أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبادي زلزلة - هل الإحصاء وحلق اللحى وقص الثياب تستحق هذه العقوبة البشعة ؟















المزيد.....



هل الإحصاء وحلق اللحى وقص الثياب تستحق هذه العقوبة البشعة ؟


عبادي زلزلة

الحوار المتمدن-العدد: 5869 - 2018 / 5 / 11 - 17:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سفر صموئيل الثاني 12
31 وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِي فِيهَا وَوَضَعَهُمْ تَحْتَ مَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسِ حَدِيدٍ وَأَمَرَّهُمْ فِي أَتُونِ الآجُرِّ، وَهكَذَا صَنَعَ بِجَمِيعِ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.


تفسير أصحاح 12 من سفر صموئيل ثاني للقس أنطونيوس فكري

وفي (31) وضعهم تحت مناشير ونوارج حديد= غالبًا معنى هذا أنه استخدمهم في تقطيع الأشجار بالمناشير والدراس بالنوارج أي استخدمهم في عبودية مرة. ولكن في (1أى3:20) الآية صريحة أن داود نشرهم بالمناشير وهذه بلا شك قسوة ولكنهم يستحقونها فهم كانوا يقدمون أولادهم ضحايا حيَّة لإلههم ملكوم. إذ كانوا يحرقونهم أمامه أحياء. ولكن على كل الأحوال فهي قسوة مرفوضة من داود الذي يرمز للمسيح لكن عادة ما تقترن القسوة مع خطية الزنا. وكان داود خارجًا من خطية الزنا وقتل أوريا ولم يرجع لسابق رحمته بالتوبة بعد ولكن من المؤكد بعد أن عاد لحياة التوبة رجعت لهُ رحمته ومحبته ورقة قلبه.

____

سفر صموئيل الثاني 24

1 وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلاً: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا».
2 فَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوآبَ رَئِيسِ الْجَيْشِ الَّذِي عِنْدَهُ: «طُفْ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ وَعُدُّوا الشَّعْبَ، فَأَعْلَمَ عَدَدَ الشَّعْبِ».
3 فَقَالَ يُوآبُ لِلْمَلِكِ: «لِيَزِدِ الرَّبُّ إِلهُكَ الشَّعْبَ أَمْثَالَهُمْ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَعَيْنَا سَيِّدِي الْمَلِكِ نَاظِرَتَانِ. وَلكِنْ لِمَاذَا يُسَرُّ سَيِّدِي الْمَلِكُ بِهذَا الأَمْرِ؟»
4 فَاشْتَدَّ كَلاَمُ الْمَلِكِ عَلَى يُوآبَ وَعَلَى رُؤَسَاءِ الْجَيْشِ، فَخَرَجَ يُوآبُ وَرُؤَسَاءُ الْجَيْشِ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ لِيَعُدُّوا الْشَعْبَ،أَيْ إِسْرَائِيلَ.
5 فَعَبَرُوا الأُرْدُنَّ وَنَزَلُوا فِي عَرُوعِيرَ عَنْ يَمِينِ الْمَدِينَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ وَادِي جَادَ وَتُجَاهَ يَعْزِيرَ.
6 وَأَتَوْا إِلَى جِلْعَادَ وَإِلَى أَرْضِ تَحْتِيمَ إِلَى حُدْشِي، ثُمَّ أَتَوْا إِلَى دَانِ يَعَنَ، وَاسْتَدَارُوا إِلَى صِيْدُونَ.
7 ثُمَّ أَتَوْا إِلَى حِصْنِ صُورٍ وَجَمِيعِ مُدُنِ الْحِوِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى جَنُوبِيِّ يَهُوذَا، إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ.
8 وَطَافُوا كُلَّ الأَرْضِ، وَجَاءُوا فِي نِهَايَةِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إِلَى أُورُشَلِيمَ.
9 فَدَفَعَ يُوآبُ جُمْلَةَ عَدَدِ الشَّعْبِ إِلَى الْمَلِكِ، فَكَانَ إِسْرَائِيلُ ثَمَانَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل ذِي بَأْسٍ مُسْتَلِّ السَّيْفِ، وَرِجَالُ يَهُوذَا خَمْسَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل.
10 وَضَرَبَ دَاوُدَ قَلْبُهُ بَعْدَمَا عَدَّ الشَّعْبَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّبِّ: «لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا فِي مَا فَعَلْتُ، وَالآنَ يَا رَبُّ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي انْحَمَقْتُ جِدًّا».
11 وَلَمَّا قَامَ دَاوُدُ صَبَاحًا، كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى جَادٍ النَّبِيِّ رَائِي دَاوُدَ قَائِلاً:
12 «اِذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِدًا مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ».
13 فَأَتَى جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَأَخبَرهُ وَقَالَ لَهُ: «أَتَأْتِي عَلَيْكَ سَبْعُ سِنِي جُوعٍ فِي أَرْضِكَ، أَمْ تَهْرُبُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ أَمَامَ أَعْدَائِكَ وَهُمْ يَتْبَعُونَكَ، أَمْ يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَبَأٌ فِي أَرْضِكَ؟ فَالآنَ اعْرِفْ وَانْظُرْ مَاذَا أَرُدُّ جَوَابًا عَلَى مُرْسِلِي».
14 فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: «قَدْ ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ جِدًّا. فَلْنَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ وَلاَ أَسْقُطْ فِي يَدِ إِنْسَانٍ».
15 فَجَعَلَ الرَّبُّ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمِيعَادِ، فَمَاتَ مِنَ الشَّعْبِ مِنْ دَانٍ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُل.
16 وَبَسَطَ الْمَلاَكُ يَدَهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِيُهْلِكَهَا، فَنَدِمَ الرَّبُّ عَنِ الشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ الشَّعْبَ: «كَفَى! الآنَ رُدَّ يَدَكَ». وَكَانَ مَلاَكُ الرَّبِّ عِنْدَ بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ.
17 فَكَلَّمَ دَاوُدُ الرَّبَّ عِنْدَمَا رَأَى الْمَلاَكَ الضَّارِبَ الشَّعْبَ وَقَالَ: «هَا أَنَا أَخْطَأْتُ، وَأَنَا أَذْنَبْتُ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ الْخِرَافُ فَمَاذَا فَعَلُوا؟ فَلْتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي».
18 فَجَاءَ جَادُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «اصْعَدْ وَأَقِمْ لِلرَّبِّ مَذْبَحًا فِي بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ».
19 فَصَعِدَ دَاوُدُ حَسَبَ كَلاَمِ جَادَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ.
20 فَتَطَلَّعَ أَرُونَةُ وَرَأَى الْمَلِكَ وَعَبِيدَهُ يُقْبِلُونَ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ أَرُونَةُ وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ.
21 وَقَالَ أَرُونَةُ: «لِمَاذَا جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ إِلَى عَبْدِهِ؟» فَقَالَ دَاوُدُ: «لأَشْتَرِيَ مِنْكَ الْبَيْدَرَ لأَبْنِيَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ فَتَكُفَّ الضَّرْبَةُ عَنِ الشَّعْبِ».
22 فَقَالَ أَرُونَةُ لِدَاوُدَ: «فَلْيَأْخُذْهُ سَيِّدِي الْمَلِكُ وَيُصْعِدْ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. اُنْظُرْ. اَلْبَقَرُ لِلْمُحْرَقَةِ، وَالنَّوَارِجُ وَأَدَوَاتُ الْبَقَرِ حَطَبًا».
23 اَلْكُلُّ دَفَعَهُ أَرُونَةُ الْمَالِكُ إِلَى الْمَلِكِ. وَقَالَ أَرُونَةُ لِلْمَلِكِ: «الرَّبُّ إِلهُكَ يَرْضَى عَنْكَ».
24 فَقَالَ الْمَلِكُ لأَرُونَةَ: «لاَ، بَلْ أَشْتَرِي مِنْكَ بِثَمَنٍ، وَلاَ أُصْعِدُ لِلرَّبِّ إِلهِي مُحْرَقَاتٍ مَجَّانِيَّةً». فَاشْتَرَى دَاوُدُ الْبَيْدَرَ وَالْبَقَرَ بِخَمْسِينَ شَاقِلاً مِنَ الْفِضَّةِ.
25 وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، وَاسْتَجَابَ الرَّبُّ مِنْ أَجْلِ الأَرْضِ، فَكَفَّتِ الضَّرْبَةُ عَنْ إِسْرَائِيلَ.


تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

صموئيل ثاني 24 - تفسير سفر صموئيل الثاني

الإحصاء والوباء


تأملات في كتاب صموئيل ثانى:

في الأصحاحات [11-21] تحدث الكاتب عن سقوط داود بسبب تهاونه مع الخطية لمدة لحظات فبقي سنوات طويلة يجني ثمارها المُرّة وإن كانت هذه المرارة تحولت إلى مجده وبنيان الكثيرين خلال توبته المستمرة. الآن يُختتم السفر بخطأ خطير ارتكبه داود الملك وهو إحصاء الشعب لمعرفة عدد رجال الحرب دون استشارة الرب. فحلَّ على الشعب تأديب قاسٍ هزَّ أعماق نفس داود؛ غير أنه عرف كيف يغتصب مراحم الله.



1. إحصاء الشعب


[1-9].

2. إدراك داود للخطأ


[10].

3. جاد يستعرض التأديبات


[11-14].

4. حلول الوباء


[15-17].

5. إرسال جاد لداود


[18-25].


1. إحصاء الشعب:

غضب الرب على داود ليس لأجل قيامه بالإحصاء في حد ذاته، فقد سبق أن أحصاهم موسى ثلاث مرات أو أكثر (خر 38: 26؛ عد 1: 2-3؛ عد 26)، إلهنا إله نظام لا تشويش. إنما غضب الرب للأسباب التالية أو بعضها:

أ. لم يستشر الرب كعادته.

ب. بدأ داود يعتمد على عدد رجاله وإمكانياته مع أنه لو تطلع إلى حياته كلها منذ صبوته لوجد نفسه قد انطلق من رعاية الغنيمات القليلة التي لأبيه إلى استلام المملكة كلها بقوة إلهية، وليس بذراعه أو ذراع بشر. وفي مواقف كثيرة سواء لمقاومة الأعداء له أو المنشقين عليه كان الله يتدخل من حيث لا يدري أحد. وقد عبَّر داود النبي كثيرًا عن هذه الخبرة الطويلة.

ج. ربما قصد داود بهذا الإحصاء إثارة حروب جديدة لتوسيع مملكته وازدياد مجده.

د. لعله أراد تسخير الشعب بوضع جزية مالية ثقيلة لحسابه الخاص أو حساب الخزانة وليس لحساب خيمة الاجتماع.

ه. يبدو أن الدافع الرئيسي هو الإعلان عن عظمته وقدراته وإمكانياته، كما كان يفعل ملوك الأمم حوله ليرعب الأمم المجاورة، وقد شاركه الشعب هذه الروح، لذلك كانت الخطية على الجميع وليس على داود وحده. لقد حاول داود في حبه أن ينسبها لنفسه ولبيت أبيه لكي يُصب التأديب كله عليه دون الشعب!

