|
الشاعرة ساناز داودزاده فر، تصنع حوارا شبه سري مع الاخر ..!!
وجدان عبدالعزيز
الحوار المتمدن-العدد: 5855 - 2018 / 4 / 24 - 20:11
المحور:
الادب والفن
الديوان بالكامل حمل خطابا الى الاخر، لكنه خطابا في الحب والتصوف، حيث تجلى التكثيف في حصر المعاني الكثيرة بالفاظ قليلة، فـ( كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة )، حسب التعبير الشهير للنفري، لذا لجأت الشاعرة ساناز داودزاده فر في ديوانها (امشي على حروف ميتة) الى الترقيم، ومن هذا ممكن اعطاء تعريف لقصيدة النثر : انها نص تهجيني مفتوح على الشعر وعلى السرد والنثر الفني، عابر للانواع يفتقد الى البنية الصوتية الكمية المنتظمة، لكنه يمتلك ايقاعا داخليا غير منتظم من خلال توزيع علامات الترقيم والبنية الدلالية المركبة وجدلية العلاقات في النص .. ومن المعلوم ان النثر لايسمح لاستقلالية الكلمة، غير ان ادوات الترقيم (خطوط صغيرة وبياض وتعيين الكلمات ونقط التعجب …)، هي وسائل تفصل الكلمات عن السياق وتطبعها بنوع من الدلالة الخاصة إلى جانب دلالتها السياقية في الجملة، وقصيدة النثر، كما يراها العارفون ذات شكل، وذات وحدة مغلقة، فهي دائرة أو شبه دائرة، كما نوه على هذا الناقد محمد بوكحيل، ثم قال : (وإذا كان النثر الشعري نثر يَسْتَخْدِمُ الشعر لغايات نثرية خالصة، فإن قصيدة النثر هي شعر يَسْتَخْدِمُ النثر لغايات شعرية خالصة، ولاينبغي ان يكون الشكل ” هو جوهر” المسألة، بل المطلوب من الشاعر، ان يقنع القارئ بجمالية ما يكتب، فمحتوى “قصيدة النثر” يعكس ثقافة شعرية واسعة وافكار فلسفية بعيدة المتناول، كما يعكس النص النثري ترسانةً ضخمة من اللغة وتناصاً انسانياً وحضارياً مع نصوص انسانية وحضارات كثيرة، فليس شاعر قصيدة النثر إذن ، مجرد شخص يخربش)، من هذه المسلمات خطت الشاعرة ساناز خطواتها باتجاه رحلة جمالية، عبر الكلمة تتوازن ورؤيتها من الحب والحياة والمشاركة، اي مشاركة الاخر في حوارية مفتوحة .. تقول : (حينَ بدأْتُ الحبَّ؛ كانَ انْتهاؤهُ بالنِّسبةِ إِليكَ، والسِّنينُ كانتْ مُستمرَّةً بالنِّسبةِ إِليَّ.) فالعلاقة تكاد تكون مفتوحة ومستمرة، حيث جاء المعنى معلقا في كلمات قليلة، بيد انها تمثل رؤية واسعة، ثم تقول في موضع اخر : (إِذا قُمتَ بإِزالةِ الحُدودِ تُهمِّني الهجرةُ فيك بدونِ تأْشيرةٍ قضيَّتي ليَستْ سياسيَّةً هربت عاشقة إِذا أَعودُ سيخيطون لِسَاني وشفتيَّ الحبُّ دون حدیث معا لحدود بِلا وطن.) وهنا رسمت لوحة فيها الوان انفعال وثورة ضد ازالة الحدود، وهي دعوة للحرية الانسانية واحترام حقوق الانسان باعتبارها مباديء اخلاقية ومعايير اجتماعية، تعطي وصفا للسلوك البشري، الذي يفُهم عموما بأنه حقوق أساسية لايجوز المس بها، لانها مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونها أو كونه إنسانا، ملازمة