديانة والسياسة واللغة والثقافة والعادات والتقاليد لم تكن مهمة البِيروني سهلة على الإطلاق، بيد أنه لم يدخر جهدا في وصف حضارة الهندوس بشكل موضوعي ونزيه كما ادعى هو شخصيا، على الرغم من كل تلك الصّعاب والتحديات حيث قال: «ولقد أعيتني المداخل فيه مع حرصي الذي تفردت به في أيامي وبذلي الممكن غير شحيح عليه في جمع كتبهم من المظان واستحضار من يهتدي لها من المكامن. ومن لغيري مثل ذلك إلا أن يرزق من توفيق الله ما حرمته في القدرة على الحركات عجزت فيها عن القبض والبسط»( ). -أسس موضوعية البيروني ومعالم مقاربته: 1- الموضوعية: تعتبر من الشروط الأساسية التي تبنى عليها المعرفة عموما، إذ لا يقبل على الإطلاق أي حكم ما دام لم يتأسس على النزاهة والحياد أو يتحلى بروح النقد البناء وطرح الميول والاعتبارات الشخصية جانبا. هذا يعني أن الذات لا يمكنها الوقوف على الحقيقة إذا لم تتناول موضوعها بصدق آخذة على عاتقها تنحية كل اعتبار غريب عن الجهد الذي يبذل في اتجاه الموضوعية الخالصة...وهذا أمر صار مجمعا عليه بين الباحثين والدارسين المحدثين في الغرب، بل سبق وأن أشار إلي العدد الهائل من العلماء المسلمين قبل ذلك بقرون كالحسن بن الهيثم والبيروني وابن رشد وغيرهم: "فالعالم عليه أن يحرص على معرفة الوقائع كما هي، لأن العلم قوامه وصف الأشياء وتقرير حالتها وتفسيرها، ومحك الصواب أو الخطأ فيها هو التجريب والاختبار.. 2- الإيمان بالنسبية: على الرغم من ذلك تظل قضية الموضوعية مجهودا بشريا يتطلب جهدا أخلاقيا والتزاما بعدد من القواعد التي تجنب الدارس أو الباحث الوقوع في الذاتية. لأنه لا يمكن أن نتحدث عن المعرفة المطلقة، بل تبقى الحقائق التي يتوصل إليها العالم نسبية. ولهذا قال "كارل بوبر": "المعرفة الموضوعية تتطلب التخلي عن مطلب اليقين، لأنه مطلب لا نستطيع تحقيقه موضوعيا، ولا يتسنى لنا أن نكون متيقنين بشكل مطلق إلا في مستوى قناعاتنا القائمة على تجاربنا الذاتية وفي مستوى ثقتنا الشخصية. غير ان الصفة التقريبية لا تنقص من القيمة الموضوعية للمعرفة التاريخية. كما أن هناك وجها آخر لمفهوم النسبية، وتعني أن العالم في بحثه يجب أن يترفع عن الغرور والادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة، وهي صفة نلمسها من خلال ما اتصف به البيروني من خصال، فمثلا نجده ينظر إلى آثار الأمم السالفة بعين التقدير ويفيد من آثار المتقدمين الصائبة...كما أنه يستحيل على الدارس مهما كان المجال الذي يشتغل فيه أن يحيط بكل أسرار المعرفة. وقد قال البيروني في هذا السياق: " عمر الإنسان لا يفي بعلم أخبار أمة واحدة من الأمم الكثيرة، فكيف يفي بعلم أخبار جميعها؟ ولعل هذه الرؤية التي يتحدث عنها البيروني، هي من بين العوامل التي أهلت البيروني ليكون أعظم عقلية عرفها التاريخ كما قال "إدوارد ساخو" محقق كتاب "تحقيق ما للهند من مقولة في العقل مقبولة أو مرذولة". ثم إن أحمد أمين اعتبر نظرات ومواقف البيروني في التاريخ نظرات دقيقة تفوق نظرات ابن خلدون صاحب "المقدمة". • قواسم مشتركة بين الثقافات الإنسانية من منظور البيروني: بالنسبة للمنهج الذي اتبعه البيروني وهو بصدد مقاربة مفهوم الغيرية، كان هناك تصور يلازمه دوما يخص التمييز بين صنفين مختلفين من مكونات كل مجتمع، الصنف الأول يمثله "الخاصة" أو نخبة المجتمع، والثاني يمثل "العامة". نظر البيروني إلى ذلك التصنيف على أساس أنه قاسم مشترك بين جميع الأمم، حيث إن: "طباع الخاصة ينازع المعقول ويقصد التحقيق في الأصول، وطباع العامة يقف عند المحسوس ويقتنع بالفروع ولا يروم التدقيق وخاصة فيما افتنت فيه الآراء ولم يتفق عليه الأهواء"( ). بالإضافة إلى ذلك فقد أشار إلى مسائل أخرى تتعلق بالتشابهات والاختلافات التي تتم على مستوى المجتمع الواحد، فمثلا حينما تحدث عن الوثنية في الديانة الهندوسية، قارن ذلك بحال اليونانيين الذين قال عنهم أن كانوا على مثل معتقدات الهندوس، غير انهم فازوا بالفلاسفة الذين نقحوا لهم الأصول على حد تعبيره...بخلاف الهندوس الذين ظل العامة فيهم على الوثنيات. وأيضا في سياق الحديث عن نظام الطبقات المعمول به في الهند "الكستات"، قارن بين هذا النظام وبين أشباهه عند أمم أخرى، فقد أعطى مثال ما عليه قدماء الفرس(). ( ) الفيروزآبادي، القاموس المحيط...ص: 323 ( ) بومسهولي، أخلاق الغير، نحو فلسفة غيرية، سلسلة أبحاث فلسفية، منشورات مركز الأبحاث الفلسفية بالمغرب، ص 81.
