|
أزمة الديمقراطية في الفكر الغربي تزيفتان تدوروف نموذجا
فاطمة النخ
الحوار المتمدن-العدد: 5862 - 2018 / 5 / 2 - 20:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن المتتبع للمشهد السياسي يلاحظ بأن إشكالية الديمقراطية باتت من بين الإشكالات المطروحة اليوم ، ذلك نتيجة لانحراف المبادئ التي استندت إليها الديمقراطية (كالمساواة ،الحرية،....)، وهذا ما سينصرف إليه اهتمامنا في محاولة منا لتحليل الأزمة التي صارت تتهدد الديمقراطية في الفكر الغربي المعاصر (نموذج "تزيفتان تودوروف") ،إذ رهاننا في هذا المقال هو توضيح مسألة تبدو أساسية . وهي كيف أن الديمقراطية في أزمة ؟ولماذا أصبحت الديمقراطية مريضة؟ وما المخاطر التي تحدق بها؟ ،علما أننا نعرف عادة بأن مخاطر وأعداء الديمقراطية هم أولئك الرافضين لها ،بحيث نجد أن العديد من الأعمال،والأقلام تندد بأعداء الديمقراطية الخارجين "كالفاشية والإرهاب وتنتقدهم،غير أن تودوروف وعلى غير العادة، يعتبر بأن الديمقراطية اليوم لم تعد مهددة من الخارج،بل باتت مهددة من الداخل أي من طرف قوى تفرزها ، وتهدد وجودها الخاص بشكل مفارق كأن نقول يشكلون أبناؤها الغير الشرعيين ،وبتعبير مؤلف "روح الأنوار" إنهم أعدائها الحميمين،لكن ماذا يقصد تودوروف باصطلاح "أعداء الديمقراطية الحميمون" ؟ ألا نشهد اليوم نهاية الديمقراطية ؟ وما الجديد الذي أضافه "تودوروف "في تحليله لإشكالية الديمقراطية؟ "من السهل أن نقتل باسم حقوق الإنسان كما نقتل باسم الله" لنتأمل هاته المقولة التي أوردنها ،لعلها ترشدنا لأطروحة "تزيفتان تودوروف"،هو الأمر الذي نجده يذهب إليه في كتابه الموسوم ب "أعداء الديمقراطية الحميمون"،حيث يسلط فيه الضوء لمسألة الديمقراطية التي باتت مهددة وأنها أصيبت بنوع من الإعياء والوهن ،كما أوضح التأثيرات المنحرفة للديمقراطية التي تهدد وجودها في صميمه ،وإذا كنا نعتبر أن بعد سقوط جدار برلين 1989م ،انتهى الصراع بين الأقطاب(المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي إذ حسم بانتصار النظام الديمقراطي ،وأنه لم يعد هناك وجود للنزعات الكليانية أو التوليتارية والإيديولوجيات (الفاشية ،الإرهاب،الأصولية...) حتى تشكل خطرا على الديمقراطية ؛ أي لم يساهم انهيار الأنظمة الشيوعية في اختفاء تلك النظرة إلى الحياة الدولية على أنها معركة ضد العدو، هو الأمر الذي قاد الغرب إلى توجيه أصابع اتهامه إلى الأخر الأجنبي على أنه مصدر الخطر الذي أصبح راهبا يقظ مضجعها.مما دفعهم إلى اعتبار الأخر بربريا، لهذا يقول تودوروف "إن الخوف من البرابرة شعور يوشك أن يجعلنا نحن أنفسنا برابرة"من هذا المنطلق دعا إلى مسألتي التسامح والتعايش وخلق حوار مع الأخر ، بشكل يساعد على رفض كل ما من شأنه أن يذكي بؤر الصراع والتوتر،حتى لا يستفحل هذا الأمر،ونصبح أمام ما يمكن أن نسميه بكن العداء للأجانب ومعاملتهم بنوع من العنصرية، لكن هذه المرة باسم قيم الديمقراطية والمثل العليا للتنوير،رغم أن المشروع الغربي جاء بشعارات ملهمة ،كالإخاء والحرية والمساواة،نستحضر هنا مجموعة من المحاولات الفلسفية، التي حاولت إعادة قراءة المشروع الغربي ،بيقظة النقد،مستنتجا أن المشروع التنويري الغربي قد حقق نقيضه،وصارت تجلياته من بين الكوابيس التي تقض مضجع المجتمعات اليوم ،لأننا ما نشاهده من حروب وحمامات من الدماء لدليل على جسامة،ما قادنا إليه هذا العقل الذي بلغنا به مبلغنا من التمجيد حتى التقديس. وفقا لهذا،يوضح تودوروف أن الديمقراطية باتت مريضة في العصر الراهن ،حيث أصبحت نظاما منفصلا إذ صارت حالة شاذة وهي نفسها المسئوولة عن ذلك،ومنه ما الجدوى من الديمقراطية ؟إذا لم تعد قادرة على تدعيم الأنظمة التي تحكمها المبادئ الدستورية من قبيل الحرية والمساواة....،لأن التفكير في المرحلة الديمقراطية التي لم يبق لها أعداء يهددونها من الخارج خاصة بعد تحلل وتراجع النزعات الشمولية ، إلا أن الديمقراطية أمست منذئذ متآكلة من الداخل بفعل المدافعين عليها بقوله"إن التهديدات التي تخيم بثقلها على الديمقراطية لا تأتي من الخارج .