لهم بغض النظر عن هويتهم أو مكان وجودهم أو لغتهم أو ديانتهم أو أصلهم العرقي أو أي وضع آخر، فالاعتراف بالكرامة المتأصلة لدى الأسرة البشرية وبحقوقها المتساوية الثابتة، يعتبر ركيزة أساسية للحرية والعدل وتحقيق السلام في العالم، فكانت دعوة الشاعرة معا لحدود بلا وطن، وهي دعوة انسانية عابرة للحدود .. ويستمر حوارها الشبه سري مع الاخر صنو ذاتها قائلة : (بخارُ حديثِكِ، أحاط كل مخيلتي بالضباب ألا ترى اقترابَ أَحلامِنا المُشتركةِ بينَنا فِي الحدِّ الأَدنَى للمَسافةِ. يداكَ منذُ سنواتٍ بَعيدتانِ عنِّي.) هو تمرين للعقل وتوازن مع الحداثة، اعطى تخيل ثري للشاعرة ساناز انه قريبا منها لكن في حقيقة الامر قربه كان لامرئيا، وفي المقطع السادس صرحت بما يكمن في دواخلها قائلة : (ولِدتُ وكنتُ أَبكِي، وعِشتُ وأَنا أَصرخُ كثيرًا؛ أُريدُ أَن أَرحلَ معَ ابْتسامةٍ تُشبِهُ الـ"مُوناليزا".) فالشاعرة تبحث عن النقاء والصدق، تبحث عن العلاقات الشفافة البعيدة عن التعقيد، والا فان الحياة يتصل نبضها بالمشاعر والأحاسيس، فيشعر الإنسان أنّه حيّ أي ممتلئ بالنشاط والحيوية، ويمارس نشاطه الإنساني بشكلٍ طبيعي، وان الحياة هي القدرة على العيش بسلام وأمان داخليين، وهذا ما يُطلق البعض عليه اسم الراحة النفسيّة أو الشعوريّة، التي يُختزل تعريف الحياة بها على انها سلام واطمئنان، فكان التخيل عند ساناز عبارة عن تدفق موجات من الأفكار التي يمكنك رؤيتها أو سماعها أو استشعارها أوتذوقها، فنحن نتفاعل عقليا مع كل شيء عبر الصور.. والصور ليست فقط بصرية، ولكنها قد تكون رائحة أو ملمسا أو "مذاقا" أو "صوتا"، بل هي تعبير داخلي عن تجاربك أو أوهامك.. تقول : (إِذا زُلِزلَ أَيُّ مكانٍ فِي الأَرضِ سيتَصدَّعُ بذلِكَ، أَيضًا، قَلبي الَّذي كانَ يظنُّ أَنَّها كالمهدِ ستُنِيمُ هزَّاتُها آلامِي. يَا أَرضُ هلِّلي غِناءً لأَخطائِكِ.) هذا التناص مع القرآن الكريم دلت من خلاله، انها تحمل قلبا انسانيا، يخشع ويرق لاي حالة على وجه البسيطة (إِذا زُلِزلَ أَيُّ مكانٍ فِي الأَرضِ/سيتَصدَّعُ بذلِكَ، أَيضًا، قَلبي)، فالشاعرة هنا تبحث عن الشريك المناسب الذي تقضي معه الحياة، بكل مشاعر الحبّ والرومانسية والهدوء، وتؤسس إلى جانبه حياة مستقيمة، مبنية على الاثراء والمحبة، حيث تتعدى محبتها الاخر الشريك الى الاخر البعيد، فاي مكان يصيبه حيف وظلم تتأثر به وتثور من اجله، وتدافع عن حق الانسانية المتمثل بهذا الاخر، الذي تخاطبه بكل مشاعرها واحاسيسها، وراحت تؤصل بحثها في اللامرئي اللاحسي، لتكون اكثر قربا من الصدق والنقاء، قائلة : (جميعُ الخياراتِ مطروحةٌ علَى الطَّاولةِ؛ أَن ترسُمَ الصَّباحَ علَى كلماتِكَ. أَن أَركُضَ بجانبِ غيابِكَ. أَن نصلَ الى جملة تشبه اليدين ، الشفتين أَنتَ لمْ تَزلْ تَصبُّ الصَّمتَ فِي الكأس وأَنا أَشربُ خيالك) هذا التصوف والتوهج بالعلاقة دفع بها الى ان تقول : (وأَنا أَشربُ خيالك) وكانت تركض بجانب غيابه، هذه الصورة الشعرية، وكما اسلفت أصلت رؤيتها، والبحث في مساحات الغياب، وكأنها تعمل في مختبر خاص للوصول الى نتيجة جمالية، قد تكمن في الاكتشاف، اي اكتشاف الذات واكتشاف الاخر، ومن ثم ايجاد علاقة انسانية، كصورة تقترب من الواقع الافتراضي الكائن في ذهنية الشاعرة ساناز لاغيرها .. والخلاصة من رحلتها الشعرية الافتراضية، تمثل بما قالته في مقطع رقم (25) : (خلاصَتي كاليَعسوبِ الَّذي يجلسُ علَى حروفِ قلبِكَ ويذهبُ. مرر يديكَ علَيْها ستَحبلُ منْ يدِكَ، ثمَّ ستلدُ كلماتٍ. ضَعْها بجانبِ بعضِها البعضِ فأَقرأُ.) ولو عرفنا اليعسوب لوجدناه حشرة تنتمي لرتبة "اليعسوبيّات"، وهي حشرة لها عيون كبيرة متعددة الوجوه، في كلّ عين منها ما قرابته الثلاثين ألف عدسة، وهما كرويتا الشّكل يمكنّاها من الرؤية في كل الإتجاهات. وقد اعطت القواميس اللغوية معنى اليعسوب رئيس القوم، وكل هذه المعاني سواء العلمية او اللغوية، جمعتها الشاعرة في معنى لامرئي وتمثل هذا المعنى في ولادة كلمات، وجهت الاخر لقراءتها، وهذا الفعل، قد يكون تمثل في قولها : (وجودُكَ النَّاقصِ على قماشِ الرَّسمِ صارَ وجهَ الَّذي لاَ شِفاه لهُ،) فالوجود الناقص تمثل في الغياب، وأسست حياة في عوالم افتراضية جمالية، وهي رؤية الشاعرة المبثوثة في ديوانها اعلاه ...
#وجدان_عبدالعزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعر رافد الجاسم، رومانسية بشكل كلاسيكي ورؤية حديثة ..!!
-
الشاعرعبدالعزيز الحيدر ومحاولة ترويض اللاوعي للوعي ..!!
-
الشاعر كريم الزيدي في كندا، مصطحبا الحزن العراقي معه..!!
-
التشكيلية أفين كاكايى /رحلة البحث عن الوطن
-
جنة عدنان .. موصلية ابداعها امتداد لحضارة بلدها
-
الشاعرة حنين عمر/ورقصة الوهم
-
الشاعر علاء احمد ، تتجلى معانيه بصور المفارقة
-
الشاعرة رشيدة موني في صراع لاختراق المألوف
-
افياء الاسدي : الشعر والحضور
-
الشعر التلقائي والابتعاد عن الرقيب الاجتماعي في رؤية الشاعرة
...
-
(حلمة الهذيان) في (تميمة قلب) للشاعر تحسين عباس
-
شمس تبريزي ورباعيات مولانا صراع مرير مع القبح الأرضي
-
صراعات فكرية ، تحملها قصيدة (ماهية السر)
-
رواية (احببت حمارا) ، والسخرية الاحتجاجية
-
الفنانة ندى عسكر ، سر الخلود يغويها بالبحث
-
التجريد افتراق ولقاء لتأصيل الوعي الفني ، لوحات الفنان اسعد
...
-
الفنانة رؤيا رؤوف : امرأة ملطخة بالوان الالم
-
الكاتب كاظم الحصيني : لازال صراعه مستمرا /رواية (الدوران في
...
-
فاضل الغزي:يفاوض الضمير الانساني في الحب ، رواية (غواية العز
...
-
فاضل الغزي : يفاوض الضمير الانساني في الحب ، رواية (غواية ال
...
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|