أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تاج السر عثمان - طبيعة ووظائف الدولة في مملكة الفونج















المزيد.....

طبيعة ووظائف الدولة في مملكة الفونج


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 5858 - 2018 / 4 / 27 - 13:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


طبيعة ووظائف الدولة في مملكة الفونج
بقلم : تاج السر عثمان
كما وضح لنا من الاكتشافات الأثرية، أن ظهور الدولة السودانية كان مع قيام مملكة كرمة ، وبعد ذلك تطورت الدولة واتسع نطاقها في ممالك : نبتة ومروي وممالك النوبة المسيحية . وبالتأمل في خصائص تطور الدولة السودانية نلاحظ السمات :
* السمة الأولي : أنها كانت تتميز بوحدة الاستمرارية والانقطاع ومن مراكز متعددة ، فنجد مملكة كرمة التي زالت لتحل محلها مملكة نبته التي قامت بعدها مروي ، وبعد مروي قامت ممالك النوبة المسيحية ( نوباطيا ، المقرة ، علوة ) ، وكانت كل مملكة تشكل حلقة أرقي وأوسع في سلسلة تطور الممالك أو الدويلات السودانية ، كما كانت كل مملكة تستوعب منجزات الحضارات السابقة في مضمار الإنتاج المادي والروحي وتضيف الجديد . وهذه من سمات وخصائص الدولة السودانية التي اتسمت بوحدة الاضمحلال والانبعاث من جديد ، وفقاً لقوانين التطور الباطني والارتباط والتفاعل مع العالم الخارجي .
*السمة الثانية للدولة في الممالك السودانية القديمة السابقة لقيام دولة الفونج ، أنها كانت تعبيراً عن انقسام طبقي بسيط : طبقة الحكام (ملوك، كهنة ، موظفين.. الخ) وطبقة الشعب ، وكانت تعبر عن مصالح الحكام والأسر المالكة وما حولها من كهنة وموظفين وخدم وحشم ، إضافة لوظائف الدولة السياسية والدينية والأمنية الأخرى .
*السمة الثالثة للطبقات المالكة في حضارات كرمة ونبته ومروي والنوبة المسيحية ، أنها شأن الطبقات المالكة في الحضارات الزراعية القديمة الأخرى: أنها طورت الفنون التي ظهرت علي جدران الاهرامات والمعابد والكنائس ، وطورت الصناعات الحرفية (الأواني الفخارية ، أدوات الزينة من ذهب وفضة وبرونز ونحاس وغيرها) ، كما أنها طورت أو استفادت من منجزات الحضارات الزراعية الأخرى ، المعارف اللازمة للزراعة ، الفصول الزراعية ، وتطوير أدوات الإنتاج الزراعي ..الخ . وبعبارة أخرى استفادت من تراكم الفائض الاقتصادي في تطوير وازدهار الفنون وبناء المعابد والاهرامات وغيرها من الآثار الجميلة التي لازالت أطلالها قائمة إلى اليوم .
وجاءت مملكة الفونج التي قامت علي حدود مملكتي المقرة وعلوة السابقة في الفترة (1504م - 1821م) وكانت تطوراً أوسع واشمل في مسار تطور الدولة السودانية ،ويمكن أن نحدد ابرز سمات تلك الدولة في النقاط التالية :
1/ كان جهاز الدولة متشعباً ومتعدد الوظائف ، واستطاع الفونج استنباط نظام سياسي واجتماعي لا مركزي اعتمد علي الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية والذي حمل بعض السمات والتقاليد السابقة لملوك النوبة وأضاف لها الجديد . كما شهدت دولة الفونج البذورالأولى لنظم الإدارة والتنظيم في الدولة السودانية ، وكانت دولة الفونج حلقة ارقي في مسار تطور الدولة السودانية منذ نشؤها من خلال التخصص والوظائف المختلفة للدولة وتشعبها ( جهاز دولة ، قضاء، جيش، نظام سياسي واجتماعي) . كما استنبط الفونج نظاماً قضائياً اعتمد في إحكامه علي الشريعة الإسلامية والعرف .
2/ تفاعلت تعاليم الإسلام مع الموروث المحلي وكانت الحصيلة الإسلام السوداني والذي اتسم بتنوع الطرق الصوفية ووحدة الفقه مع التصوف ، وتعدد المذاهب (مذاهب الأمام مالك والشافعي ) ، وظهور التنظيم الاجتماعي الصوفي كشكل أرقي وأوسع من التنظيم القبلي ، والذي يتميز بالقدرات الكلية والمطلقة لشيخ الطريقة ،هذا إضافة للتسامح الذي تميز به الإسلام في السودان.
