|
شريط - عراقيون وسينما - للمخرج خالد زهراو: محاولة لرسم معالم الذاكرة المرئية العراقية عبر ستة عقود
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1492 - 2006 / 3 / 17 - 11:53
المحور:
الادب والفن
أنجز المخرج العراقي خالد زهراو فيلمه التسجيلي القصير " عراقيون وسينما "، وعلى رغمٍ من أن العنوان لم يكن موّفقاً تماماً، فكلمة " عراقيون " التي وردت بصيغة " جمع المذكّر السالم " النكرة، أو الخالية من " أل التعريف " قد تعني أية مجموعة من العراقيين، في حين أن السينمائيين العراقيين معروفون، وليس من المُحبّذ أن نضعهم تحت صيغة نكرة. فكان من الممكن أن يختار المخرج عنواناً مناسباً لطبيعة فيلمه التسجيلي الذي يتمحور حول السينما العراقية جملة وتفصيلاً كأن يكون " سينمائيون عراقيون " أو " مخرجون عراقيون " وما إلى ذلك من عناوين تتطابق مع المناخ العام لهذا الفيلم التسجيلي القصير الذي زادت مدته على نصف الساعة بدقيقة واحدة. وبغض النظر عن الأصوات النقدية التي تصاعدت بعد العرض مباشرة معترضةً على تسميته " بالفيلم التسجيلي " في حين أنه ينضوي تحت باب " الريبورتاج التلفزيوني " علماً بأن هذا الجنس البصري لا يقل أهمية عن الأجناس المرئية الأخر إن أحسَنَ المخرج التعمّق فيه، والذهاب بمغامرة البحث إلى أقصاها، وإستنفاد أغلب المعلومات المُتاحة في هذا المضمار بحيث يجد المتلقي نفسه أمام خزين هائل من المعلومات الجديدة التي تغنيه عن القراءة والتفتيش في بطون الكتب والمراجع الأساسية. يا ترى، هل سيكتفي المخرج خالد زهراو بهذه الآراء التي جسدها سبعة مخرجين، ومستشار في برمجة الأفلام العراقية والعربية في المهرجانات الأوروبية، أم أنه سيمضي في مشروعه ليضيف إليه أكبر قدر ممكن من أراء ووجهات نظر المخرجين والنقاد السينمائيين العراقيين، وأخص بالذكر منهم منْ تبقى من جيل الريادة الأولى والثانية، أما الأجيال اللاحقة فإن اللقاء بها، وتوثيق أرائها وأطاريحها المتعلقة بالسينما العراقية ليست عصية على التحقيق على رغم تشتتهم في المنافي العالمية. وهنا تكمن أهمية هذا العمل التوثيقي الفذ إن حاول مخرجه أن يعطيه طابعاً موسوعياً شاملاً يتابع فيه ولادة السينما العراقية، ونشوئها في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، قبل أن تتأدلج في الحقب اللاحقة، وتضمحل في أواسط التسعينات، وتقترح هي تخدير نفسها أو تعلن موتها المؤقت لحين سقوط النظام الدكتاتوري في 9 آذار " مارس " 2003، ومحاولة نهوضها من تحت الرماد على أيدي السينمائيين العراقيين المتحمسين لخلق سينما عراقية أصيلة ذات ملامح مُحددة يمكن الإشارة إليها من دون خجل أو إستحياء. ومن هنا فقد كان على خالد زهراو أن يستعين بأكثر من ناقد أو مؤرخ سينمائي عراقي لرصد التجارب السينمائية للمخرجين العراقيين الذين خلّفوا بصماتهم الحقيقية في المشهد السينمائي العراقي، خصوصاً وأن عقدي الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي قد أفرزت أفلاماً عراقية مهمة مثل " مَنْ المسؤول؟ " لعبد الجبار توفيق علي، و " سعيد أفندي " لكاميران حسني، و " الحارس " لخليل شوقي، و " الأهوار " لقاسم حول وغيرها من الأفلام ذات السوّية الفنية العالية. كان على مخرج الفيلم أن يضع عدداً آخر من الأسئلة أو المحاور الأساسية التي تسلّط الضوء على ولادة السينما العراقية، والظروف التي أحاطت بنشأتها، وتطورها، وذيوعها في المشهد السينمائي العربي. كما كان عليه أن يتوقف عند أبرز الأفلام العراقية التي شكّلت علامات فارقة في السينما العراقية على مدى ستة عقود من الزمان، ولماذا تميّزت هذه الأفلام دون غيرها، وذاع صيتها عربياً وعالمياً. على أية حال لقد بدأ خالد زهراو بإثارة جملة من الأسئلة والمحاور الأساسية يمكن أن نوجزها بما يلي: هل هناك سينما عراقية واضحة المعالم، أم ان هناك أفلاماً عراقية تنتمي لتجارب شخصية لمخرجين عراقيين سواء أكانوا داخل العراق أو خارجه؟ وهل كانت مؤسسة السينما والمؤسسة أداة من أدوات النظام الشمولي تروّج لخطابه الإعلامي فقط، ولا تعير شأناً للخطاب البصري السينمائي؟ وهل أن المشهد السينمائي العراقي بحاجة ماسة إلى بقاء هذه المؤسسة بعد سقوط النظام؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن هي الجهة التي يُفترض أن تدعم الفيلم العراقي؟ وما هو دور الدولة في دعم السينما العراقية في المستقبل القريب بعد إستتباب الأوضاع الأمنية؟ وما هو مستقبل السينما العراقية بعد تشتّت الجزء الأكبر من مخرجيها في مختلف أصقاع العالم؟ وهل هناك أمل بعودة هؤلاء السينمائيين المنفيين إلى العراق لكي يواصلوا بناء الصرح السينمائي العراقي الذي شيّد لَبِناته الأولى السينمائيون العراقيون الأوائل؟ لا بد من الإشارة إلى أن المخرجين العراقيين السبعة، ومستشار البرمجة، نفوا وجود سينما عراقية، وأجمعوا على وجود أفلام عراقية تمثل أصحابها ومخرجيها على وجه التحديد. طارق هاشم: أتمنى ألا تكون السينما جزءاً من الدولة! يعتقد المخرج طارق هاشم بأنه لم تُتح للسينمائيين العراقيين الفرصة الحقيقية لأن يختبروا قدراتهم في إمكانية إنجاز فيلم سينمائي عراقي. وهو يفرّق جيداً بين العمل السينمائي الصعب والعمل التلفزيوني السهل. ولا يريد التجنّي على بعض المخرجين العراقيين الذين سنحت لهم فرصاً عديدة لإنجاز أفلام عراقية في ظل النظام السابق. وهناك فرق كبير، من وجهة نظره، بين سينمائيّي الداخل، وسينمائيّي الخارج. فمن هم في الداخل يعانون من مشكلاتهم ومحنهم الداخلية المعروفة، ومن هم في الخارج، على رغمٍ من الدعم، والحرية المتاحة، والفضاء المفتوح، إلا أنهم يعانون من مشكلات أخر لا تقل شأناً وقسوه عن مشكلات أقرانهم في الداخل. ومن بين هذه المعضلات التي تعوق تطور العمل السينمائي في العراق هو إنعدام وجود معاهد أو كليات متخصصة بالسينما ككيان متفرد وخاص، وليس مجرد قسم في أكادمية تضم مختلف الفنون. كما أن التقنيات لم تصل إلى السينمائي العراقي بفعل الحصار والظروف الشاذة التي عاشها العراق في العقدين الأخيرين. ويؤمن هاشم إيماناً عميقاً بأن السينما كانت الواجهة السياسية للنظام السابق، وهي لم تخدم السينما العراقية قط، وإنما كانت تروّج لخاطبه السياسي والفكري. وحينما عاد هاشم إلى العراق بعد سقوط النظام لإنجاز فيلمه الوثائقي الطويل " 16 ساعة في بغداد " وجد صالات السينما العراقية مخرّبة كلها، وقد تحولت إلى دور لعرض أفلام البورنو، ولا تخضع إلى قوانين أوضوابط تُحدد نوعية الأفلام التي يجب أن يراها الجمهور. الأفلام