|
إبريق القهوة الثاني - قصة : إيفان بونين ترجمها عن النص الروسي : جودت هوشيار
جودت هوشيار
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 5871 - 2018 / 5 / 13 - 01:56
المحور:
الادب والفن
انها موديله ، وعشيقته ، وربة بيته . تعيش معه في المرسم الخاص به في شارع زنامينكا : صفراء الشعر ، ليست طويلة القامة ، ولكنها حسنة القوام. ولا تزال في ميعة الصبا ، جميلة حانية . هو الآن يرسمها في الصباح في لوحة " المستحمة " وكأنها واقفة على منصة صغيرة ، عند جدول في الغابة ، مترددة في النزول الى الماء ، حيث الضفادع التي تحدق بعيونها الجاحظة. أنها عاربة تماماً بجسمها الناضج ، نضوج أجساد الفتيات من عامة الشعب ، وهي تغطي الشعر الذهبي في الأسفل بيدها . بعد ساعة عمل انحرف الفنان عن حامل اللوحة واغمض عينيه قليلا واخذ يتمعن في اللوحة من هذه الجهة او تلك ، ويقول ساهماً : حسناً ، لنأخذ فترة إستراحة . سخّني ابريق القهوة الثاني . تنفست الصعداء ، وطبطبت بقدميها العاريتين فوق الحصير راكضة نحو ركن المرسم حيث موقد الغاز . أخذ يقشّط بعض الأصباغ من اللوحة بسكين رقيقة . الموقد يزأر ، وتفوح رائحة حامضية من الفوهتين الخضراوين مختلطة برائحة القهوة الذكية. اما هي فإنها تغني بلا مبالاة ملء المرسم بصوتها الرنان : نامت السحابة الذهبية على الجرف العملاق التفتت اليه قائلة بفرح : - - تعلمت هذه الاغنية من الرسام بارتسييف . هل كنت تعرفه ؟ . هل كان ممشوق القوام؟. - نعم ، بعض الشيء. - هو نفسه - - كان موهوبا ، ولكن.يبدو أنه مات ! اليس كذلك ؟ - - مات... مات ، مات من الإدمان على الشرب . كلا كان انسانا طيبا . لقد عشت معه سنة ، كما أعيش معك الآن . وقد سلبني عذريتي من الجلسة الثانية . قفز من مكانه فجأة ، ورمى لوحة الألوان والفرشاة جانبا ، وطوحني على السجادة . دب الهلع في قلبي الى حد أنني لم أستطع حتى أن أصرخ . نشبت اظافري في صدره ، وفي سترته ولكن دون جدوى ! كانت عيناه مجنونتان فرحتان ... طعنة كأنها طعنة سكين . . - نعم ، نعم ، لقد قلت لي ذلك من قبل . يا لك من شجاعة . وانت برغم كل شيء ، هل كنت مغرمة به ؟ - بالطبع كنت أحبه ، وأخافه جدا . كان يذلني حين يسكر .احفظنا يا رب . أنا صامتة لا أتكلم وهو يصرخ : كاتنكا أخرسي - - حسن - - عندما كان يسكر يملأ المرسم صراخاً : " كاتنكا اخرسيي " ثم يغني : " نامت الكلبة ، الكلبة الشابة – يعني أنا - ... مضحك الى حد الموت ، ثم يضرب الأرضية بقدمه : " كاتنكا أخرسي " - حسن ، لحظة . نسيت من جاء بك الى موسكو ؟ أعتقد عمك . - عمي ، عمي . فقدت والدي ، وأنا في السادسة عشرة . سلمني الى عمي الآخر – وكان هذا الأخير صاحب حانة . كنت أغسل الصحون والملابس ، ثم أرادت زوجة عمي أن تبيعني الى بيت للدعارة . وكانت ستنجح في ذلك ، ولكن الله أنقذني . ذات يوم جاء شالابين وكوروفين من ( سترلني ) لكي يتخلصا من آثر السكر. وشاهداني وأنا أحمل الى المائدة مع الخادم رودكا السماور الكبير ذا سعة دلو كامل ، الذي يغلي فيه الماء . وأخذا يصرخان ويقهقهان : " صباح الخير يا كاتنكا ، نريدك أنت بالذات أن تقدمي لنا الطلبية ، وليس هذا الخادم ، إبن الكلبة . من أين