أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خلوق السرغيني - الدين وسياسة التحريم(2)














المزيد.....


الدين وسياسة التحريم(2)


خلوق السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 5852 - 2018 / 4 / 21 - 16:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يقال، من حيث المبدأ، إن الدين لله، لكن واقع الحال أثبث حقا أن الدين اليوم لم يعد لله، بل للدولة، ومن ثم فالمعرفة الدينية هي معرفة لم تعد في الراجح غاية في ذاتها، بل إنها اليوم أضحت مجرد وسيلة يمتطيها الفاعل السياسي لتحقيق غاياته، التي تعد غايات أخس، إذ ترتبط بمسائل اليومي البسيط، سواء على الصعيد السياسي، أو على الصعيد الاجتماعي؛ وهي غايات فرعية تتفرع في الغالب عن غاية أساسية كبرى ذات طبيعة اقتصادية مادية تحديدا ، ولما كان العنصر الديني عنصر غاية في الأهمية على الصعيد الاجتماعي؛ نظرا لطبيعته الجمهورية،(أي، يرتبط بالجمهور) هذه الطبيعة التي تجعل خطاباته تتغلغل في أعماق الشخصية لتحتل بذلك مختلف مُناداتها Monads (أي، جواهرها الروحية بلغة لَيْبْنِتْز) احتلالا لا انفكاك عنه، ونظرا لقوتها التأثيرية على العقول البسيطة ذات المرجعية الخطابية التصويرية في الإقتناع، أمكن للفاعل السياسي، حينئذ، أن يبحث عن إمكانية تشغيل واستعمال هذا العنصر الثقافي، الذي يدخل في خانة المقدس ، لخدمة مصالحه المادية، المنتمية إلى دائرة المدنس، وهنا سيعمد إلى احتكاره، ذلك أنه من شأن الإحتكار أن يكون آلية التحكم، ألم يعتبر الإحتكار في عرف الرأسمالي أداة ربحية فعالة، إذ بها يتحكم في السوق لصالحة؟ فكذلك وقع الأمر على المستوى الديني، فقد تم احتكار الدين، أو بالأحرى المعرفة الدينية، اعتقادا وتعبدا. بحيث إن كل شيء فيها أصبح بقَدَر.
صحيح أن عملية الاحتكار هذه لها مزايا كثيرة؛ إذ على الأقل وضعت حدا للفوضى التي كان يعرفها الحقل الديني، بما هو حقل إفتائي بامتياز، كما أنها عملت على توجيه الخطاب الديني نحو رهانات ذات طبيعة إنسانية، ودرء، ما أمكن، النقاط التي يتعارض فيها الخطاب الديني مع القيم الانسانية الكبرى: كقيم التسامح والخير والعدل والمحبة والإيخاء...غير أن هذا الإحتكار ليدل دلالة صريحة على الدور الإيديولوجي الذي أصبح يقوم به الدين المعاصر، إذ إن مساوئ هذا الاحتكار واضحة وجلية، فهي تبدو في النمطية والتشابه والوحدة القاتلة التي أصبح عليها الكائن الانساني.
وإذا كانت الإيديولويجا تقوم بوظائف ثلاث على حد تعبير الفرنسي بول ريكور Ricoeurوهي التشويه والتبرير والإدماج، بحيث تعمل أولا على تشويه حقيقة حياة الناس الواقعية، وتقوم ثانيا بتبرير هذا الواقع الذي عملت على تشويهه للتو من خلال أفكار تدعي الكونية والشمولية، وهي أفكار الطبقة المسيطرة، هاته التي تمتلك مختلف الأجهزة التواصلية التوصيلية، لتعمل في الأخير على إدماج الأفراد داخل هذا الواقع الُمرَادُ من خلال مجموعة من الطقوس الإحتفالية التي تخصص لهذا الغرض الإيديولوجي الإدماجي؛ الذي غالبا ما يمرر تحت ذريعة إحياء التراث أو المحافظة على الهوية أو الذاكرة الجماعية...، وإذا كان الدين نفسه يقوم أيضا بهذه الوظائف، فإن الدين، أو بالأحرى الدين المسَيَّسُ، في مجتمع اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبح فعلا إيديولوجيا بامتياز، خاصة وأنه يعلن كما تعلن كل إيديولوجيا "أن ليس هناك ما هو أحسن مما هو كائن، ولا داعي للبحث عما ينبغي أن يكون، فالواقع ما هو كائن" ولا مناص أو بديل عنه.
