محمد صالح أبو طعيمه
الحوار المتمدن-العدد: 5875 - 2018 / 5 / 17 - 05:09
المحور:
الادب والفن
كل شيءٍ بدأ يتساقط، وهي تراقب في ذهولٍ ضد الاعتياد الذي شهدته عند عمها إذ بدأ يتساقط شعره من جانبيه، وبدأ الشيبُ شيئا فشيئا صعودًا من الفودين، لكنَّ الأمرَ كان مختلف مع الذي ترافقه، فنحول الشعر جاء دون شيب ودون تدرج هذه المرة، شحوب الجسد وهزلانه لم يكن محمودًا وانتفاخه من حين لأخرى كان من دروب الخيال التي يَحُول إليها الإنسان دون رغبةٍ منه، تراقب في خوفٍ وغرابةٍ تصارع الزمن واضطرابه.
بعدما رحل الجميع جاءته بتودد طالبة أن يسمح لأختها التوأم أن ترافقها في الرحلة الترفيهية المنتظرة مقتبل الأسبوع القادم، كان الأمر ضد القانون المعمول به، لكنه ثائر على الروتين القاهر لروح البراءة لدى الصبْيه، لا تلتزم معنا فكيف نأخذها؟ سأل مستفهمًا .
فأجابت: لأنها مرافقةٌ لأبي في الأرض المحتلة يتلقى علاج.
- وأين باقي الأهل من الكبار ؟
- مرفوضون أمنيًا!
تمرر يديها بكل انسيابيةٍ مفرقة خصلات الشعر المجعد عن بعضها، ضامة إليها جسدها بكل حنو ورأفة في حديقة المشفى بعيدًا عن الأب الممد في الحجر الصحي في قسم الأورام، نامت رغما عنها على صدر الممرضة التي لم تفهم من كلامها سوى " خبيبتي" رغم اجتهادها التحدث بالعربية التي كانت مكسورة بطبيعة الحال.
حصل لها وأختها على بطاقتين لتكونا معًا في الرحلة الترفيهية في حيز المدينة.
لتركض بهما فرحة للبيت، مبشرة والدتها ومعلنة حبها للمعلم الرؤوم بكل إنسانيته .
تأجلت الرحلة لخلل في التنسيق والفتاة لم تأتِ لا هي ولا أختها طوال أسبوعي التأجيل، استفهم عن السبب من باقي الأطفال فقالوا أن والدها توفى وسلافة رافقته إلى المعبر كما رافقته في رحلة موته،
برقت عيناه كعادته، لاحظ الأطفال الدمعة التي تسللت من عينه اليسرى لكنه التف مسرعًا إلى السبورة، وكتب السؤال.
محمد أبو طعيمه
غزة
#محمد_صالح_أبو_طعيمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