و. كان الشعب محتاجًا إلى تأديب، فالله يسمح أحيانًا بخطأ الراعي لتأديب الرعية، لأنها مستحقة للتأديب، إذ يقول الكتاب: "وعاد فحمى غضب الرب على إسرائيل فأهاج عليهم داود قائلًا امض وأحص ...".

ز. يرى البعض أن خطأ داود ينصب في إصداره أمرًا ليوآب أن يحصي الشعب بما في ذلك هم أقل من 20 عامًا مادامت هيئتهم وطاقاتهم تناسب الحرب؛ هذا التصرف ضد الشريعة والناموس (1 أي 27: 23-24).

ح. كما انصب الخطأ على عدم طلب نصف الشاقل الذي كان يجب دفعه للخيمة متى أُحصى الشعب كفدية عن نفوسهم (خر 30: 12).

لقد أدرك يوآب خطأ داود فحاول تنبيهه إلى ذلك لكن داود أصر. قال له يوآب: "ليزد الرب إلهك الشعب أمثالهم مئة ضعف وعينا سيدي الملك ناظرتان. ولكن لماذا يُسر سيدي الملك بهذا الأمر؟" [3]؛ فاشتد كلام الملك على يوآب وعلى رؤساء الجيش، فخضعوا لأمره.


2. إدراك داود للخطأ:

لعل من أجمل سِمات داود النبي والملك أنه متى أدرك خطأه فلا يُغطي عليه، ولا يقدم لله مبررات، إنما في بساطة قلب مع صراحة وفي رجاء يعترف حالًا دون أي تردد. "فقال داود للرب: لقد أخطأت جدًا في ما فعلت، والآن يا رب أزل إثم عبدك لأني انحمقت جدًا" [10]. هذا هو القلب النقي الذي لا يحتمل أي غبار، إنما في الحال يصرخ معترفًا بخطيته.


3. جاد يستعرض التأديبات:

دفع يوآب جملة عدد الشعب إلى الملك [9]، وعوض أن يفكر داود في الرقم وغايته من التعرف عليه إذا بقلبه يضربه في داخله [10]، وبقى الليل كله في مرارة يترقب ثمار الخطأ الذي ارتكبه.

في الصباح جاءه جاد النبي يعرض عليه حق اختيار العصا التي يُضرب بها من قبل الله للتأديب: [سبع سنوات جوع، هروب ثلاثة شهور أمام أعدائه وهم يتبعونه، ثلاثة أيام وباء في أرضه].

عندما ترك الرب لداود النبي أمر اختيار التأديب الذي يسقط تحته ضاقت نفسه، ولكنه قال: "لقد ضاق بي الأمر جدًا، فلنسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان" [14]. فجعل الرب وباء في إسرائيل من الصباح إلى المساء، فمات من الشعب من دان إلى بئر سبع 70000 رجل. بسط الملاك يده ليهلك أورشليم، لكن الرب ندم وقال للملاك "كفى الآن رد يدك".

يرى البعض أن الملاك كان على ذات جبل المريا الذي قدم فيه إبراهيم وإسحق ذبيحة... وكأن توقف الهلاك كان من خلال ذبيحة الابن الحبيب!


4. حلول الوباء:

وسط التأديب القاسي المرّ كشف الكتاب المقدس عن حب داود الفائق لشعبه، فإنه إذ رأى شعبه تحت الضيق صرخ طالبًا أن تحل الضيقة به وببيت أبيه لا بالشعب. إنه مستعد كسيده (رب المجد يسوع) أن يتقدم الرعية ليحتمل المخاطر عنهم، لا أن يختبئ في وسطهم طالبًا عنايتهم به.

في اختيار العقوبات لم يختر المجاعة ولا الهروب أمام الأعداء بل الوباء المرسل من قبل الله؛ لقد ترجى أن يكون الجميع في سلام ويحتمل هو العقوبة دون غيره. وإذ لم يحدث هذا ناح وقال: "لتكن يدك عليّ"، وإن كان هذا لا يكفي "وعلى بيت أبي". يقول أيضًا: "أنا الراعي أخطأت" (الترجمة السبعينية). كأنه يقول: حتى إن كانوا هم قد أخطأوا فأنا هو الشخص الذي يجب أن يحتمل العقوبة لأنني لم أُصلحهم. إنها خطيتي أنا أيضًا لذا أستوجب العقوبة. ولكي يزيد من جريمته استخدم لقب "الراعي"... عظيمة هي قوة الاعتراف!
يقول: "أنا الراعي أخطأت". لقد أذنبت، أما هذا القطيع فماذا فعل؟ لتكن يدك عليّ وعلى بيت أبي.
إبراهيم (أيضًا) لم يطلب ما لنفعه الخاص بل ما هو لنفع الكثيرين، لهذا عرض نفسه للمخاطر، وسأل الله من أجل الذين لا ينتمون له (أهل سدوم وعمورة)

ليتنا نطلب العقوبة لأنفسنا متى أخطأنا ضد ذاك الذي ينبغي ألا نخطئ في حقه... إن كنا نحب المسيح كما ينبغي يلزمنا أن نُعاقب أنفسنا عندما نخطئ!
القديس يوحنا الذهبي الفم


5. إرسال جاد لداود:

سمع الله لصرخات داود المملوءة حبًا تجاه شعب الله واستجاب له، فقد أرسل إليه جاد النبي ليقيم مذبحًا في الموضع الذي ظهر له فيه الملاك، في بيدر أرونة اليبوسي، مؤكدًا له الآتي:

أ. قد تم التصالح بين الله وداود، لأن إقامة مذبح وتقديم ذبيحة وقبولها من جانب الله يعني تحقيق المصالحة.

