عبد القادر أعمر
الحوار المتمدن-العدد: 5858 - 2018 / 4 / 27 - 18:34
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
قبل كل بداية هناك قول يجتاحني دائما عندما يطرح موضوع المساواة بين الرجل و المرأة في العالم العربي و خصوصا المغرب ، بأنه لا مساواة بدون فهم صحيح وتغيير سليم للواقع بكل تجلياته .
عندما نستحضر مفهوم المساواة ، فإننا وبالضرورة نستحضر مفهوم المرأة بأبعاده .
حيث تعتبر قضية المرأة من القضايا التي ارتبطت بوجود الإنسان مند القدم وقد كتبت حولها الكثير من الدراسات والمقالات , ومن منطلقات مختلفة , ومتناقضة في كثير من الأحيان , ونحن في معالجتنا هده سوف نذهب الى البحت فيما كتب حول المرأة من اجل تحديد الآراء والمواقف , لان دلك قد يفيدنا كثيرا فيما نقبل عليه , والذي يهمنا ان نصل اليه ان قضية المرأة لا تخص المرأة وحدها , و لا تخص الرجل وحده و لا تخص مجتمعا بعينه , إنها قضية الإنسان كما قضية الرجل وقضية الطفل وقضية العامل وقضية الشيخ , فهي كلها قضايا الإنسان . والخطأ الذي يقع فيه الدارسون على اختلاف منطلقاتهم ومذاهبهم وعقائدهم وألسنتهم وألوانهم ، هو انهم عندما يتعاملون مع قضية المرأة بفصلها عن المسار العام للمجتمع , والواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي ، هذا الفصل هو اكبر حيف يلحق المرأة , ويلحق المجتمع , ويلحق الواقع , ويلحق المعرفة العلمية التي يمكن اعتمادها في التعامل مع المرأة نفسها .
وقبل الخوض في نقاط الأساسية للموضوع سنعرف مفهوم المساواة لغة و دينيا وقانونيا .
المساواة في اللغة : هي السَّوَاءُ بمعنى العدل ، وفي النص الديني : } فَاْنبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ {سورة الانفال و تأويلا لدلك يقال سَاوى الشيءُ الشيءَ ، بمعنى عادله ويقال : فلان و فلان سَواء ، أي متساويان ؛ وقوم سَواء ؛ لأنه مصدر لا يثنى ولا يجمع ؛ وهما على سَوِيَّةٍ من هذا الأمر ، أي على سواء ؛
و َالسَّوَاءُ : بمعنى العدل و النصفة . وسَوَاءُ الشيء معناه استوى الشيئان وتساويا .
كما يمكن تعريف المساواة بأنها : " تَمَاثُلٌ كَامِلٌ أَمَامَ القَانُونِ ، وَتَكَافُؤٌ كَامِلٌ إِزَاءَ الفُرَصِ ، وَتَوَازُنٌ بَيْنَ الَّذِينَ تَفَاوَتَتْ حُظُوظُهُمْ مِن الفُرَصِ المُتَاحَةِ لِلجَمِيعِ ".
وقانونيا هي التمتع بجميع الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون التميز بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو الرأي السياسي أو المستوى الاجتماعي وقد دعى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى عدم التميز بين البشر .
المساواةُ مصطلح انبثق من الثورة الفرنسية أو الثورة الصناعية , وهي أن تتساوى الناس في الحقوق المدنية , وانبثقت عن هذه العقيدة عقيدة المطالبة بالمساواة ليس بين الناس أو بين الغني والفقير أو بين الأبيض والأسود وإنما عقيدة المساواة بين الرجل والمرأة
كما يقول شوبنهاور الفيلسوف الساخر : "إن أولئك المعجبين بالحضارة يعنون دائما العمارات والشوارع والتلغراف وسكك الحديد "
وهذه نظرة ساخرة إلى الحضارة , فالحضارة الحديثة هي بالمساواة بين الرجل وبين المرأة وليس بين الأسود والأبيض , وحتى نثبت لأنفسنا أننا متحضرين وغير متخلفين يجب علينا أن نساوي بين الرجل والمرأة , فأصل التمييز العنصري والتفرقة العنصرية هي التمييز بين النساء في الحقوق والواجبات .
