|
حول العولمة
رحيم العراقي
الحوار المتمدن-العدد: 1492 - 2006 / 3 / 17 - 11:50
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
مؤلف كتاب حول العولمة جورج سوروس اشهر من نار على علم في اميركا. فهو ملياردير كبير وشخصية نافذة في اوساط السياسيين ورجال الاعمال وأرباب الشركات الكبرى. كما انه مؤسس الشبكة العالمية للمؤسسات التي تهدف الى دعم المجتمع المفتوح. وقد ألف سابقا بعض الكتب التي لاقت رواجا كبيرا. نذكر من بينها: ازمة العولمة الرأسمالية، والمجتمع المفتوح، وكتبا اخرى. وفي هذا الكتاب الجديد يتابع جورج سوروس مشروعه في نقد العولمة ليس من اجل القضاء عليها او محاربتها، وانما من اجل تحسينها وتطويرها. فالرجل يتحدث من داخل العولمة الرأسمالية لا من خارجها. نقول ذلك وبخاصة انه احد كبار المستفيدين منها. وينقسم الكتاب الى اربعة فصول مع مقدمة وخاتمة. اما المقدمة فتحمل العنوان التالي: نواقض العولمة الرأسمالية. يتحدث الفصل الاول عن التجارة العالمية وبالاخص الدور الذي تلعبه منظمة التجارة العالمية. واما الفصل الثاني في الكتاب فيتحدث عن المساعدة الدولية للبلدان الفقيرة وكيفية توزيعها. ويتحدث الفصل الثالث عن الاصلاح الهيكلي للمؤسسات المصرفية الدولية. وأما الفصل الرابع فيتناول بالتخصيص كيفية اصلاح صندوق النقد الدولي وتحسين ادائه، وكذلك تحقيق الاستقرار المصرفي. وأما الخاتمة فهي مهمة جدا لانها تلخص فلسفة المؤلف كلها وتتخذ العنوان التالي الذي يشبه المانيفست: نحو مجتمع مفتوح على المستوى العالمي. يقول المؤلف منذ البداية ما فحواه: لا اهدف من تأليف هذا الكتاب الى تبيان كيفية ممارسة العولمة الرأسمالية لدورها فحسب، وانما اريد ايضا ان اقدم بعض المقترحات من اجل تحسينها وتطويرها. ولتحقيق هذا الغرض فإني قدمت تعريفا ضيقا للعولمة. فأنا اقصد بها بكل بساطة السماح للرأسمال بالتنقل بشكل حر بين البلدين، ثم التزايد المستمر لهيمنة الاسواق المصرفية العالمية والشركات المتعددة الجنسيات على الاقتصادات القومية للدول. هذه هي العولمة في رأيي بالطبع فإني اعترف بان العولمة الرأسمالية مجحفة او ظالمة او لا متوازنة. في الواقع ان سبب ذلك يعود الى ان تطور مؤسساتنا الدولية لم يتناسب من حيث الايقاع والسرعة مع تطور الاسواق المصرفية العالمية. يضاف الى ذلك ان التدابير السياسية التي اتخذناها كانت بطيئة ومتخلفة عن السرعة التي تمت بها العولمة الاقتصادية، بمعنى آخر فإن العولمة السياسية لم تتحقق حتى الآن لكي تتساوق مع العولمة الاقتصادية التي قطعت شوطا كبيرا في التحقق. ثم يردف جورج سوروس قائلا: لقد لاحظت مؤخرا حصول تحالف غير متعدد بين اصوليي السوق الحرة في جهة اقصى اليمين والمنظمات المضادة للعولمة في اقصى اليسار. هناك تحالف موضوعي غريب الشكل بين هاتين الجهتين العدوتين. وهو تحالف يهدف الى تدمير المؤسسات الدولية التي نملكها حاليا. ان هدفي من تأليف هذا الكتاب هو تشكيل تحالف آخر يعمل من اجل اصلاح المؤسسات المصرفية والاقتصادية الدولية وتقويتها لا تدميرها. كما اني اهدف الى انشاء مؤسسات جديدة بالاضافة اليها واقصد بهذه المؤسسات اساسا صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي. واذا ما نجحنا في اصلاح هذه المؤسسات وتغيير اساليب عملها وانشاء مؤسسات جديدة الى جانبها فإن العولمة الرأسمالية سوف تصبح اكثر توازنا وأقل ظلما. ثم يضيف الخبير الاستراتيجي الاميركي قائلا: اني اتمتع ببعض الصفات التي تسمح لي بأن اخطط لمصير العالم في المستقبل. فأنا اعرف ماذا تعني العولمة