ب. أن المصالحة تتم خلال الذبيحة، رمز ذبيحة المسيح الكفارية.

رأى أرونة وهو رجل أجنبي يبوسي الملاك، ثم عاد فرأى الملك قادمًا فارتبك جدًا وتحير، لذا سجد أمام داود الملك على وجهه إلى الأرض، وسأله عن سر مجيئه. طلب منه أن يشتري منه البيدر ليقيم المذبح فيه فتكف الضربة عن الشعب. أراد أرونة أن يقدم البيدر مجانًا لبناء المذبح وبقره محرقات ونوارجه وأدوات البقر حطبًا للمحرقات؛ لكن داود رفض أن يقدم تقدمات مجانية للرب وأصر أن يدفع الثمن 50 شاقلًا من الفضة.

رقم 50 يشير إلى الحرية التي يتمتع بها الإنسان داخليًا بالروح (اليوبيل، عيد العنصرة)، هكذا يرتبط المذبح والذبيحة بعمل الروح القدس واهب الحرية. على ذات الموضع أقيم فيما بعد هيكل سليمان.

كان أرونة أمميًا، لكنه تمتع برؤية الملاك، اتسم بالاتضاع والحب مع البذل والعطاء، لذا أقيم الهيكل في أرضه... ليت إنساننا الداخلي يكون كأرونة فيقيم الرب هيكله فينا.
______________

سفر أخبار الأيام الأول 20

1 وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، اقْتَادَ يُوآبُ قُوَّةَ الْجَيْشِ وَأَخْرَبَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ وَأَتَى وَحَاصَرَ رَبَّةَ. وَكَانَ دَاوُدُ مُقِيمًا فِي أُورُشَلِيمَ. فَضَرَبَ يُوآبُ رَبَّةَ وَهَدَمَهَا.
2 وَأَخَذَ دَاوُدُ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، فَوُجِدَ وَزْنُهُ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ، وَفِيهِ حَجَرٌ كَرِيمٌ. فَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا.
3 وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرِ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسٍ. وَهكَذَا صَنَعَ دَاوُدُ لِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
4 ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَامَتْ حَرْبٌ فِي جَازِرَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. حِينَئِذٍ سَبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَفَّايَ مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا فَذَلُّوا.
5 وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَقَتَلَ أَلْحَانَانُ بْنُ يَاعُورَ لَحْمِيَ أَخَا جُلْيَاتَ الْجَتِّيِّ. وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِهِ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ.
6 ثُمَّ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جَتَّ، وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلُ الْقَامَةِ أَعْنَشُ، أَصَابِعُهُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، وَهُوَ أَيْضًا وُلِدَ لِرَافَا.
7 وَلَمَّا عَيَّرَ إِسْرَائِيلَ ضَرَبَهُ يَهُونَاثَانُ بْنُ شِمْعَا أَخِي دَاوُدَ.
8 هؤُلاَءِ وُلِدُوا لِرَافَا فِي جَتَّ وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ.



تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

أخبار الأيام الأول 20 - تفسير سفر اخبار الأيام الأول

انتقام داود من بني عمون وبعض الحروب

تأملات في كتاب أخبار أيام أول:
تفسير سفر أخبار الأيام الأول :



وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ

اقْتَادَ يُوآبُ قُوَّةَ الْجَيْشِ وَأَخْرَبَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ

وَأَتَى وَحَاصَرَ رَبَّةَ.

وَكَانَ دَاوُدُ مُقِيمًا فِي أُورُشَلِيمَ.

فَضَرَبَ يُوآبُ رَبَّةَ وَهَدَمَهَا. [1]

وَأَخَذَ دَاوُدُ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ،

فَوُجِدَ وَزْنُهُ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ، وَفِيهِ حَجَرٌ كَرِيمٌ.

فَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ.

وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا. [2]

وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرَِ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسٍ.

وَهَكَذَا صَنَعَ دَاوُدُ لِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ.

ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ. [3]

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَامَتْ حَرْبٌ فِي جَازِرَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ.

حِينَئِذٍ سَبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَفَّايَ مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا فَذَلُّوا. [4]

وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ،

فَقَتَلَ أَلْحَانَانُ بْنُ يَاعُورَ لَحْمِيَ أَخَا جُلْيَاتَ الْجَتِّيِّ.

وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِه كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. [5]

ثُمَّ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جَتَّ،

وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلُ الْقَامَةِ أَعْنَشُ،

أَصَابِعُهُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ،

وَهُوَ أَيْضًا وُلِدَ لِرَافَا. [6]

وَلَمَّا عَيَّرَ إِسْرَائِيلَ ضَرَبَهُ يَهُونَاثَانُ بْنُ شَمْعِي أَخِي دَاوُدَ. [7]

هَؤُلاَءِ وُلِدُوا لِرَافَا فِي جَتَّ

وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ. [8]


خطية داود في لأمر إحصاء الشعب:

يختص هذا الأصحاح بأكبر خطية اقترفها داود، وهو لا يذكر شيئًا عن خطيته في أمر أوريا الحثي ولا المصاعب التي حلّت بأسرته بعدها فليس هنا ذكر لبتشبع أو لعصيان ابشالوم. وخطية داود في أسر إحصاء الشعب سُجلّت في هذا الأصحاح لأن التكفير عن هذه الخطية أدى إلى الاشارة للمكان الذي سيقدّم عليه الهيكل، ويمكن تلخيص محتويات الأصحاح كالآتي:

1. خطية داود عن إجبار يوآب لإحصاء الشعب (عدد 1، 6).