استطاع دستور 2011 أن يُقدم للمرأة المغربية ما تصبو إليه منذ عقود من النضال ، وذلك من خلال تأكيد الدستور في فصله التـاسع عشر على مسألة المساواة بين الرجال والنساء من جهة ، وإقرار مبدأ سمو المواثيق الدولية على القوانين المحلية من جهة ثانية ، حيث يقول هذا الفصل : " يتمتع الرجل والمرأة ، على قدم المساواة ، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ، الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية ، كما صادق عليها المغرب ، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة و قوانينها "، ولأجل تحيقيق هذه الأهداف ألزم الدستور في الفقرة الثانية من نفس الفصل الدولة بأن تسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية ، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز .
نعرف أن هوية مجتمعنا هي الدين والتدين ، وصلبه هو الإسلام لكن نجد في المدرسة ومسار التعليم ، حين يتم الحديث عن المبادئ الكبرى يفهم التلميذ والطالب أنها من الغرب ، إذ أن مفاهيم حقوق الإنسان هي غربية بنظر الناس ، ومقابل ذلك ، حين نعود لدروس التربية الإسلامية أو المساجد نجد العكس. بحيث يتم الحديث عن المرأة كعورة وفتنة وناقصة ، ونجد مفهوم القوامة-الرجال قوامون على النساء-من منظور فكر ثقافي ذكوري تقليدي ، لا علاقة له بالدين ، إذ القِوامة تعني حقيقة النفقة والفضل بالعمل الصالح .
يكبر الطفل على ثقافة إسلامية تتحدث عن القوامة والمرأة ناقصة ، وتستنبطها المرأة أيضا ، فتمرر في المدرسة ، وفي الجامعة ، وفي الشارع وفي الثقافة. لكن داخل مؤسسة البرلمان ، يتم الحديث عن حقوق الإنسان والمساواة ، ولا يستقيم الأمر.
. فكيف يمكن أن نحقق المساواة قانونيا كما في الفصل 19 ، ونحن نعتقد أنها غير كاملة في الدين
إذ أن الجميع متدينا أو غير متدين ، يجزم بعدم وجود مساواة ، في الدين بين النساء والرجال
إذن عن أي مساواة يمكن التحدث ، ومجتمعنا معجون بالثقافة الدينية ، التي لا تؤمن أبدا بالمساواة .
هذا يظهر على أن المعركة الراهنة المحتدمة التي تعيشها المرأة في المجتمع المغربي ليست هينة بل معقدة جداً ، لأنها معركة سياسية واجتماعية و ثقافية ، وفي الجوهر اقتصادية وحضارية. إذ يسعى المجتمع الذكوري إلى دفن واقع ومضمون الصراع باعتباره صراعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً حول دور ومكانة المرأة ومساواتها بالرجل , وطرح المسألة وكأنها قضية دينية بحتة. من جانب أولئك الذكور الذين يسعون إلى تغييب المشكلة الفعلية ، وهم بذلك يمارسون غريزة النعامة حين تدفن رأسها بالرمال و ترى الحقيقة أمامها ناصعة تفقأ العين .
يقول كاظم حبيب في مقاله المعنون ب : "حقوق المرأة وإشكاليات المجتمع الذكوري"
أن الدين , من حيث المبدأ , لا يقف حائلاً بين تمتع المرأة بحقوقها كاملة غير منقوصة ومساواتها التامة بالرجل في الحقوق والواجبات , بل من يضع عراقيل على هذا الطريق هم حفنة من رجال الدين , وليس العلماء منهم , هم الذكور الذين لا يرغبون أن يروا في المرأة إلا أداة للاستئناس أو الجنس والإنجاب والطبخ وغسل الملابس وخدمة البيت , وأن لا تكون نداً لهم متساوية معهم ومستقلة عنهم في آن واحد .