العراقية الجديدة من وجهة نظر هاشم، يجب أن تُنجز داخل العراق، لأنه لا يمكن لكَ أن تُصوّر فيلماً عراقياً خارج حدود العراق بمجرد أن تُلبس أشخاصه زياً عراقياً، وتدعهم يتحدثون باللهجة العراقية. فالسينما العراقية تحتاج إلى بيئة ومناخ عراقيين خالصين، ولا يُسمح فيهما التزوير. لا يُفضِّل هاشم أن تتبنى الدولة دعم السينما العراقية خشية أن تقيّدها بشروط قاسية، وتجعلها تابعة بها، أو تفرض عليها نوعاً من الوصاية الفكرية. كما يرى هاشم في المهرجانات السينمائية العالمية فرصة طيبة للقاء السينمائيين أنفسهم، وعرض مشاريعهم الفردية، وتلاقح لخبراتهم الفنية والتقنية، خصوصاً ونحن نفتقر إلى آصرة أو جماعة أو إتحاد للسينمائيين العراقيين المتناثرين في مختلف أرجاء العالم. محمد الدرّاجي: هناك بدايات لسينما عراقية يعتقد المخرج محمد الدراجي بأن هناك أناساً يعملون في السينما العراقية التي ما تزال في بدايتها، وأن أمامها طريق طويل يجب أن تقطعه. وفي أثناء تصويره لفيلمه الروائي الطويل " أحلام " إكتشف أن الكثير من العراقيين كانوا يُدهشون حينما يشاهدون أناساً يحملون كاميرات ضخمة، بينما هناك من يصرخ بكلمة " أكشن " وآخر يصيح " كات "، وحينما نطلب منهم الإبتعاد قليلاً كانوا يمتنعون أول الأمر، ثم بدؤوا يتعاونون معنا شيئاً فشيئاً حينما إكتشفوا أننا نصوّر شيئاً ما. ويرى الدراجي بأن العراق يفتقر إلى السينما الإحترافية، ولكن سوف يتم بناء هذا الإحتراف إذا ما عززته الدولة والمؤسسات الداعمة للسينما الإحترافية. كما يعتقد الدراجي بأن السينما العراقية لا جمهور لها، وأن هناك أناساً في الثلاثين من أعمارهم لم يروا السينما، ويحلمون بالدخول إلى صالاتها. ويتأسف كثيراً لأن هذه الصالات بدأت تعرض أفلام البورنو. ويرى الدراجي أن بناء سينما حقيقية يجب أن يبدأ بالمعهد والكلية المتخصصة التي تدرّس كل المواد المتعلقة بالسينما، وليس التصوير والإخراج فقط، كما هو الحال في أكادمية الفنون الجميلة. ويضرب مثالاً عن زملائه في الداخل بأنهم منذ خمس عشرة سنة لم يصوروا شيئاً بكاميرا سينمائية، وإنما كانوا يستعملون الفيديو كاميرا، وأغلبها كاميرات قديمة. وفيما يتعلق بدعم السينما فيرى الدراجي أن الدولة يجب أن تدعم الإنتاج السينمائي العراقي على غرار البلدان المتحضرة التي تخصص ميزانيات كبيرة لدعم منجزها السينمائي. جمال أمين: لدينا أجيال تُلغي وتقاطع أجيالاً أخرى يعتقد المخرج جمال أمين بوجود أفلام عراقية، ولكنه ينكر وجود سينما عراقية محددة الملامح، وذات إنجازات معروفة على صعيد عالمي. وينتقد جمال أمين هيمنة بعض الشخصيات الفنية في العراق على مجمل الأعمال السينمائية. فضياء البياتي من وجهة نظره كان هو الشخص الوحيد الذي يوزّع الإنتاج السينمائي، ويسند الأدوار سواء على وفق مزاجه الشخصي أو بتوجيه من السلطة الحاكمة. ومثلما كان يهيمن علينا دكتاتوراً أوحداً، كان لدينا مخرجاً واحداً هو محمد شكري جميل الذي إستحوذ على كل الأفلام العراقية وحرم المخرجين الشباب. ويرى أمين أيضاً بأن جميل قد أخذ فرصته الكبيرة، وربما أكثر منها بكثير، وشارك في أغلب المهرجانات في العالم، ليس لأنه مخرج كبير، بل لأن الخط العام لسياسة السلطة كان يقتضي هذا النوع من الهيمنة. وإذا