2. ندم داود على ما عمله بمجرد أن أدرك خطأه (عدد 7- 8).

3. الأمر المحزن على اختيار واحد من بديلين dilemma (أو بالأحرى ثلاثةtrilemma ) وعن كيفية العقوبة على هذه الخطية والعصا التي سيُضرب بها (عدد 9، 13).

4. الخراب المُحزن الذي نتج عن الطاعون ونجاة أورشليم منه (عدد 14، 17).

5. توبة داود وتقديمه المحرقة وما نتج عن ذلك الخلاص من الطاعون (عدد 18، 30).

وقد سبق أن درسنا هذه الحادثة المؤلمة في كتابنا: تفسير وتأملات الآباء الأولين في سفر صموئيل الثاني- الأصحاح 24، وهنا نذكر بعض التأملات الأخرى:

"ووقف الشيطان ضد إسرائيل واغوى داود ليحصي إسرائيل..."(1أيام 21: 1، 6).

يُظًن أن احصاء الشعب ليس بشيء رديء، لماذا لا يعرف الراعي عدد رعيته؟ ولكن نظرة الله ليست كالإنسان، فمن الواضح أن داود أخطأ في هذا العمل وكان سببًا في غضب الله لأنه عمل ذلك نتيجة خواطر كبرياء قلب وقلة ثقة في الله بالاعتماد على الأعداد، فليس هناك خطية أكثر تناقضًا وبالتالي إساءة إلى الله أكثر من الكبرياء وقلة الإيمان والخطية كانت من داود وكان يجب أن يتحمل اللوم عليها وحده ولكننا أُخبرنا:

أ. كيف كان المُجرِّب فعًالا في هذه الحالة (عدد 1): "ووقف الشيطان ضد إسرائيل واغوى داود ليفعلها"، وقد ذُكر في (2صم 24: 1) أن "غضب الرب حمى على إسرائيل فأهاج عليهم داود ليفعلها". إن أحكام الله الصالحة يجب أن تُلاحظ ويُعترف بها حتى في الخطايا وعدم الصلاح في الإنسان، فنحن متأكدون أن الله لا يتسبب في الخطية "فهو لا يُجرب أحدًا"، لذلك عندما يُقال أنه أهاج داود ليفعلها فيجب التوضيح أنه لأجل هدف حكيم ومُقدس سمح الله للشيطان أن يفعلها، وهنا نقتفي أثر هذا التيار العفن إلى مصدره وأساسه، فليس غريبًا أن الشيطان -الذي هو عدو الله. وكل خير- أن يقف ضد إسرائيل فهدفه هو خوار قوة، ونقص عدد، وكسف مجد إسرائيل الله، الذي هو له شيطان أيّ عدو لدود، ولكن من الممكن التعجب كيف أنه يؤثر على داود ليفعل شيئًا خاطئًا وهو الرجل الذي قلبه مثل قلب الله، فهو يُظن فيه أنه من أولئك الذين لا يمسهم الشرير. أبدًا يجب أن نعلم أن أقدس القديسين لا يجب أن يفكروا أنهم ليسوا في متناول تجارب الشيطان، وهذا يذكرنا بالقديس مقاريوس الكبير الذي كان الشيطان يقول له "لقد وصلت يا مقارة" فاستمر يجيبه "لم أصل" إلى أن سلّم روحه في يد خالقه فقال "الآن وصلت" والآن لما نوى الشيطان أن يحيق إذا بإسرائيل أيّ طريق أتخذ؟ أنه لم "يهيج الله ضدهم ليبتلعهم"(أي 2: 3) ولكنه هيج داود أعز صديق لهم لكي يَحْصهم وبذلك يُغضب الله ويثيره ضدهم، ونلاحظ:

1. أن الشيطان عندما يغوينا لنخطئ ضد الله فإنه يصيبنا بأذى أكثر مما يشتكينا أمام الله. أنه لا يحطم الناس إلاَّ بأنفسهم وأيديهم أو أيادي غيرهم.

2. أن أعظم ضرر يُمكنه أن يفعل بكنيسة الله هو أن يغوي قوادها بالكبرياء، لأنه لا يستطيع أحد أن يرى هذه الخطية في الجميع وبالأخص المتقدمين في الكنيسة "وأما أنتم فليس هكذا. بل الكبير فيكم ليكن كالأصغر. والمتقدم كالخادم"(لو 22: 26).

ب. كيف كان الإحصاء غير مُجْد! إن يوآب الذي استخدمه داود كان رجل ذو شأن في الأعمال العامة، ولكنه أُرغم على هذا العمل وفعله بأقصى ما يمكن تصوره من التردد:

1. لقد قدّم احتجاجًا على هذا العمل قبل أن يبدأه، فلم يكن هناك إنسان أكثر منه تقدمًا في أيّ شيء يؤول إلى ما فيه مجد الملك وخير المملكة، ولكن في هذا الأمر كان يود أن يُعفى مسرورًا لأنه:

أ. رأى أنه كان شيئًا لا داعي له ولم يكن له أيّ مناسبة، فالله قد وعد أن يُكثّر شعبه ولم يكن عند يوآب أيّ تساؤل من جهة تنفيذ هذا الوعد، فكل الشعب خدامه ولم يكن عنده شك في ولائهم ومحبتهم له، فعددهم مهما كان قضية القوة التي يشدوها.

