|
مسرحية الإعتراف : الموت والعذراء في الراهن السوري.
علاء موفق رشيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5869 - 2018 / 5 / 11 - 22:34
المحور:
الادب والفن
مسرحية الإعتراف : الموت والعذراء في الراهن السوري.
إخراج : عبد الله الكفري. نص : وائل قدور تمثيل : أسامة حلال، جمال سلوم، شادي مقرش، سها نادر، حمزة حمادة. سينوغرافيا : كرم أبو عياش. موسيقى : عبد قبيسي.
تتألف مسرحية ( الإعتراف ) التي قدمت على مسرح (دوار الشمس )، ضمن إطار عروض مهرجان ( ريد زون )، من حكاية ذات مستويين.
في المستوى الأول من الحكاية : يسعى ( عمر)، في الظروف الصعبة التي تعيشها دمشق - 2012، لتحقيق عرضه المسرحي الأول المستند على نص مسرحية (الموت والعذراء، 1990، للكاتب التشيللي آريل دورفمان )، وذلك بفرقة مسرحية تضم بالإضافة إليه، حبيبته (هيا)، وصديقه الممثل والسجين السابق ( أكرم ).
اليوم صباحاً ينتظر (عمر ) رأي خاله الضابط المتقاعد( جلال ) الذي أطلع وقرأ نص المسرحية إلا المشهد الأخير فيها، مشهد الإعتراف. في اليوم ذاته، يتلقى الخال اتصالاً من السلطات العسكرية في البلاد تطلب منه العودة إلى العمل مجدداً بين صفوفها. إنها علاقة الخال الممثل لخطاب السلطة الحاكمة بعلاقة ابن الأخت المؤمن بالمسرح والذي يحاول أن يعكس الواقع من خلاله. يطلب الخال من ابن أخته إيقاف العرض المسرحي الذي يخطط له ومغادرة البلاد : ( جاي على هالبلاد حرب بدها تاكل الكل )
المستوى الثاني من الحكاية، يبنى على طريقة المسرح داخل المسرح، حيث يتابع المتلقي بروفات مسرحية (الموت والعذراء)، التي يحضرها الشخصية (عمر) و والتي تتلخص قصتها كالآتي : لقاء صدفة بين (باولينا) و( د. ميراندا)، يقود إلى إتهامها له بأنه الجلاد الذي شارك في اغتصابها وتعذيبها في فترة اعتقال عاشتها منذ 15 عاماً. بين الحقيقة والأوهام العصابية، بين إنكار الجلاد واعترافه تمضي أحداث مسرحية ( الموت والعذراء ) دون أن تسمح بالحكم على أياً من صدق (باولينا) أو أياً من اعترافات وإنكارات ( د. ميراندا).
ما هي حال الجلاد لحظة تنفيذ التعذيب ؟ هل يشعر بالمتعة أم أنه الواجب ؟ وكيف تعيش الضحية مع تجربة التعذيب والإذلال خلال مستقبل الأيام ؟ وما الذي يجب أن يتم للوصول إلى المسامحة والغفران ؟ ما هي حيثيات الندم والإعتراف بالجرم ؟ هذه هي الأسئلة التي يبرع المؤلف ( وائل قدور ) بإستخراجها من نص ( الموت والعذارء لآريل دورفمان) الأساسي، ومن المستوى الثاني للحكاية التي يبينيها والتي تمثل بدقة واقع التجربة الإجتماعية السورية الراهنة.
لايقع المؤلف المسرحي (وائل قدور ) في فخ تقديم الأجوبة على هذه الأسئلة، بل يمضي قدماً عبر السرد، بإعادة طرحها المرة تلو الأخرى بتنويعات متعددة، مما يجعل من مسرحية ( الإعتراف ) عرض مسرحي يلامس الواقع النفسي – القانوني السوري بإمتياز، ويطرح عديد الأسئلة التي تتناول التجربة الإجتماعية السورية الراهنة والمتوقعة الحدوث قريباً، منها موضوعات العدالة الإنتقالية، التصالح الأهلي، العقد الإجتماعي، والموضوعة الجدلية عبر التاريخ : الجريمة والعقاب.
كيف تتصرف (باولينا) التي تعتقد أن د. ميراندا التي قادته صدفة توصيلة سيارة إلى منزلها، هو الذي استمتع بتعذيبها في اعتقالها منذ 15 عاماً ؟ هل تتنقم بالعقاب ؟ ما الفارق بين العقاب والثأر ؟ أم أن جنونها العصابي يدفعها للتوهم ؟ هل تثأر بقتله ؟ كم من حالة مشابهة سيعيشها المجتمع السوري في مستقبل السنوات القادمة ؟ هنا تبرع حكاية مسرحية (الإعتراف ) بطرح الأسئلة على المتلقي دون أن تساعده بإجابات تفضيلية.