كان أمين ينفي وجود سينما عراقية إلا أنه لا ينفي وجود ذهنية سينمائية جميلة متوفرة لدى عدد غير قليل من المخرجين العراقيين الذين أداروا ظهرهم للنظام الشمولي في العراق، هذا النظام الذي سعى بقوة لأدلجة الثقافة العراقية برمتها، وبالذات السينما التي ركزت على فكرة القائد الأوحد، والحزب الواحد، ثم تبعتها الأفكار التعبوية للجيش والحرب وسلسلة المعارك التي خاضها النظام ضد معارضيه ومناوئيه في الداخل والخارج. يعتقد أمين بأن الجمهور العراقي كان يتوفر على ذائقة عالية سابقاً، أما في عهد النظام البائد فقد تحولت السينما إلى مكان للقيلولة في الثمانينات، وإلى مكان لعرض الأفلام الرخيصة بعد سقوط الدكتاتورية. الفيلم العراقي الذي يتحدث عن الإرهاب أو المقابر الجماعية، بحسب أمين، ليس مرغوباً في الدول العربية، ولذلك فإن الفيلم العراقي لا يلقى قبولاً في المهرجانات السينمائية العربية التي تفضل الأفلام التي تقاوم الأمريكان أو تشتم الإستعمار، ولهذا فإن المخرجين العراقيين المنفيين كانت حصصهم ضئيلة في هذه المهرجانات إن لم تكن معدومة. ويرى أمين أن السينما العراقية خلال عمر النظام السابق كان بينها وبين الجمهور العراقي قطيعة حادة لأن أغلب الأفلام العراقية المنتجة في تللك الحقبة كانت مكرسة للنظام الحاكم فقط. أما الآن فيعتقد أمين بأن الفيلم العراقي قد بات مطلوباً ليس لأن هناك سينما عراقية جيدة ولافتة للإنتباه، بل لأن العراق منطقة ملتهبة، ومحط أنظار العالم كله. وينتقد أمين بقوة فكرة المقاطعة والإلغاء التي تتبناها أغلب الأجيال العراقية بسبب الظروف الإستثنائية التي يعيشها السينمائي العراقي الذي حرم للأسباب أعلاه من تأسيس سينما عراقية أو إتجاه محدد في هذه السينما. هادي ماهود: ما الذي نتوقعه حينما يكون مدير السينما ضابط مخابرات؟ يقول ماهود بالفم الملآن أنا عاصرت مؤسسة السينما العراقية لمدة طويلة، ولم أرَ في حياتي سينمائياً مبدعاً يترأس هذه المؤسسة. يا ترى، هل من المعقول أن يكون مدير مؤسسة السينما في فترة من الفترات ضابطاً في المخابرات؟ ولهذا فليس من المستغرب أن تتحول مؤسسة السينما والمسرح إلى أداة من أدوات النظام تطبّل لأفكاره، وتساهم في تسميم أفكار الناس، فلا السينما كانت سينما، ولا السينمائيون كانوا سينمائيين بالمعنى المتعارف عليه للكلمة. ويرى ماهود ضرورة ملّحة في إلغاء هذه المؤسسة، فالموظفون لا يصعنون سينما. ويطالب في الوقت ذاته أن تقدّم وزارة الثقافة دعماً غير مشروط للسينمائيين العراقيين من أجل صناعة سينما تليق بالعراق الجديد. سعد سلمان: هجوم ثانٍ على المخرج محمد شكري جميل! مثلما إتفق المخرجون السبعة، ومعهم مستشار البرمجة على عدم وجود سينما عراقية فإن المخرج سعد سلمان يتفق مع المخرج جمال أمين على أن محمد شكري جميل بعد ثلاثين سنة من العمل السينمائي يصنع فيلماً " من الرداءة والسوء بحيث لا يستطيع أي مخرج أن يوقّع عليه " علماً بأن سلمان كان يرى في إنتاج محمد شكري في أوائل السبعينات لأفلام في منتهى الجودة والرقي والمعاصرة قياساً إلى تلك الحقبة، ولكنه تراجع في التسعينات ملغياً الأمل الذي كان معقوداً عليه في أن يكون أحد الأصوات السينمائية المبدعة. وقد توصل سلمان إلى أن " مجمل الإنتاج الثقافي