ب. إن هذا الأمر خطير والقيام به قد يكون سبب تعدي لإسرائيل وربما يثير غضب الله عليهم، وهنا فهمه يوأب ولكن داود لم يفهمه، فأكثر الناس علمًا بنواميس الله ليسوا دائمًا أكثر الناس بديهية في تطبيقها.

2. لقد كان مُضجرًا من هذا الأمر قبل أن يقوم به: "لأن كلام الملك كان مكروهًا لدى يوآب"(عدد 6)، أو قبل ذلك فكل ما صنع الملك داود كان حسنًا في أعين جميع الشعب (2صم 3: 36)، ولكن الآن هناك اشمئزاز عام على هذه الأوامر وهو الشيء الذي ثبّت كُره يوآب لها.

ومع أن نتيجة هذا الأستعراض كانت عظيمة جدًا، إلاَّ أن يوآب لم يكن عند قلب ليكمله وقد ترك سبطين مُهمين بدون تعداد وهما سبطي لاوي وبنيامين (عدد 5- 6)، وربما لم يكن مدققًا في تعداد الأسباط الأخرى لأنه فعل الأمر مُتضررًا مما يوضح السبب في أختلاف أرقام التعداد عما ورد في (2صم 24: 9).

ج. هناك تباين كبير بين هذه الحادثة بالمقارنة مع ما حدث لداود الصبي الراعي عندما جاء إلى حقل المعركة ورأى جليات الجبار يجول مختًالا ومعيرًا لإسرائيل، ذاك الراعي الصغير لم يرغب في عمل تعداد ولم يحصي عدد الجي، ولكنه قال "دعني أواجهه"، لماذا كانت عنده الشجاعة ليفعل ذلك؟ لأنه وثق في الرب. وداود تعلم الدرس من حادثة الإحصاء وقال في مزاميره: "الأحتماء بالرب خير من التوكل على إنسان. الاحتماء بالرب خير من التوكل على الرؤساء"(مز 118: 8- 9)، "بك يا رب احتميت فلا أخزى إلى الدهر"(مز 71: 1).

ونحن يجب أن نسأل أنفسنا هذا السؤال الهام: هل نحن دائمًا نؤمن ونثق في الرب؟ "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاءه..."(عب 11: 6) والرب يسوع له المجد قال متى جاء الروح القدس فهو يبكت العالم على الخطية. أية خطية؟"... لأنهم لا يؤمنون بي"(يو 16: 8)، والقديس بولس الرسول قال: "... كل ما ليس من الإيمان فهو خطية"(رو 14: 23)، هذه كانت خطية داود في تلك الحادثة وسرعان ما تيقن مقدار الخطأ الذي وقع فيه في هذا الأمر.

"وقبح في عيني الله هذا الأمر فضرب إسرائيل..."(1أيام 21: 7، 17) هنا داود وقع تحت عصا التأديب بسبب إحصاء الشعب، عصا التأديب هذه التي تطرد الحماقة من القلب، حماقة الكبرياء والاعتماد على الأعداد بدًلا من الثقة في الله، ولنتأمل الآتي:

أ. كيف أُصلح داود.

إذا أخطأ أعز أبناء الله فيجب أن يتوقعوا دفع الثمن:

1. لقد أُفهم داود أن هذا الأمر قُبح في عيني الله (عدد 7) وهذا ليس بالأمر الهين لإنسان صالح مثل داود. الرب ينظر ولا يُسر بخطية شعبه، وليس هناك خطية أكثر استياء لدى الله من كبرياء القلب وعدم الثقة في الله، كذلك ليس شيء محزن ومميت لنفس مرهفة الحس أكثر من أن تكون موضع استياء الله.

إنه من النافع لنا ونحن نسير في هذه التأملات أن نلاحظ كيف أن الله يُركّز على أشياء معينة في حياة داود، فكثيرون هنا يعتبرون أن بعض المواقف خطية ومواقف أخرى أنها ليست خطية أو أنها أقل خطأً، ولكن عندما نمثل في حضرة الله سوف نكتشف أن نظرتنا كانت خاطئة في هذا المضمار ونعرف معنى الخطية، فيجب أن نعلم أن الخطية ليست هي فقط في الأفعال أيّ الأشياء التي نعملها أو لا نعملها بل هي أيضًا في الأفكار والنوايا، وبدراسة كلمة الله نعرف نظرته للخطية...

2. وُضع أمام داود أن يختار واحد من ثلاثة عقوبات: الحرب، المجاعة، أو الوبأ، وبذلك فلإذلاله بالأكثر وُضع في موقف عسير جدًا أمام رهبة ثلاث عقوبات، بلا شك وسط ذهوله العظيم حينما فكر أيّ من الثلاثة يختار.

3. سمع داود في بحر ساعات قليلة عن سقوط سبعين ألفًا من رعيته وموتهم من الوبأ (عدد 14)، فقد كان فخورًا بوفرة شعبه ولكن العدل الإلهي أخذ مجراه ليجعلهم أقل عددًا، فباستحقاق يؤُخذ منا ويسبب لنا الضعف ومذاقه المر الشيء الذي نفتخر به، فداود أصر على احصاء شعبه وقال: "اذهبوا عدوا إسرائيل وأتوا إليَّ فأعلم عددهم"(عدد 2)، ولكن الله الآن يعدهم بطريقة أخرى: "فأتي أُعيّنكم للسيف..."(أش 65: 12)، وأتوا لدواد بعدد آخر وكان بالأكثر لارباكه وليس لمسرته فهو عدد الذين أستلّوا بسيف الملاك، وثيقة الموت السوداء التي كانت لطمة لسجل جنود داود.