غير أننا حينما نشير إلى المعرفة الدينية، في انتمائها للإيديولوجيا، فنحن نعني أيضا وبالتحديد التشريع الديني والأحكام المرتبطة به، مثل أحكام التحليل والتحريم...، ولوازمهما السلوكية. بالتالي، فإن التحليل والتحريم لم يعد شأنا فرديا ولا شأنا دينيا خالصا، بل إن فعل التحريم(من الحلال أن تفعل كذا...) أصبح في جوهره عملا سياسيا بالرغم من غلافه الديني. وهذا هو مُسَوِّغُ الحديث عن سياسة التحريم، إذ لم يعد "الحرام" مفهوما دينيا يعبر عن المنع الرباني لفعل إنساني ما، بل أصبح المنع دو مرجعية سياسية، وبهذا فعلة التحريم كتشريع ديني في الأصل لم تعد دينية، وإن بدت كذلك في ذهن الكائن الإنساني البسيط، بل أصبحت المبررات سياسية ذات رهانات اجتماعية اقتصادية بالأساس.
لقد أصبح السياسي اليوم يقوم بدور فقيه الأمس، فإذا كانت المعرفة الدينية في السابق حكرا على العالم/ الفقيه الذي يتموضع مكانيا في المسجد أو بالأحرى في الزاوية، فإننا اليوم نجد أن هذه المعرفة أصبحت من نصيب الفاعل السياسي المشرع ، ولا نقصد بالفاعل السياسي إلا صاحب السيادة، فهو صاحب الحل والعقد وهو الآمر والناهي، وعليه فأحكام التحليل والتحريم، أصبحت من وضعه، إذ لا شريعة ولا تشريع إلا ما أقره المشرع صاحب السيادة، وما يمكن أن يشرعه هذا المشرع لا يمكن ان يسير ضد المصلحة العامة وبالأحرى الخاصة.
إن مصلحة الدولة كمصلحة عامة توضع فوق كل اعتبار، وهنا يتدخل المشرع الديني الذي هو في الحقيقة مشرع سياسي، ليراعي المصالح العامة والخاصة أيضا في فعله التشريعي. بهذا المعنى لم يعد التحليل والتحريم دين وإن كان دينا، بل أصبح سياسة، وبَيِّنٌ أن هذه لعبة المصالح بامتياز.
هكذا تبدو الحاجة إلى التحريم كما التحليل، ليس حاجة وليدة الرهان الديني وإن كانت الدين مرجعيتها الظاهرة، بل إنها حاجة سياسية واجتماعية تقتضيها التوازنات المصلحية، إلى درجة أن المعرفة الدينية أو المعطى الديني سيكون له إسهاما اقتصاديا ليس له مثيل، من خلال الحض على العمل مثلا، وهي الفكرة التي دافع عنها بقوة ماكس فيبر كما أشرنا سابقا.لكن هل هذا يعني القضاء على التحريم؟
حاصل القول، إن هدفنا هنا ليس هو القضاء على مشروعية فعل التحريم، وإنما غرضنا تحصيل الوعي بتهافته، وهذا لا يتم إلا من خلال التأكيد على طابعه السياسي المصلحي، وحينما يصبح المحرم(الطابو) وَهِنًا، حينئذ سترفع حُجُب المصالح السياسية وسنعود إلى الأصل، ومعلوم أن الأصل في الأشياء هو الإباحة.لكن كيف سنرفع حجب المصالح السياسية المادية؟ هذا هو بالضبط ما يستوجبه سؤال العمل التاريخي؟



#خلوق_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين وسياسة التحريم
- عن المدرسة ورهانات المجتمع
- عندما ينطبق مبدأ العطالة الطبيعي على الإنسان، أو من العطالة ...
- هل طلق العرب القضية الفلسطينية؟
- العنف وثقافة التحريم، أو في لزوم العنف عن المقدس.
- في أولوية الناسوت على اللاهوت


المزيد.....




- خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز ...
- القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام ...
- البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين ...
- حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد ...
- البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا ...
- تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
- شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل- ...
- أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
- مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس.. ...
- ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خلوق السرغيني - الدين وسياسة التحريم(2)