3/ شهدت دولة الفونج انماطاً مختلفة من علاقة الدين بالدولة ( فعلي مستوي المركز في سنار) ، كان رجال الدين أو المشايخ في انفصال أو استقلال عن الدولة ، بمعني أن الدولة علي مستوي المركز كانت دولة مدنية اعتمدت في قيامها علي الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية .
وفي لحظات ضعف الدولة المركزية ظهرت دويلات دينية مصغرة داخل دولة الفونج ، مثل : دولة العبدلاب في عهد الشيخ عجيب ، أو دولة المجاذيب في الدامر والتي كان يجمع فيها شيوخ الطرق مباشرة بين السياسة والدين .ويمكن القول أن دولة الفونج كانت مرحلة انتقالية لقيام الدولة المدنية السودانية .
4/ وكانت وظائف ومهام جيش دولة الفونج هي تأديب وقمع الممالك التي ترفض دفع الجزية ، إضافة لقمع الانتفاضات والثورات الداخلية وقمع تمرد القبائل الأخرى علي سلطة الفونج ، هذا فضلاً عن حملات الفونج في حروبهم الداخلية ضد ( المسبعات ، الشلك ، تقلي ) من اجل جلب الرقيق أو حروبهم الخارجية مع الحبشة .
5/ استنبط أهل الفونج نظاماً للتعليم كان ملائماً لاحتياجات النظام الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وعن طريق هذا النظام الذي اعتمد علي الخلاوي ، انتشرت اللغة العربية والإسلام في السودان ، وجاء ذلك النظام أصيلاً ، وليس تقليداً اعمي لنظم التعليم التي كانت سائدة في العالم الإسلامي يومئذ ، بل اخذ واقعٍ وخصوصية السودان ونظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الاعتبار ، فضلاً عن ان نظام التعليم كان يسهم في إعادة إنتاج النظام الاجتماعي .
6/ في دولة الفونج كانت التشكيلة الاقتصادية متعددة الأنماط فقد عرفت نمط الإنتاج البدائي، نمط الإنتاج العبودي ، نمط الإنتاج الإقطاعي السائد، ونمط الإنتاج السلعي الصغير وما نتج عنه من تطور السلعة . النقد ، وتطور التجارة الداخلية والخارجية وتطور الإنتاج الزراعي والصناعة الحرفية ، وظهور الطبقة التجارية وقيام المدن والموانيء.
وكان نمط الإنتاج الاقطاعي السائد يحمل بعض سمات الإقطاع الشرقي من زاوية ملكية السلطان للأرض وتوزيعها علي الزعماء والشيوخ بحجج معينة وفي كل حالة يحدد الخراج أو الإعفاء منه.
كانت مصادر التراكم لثروة السلاطين تتكون من: العائد من التجارة والضرائب التى كانت تستند على الزكاة والأعراف المحلية. علي أن النظام الاقتصادي كان يعيد إنتاج نفسه بوسائل قمعية وبقوة الأعراف المحلية .
7/ تطور التركيب الطبقي لدولة الفونج من الشكل البسيط الذي كان قائماً في الممالك السابقة ، إلى الشكل المعقد والذي يعكس التطور الاجتماعي وتطور التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية ، واصبح لدينا ألوان طيف طبقي هي : طبقة السلاطين ، والملوك ، زعماء القبائل ، طبقة التجار، الطبقة المتوسطة ( قضاء ، فقهاء ، كتبه ، مقاديم وقادة الجيش ... الخ ) ، شيوخ الطرق الصوفية ، طبقة المزارعين ، الرعاة ، الرقيق .
وكانت الدولة تعبر عن مصالح الطبقات المالكة من ملوك وسلاطين وكبار التجار وزعماء القبائل والشيوخ المتحالفين مع السلاطين والملوك.
8/عرفت دولة الفونج مؤشرين من مؤشرات التخلف وهما:ـ
أ/ المجاعات التي كانت تنتج من نقص الأغذية بسبب الجفاف أو قلة الأمطار والنقص في الفائض أو المخزون من الحبوب أو الأغذية وخضوع إنسان الفونج لسيطرة قوي الطبيعة في هذا الجانب وتخلفه عن تطوير القوي المنتجة في الزراعة لمواجهة تلك الكوارث .
ب/ الأوبئة والأمراض التي كانت تحصد البشر حصداً أيام الفونج وأهمها الجدري والحمي الصفراء واثر ذلك في إعادة إنتاج التخلف ، بسبب موت الآلاف من القوي البشرية المنتجة.

أهم المراجع :
1/احمد بن الحاج (كاتب الشونة) : تاريخ ملوك السودان ،تحقيق د.مكي شبيكة (1947م) طبع ماكوركوديل الخرطوم.
2/ الشاطر بصيلي عبد الجليل : تاريخ وحضارات السودان الشرقي الأوسط (الهيئة المصرية للكتاب 1972م).
3/ تاج السر عثمان الحاج: لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004 .
4/ حسين سيد احمد المفتي : تطور نظام القضاء في السودان (الخرطوم 1959م) الجزء الأول .
5/ د. محمد إبراهيم أبو سليم : الفونج والأرض ( وثائق تمليك) مطبعة التمدن 1967م.
6/ بروفيسور محمد عمر بشير : تطور التعليم في السودان ترجمة هنري رياض واخرين (دار الثقافة بيروت1970م).
7/ د. يوسف فضل (تحقيق) : كتاب الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان ، تأليف محمد النور من ضيف الله (ط 3 دار جامعة الخرطوم للنشر 1985م)



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطل دعاوى الحوار والمشاركة في انتخابات 2020
- لنواصل الحملة من أجل اطلاق سراح كل المعتقلين..
- أحداث يناير 2018 وتفاقم أزمة النظام
- الذكري ال 33 لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه
- طبيعة ووظائف الدولة في فترة الحكم التركي - 1821- 1885م
- سواكن مدينة أثرية تاريخية.
- لنعزز الاستقلال بانتزاع الديمقراطية والسيادة الوطنية
- كيف تناول الأستاذ محمود محمد طه الماركسية؟
- السودان : 61 عاما من التخلف والتدهور
- مفهوم المركز والهامش : رؤية نقدية - 2
- منهج التحليل الثقافي رؤية نقدية -2
- ثورة أكتوبر الاشتراكية : التجربة والدروس
- الذكري ال 64 لتأسيس الجبهة الديمقراطية للطلاب السودانيين
- طبيعة الدولة في الحكم الثنائي : 1898- 1956
- الذكري ال 53 لثورة أكتوبر 1964
- المفهوم الماركسي للاشتراكية
- منهج التحليل الثقافي : رؤية نقدية
- الذكري المئوية لثورة اكتوبر الاشتراكية
- حركة التجديد في الأدب والفن: الفترة 1900- 1956م
- عن التحالفات ومفهوم - الكتلة التاريخية-


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تاج السر عثمان - طبيعة ووظائف الدولة في مملكة الفونج