الرأسمالية والاسواق المصرفية الدولية لاني جربت نفسي فيها ونجحت. كما اسست بعدئذ شبكة دولية من المؤسسات والجمعيات الهادفة الى تشكيل المجتمع المفتوح على مستوى العالم كله. انا لست فقط احد المصرفيين العالميين الكبار المنشغلين بمصالحهم الخاصة. وانما يهمني مصير البشرية ومستقبلها على عكس الكثيرين من الرأسماليين وأرباب العمل ومدراء الشركات المتعددة الجنسيات الذين لا يفكرون الا بزيادة ارباحهم.. ثم يوضح جورج سوروس مقصده بشكل افضل قائلا: صحيح اني احد الخبراء العديدين في الاسواق المصرفية على مستوى العالم كله. ولكني اختلف عن معظمهم من حيث اهتماماتي الانسانية وقلقي ليس فقط على اميركا وانما على الجنس البشري ككل. ولهذا السبب فإني امضيت السنوات الخمس السابقة في تحليل نواقص العولمة الرأسمالية التي تكتسح العالم حاليا. ونشرت العديد من الكتب والمقالات عن هذا الموضوع الخطير. ومن أهمها كتابي: «المجتمع المفتوح. كيفية اصلاح الرأسمالية» (مطبوعات نيويورك. بوبليك افيرز. 2000 Public Affairs). والبعض يحتج علي قائلا: أليس من قبيل التناقض ان تكون احد المستفيدين الرأسماليين الكبار من العولمة الرأسمالية او الاسواق المصرفية العالمية ثم تحاول اصلاحهما في آن معا؟! وكيف يمكن ان نصدقك وأنت ملياردير كبير؟! وأجيب قائلا: لا ارى اي تناقض في ذلك. فلكي تغير شيئا ما او لكي تحسنه ينبغي ان تعرفه اولا. وانا معلوماتي عن العولمة والمضاربات في الاسواق المصرفية الدولية ليست نظرية او تجريدية وانما عملية محسوسة. وبالتالي فأنا اعرف ما هي الخطوات التي ينبغي اتباعها من اجل اصلاح العولمة وجعلها اكثر انسانية وعدلا.. وفي ختام الكتاب يقدم جورج سوروس نوعا من المانيفست السياسي لاصلاح شئون العالم بعد تفجيرات (11) سبتمبر ونلاحظ انه يستعرض مختلف جوانب السياسة الاميركية ويقدم بعض النصائح المهمة للرئيس جورج بوش، يقول بالحرف الواحد. كانت تفجيرات 11 سبتمبر عبارة عن صدمة رهيبة بالنسبة لاميركا والشعب الاميركي فقتل كل هؤلاء المدنيين العزل خلال بضع دقائق عمل رهيب فعلاً، لاول مرة يشعر الاميركان بان الآخرين يشكلون خطراً حقيقياً عليهم لأول مرة يعرفون بأن بعض الآخرين يكرهونهم الى درجة مخيفة. لكن معركة افغانستان والرد الاميركي الحازم برهنا على ان اميركا قادرة على ان تحقق في بضعة اسابيع ما لم يحققه الاتحاد السوفييتي في عشر سنوات. لقد اثبتت اميركا انها ليست نمراً من ورق انها اكبر قوة عسكرية في العالم. ولكن القوة الجبروتية لاميركا تلقي عليها مسئولية ثقيلة في قيادة العالم. ربما لم تكن اميركا قادرة على ان تفعل اي شيء في العالم ولكن لا يمكن ان يحصل اي شيء مهم بدون ارادتها. ثم يوضح جورج سوروس منظوره العريض قائلاً: هناك عاملان يؤثران على سياسة اميركا الخارجية: الواقعية الجيوبوليتيكيه، والمثالية الديمقراطية او الانسانية للمجتمع المنفتح او المفتوح. فإن تغلب العامل الاول اصبحت سياسة اميركا مكيافيلية هدفها تحقيق مصلحتها الخاصة فقط، واذا تغلب العامل الثاني اصبحت سياستها انسانية: بمعنى ان تأخذ مصالح الشعوب الاخرى بعين الاعتبار ايضا وليس فقط مصلحتها الخاصة. كل سياسة اميركا منذ البداية تتراوح بين هذين القطبين ففي ايام روزفيلت كانت مكيافيلية اكثر مما كانت انسانية، وفي ايام ويلسون كانت مثالية وانسانية اكثر مما كانت واقعية ومكيافيلية ولكنها في معظم الاحيان مزيج من هذين العاملين. بعد سقوط الشيوعية كانت امام اميركا فرصة سانحة لكي تبرهن على كرمها واريحيتها وعلى مثاليتها وانسانيتها كان ينبغي