العراقي " خلال الحقبة الدكتاتورية " هو إنتاج سلبي لثقافة فاشية " وهذا الحكم فيه كثير من التعسف والجور والمصادرة لعدد كبير من المبدعين العراقيين الذين لم يقدموا نتاجاً فاشياً كما يقترح سلمان الذي " نفى وجود أي شيء إيجابي في الثقافة العراقية خلال خمس وثلاثين سنة " مستثنياً بعض المحاولات النادرة لأفراد مهمشين لم ينقطعوا عن العمل. وقد ختم سلمان رأية بالقول " أعتقد من الصعب جداً التكهن بمستقبل ما يسمى بالسينما العراقية " لأن السينما من وجهة نظره هي معرفة، وخبرة متراكمة، وتقاليد عمل تتضمن الإحساس بالمسؤولية وتوزيع الأدوار بشكل متقن وما إلى ذلك. محمد توفيق: يطالب بفتح منافذ وأبواب جديدة للسينمائيين العراقيين يؤكد توفيق بأن السينما العراقية قد إنحسر إنتاجها في حقبة التسعينات، ولم تنجز إلا بضعة أفلام، وهذا يعني من بين ما يعنيه أن هناك إنقطاعاً مروّعاً للسينمائيين العراقيين عن مزاولة مهنتهم الأساسية، سيما وأن مؤسسة السينما نفسها قد تحولت، بحسب رأيه، إلى آلة أو ماكنة للدعاية الحربية، ولكنه يعلّق الآمال على السينمائيين العراقيين المقيمين في مختلف بلدان العالم، ويرى أن إطلالتهم على مختلف التيارات السينمائية الموجودة في العالم قد وفرت لهم تجارب وخبرات جديدة يمكن أن تُوظّف لمصلحة السينما العراقية بحيث تكون سينما ذات خصوصية خاصة، ومتميزة إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن العراق مليء بالموضوعات الدرامية الساخنة التي يمكن أن تكون أرضاً خصبة لمنجز سينمائي روائي ووثائقي في آن معاً. ويعتقد توفيق أن السينما العراقية تحتاج إلى دعم وزارة الثقافة العراقية لكي تنتج أفلاماً نوعية، وفي حال تعثر الوزارة في توفير هذا الدعم المادي فعليها أن تفتح مجالاً واسعاً للشركات والمؤسسات الإنتاجية الخاصة لكي تتبنى هذا الموضوع على وفق عقلية جديدة لا علاقة لها بالماضي الأسود الذي هيمنت فيه السلطة على كل صغيرة وكبيرة في مؤسسة السينما والمسرح. وتمنى توفيق على الحكومة الجديدة أن تفتح منافذ وأبواباً جديدة لكل السينمائيين سواء في داخل العراق أو في خارجه. إنتشال التميمي: ليس لدينا تقاليد سينمائية يصر الناقد إنتشال التميمي بأننا في العراق ليس لدينا تقاليد سينمائية متبعة لا الآن، ولا في السنوات الماضية. وبما أن النظام العراقي السابق كان فاشياً فإن النتاج السينمائي كان يعاني من مشكلة فنية أيضاً، إضافة إلى أن شرط الحرية الذي يعد أساس أي عمل إبداعي كان مُفتقداً في السابق. ويرى التميمي أن غياب الحفلات السينمائية سواء الآن أو خلال حقبة النظام البائد كانت ظاهرة ملفتة للإنتباه، وهذا يعني أن هناك قطيعة مع السينما العراقية، أو أنها بلا جمهور يرتاد صالاتها. والأغرب من ذلك فإن دور السينما العراقية قد تحولت إلى أماكن لعرض الأفلام الإباحية المقرصنة. ويعتقد التميمي من خلال قراءاته المتواصلة لما تنشره الصحافة المقروءة في الداخل بعدم وجود نقد سينمائي حقيقي، بل أن معظم ما ينشر هو خليط من النقد الأدبي والمسرحي، ولا يمت بصلة إلى النقد السينمائي. ويعزو السبب في فقر الموادة النقدية المنشورة إلى القطيعة القسرية التي خلقها النظام مع المنجز السينمائي العالمي الذي تعذر وصوله إلى العراق خلال العقد