-( ) He said : "Al-Biruni s bold proclamation of "otherness" obscures the fact that he had to engage in a remarkably complex interpretation of his sources with many "Islamizing" touches. His translation of "patanjali s Yogasuyras was based on a combination of the original text plus a commentary that is still not identified, all rephrased by Al-Biruni into a question and answer format…Al-Biruni rendered the sanskrit "gods" (deva) with the Arabic terms for "Angels" (MALA IKA)´-or-spiritual beings (RUHANIYYAT). Consequently, Al-Biruni made deliberate and selective use of terms derived from Greek philosophy, heresiography and sophism to render the sanskrit technical terms of yoga… (Ernst, 2003, p. 177)
( ) - البيروني محمد بن أحمد، تحقيق ما للهند، ص، 15 ( ) - البيروني محمد بن أحمد، تحقيق ما للهند من مقولة، ص، 21 ( ) - نفسه، ص: 1 ( ) - أمليل علي، في شرعية الاختلاف، ص: 37 ( ) - في دراسة له تحت عنوان:" Muslim Studies of Hiduism" أكّد "Carl. W Ernst" أن البِيروني هو العالم المسلم الوحيد الذي أبدى اهتماما بالغا بالنصوص الدينية والفلسفية للهندوس. ولم يوجد عالم آخر تبعه في خطواته المنهجية كمتخصص في الديانة الهندوسية... إلا أن هذا لم يمنع "Ernst" من تسجيل عدد من الملاحظات تخصّ كيفية تعامل البِيروني مع النصوص السنسكريتية التي استند إليها في دراسته لديانة الهندوس أو البراهمة. وخلاصة ما قاله: " إن الإعلان الجريء الذي صرح به البِيروني حول مفهوم "الغيرية"/Otherness أثناء حديثه عن الفكر الديني الهندوسي يحجب حقيقة وجود تأويل ملحوظ ومعقد للمصادر التي تعامل معها؛ تأويل بلمسات إسلامية. إن ترجمته لكتاب " پَاتَنُچَل" اعتمدت على الجمع بين النصوص الأصلية وبين الشروح أو التعليقات التي ليس متاحا تحديدها، لقد تمت إعادة صياغة كل ذلك على شكل سؤال- جواب... بحيث قدم البِيروني الآلهة السنسكريتية "ديفا" تحت المسمى/ المصطلح العربي "الملائكة" أو "الروحانيات"... النتيجة إذن تفيد بأن البِيروني وظف استعمالا متعمدا –مختارا- لتلك المفاهيم مشتقا من الفلسفة اليونانية، ومن علم الجدل/ الكلام، ومن التصوف من أجل نقل وترجمة المصطلحات السنسكريتية الخاصة باليوغا الهندية". = "Al-Biruni s bold proclamation of "otherness" obscures the fact that he had to engage in a remarkably complex interpretation of his sources with many "Islamizing" touches. His translation of "patanjali s Yogasuyras was based on a combination of the original text plus a commentary that is still not identified, all rephrased by Al-Biruni into a question and answer format…Al-Biruni rendered the sanskrit "gods" (deva) with the Arabic terms for "Angels" (MALA IKA)´-or-spiritual beings (RUHANIYYAT). Consequently, Al-Biruni made deliberate and selective use of terms derived from Greek philosophy, heresiography and sophism to render the sanskrit technical terms of yoga… (Ernst, 2003, p. 177) وفي نفس السياق لاحظ "A. Jeffery" أن النصوص السنسكريتية التي اقتبسها البِيروني واستشهد بها في وصفه لمعتقدات الهندوس يتعذر تحديدها أو تعريفها اليوم من خلال النصوص المطبوعة، وأرجع ذلك لسببين. الأول يتعلق بتعذر التأكد دائما من أن النص السنسكريتي المنقح المطبوع اليوم هو نفس النص الذي كان بحوزته، والسبب الثاني هو صعوبة التأكد من مقدار ما تعرض له النص المكتوب من "معاناة". وهناك احتمال آخر وهو أنه في بعض الحالات لا يقف مباشرة على النص ولا يراهن وإنما يعتمد على ما أخبر به. يقول: = "that we cannot today identify all of these quotations i the --print--ed texts may be due to two reasons. Firstly, we cannot always be sure that the recension of a sanskrit work which we now use in --print--ed texts, is the same recension which available to him in his day. Secondly, we are never sure how much the text of Al-Biruni s work has suffered i the process of transmission. There is also the possibility that in some cases he himself did not see the actual text of the work he