عليها ان تقدم مساعدات ضخمة لدول اوروبا الشرقية من اجل ان تنهض وتبني نفسها، مثلما قدمت مساعدات ضخمة من خلال خطة مارشال الى اوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنها لم تفعل وهكذا ضيعت فرصة ثمينة واتبعت سياسة الواقعية الجيوبوليتيكية اي المكيافيلية. ثم يردف الخبير الاستراتيجي جورج سوروس قائلا: ان سبب ذلك يعود الى الدور الكبير الذي يلعبه اصوليو الرأسمالية الاميركية في تحديد سياستها الخارجية، ينبغي العلم انه توجد اصولية رأسمالية مثلما توجد اصولية دينية، والنزعة الرأسمالية المحضة هي التي منعت الادارة الاميركية من مساعدة الآخرين، فهي تعتقد ان النجاح أو الفعالية ينبغي ان يكون المعيار الوحيد للسياسة الخارجية الاميركية، فتحقيق مصلحة اميركا هو الهدف الاول والاخير وعلى العالم السلام، هذه النظرة الانانية الضيقة هي السبب في حقد الآخرين على اميركا، ينبغي العلم ان الولايات المتحدة تستطيع ان تفرض على الآخرين ما تريده من قرارات او معاهدات ولكنها ترفض ان يفرض عليها الآخرون اي قرار لا يتماشى مع مصلحة الاصولية الرأسمالية الاميركية. والدليل على ذلك انها عطلت انشاء محكمة العقوبات الدولية، ورفضت التوقيع على معاهدة كيوتو من اجل حماية البيئة والمناخ الارضي ورفضت التوقيع على معاهدة نزع الالغام الارضية.. الخ. لكن اميركا لا تستطيع بواسطة سياسة القوة ان تفرض ارادتها على العالم ابديا.. فعاجلاً أو آجلاً قد يحصل تحالف دولي ضدها، أو قد تنشأ قوة عظمى لكي تتحداها. البعض يفكر في الصين كمنافس محتمل ولكن ليس في الامد المنظور. فهي لا تزال ضعيفة فيما يخص التكنولوجيا العسكرية أو امكاناتها لاتزال وراء روسيا بمسافة كبيرة وبخاصة فيما يتعلق بسلاح الجو. هناك قوتان تستطيعان منافسة اميركا في المدى المنظور هما: الاتحاد الاوروبي وروسيا، ولكن الاتحاد الاوروبي لم يتوحد بعد عسكرياً كما توحد اقتصادياً، يضاف الى ذلك ان معظم دوله حليفة لاميركا ومرتبطة معها بمعاهدات قوية من خلال حلف الاطلسي، اما روسيا فإنها تحلم بحل مشاكلها الاقتصادية قبل اي شيء آخر وهي بحاجة ماسة الى رضا اميركا عليها.. ثم يختتم جورج سوروس كلامه قائلا: ومحذراً: ان على اميركا ألا تغتر بقوتها كثيراً، فالقوة لا تدوم وانما ينبغي عليها ان تفكر باتباع سياسة اخلاقية فيما يخص العلاقة مع العالم الخارجي اذا ما أرادت النجاح في القضاء على الارهاب وهذه السياسة الاخلاقية تتمثل في محاربة جذور الارهاب واسبابه: اي الفقر، والجوع والجهل والاستبداد السياسي فهل ستعي اميركا ان مصلحتها تكمن في اتباع سياسة اخلاقية لا سياسة مكيافيلية او ذرائعية؟ هذا هو السؤال الاساسي المطروح في المستقبل والاجابة عنه سلبا أو ايجاباً سوف تحسم مصير العالم.
#رحيم_العراقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرات جديدة للتاريخ الأميركي في عصر العولمة
-
النساء الايرانيات بين الاسلام والدولة والاسرة
-
العولمة، الحركات الاجتماعية، والأمميات الجديدة
-
تجربة الحروب الصليبية
-
القصة العائلية لسيغموند فرويد
-
تاريخ الفكر الفرنسي في القرن العشرين
-
بوشكين
-
أمرأة حكمت الهند..
-
في بيتنا خادمة
-
الروحانيون
-
خاتمة السو ء...
-
الفن والمجتمع
-
يهود الجزيرة العربية
-
من التعايش الى تحالف الحضارات
-
فيلم لم يفهمه الجمهور
-
لن يُصلب المسيح من جديد
-
عنزة في حديقة إدوارد ألبي
-
إدغار ألن بو..قصائده وتنظيره للشعر
-
القصة العائلية لفرويد
-
منعطفات ارثر ميللرالزمنية
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|