الأخير في الأقل. ويفصل التميمي بين دور الدولة في إنتاج الأفلام وبين دعمها. وأكد في معرض حديثة أن السينما العراقية قد إعتادت على دعم الدولة بحيث لو أرادت هذه الأخيرة أن ترفع يدها فإن السينمائيين العراقيين سيشعرون بنوع من الحنين الجارف إلى هذا الدعم بحكم العادة. ولكونه مستشاراً في برمجة الأفلام العراقية والعربية في عدد غير قليل من المهرجانات العالمية، إضافة إلى كونه المدير الفني لمهرجان روتردام للفيلم العربي فقد أكد على أن مهرجان روتردام يتيح فرصة كبيرة لإستقبال الأفلام العربية أكثر من غيرها، وهذا يعني أن المهرجان لا يطبق المعايير نفسها على الأفلام العراقية والسعودية واليمنية والأردنية والليبية كما يطبقها على الأفلام العالمية. ويرى التميمي أن معدل إنتاج العراق من الأفلام ضعيف جداً، ولا يتناسب مع ثروة العراق وغناه المادي الذي يفترض أن تزدهر فيه الصناعة السينمائية. وتمنى التميمي أن يتم التحرّك بشكل تدريجي يسمح بولادة جديدة للسينما العراقية خصوصاً إذا ما تضامن السينمائيون العراقيون، وتفاعلوا مع بعضهم البعض، وشكلوا خلية عمل جماعية لا تكف عن الحركة والنشاط. عامر علوان: ولادة سينما عراقية ستكون عسيرة المخرج عامر علوان المقيم في باريس يرى أن الناس في هذه الايام بدأت تستسهل عملية التصوير، وتعتقد خطأً أن كل شخص يحمل كاميراً يستطيع أن يصور فيلماً في إشارة إلى الأفلام المنزلية التي تصور بواسطة الفيديو كاميرا. ويعتقد أن المخرج والممثل والتقنيين قد فقدوا بريقهم السابق، ولم تعد هناك قيمة لأي شيء، في حين أن الناس، من وجهة نظره، كانت تعير إهتماماً كبيراً للسينارست، والمونتير، والمصور، والماكيير، والديكوريست وما إلى ذلك. وأشار علوان إلى أن الجمهور العراقي سابقاً كان يذهب إلى صالات السينما لكي يقضي وقتاً ممتعاً لأنه يرى فناناً يقدم أعمالاً جيدة، ويشعر بوجود مخرج وفنيين يقدمون تقنيات عالية، أما في السنوات الأخيرة فقد هيمنت الأعمال الرديئة التي أبعدت هذا الجمهور النوعي عن صالات السينما العراقية. ويُرجِع علوان سبب موت السينما العراقية بشكل بطئ إلى الحصار الذي فرض على العراق، إضافة إلى بعض التوجهات الخاطئة للسلطة العراقية. كما أفضى عزل العراق عن المجتمع الدولي إلى حرمان السينمائيين والجمهور في آن معاً من الأفلام الجيدة، ومن التقنيات الحديثة التي إجتاحت العالم، ولم يصل منها إلى العراق إلا النزر البسيط جداً. واضاف علوان بأن ولادة السينما العراقية من جديد ستكون عسيرة بكل تأكيد بسبب الظروف المعقدة التي عاشها الشعب العراقي. ويعتقد علوان بأن هناك ما يشبه العطف على السينمائي العراقي لأن العراق بلد مُنهَك في ظل الظروف الضاغطة، ويعاني من حالة حرب مستمرة حتى الآن، ولكن علوان لا يريد تعاطفاً من هذا االنوع بحيث تُستقدم فيه الأفلام العراقية إلى المهرجانات الدولية لا بسبب سويتها الفنية، وإنما بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها العراق حالياً. لذلك يعتقد علوان بأن حُب السينمائيين العراقيين للخلق والإبداع يجب أن يكون هو الدافع الأساسي لخلق أعمال سينمائية ناجحة فنياً، وتستطيع بمستواها الفني، وبحرفية ممثليها، وبتقنياتها العالية أن تخترق المهرجانات العالمية، ولا تترقب