بل بالأحرى من الداخل... "،حيث أن التهديد لم يعد من الخطر الخارجي المتمثل في الإرهاب الناجم عن التطرف الديني ،بل أصبح يكمن في مخاطر داخلية بما في ذلك تحول الحرية إلى طغيان .وإذا كان فرنسيس فوكويما قال بنهاية التاريخ وأن العالم وصل إلى حد من الاكتمال،بعد أن انتصر النموذج الليبرالي الأمريكي ،فإن تودوروف وبشكل صادم صرخ بنهاية الديمقراطية ،لأن الديمقراطية أمست من منظوره تحتضر ،الشيء الذي يبين عجز الدولة وعدم قدرتها على السيطرة بمبرر أن زمان شرعية الديمقراطية قد ولى وانقضى ،لذلك " تعاني الديمقراطية من كونها أضحت موضوعا للتوافقيات؛لم يعد ثمة أشخاص يدافعون عنها،ومن ثم من الصعب إثارة الحماسة من أجل قضيتها" لسائل أن يسأل ما هي المخاطر التي تتهدد الديمقراطية،لأجل هذا نجد تودوروف يصرح بأن المخاطر الكامنة في فكرة الديمقراطية نفسها ،ويحدها في التقدم،والحرية،والشعبوية : أولها : الحرية ،لأن استعمال معين للحرية يهدد الديمقراطية،وهذا ما تعاني منه الدول التي تقيم فيها جاليات مختلفة الانتماءات والمشارب،واستشهد في هذا الصدد بقولة "هنري لاكوردير" الذي قال بأن "بين القوي والضعيف وبين الغني والفقير،وبين السيد والعبد ،الحرية هي التي تقمع وتظلم ،والقانون هو الذي يحرر"تلكم هي جملة من المفارقات أصلها الديمقراطية نفسها،من يدري بأن من بين ما صفق له إبان مشهد ما بعد الثورة الفرنسية 1789،هو الحرية،أي التحرر من سطوة ونير مؤسسة الكهنوت حينما كانت متحالفة مع سلطة الإقطاع آنذاك،وأن الإنسان وقتها كان يتحدث كانط بأنه هو من يحدد نفسه بنفسه،إذن هو الآمر والمأمور في آن،لكن ثمة فرق بين هاته الفلسفة الديمقراطية،وبين النظام الديمقراطي الذي تكرس في تلك المجتمعات التي عدت نفسها،من بين دول الحقوق والقوانين،وفضاءا أرحب للعيش المشترك،وعلى الجملة إن المجتمع الديمقراطي هو فضاء عام وخاص،الأول هو ملتقى الفضاءات الخاصة،والثاني هو مجال الحياة الخاصة والحميمة. غير أن هذا لا يعني أن الحرية هي الحرية،وإذا جاز القول اعتبرنها هي حرية من جهة القانون،وعليه فالنص القانوني هو من صارت له اليد الطولا في تحديد حيز ما من الحرية،الحرية التي يسمح بها القانون ودستور،وتسم الديمقراطيات الحديثة بالليبرالية،لأنها تستند على مبدأ حرية الفرد ،وعلى هذا الأساس تبقى السيادة للشعب "ثانيها : التقدم الذي يعد ملازما للمشروع الديمقراطي ،غير أن التطلع لتقدم أصبح في الغرب مصدرا للدمار لبعض الدول ،بقوله "التقدم أصبح موضع شك لكن فكرة التي ينطوي عليها ملازمة للمشروع الديمقراطي " حيث أصبحت الدول الديمقراطية تفرضه بالقوة العسكرية على بعض الدول لا تتبنى الديمقراطية .،والخطر الأخير هو الشعبوية التي تتعلق باستشارة الشعب الذي بدونه لا يمكن اعتبار الديمقراطية ديمقراطية ،لكن انخراط الجماهير الشعبية بواسطة الوسائل الاعلام بدون اختيار عقلاني للنظام الأفضل يؤدي الى ما يسمى بالشعبوية،لأن سؤال الذي تطرحه الفلسفة السياسة هو ما هو النظام الأفضل ؟ يستفاد من محاولتنا لتحليل أزمة الديمقراطية ،بأن الديمقراطية أصبحت مهددة من الداخل بفعل أبنائها المدافعين عنها بأنها أفضل الأنظمة ،غير أن الديمقراطية باتت مريضة ، هذا ماجعل تدوروف يدعو إلى قيام ربيع أوربي على غرار الثورات العربية.
#فاطمة_النخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة الديمقراطية في الفكر الغربي تزيفتان تدوروف نموذجا
المزيد.....
-
حاول تثبيتها فسقطت منه في البحر.. شاهد ما التقطته كاميرا تحت
...
-
علماء يكتشفون سببًا محتملًا لإعادة بناء نصب -ستونهنج- قبل آل
...
-
أحبّها بعمق.. قد يصدمك ما فعله رجل ليبقى بقرب حبيبته
-
فيديو يظهر محاولة اقتحام سجن مكسيكي بعد أعمال شغب دامية.. شا
...
-
-العنف الطائفي بعد الإطاحة بنظام الأسد أقل حدة مما كان متوقع
...
-
آلاف السوريين يحتشدون في ساحة الأمويين في الجمعة الثانية بعد
...
-
إل ألتو البوليفية: -المنازل الانتحارية- مهددة بالانهيار والس
...
-
فنلندا تجدد رفضها فتح الحدود مع روسيا
-
ليبيا.. ضبط شبكة نشطت في تصنيع وبيع الخمور المغشوشة في بنغاز
...
-
مصر تدين اعتداء الدهس في ألمانيا وتؤكد رفضها كل أشكال الإرها
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|