لا شك في أن هناك فوارق بيولوجية بين المرأة والرجل , ولكن هذه الفوارق لا تقلل من إنسانية المرأة ولا تضعف دورها ومكانتها في المجتمع ولا تقلل من قدرتها وكفاءتها على إنجاز المهمات التي تناط بها. ولا يجوز استخدام هذه الفوارق الطبيعية للتمييز بين المرأة والرجل بحجج واهية ، وأن تعذر عليهم ذلك توجهوا صوب الدين ليستخدموه ضد المرأة ، ولكنهم في ذلك يسيئون إلى الدين والمرأة والمجتمع في آن واحد .
وفي سيروة لهذا الطرح ، ننتقل إلى تقديم قراءة في كتاب " المرأة و الرجل في القران ، اية مساواة ؟
لأسماء المرابط .
أسماء لمرابط ، الطبيبة المختصة في البيولوجيا بمستشفى الرباط والباحثة في قضايا الإسلام ، تخوض منذ سنوات عديدة ، في إشكالية المرأة والإسلام ، وتعيد قراءة النصوص المقدسة ، وتعمل على مناقضة النظام الديني ، المجبول على القيم الأبوية .
وفي كتاب " المرأة والرجل في القرآن ، أية مساواة ؟ تقترح الكاتبة في هذا الكتاب ، الذي يقع في 180 صفحة من الحجم المتوسط ، انطلاقا من تحليل المفاهيم الأساسية في القرآن ، مقاربة جديدة لموضوع المرأة المسلمة ، تهتم بالأخلاقيات القرآنية للعلاقات بين الرجال والنساء .
إن الكاتبة تهدم التأويلات التمييزية الموروثة من الماضي ، مبرزة المبادئ التي ترسي بقوة المساواة بين الرجال والنساء. ويدعو هذا الكتاب إلى تدريبٍ على التفكير في الأخلاقية العلائقية بين الرجال والنساء ، كما أوردتها المصادر المخطوطة للإسلام. ويسعى إلى أن يكون محاولة « لتفكيك » وتحليل » بعض المفاهيم القرآنية التي تؤكد المساواة بين الرجال والنساء .
ولا تغفل هذه الدراسة ، التي تعكس بالخصوص البعد القرآني والنموذج النبوي أيضا ، مجموع المعطيات السوسيوسياسية والثقافية الأخرى التي تحدث في هذه الحقبة التاريخية. ويتعلق الأمر بالعودة
إلى جوهر الخطاب الروحي في الإسلام المتعلق بالعلاقات الإنسانية ، والتأمل في الفقرات العديدة التي تؤكد أهمية المسؤولية المشتركة ، والدعم المتبادل ، والاحترام بين الرجل والمرأة. ويتم تجديد التأكيد على قيم بسيطة ، وجميلة ، في لغة قرآنية عميقة ، ولكن القلوب لم تستوعبها ، وأهملتها العقليات في غياهب التاريخ .
الكتاب تعتبره المؤلفة " دعوة إلى التفكير في أخلاقيات العلاقة بين الرجال والنساء في القرآن والسنة والرجوع إلى جوهر الوحي القرآني الذي جاء به الدين الاسلامي ".
أما في مسألة الإرث التي تعتبر من القضايا الشائكة ، ترى أن التطبيق الحرفي لآية “للذكر مثل حظ الأنثيين ” ، في سياقنا الراهن
" أصبح عاملا لتعميق اللامساواة وهو غيرعادل ويتعارض مع مقاصد القرآن الذي يدعو إلى حماية أملاك النساء والمستضعفين "
وتدعو إلى تجديد النظر فيه بما يتناسب مع مقاصد القرآن ، معتبرة أن القرآن “ دشن بقوانين الإرث عهدا جديدا يسود فيه الحق وألغى سيادة الأعراف التمييزية " بعد أن كانت النساء لا ترثن شيئا بل هن جزء من الغنائم ".
أما مسألة قوامة الرجل على المرأة ، تعتبرها المرابط ، أنها " ليست تلك السلطة التي خولت للزوج ، وإنما هي المسؤولية من أجل إعالة الأسرة والتي تمثل إطارا أسريا تشترك فيه جميع الثقافات منذ الأزل".
