|
الشعر الأمازيغي و التطهير: نماذج من الشعر النسائي ‘‘ آدكر‘‘.
يوسف خياعلي
الحوار المتمدن-العدد: 5856 - 2018 / 4 / 25 - 04:14
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الشعر الأمازيغي والتطهير! نماذج من الشعر النسائي‘‘ آدْكْرْ‘‘. -توطــــئة: إن الشعر لا يلعب دورا في نقل البيئات المحتضنة له فقط ، أو ما تنطوي عليه سرائر المبدعين ،وما تضمره دواخلهم من التواءات نفسية. بل إن للشعر وظيفة أعمق، وقد لخصها أرسطو في غاية التطهير، أو ما سماه ‘‘بالكاترسيس‘‘، إذ اعتبر أن الغاية العليا للشعر ، وللفن عامة، هي تطهير النفس من الدناءة، وتنظيفها من أدران الحياة، من خلال مأساة أبطال التراجيديات، التي تزرع في نفس المتلقين شفقة، تدفعهم لمراجعة سلوكاتهم. وهذه الوظيفة نجدها مبثوثة في عدة أشعار أمازيغية، تشكل تجليا حقيقيا للنظرية الأرسطية، وهذا سنبينه من خلال استنطاقنا لأشعار نسائية، تسمى ‘‘ أدْكْر‘‘. 1- نبذة عن شعر ‘‘آدكْرْ ‘‘. شعر ‘‘آدكر‘‘ شعر أمازيغي نسائي، تنشده نساء الجنوب الشرقي في الصباح الباكر، ويتخذ من الوجود، والموت، والفناء، والسجايا و الوعظ، تيمات رئيسة. تعبر عنها الشواعر بألحان تعكس أنفسهن المتوترة المتأوهة. ويمكن إدراج شعر ‘‘ آدكر" ضمن ما يسميه أندري جول بالأشكال البسيطة( les formes simples) ،في مقابل الأشكال العالمة (les formes savant)، وتتسم الأولى بكونها شفهية لم تخضع لتشذيبات الكتابة(1). وحسب تودروف فإن للشكلين معا أهمية في بعدهما التخاطبي الاجتماعي،إذ يشكلان معا وثيقة لمعرفة المجتمع، و تبين مسالكه، ونظرته إلى الأشياء.ومنه فإن أية نظرة تسفيلية لهذا النمط يشكل سدا لمنفذ من منافذ إدراك ذهنية هذا المجتمع.(2) - شعر ‘‘ آدكْر‘‘ وفعل التطهير: تحمل ظروف إنشاد ‘‘ آدكر‘‘ ، في حد ذاتها دلالات عميقة، فالصباح الباكر عنوان انبلاج، هو لحظة عودة الحياة بعد غفوة ظرفية. وهذه الولادة الجديدة تدفع الشاعرة لإثارة أسئلة الوجود.إذ تتحول الشاعرة إلى ميت يتكلم، خبر غياهب القبر، وذاق مأساة الموت. تقول الشاعرة مخاطبة أمها: -A-y-amri tannayd amanw adɣar nagdi lliɣ -3man-t wal-n amman-w rzant tyinzar - لو تعلمي يا أمي أين أنا...! - عيناي لا تبصران، وأنفي تكسر... فمجرد مناداة الأم، يحيل على ألم كثير، ووجع لا يطاق، سببه ما يعتري الميت من تشوه و تحلل وتفكك أعضائه. و في موضع آخر ، سترسخ الشاعرة هذا الألم، بالمزيد من توقع المصير التراجيدي، وما ينتظر الإنسان تحت التراب: - asra g mmutɣ - tiɣwmas lliɣ inu tumlilin gant tigrinin - sulɣ ad geɣ aqbu ammas n ismdal. - suln iwkkiwn addigi sker tiɣzanin. - عندما أموت - أسناني البيضاء ستكون رمادية - سأكون خشبة داخل القبر - سيرسم الدود في جسدي خطوطا... إن هذا المآل المأساوي، سيكون مدعاة لمراجعة الذات الغارقة في الدناءة والأعمال الخسيسة، لذلك تدعو الشاعرة إلى الأعمال الخيرة الطاهرة وتطهير النفس: - zayd Amma Aman iwɣu tktimt tadjarin. - mer ufiɣ annuɣulɣ ad seblɣ awd aman - زيدي الماء على اللبن يا أمي، وتذكري الجارات. - لو أتيح لي أن أعود لتصدقت حتى بالماء. هذه الشاعرة التي تخاطب أمها، لتضيف الماء على اللبن، حتى يتسنى لها التصدق على أكبر عدد من الجارات، هي نفسها تدعو النائم إلى الصلاة، لأن الذي ينتظره السفر ألى المجهول، لاينام ولا يتهاون: -Nkr ad tzzald aluliyt in3l iblis -Mag da igan wana n iq-n unbji n brra ? - asra g rɣan waman ntzallit ihzn wul -Nccidan aryalla yawy imetti s berra. - قم للصلاة أيها العبد العن الشيطان! - هل ينام من سيحل ضيفا على الموت؟ - عندما يدفأ ماء الوضوء يحزنُ - قلبُ الشيطانِ، ويذرف دموعه بعيدا. إن ما يثيره المصير التراجيدي من خوف وشفقة، يجعل المتلقي ينغمس في لحظات المساءلة، مساءلة الذات و السلوك. وهذه مناسبة لنقل النفس من الاستغراق في المعاصي إلى معانقة الصفاء و الخير. وعلى سبيل الختم ، فإن شعرية ‘‘آدكر‘‘ تقوم على مواضيع من صميم الإنسان، لأن هذه الأشعار تنقر في قلقه الوجودي، من خلال توقع المصير و التنبؤ بالفناء، و السفر في غياهب الموت، مما يجعل المتلقي، يضع ذاته على محك المساءلة. وهذه المواضيع تصاغ في ثوب ألحان حزينة، هي صدى لتأوهات الشواعر، ونحيبهن النفسي. وبناء عليه، فإن تعميق البحث في هذا الدر الرمزي، سواء من حيث أبعاده الدلالية، أم من حيث بناؤه الفني، من شأنه أن يفتح الآفاق رحبة لإدراك جماليات أكثر سموا. -1 زهير المعتصم، الموضوعات الصوفية في شعر الملحون، مجلة علامات،العدد 22، ص147. 2- نفسه، ص 148
#يوسف_خياعلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوة، فدردشة، ثم لقاء!
-
كانت البداية إليكترونية.
المزيد.....
-
تصريح لبوتين عما وصفه بـ-تغييرات دراماتيكية- في حرب أوكرانيا
...
-
لعشاق التزلج.. كيف يمكنكم تناول وجبتي الفطور والغداء ببلدين
...
-
رحلة إلى القطب الشمالي.. المسافرون فيها أطفال غير عاديين
-
2024 أكثر سنة دموية بحوادث إطلاق النار بمدارس أمريكا منذ 200
...
-
في مشهد غريب.. كاميرا ترصد رجلًا تشتعل به النيران يركض من حم
...
-
فيديو يظهر آثار الضربة الإسرائيلية ضد الحوثيين في اليمن فجر
...
-
السيسي يعلن انضمام دولة جديدة لمجموعة الـ8 النامية
-
نتنياهو بين تحديات السلطة وتوقعات التوسع الإقليمي للحرب - صح
...
-
الحرب بيومها الـ440: قتلى وجرحى في غزة واليمن وإسرائيل باقية
...
-
بابا نويل يجوب شوارع سراييفو لتوزيع الحلوى ورسم البسمة على و
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|