هذا البناء الثنائي للحكاية على مستوى النص، تتطلب خيارات دقيقة على مستوى الإخراج، لبناء السرد السينوغرافي. عدة خيارات استعملها المخرج (عبد الله الكفري ) لبناء عوالم مسرحية مقابلة للكلا مستوى الحكاية الإثنين، مثلاً بأن يخصص لكل مستوى من مستويات الحكاية تصميم إضاءة مغاير للآخر، وكذلك بأن يخصص للمستوى الأول من الحكاية مساحة معينة من خشبة المسرح كالمقدمة والجهة اليمينية بينما يخصص للمستوى الثاني من الحكاية عمق الخشبة والقسم اليساري منها. ( سينوغرافيا : كرم أبو عياش )
بتقشف صوتي شديد، ندرة في استعمال الموسيقى، يبني المخرج ( عبد الله الكفري ) العوالم المسرحية الملائمة لنص مسرحي مثل ( الإعتراف ) مركب على أكثر من مستوى سردي، يستعمل السواتر العازلة على الخشبة للتحكم بالفضاء المسرحي وخلق في رؤية المتلقي حيزات مكانية متغايرة تلائم مستويات الحكاية. إن الحرفية في الإخراج المسرحي للعرض تظهر بخيارين يتعلقان برؤية المتلقي : الأول هو عدم التعقيد، والثاني الوضوح والدقة.
في الأداء التمثيلي، إننا أمام المسرح الواقعي، أفعال اللبس والأكل والشرب والتمثيل للمسرح داخل المسرح، هذه الخيارات الواقعية في الإخراج تتكأ على تقنيات ومهارة عالية لدى الممثلين الأربعة في الأداء المسرحي. إن أداء الممثلين المسرحي واحد من أهم مميزات مسرحية (الإعتراف) التي نتحدث عنها، وهو من أهم العناصر التي مكنت الرؤية الإخراجية والكتابة الدرامية من تحقيق التواصل مع المتلقي المسرحي للحكاية.
أداء (جمال سلوم ) الصارم لشخصية الضابط المتقاعد (جلال)، الحركة الجسدية، ردود الأفعال، طريقة أداء العبارات والأسئلة وقيادة الأحاديث، وإن كان لم ينوع في مستوى الطبقات الصوتية تقريباً، يشير إلى ممثل لا يؤمن بالمبالغة، وقادر على ضبط العواطف غير المرغوب بها سردياً. وكذلك إن أداء ( شادي مقرش )، ذو القدرات الصوتية الممتازة، والحضور المسرحي الواعي بالأثر الراغب بإيصاله للمتلقي، والتفهم العميق للشخصية المركبة للدكتور ميراندا، وأخيراً الماهر في إلقاء مونولوجات طويلة تروي ذكرى أو حلماً، يعطي بأننا أمام ممثل واعد المهارات التمثيلية.
أداء ( أسامة حلال ) الحيوي لشخصية (عمر)، أيضا ساهم في إنجاح الرؤية المسرحية للمخرج والمؤلف المسرحي، فالشخصية تتطلب مهارات قول المركب ببساطة، وقدرة على التواصل الحرفي مع كل الشخصيات والمؤدين الآخرين، وتنويع في الطبقات الصوتية والإنفعالات ضمن ما يتطلبه المشهد. وأخيراً نشير إلى أداء الممثلة ( سها نادر )، الطبقات الصوتية الدقيقة، التفهم العميق لشخصية مركبة مثل (باولينا)، ومهارة التعبير الجسدي عن الإنفعالات والمؤشرات العصابية في أداء الشخصية.
عناصر متميزة في الكتابة المسرحية مثل القدرة على بناء حكاية ذات مستويات سردية متعددة، وعناصر متميزة في الإخراج المسرحي مثل البناء الدقيق للفضاء المسرحي لسرد مناسب للحكاية، وعناصر متميزة في الأداء التمثيلي كالتي ذكرت، تجعل من مسرحية ( الإعتراف ) ليس عرضاً ممتعاً للمتلقي فقط، بل واحداً من العروض المساهمة في تشكيل تاريخ الريبورتوار السوري في المرحلة الحالية، وخصوصاً من حيث تميزه في طرح أسئلة متعلقة براهن التجربة الإجتماعية والسياسية السورية، أسئلة من مثل : " كيف نفذ الجلاد مهمته ؟ ما الذي نفعل حين يغوص المجتمع في ثنائية الضحية والجلاد ؟ كيف مستقبل العلاقة بينهما ؟ هم الأهل على المستوى الإجتماعي ؟ وكيف يكون التسامح مجدداً ؟ وكيف تقلب الأدوار بالثأر، فتتحول الضحية جلاداً، والجلاد ضحية.
هذه أمثلة من أسئلة صعبة تنتظر التجربة الإجتماعية السورية، وها هو الفن المسرحي يحاول أن يشير ويضيء عليها، بمهنية عالية تقتضي منه ألا يقدم أية إجابات.
علاء رشيدي
#علاء_موفق_رشيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
Haven For Artists : ملاذاً للفن والفنانين.
-
القصة الروسية الساخرة
-
المغامرة السريالية
-
القراءة والقارئ صور في البلاغة الأدبية - فيليب دايفيس
-
النماذج البدئية واللاوعي الجمعي - كارل غوستاف يونغ
-
الجنس في الإسلام لقاء مع فتحي بن سلامة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|