بهذا المعنى “ فالقوامة لا تعني ذلك الامتياز للرجال حسب التفسير التقليدي وإنما يجب قراءتها ضمن المبادئ القرآنية وعلى رأسها العدل والمعروف والمودة ".
وفي دعوة لتجديد هذا الفهم تتساءل المرابط : " هل يمكن أن يقوم الزوج اليوم وحده بالقوامة في ظل عدم استقرار عالم الشغل وما يحيط به من مخاطر ؟ ".
وبخصوص تعدد الزوجات ، تعتقد أن القرآن يستنكر ، لكن " الفقهاء الأوائل أخرجوا التعدد الذي استنكره القرآن من إطاره القرآني وأعادوا مزجه مع الأعراف المحلية وتقديمه كمعيار لأفضلية الرجال على النساء باسم الدين ".
بينما "آيات التعدد كانت موجهة بالدرجة الأولى لمجتمع قَبلي ذكوري بهدف حماية الأقليات المستضعفة في ذلك الوقت المتمثلة في النساء الأرامل وأطفالهن اليتامى ولا تتعلق بأي شكل بحياة الرجال الجنسية "
وبهذا تَعتبر آية التعدد " ليست آية تشريعية صالحة لكل زمان ومكان وإنما رخصة منحت لمعالجة وضع اجتماعي قاهر حينها "، حسب الباحثة المغربية .
وخلاصة للقول ان إشكالية المساواة بين الجنسين في الإسلام حسب المرابط التي تؤكد أنها توجد في التأويلات والتفسيرات الفقهية وليس في النص القرآني. وأوضحت أنه في التاريخ الإسلامي وقعت تراكمات لتأويلات مختلفة وأحكام فقهية دعمها منذ عقود فقهاء ، إلى درجة أنها أصبحت مرجعا أوليا يسبق النص القرآني ، وتتحول بذلك إلى أحكام دينية راسخة .
وعموما لقد حاولت في هذا الكتاب ، تقديم قراءة سياقية وشمولية للقرآن والتفاسير لتبين أن "التفاسير والقراءات الذكورية هي التي أفرزت هذه الصورة النمطية عن الإسلام ".
كما ان المرابط تدعو القارئ من خلال هذا الكتاب إلى التفكير في جوهر الرسالة الروحية للإسلام فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية كما جاءت بها النصوص الشرعية الإسلامية ، محاولة "فك رموز "
"واستيعاب " بعض المفاهيم القرآنية التي تؤيد المساواة بين الرجال والنساء
وفيما يخص المرأة انسان :
اعتمدت في هذا التحليل على القرآن ، الذي "حرر الرجل والمرأة " وكذا السنّة ، كما لم تغفل عن معطيات أخرى اجتماعية وسياسية وثقافية عرفها التاريخ في ذلك العصر. وقالت ، في هذا الصدد ، "أعطي في كتابي أهمية لمفهوم أصبح مُغيبًا هو المرأة كإنسان قبل كل شيء ، فالخطاب الديني يخاطب الرجل كأنه الإطار المرجعي ، ونغفل أن الإنسان في القرآن ، أو بني آدم هو الذكر والأنثى" .
نخلص إذن في الأخير الى ان التعامل مع قضية المرأة في عمقه يجب ان يكون جزءا من التعامل مع المجتمع ككل , دون تمييز بين الذكور والإناث. فالمشاكل هي نفسها , سواء تعلق الأمر بالرجال او بالنساء وسواء كان الذكور والإناث في مرحلة الطفولة او المراهقة او الشباب او الكهولة او الشيخوخة .
فتردي الواقع يصيب المرأة والرجل على السواء ، والاستغلال يستهدفهما معا ، وتدنى مستوى التعليم وانعدام الحماية الاجتماعية وضعف المؤهلات المساعدة على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. كل ذلك يصيب مجموع أفراد المجتمع ، سواء كانوا ذكورا او إناثا. هكذا تماما الحرمان من الحقوق المختلفة يستهدف الجميع ، فعندما يطال الانثى يستهدف كذلك الذكر و المنظومة الاجتماعية ككل .
#عبد_القادر_أعمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