4. وكان داود يرى الملاك المهلك وسيفه ممدود على أورشليم (عدد 16)، وهذا لم يكن سوى رعب شديد له لأنه علامة غضب السماء وتهديد بإفناء تلك المدينة المحبوبة، فإذا كان منظر ملاك آتيًا في مهمة سليمة قد جعل أعظم الرجال يرتعد، فما بالك بمنظر ملاك سيفه مسلول بيده، سيف ناري كالذي للشاروبيم الذي كان متقلبًا لحراسة طريق شجرة الحياة، فحينما نكون تحت غضب الله فالملائكة الأطهار يكونون متسلحين ضدنا ولكننا لا نراهم كما رأى داود.


ب. كيف حمل داود التأديب:

1. لقد اعترف اعترافًا صادقًا بخطيته وصلى لأجل مغفرتها (عدد 8). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). لقد اعترف أنه أخطأ جدًا وأنه فعل هذا الأمر بحماقة شديدة، وتوسل أن يُصلح وأن يزول الأثم.

2. لقد قبل العقوبة على إثمه:"... لتكن يدك عليّ وعلى بيت أبي..."(عدد 17) "أضع نفسي لعصى التأديب فدعني أعاني وحدي فأنا هو الذي أخطأ وأساء وأني الرأس المذنب التي يجب أن يُستل السيف عليها".

3. ألقى نفسه تحت رحمة الله (بالرغم من علمه أن الله كان غاضبًا منه) ولم يخطر بباله أيّ فكر رديء ضد الله، فمهما يحدث "دعني اسقط في يد الرب لأن مراجمه كثيرة جدًا..."(عدد 13)، فالإنسان الصالح يفكر حسنًا من جهة الله حتى وأن عبست الدنيا في وجهه: "ولو قادني للذبح فإني أثق فيه".

4. لقد أظهر شعورًا واهتمامًا حنونًا من جهة شعبه، وقد وخُز في قلبه حينما رآهم مضروبيين من أجل تعديه: "وأما هؤلاء الخراف فماذا عملوا"(عدد 17).

"فكلم ملاك الرب جاد أن يقول لداود أن يصعد داود ليقيم مذبحًا للرب في بيدر أرنان اليبوسي..."(1أيام 21: 18، 30).

وهنا نرى ختامًا للأمر فحالما تاب داود عاد إليه سلامه مع الله: "لقد غضبت عليّ ولكن غضبك زال عني"(أش 12: 1).

1. لقد وضع الرب حدًا لتقدم الهلاك (عدد 15)، فلما تاب داود عن هذه الخطية ندم الرب على حكم الشر وأمر الملاك المهلك أن يرد يده ويرد سيفه إلى غمده (عدد 27) فسيف الحكم رُدّ إلى الغمد، ولكن عند الجلجثة السيف اخترق جنب الرب يسوع المسيح، وكما قال أحد الكتاب: "أنا دخلت إلى قلب الله خلال جرح رمح"

2. صدرت التعليمات لداود بأن يبني مذبحًا للرب في بيدر أرنان (عدد 18)، وقد أمر الملاك جاد النبي بأن يأتي بهذه التعليمات إلى داود، فنفس الملاك الذي نفّذ الحرب باسم الرب هنا يأتي بالخطوة المؤدية إلى السلام، لأن الملائكة لا يودون يوم الحزن. وكان في الإمكان أن يأتي الملاك بهذه التعليمات لداود مباشرة ولكنه أتى بها عن طريق الرائي لكيما يظهر شرف الانبياء، وكذلك إعلان يسوع المسيح أعطاه الله ليوحنا الرسول بيد ملاك ومنه إلى الكنائس. وكانت التعليمات لداود بإقامة المذبح هي رمز مبارك للمصالحة، فإنه لو كان الله يُسر بموته لما قبل الذبيحة من يديه.

3. أسرع داود يعمل اتفاق مع أرنان لأجل البيدر لأنه لا يخدم الله على حساب الآخرين، مع أن أرنان قدمه له مجانًا ليس فقط لأجل اللطف قبالة الملك بل لأنه رأى الملاك (عدد 20) الأمر الذي أثار الرعب فيه مع أولاده الأربعة واختبأوا جميعًا لأنهم لم يحتملوا بهاء مجده وخافوا من سيفه المسلول، فتحت الخوف من الشر المرتقب كان مستعدًا أن يعمل أيّ شيء من أجل التكفير، فكل الذين عندهم إحساس مرهف بخوف الله يعززون التوبة ويشجعون كل طرق المصالحة لأجل رد غضب الله.

4. لقد أظهر الله قبوله لتقدمات داود على هذا المذبح "فأجابه بنار من السماء"(عدد 26)، فالدليل على رفع غضب الله عنه هو أنه بدل أن تستقر النار بعدل على الخاطئ فإنها استقرت على الذبيحة وأكلتها، وتلا ذلك رد السيف المهلك إلى غمده. وكذلك المسيح جُعل خطية ولعنة من أجلنا، لأنه سُرّ الرب أن يسحقه لكي ما يكون الله لنا من خلاله ليس نارًا آكلة بل أبًا متصالحًا.