quotes, but is depending on what was told him…" (Jeffery, 1951, p. 142) ( ) - البِيروني، تحقيق ما للهند من مقولة، ص: 17 ( ) - المرجع السابق، ص: 17 ( ) - نفسه، ص: 17-165 ( ) - نفسه، ص: 17 ( ) - الشرقاوي عبد الله حمدي،(2006)، التواصل الحضاري في الفكر الإسلامي، دراسة تحليلية لمنهج البِيروني، (المجلد: 2)، عمان: المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية. ص: 173 ( ) - ساق البِيروني كحجة ودليل على ما قاله المثال التالي: "ولكن من الألفاظ ما يسمج في دين دون دين، وتسمح به لغة وتاباه أخرى، ومنها لفظة التأله في دين الإسلام، فإنا إذا اعتبرناها في لغة العرب وجدنا جميع الاسامي التي سُمّي بها الحق المحض متجهة على غيره بوجه ما سوى اسم " الله" فإنه يختص به اختصاصا قيل له إنه اسمه الأعظم، وإذا تأمناه في العبرية والسريانية اللتين بهما الكتب المنزلة قبل القرآن الكريم، وجدنا " الرب" في التوراة وما بعدها من كتب الأنبياء المعدودة في جملتها موازيا لله في العربي غير منطلق على أحد بإضافة كرب البيت ورب المال، ووجدنا الإله فيها موازيا للرب في العربي، فقد ذكر فيها: إن بني "إِلوهيم" نزلوا إلى بنات الناس قبل الطوفان وخالطوهن... وهذا اسم " الأبوة" و "البنوة" فإن الإسلام لا يسمح بهما إذ الابن والولد في العربية متقاربا المعنى، وما وراء الولد من الوالدين والولادة منفي عن معاني الربوبية، وما عدا لغة العرب يتسع لذلك جدا حتى تكون المخاطبة فيها بالأب قريبة من المخاطبة بالسيد، وقد علم ما عليه النصارى من ذلك حتى أن من لا يقول بالأب والابن فهو خارج عن جملة ملتهم والابن يرجع إلى عيسى بمعنى الاختصاص والأثرة، وليس يقصر عليه، بل يعدوه إلى غيره فهو الذي يأمر تلاميذه في الدعاء: يا أبانا الذي في السماء... (تحقيق ما للهند من مقولة: 30-31) . ( ) - البِيروني، تحقيق ما للهند، ص: 66 ( ) - نفسه، ص: 16 ( ) - نفسه، ص: 18 ( ) - البِيروني، في فهرست كتب محمد بن زكريا الرازي، (ملحق ضمن كتاب الأثار الباقية، المتن العربي، نشر وتحقيق: Edward Sachau، ص: xxxxiv). ( ) - حاول "Wilhelm Halfass" أن يعطي تقييما لإسهام البِيروني في هذا المجال، فامتدحه من خلال ما كان عليه من عدل وإنصاف في حق الآخرين، ومن موضوعية في دراسة ديانة الآخر الهندوسي : "A clear awareness of his own religious horizon as a particular context of thought led him to perceive the "otherness" of the Indian religious philosophical context and horizon with remarkable clarity…Biruni did not translate the names of foreign deities, nor did he incorporate them into his own pantheon, and of course he did not possess the amorphous "openness" of syncretism and the search for "common denominators". That is why he could comprehend and appreciate the other, the foreign as such the matizing and explicating in an essentially new manner the problems of intercultural understanding and the challenge of "objectivity" when shifting from one tradition to another, from context to another. (Ernst, 2003, p. 175) ( ) - البِيروني، تحقيق ما للهند من مقولة، ص: 18 ( ) - المرجع السابق، ص: 20 ( ) - البِيروني، تحقيق ما للهند من مقولة، ص: 21 ( ) - نفسه، ص: 23 ( ) - نفسه، ص: 88
#عمر_بن_سكا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في شرعية الاختلاف ومفهوم الغيرية عند أبي الريحان البيروني
المزيد.....
-
الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
-
مقتل نحو 30 شخصا بحادث -مروع- بين حافلة ركاب وشاحنة في البرا
...
-
السفارة الروسية في البرتغال: السفارة البرتغالية في كييف تضرر
...
-
النرويج تشدد الإجراءات الأمنية بعد هجوم ماغديبورغ
-
مصر.. السيسي يكشف حجم الأموال التي تحتاج الدولة في السنة إلى
...
-
رئيس الوزراء الإسباني يجدد دعوته للاعتراف بدولة فلسطين
-
-كتائب القسام- تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري
-
السلطات في شرق ليبيا تدعو لإخلاء المنازل القريبة من مجاري ال
...
-
علامة غير عادية لأمراض القلب والأوعية الدموية
-
دراسة جديدة تظهر قدرة الحليب الخام على نقل فيروسات الإنفلونز
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|