أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي عبد السادة - خذوا كل شيء وأتركوا الوطن














المزيد.....


خذوا كل شيء وأتركوا الوطن


علي عبد السادة

الحوار المتمدن-العدد: 1490 - 2006 / 3 / 15 - 10:39
المحور: كتابات ساخرة
    


كان الرجل هادئاً، يتمسك بمقود سيارته، بينما كنت أنظر اليه من خلف زجاج مطعم مطل على الشارع. هكذا توقف في وسط زحام باعة السمك في الكرادة، وسط بغداد، وفجر نفسه.
بعد الصراخ والعويل ومشاهدة منظر مرعب،(لا داعي للذهول .. المشهد متكرر)...بدأت أقدام الناجين تسرع نحو الضحايا، في ذلك اليوم لم يكن يقف هناك جندي أمريكي واحد، ولم يكن باعة السمك يعملون في قاعدة أمريكية.
لأحمي نفسي من "الكأبة" ومصاحبة"نوبات القلق" اليومية، قاطعت أهل التلفاز والمذياع.. لقد تحولت ذاكرتي الى مجموعة من الاحصاءات: عدد الشهداء والجرحى، عدد الناجين والذين اصابتهم خطرة، عدد الاطفال والنساء والشيوخ من الضحايا، لقد تحولت ذاكرتي الى أرشيف لصور الضحايا والمفخخات، وأعتدت ان لا اسمع سوى اخبار تعزز هذا الارشيف.
الجزع ونفاد الصبر وضيق الصدر وضياع الامل، اجبرني على مصالحة المذيع مجددا، كان يتحدث عن اناس أختلفوا حول مكان مفاوضاتهم، مشاوراتهم (كما يحلو لهم تسميتها) لاجل تشكيل "حكومة".
المذيع مستمر: "ارتفع سعر البنزين.. وزارة الكهرباء تحتاج الى... مليار دولار لـ... عوائل تعرضت للتهجير وتركت منازلها".
المذيع.. يذكرنا مرة اخرى بأن "الساسة" مازالو "يتشاورون".
بينما كنا ننتظر "التشاور" وبينما كان الكادحون والعمال والعاطلون عن العمل وتلك النسوة اللواتي اثقلت "انابيب الغاز الفارغة" ظهورهن، وبينما كنت، انا، ارسم مستقبلاً وردياً لبلدي، وبينما كانت مدينة الثورة (مدينة الصدر) في طريقها الى السكون قبل رحيل الشمس. أنقضت على المدينة سيارات الموت. كان اخر الكلمات التي أطلقها الواقفون بالقرب من مطعم " هلي" لا تتعلق بشيء مهم، كانوا يتحدثون عن أسعار الوقود، وزحمة الشوارع، وربما كانوا مسرعين الى البائع المتجول في سوق "الكيارة" الذي يبيع بضاعته بسعر أقل، فالوقت متأخر..
هكذا سكنت تلك الكلمات صدور أصحابها، عندما تناثرت أشلاء الضحايا على جدران المحلات والمنازل. هكذا خضبت دماء الفقراء ارض المدينة المتشحة بالسواد. واحتقنت، كعادتها، عيون الثكالى وأفئدة الاطفال اليتامى.
في ذلك المكان، قرب مطعم هلي، وقبل دقائق من الحادث، ماذا لو سالنا الضحايا قبل رحيلهم؟، كنا سنتوقع الاجابات:" محمد : عائد الى المنزل، كنت في العمل"، "أم علي: أنهكها طابور محطة الغاز"، "الحاج ابو حسين: لم يجد دواء في المستوصف". لم يكن هناك أي مظهر من مظاهرالاحتلال، لم يكن هناك سوى أولئك المساكين.
وفي ذلك المكان، قرب مطعم هلي، وبعد ساعات من الحادث، ماذا لو سالنا أنفسنا ماذا علينا فعله، وارواح الشهداء مازالت تحوم في المكان ودماءهم مازالت تختلط برائحة عرق الكادحين، ودخان المفخخة مازال يختلط برائحة دخان النفايات، فالبلدية لم تات منذ زمن طويل.
ربما علينا الاجابة، الان، بكل جدية، بل حتما علينا اللجوء الى الوطن، ذلك الضائع، الذي نريده خاليا من اللثام الاسود والبندقية المشؤومة، حتماً علينا ترك المساومة في هذا الوقت الحرج، فمعنى أن يشارك الجميع في حكومه وحدة حقيقة، اننا انتصرنا لاولئك الشهداء. وخلاف ذلك، سادتي، يعني بالنسبة لكل السائلين الوصول الى نهاية النفق اننا سنبقى نفتش عن هوية ضائعه للوطن، بينما تنتهون من "التشاور".
سادتي... خذوا كل شيء، الكراسي والمساطب،
الدكاكين والجنابر..
واتركوا لنا الوطن..



#علي_عبد_السادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الاهلية .. دارفور نموذجا ، أزمة نظام عسكري وقوى عالمية ...
- أزمة لبنان : لحود، الحكومة، البرلمان، الدستور
- حمى السلاح
- نحن الان في بغداد
- حكومة لبنان ... حكومات
- رأس أسرائيلي مصاب بالجلطة .. رأس فلسطيني مصاب بالدوران
- سؤال مغربي .. من هو المسؤول؟
- الوعي الانتخابي.. رهاننا الاول لتجاوز أستقطاب طائفي مقيت
- الطريق طويل في الخليج
- الديمقراطية صراع أفكار ومصالح
- لماذا تركت وطنك؟
- منديل يقطر دما
- دارفور ..دار للقتال
- غزة ..عودة الى الصفر
- ماذا في قراءة مغايرة عن الارهاب؟
- رد على الكاتب انيس منصور
- الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق الاول من أيار... تعزي ...


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي عبد السادة - خذوا كل شيء وأتركوا الوطن