5. لقد استمر داود في تقديم ذبائحه على هذا المذبح، فمذبح النحاس الذي أقامه موسى كان في ذلك الوقت في المرتفعة في جبعون (عدد 29)، وكانت ذبائح إسرائيل تقدّم هناك، ولكن داود خاف من جهة نظره سيف الملاك حتى أنه لم يستطع أن يذهب إلى جبعون ليسأل الله (عدد 30)، فالأمر استدعى العجلة عندما بدأ الطاعون، فهارون كان يجب أن يسرع بل يجري لكي يصنع تكفيرًا (عد 16: 46- 47)، والحالة هنا لم تكن أقل طلبًا للعجلة، فالوقت لم يسمح لداود أورشليم، لئلا تأتي الضربة القاضية قبل رجوعه. ولذلك الله، شفقة منه عليه، أمره أن يقيم مذبحًا في ذاك المكان، والله منح حًّلا من شريعته الخاصة بالمذبح الواحد بسبب المحنة الحاضرة وسمح برفع الذبائح على هذا المذبح الذي لم يقام مضادًا للذي في جبعون ولكن مُلازمًا له، فشعارات الوحدة لم يُصدُّ عليها مثل الوحدة نفسها، وحتى بعد مرور المحنة الحالية (كما هو ظاهر) فداود استمر في تقديم الذبائح هنا بالرغم من استمرارية المذبح الذي في جبعون لأن الله اعتمد الذبائح المقدمة على المذبح الذي في بيدر أرنان وأقر قبوله لها (عدد 28).

6. لقد اختار الله موقع بيدر أرنان اليبوس على جبل المريا حيث المكان الذي أمر الله إبراهيم أن يقدم ابنه ذبيحة ناظرًا إلى وقت ذبائح الهيكل وأخيرًا ذبيحة حمل الله الذي يغفر خطايا العالم، فداود بنى هذا المذبح حيث سيُبْنى الهيكل وقدم ذبيحة، وهذا هو الموضع الذي يجتمع فيه الله مع شعبه وأصبح الآن مكان الذبيحة، وداود أقام هذا المذبح وقدّم ذبيحة ُمحرقة، فذبيحة المحرقة تُشير لشخص المسيح، ثم قدّم ذبيحة سلامة فهذه أيضًا تُشير إلى المسيح سلامنا المسيح صنع سلامًا بسفك دمه على الصليب فيسوع المسيح هو سلامنا، وهو رش دمه على كرس الرحمة لأجلنا فهو رئيس كهنتنا الأعظم وقد صعد إلى السموات وهو قائم عن يمين الآب، فليس هناك وصول إلى الله إلاَّ خلال الرب يسوع المسيح، وداود فهم هذا بروح النبوات وقدّم ذبيحة المحرقة وذبيحة السلامة لله.

سادسًا: داود يقوم بالتحضيرات والترتيبات لبناء الهيكل أصحاح (22-29):

هذه الثمانية أصحاحات تعتبر مكملة لسفر صموئيل الثاني إذ أنها تملأ الفراغ بين نهاية ذاك السفر وبداية سفر الملوك الأول، فمن هنا حتى نهاية سفر أخبار الأيام الأولى نرى حماس داود لبناء الهيكل واهتمامه بجمع المواد وبعمل الترتيبات بالرغم من أن الله لم يسمح له بالبناء. إن الهيكل ينطق بالروحيات والعلاقة الصادقة مع الله، ومن وجهة نظر الله فإن تحضيرات داود للهيكل كانت أكثر أهمية عن أيّ شيء آخر قام به داود.


________

كيف تصرَّف داود نبي الله بهذه الوحشية مع بني عمون حتى أنه نشرهم بمناشير ونوارج حديد وفؤوس (1 أي 20: 3)؟

حلمي القمص يعقوب :
لم يهجم يوآب على بني عمون ولم يحاصر عاصمتهم بدون مبرر، ولكن عندما مات ناحاش ملك بني عمون أرسل داود وفدًا لتقديم التعازي لابنه حانون، أما مشيري حانون فقد أقنعوه بأن داود لم يرسل هؤلاء الرجال إلاَّ لتجسس الأرض، فارتكب حانون حماقة إذ أهان رسل داود فحلق لحاهم وقص ثيابهم من الوسط عند السوءة، وعندما شعر بمدى الحماقة التي ارتكبها أسرع واستأجر من آرام اثنين وثلاثين ألف مركبة وتحركوا لحرب بني إسرائيل، فتصدى لهم يوآب وأخيه أبشاي ومنحهم الله النصرة على ذلك الشعب المتجبر (1أي 19) ولذلك انتقم منهم داود هذه النقمة.

ويقول "القمص تادرس يعقوب": "قد يظهر هنا أن يوآب هو المعتدي، وربما كان كذلك، ولكن يجب أن نتذكَّر أن داود كان قد قدَّم صداقة لملك بني عمون الشاب، ولكنه أهان داود وقام ذلك الملك الجديد في الحال بحرب ضده، فما حدث الآن هو استمرار لتلك الحرب !!



#عبادي_زلزلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قديسون مسيحيو العقيدة وهابيو الفكر والممارسة والفعل وسانتا ك ...
- دوام بتولية القديسة العذراء مريم!
- كشف المستور في نزاع الأسفار المحذوفة بين الطوائف المسيحية! ح ...
- من الكاذب؟ بولس الرسول؟ أم لوقا البشير ؟!
- أكل جسد يسوع وشرب دمه بين البروتستانت والأرثوذكس
- لسعات حبيب بالرد على سامي لبيب
- بولس الرسول وواقعتا كذب بواح !!
- عبدالله بن سبأ بين السنة والشيعة !!
- أسود تقودها حملان والنموذج محمد سلمان !
- شفاعة مريم والقديسين بين البروتستانت والأرثوذكس
- طلاسم الكتاب المقدس وملكي صادق أنموذجا


المزيد.....




- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبادي زلزلة - هل الإحصاء وحلق اللحى وقص الثياب تستحق هذه العقوبة البشعة ؟