منهم نظرة عطف أو إستجداء. فن الصياغة، وبلاغة الجملة المنطوقة إن منْ يشاهد فيلم " عراقيون وسينما " سيكتشف من دون عناء كبير أن هناك جُملاً ناقصة، وعبارات غير مكتملة وردت على ألسن المتحدثين. وإذا كنا في الفيلم التسجيلي نطالب بأن يكون الشخص الذي يقف أمام " عين الحقيقة " غير محترفٍ لفن التمثيل، ويُفضَل أن يكون شخصاً عادياً لا يعتمد على الفذلكة اللغوية، ولا يتفيهق كثيراً، ولكننا نفترض في حالة المتحدث النوعي، كأن يكون مخرجاً أو ناقداً أو مؤرخاً سينمائياً، أن يمتلك معرفة معقولة بالصياغة اللغوية تؤهله لأن يقول كلاماً مفهوماً، ومترابطاً، ورصيناً. وكان على المخرج أن يعيد تصوير بعض اللقطات والمشاهد التي تعاني من الضعف والركاكة اللغوية كي يضمن بالنتيجة آراءً علمية، ومفاهيم قوية ومحبوكة ومقنعة لا تكتفي بإلقاء اللوم على الدكتاتورية، ولعن الظلام، وإنما تنحت بأظفارها صرح السينما العراقية، كما فعلت السينما الإيرانية، تمثيلاً لا حصراً، في ظل النظام الثيوقراطي الإيراني الذي فشل في أن يقنع السينمائيين الإيرانيين بأن صوت المرأة عورة، وأنها يجب ألا تظهر إلا وهي محجبة أو منقبّة بالكامل. بقي أن نقول إن هذا العمل التوثيقي سيكون مهماً جداً إذا ما فكر المخرج خالد زهراو بتوسيع نطاقه ليشمل البدايات، وجيل الريادة الثانية، قبل أن يصل إلى الأجيال اللاحقة التي لم تكن تعبث، وإنما قدّمت ما تستطيع أن تقدّمه في ظل الظروف التي نعرفها جميعاً، وليس بالإمكان أفضل مما كان.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في فيلمه التسجيلي - السويس... الذاكرة المنسية -:المخرج أحمد
...
-
الفنانة العراقية عفيفة العيبي في معرضها الجديد: هيمنة الفيكر
...
-
المخرجة الإيرانية سبيدة فارسي في فيلمها الروائي الثاني - نظر
...
-
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: أشعر بأننا لم يعد لدينا ما نر
...
-
مذكرّات - وصمة عار - للباكستانية مختار ماي التي تعرضت للإغتص
...
-
وصمة عار - باللغتين الفرنسية والألمانية في آنٍ واحد: قصة حيا
...
-
ورشة عمل للصحفيين العراقيين في هولندا. . . آراء وتوصيات
-
إعلان جوائز مهرجان روتردام الدولي لعام 2006
-
في مجموعته الجديدة - لكل الفصول -:الشاعر ناجي رحيم يجترح ولا
...
-
ضمن فاعليات الدورة - 35 - لمهرجان الفيلم العالمي في روتردام:
...
-
لقطة مصغّرة للسينما العراقية في الدورة الخامسة عشر لمهرجان -
...
-
صدور العدد الأول مجلة - سومر - التي تُعنى بالثقافة التركماني
...
-
الخبيئة - للمخرج النمساوي مايكل هانيكه: من الإرهاب الشخصي إل
...
-
دجلة يجري هادئاً وسط الضفاف المضطربة: قراءة نقدية في الفيلم
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية/ الروائي ذياب
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية: الشاعر عواد ن
...
-
أطفال الحصار - للمخرج عامر علوان: ضحايا اليورانيوم المنضّب و
...
-
الخادمتان- باللغة الهولندية ... العراقي رسول الصغير يخون جان
...
-
خادمات - رسول الصغير: البنية الهذيانية والإيغال في التغريب-
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية/ الروائي جاسم
...
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|