عرفا إسمي . كان عمي قد استيقظ وخرج متثائباً ,أخذ يدافع عني قائلاً :" ليس هذا عملها ، ولا يمكنها أن تتولى خدمتكما. وصرخ شالابين : " سأنفيك إلى سيبيريا ، واوثقك بالسلاسل – افعل ما آمرك به " فزع عمي فجأة ، ودب الهلع في قلبي حد الموت . وكنت على وشك أن أعاند ، ولكن عمي همس في أذني : " سأسلخ جلدك . أنهم من أشهر الناس في موسكو بأسرها . " فأذعنت . نظر كروفين اليّ من قمة رأسي الى اخمص قدمي ، ثم قدم لي عشرة روبلات وقال : " تعالي غداً لأرسمك ، وأعطاني عنوانه ، وذهبت ولكنه عدل عن رأيه ، وارسلني الى الدكتور غولوشيف الذي كان صديقا حميما لكافة الرسامين ، وكان يفحص السكيرين والموتى عند الشرطة ، ويمارس الرسم احيانا ، وهو الذي جعلني اتنقل من يد الى يد ، وأمرني أن لا اعود الى الحانة ، وهكذا بقيت في ثوبي الوحيد . . ما الذي تعنين بانه جعلك تنتقلين من يد الى يد ؟ - هكذا من مرسم الى مرسم . في البدأ كنت اعمل بكامل ملابسي واشد شعري بمنديل اصفر ولدى الفنانات فقط .وكانت بينهن كوفجينيكوفا – شقيقة تشيخوف ، والتي لم تكن مناسبة لمهنتنا – فقد كانت مهذبة للغاية . ثم وقعت في يد ماليانين نفسه اجلسني عارية على ساقيه ، على اطراف رجليه وانا اعطيه ظهري والقميص فوق رأسي كما لو كنت البسه ورسمني : الظهر والعجز كانا رائعين ورسمهما قوي ولكنه افسدهما برسم الكعبين وباطني القدمين بشكل يثير الإشمئزاز تحت العجز تماما - كفى كاتكا ! اخرسي ، اين ابريق الشاي الثاني .اسرعي - اوه يا الهي، لقد ثرثرت .سأجلبه حالاً ، حالاً !
#جودت_هوشيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما قلّ و دلّ : ورش قتل المواهب
-
في أغسطس قصة لأيفان بونين - ترجمها جودت هوشيارعن النص الروسي
-
في أحد الشوارع المألوفة : قصة قصيرة للكاتب ايفان بونين - ترج
...
-
كامارغ
-
ثلاث قصص قصيرة جداً لفرانز كافكا
-
الكاتب الذي ركعت مارلين ديتريتش على ركبتيها لتحيّته !
-
مأساة الكتّاب الروس
-
تشيخوف الأميركي
-
من أدب الحرب : قصة -السعادة- لإيليا إهرنبورغ
-
إله الكتابة
-
الرواية البوليفونية الجديدة
-
الأدب العالمي ... مفهومه وقضاياه
-
البياتي في ذاكرة طلبة البعثات في موسكو
-
أوجه الإختلاف والتشابه بين الصحافة والأدب
-
عبدالوهاب البياتي في موسكو ... ملاحظات وإنطباعات
-
متعة القراءة العميقة
-
سحر الإستهلال الروائي الجاذب
-
حيّوا معي هذه السيدة العظيمة
-
من هو الكاتب الحقيقي ؟
-
في حضرة ناظم حكمت
المزيد.....
-
واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا
...
-
الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح
...
-
مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع
...
-
أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق
...
-
محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
-
الجليلة وأنّتها الشعرية!
-
نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024
...
-
الشاب المصفوع من -محمد رمضان- يعلق على اعتذار الفنان له (فيد
...
-
رأي.. سامية عايش تكتب لـCNN: فيلم -نورة- مقاربة بين البداوة
...
-
ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|