أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الأول 3














المزيد.....

إلِكْترا: الفصل الأول 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5852 - 2018 / 4 / 21 - 03:52
المحور: الادب والفن
    


صورة فوتوغرافية، وحيدة نادرة، جمعتها مع شلة أصدقاء رواق الفنون، أنتصبت إلى الأمس القريب على منضدة دقيقة الحجم في مكتب أعمالها. كانت قد أمرت خادمَتها " عيّوش " أن تنقلها إلى حجرة المحترف، وتحديداً، مذ شروعها في كتابة مذكراتها. الصورة، دأبت مذاك الحين على كونها خلفيةً لخيالها في صلته بواقع حياتها السابقة في المدينة الحمراء؛ ريحاً تؤجج أوارَ جمرات داخلها، الخامد. وجوه أولئك الأصدقاء، تطالعها كل صباحٍ خِلَل بخار القهوة، تحثّها على مواصلة الكتابة. الذكرى، كأنما هيَ مطيّبٌ عَبِقٌ لقهوة الصباح، حال بذور الهال المطحونة. " سوسن خانم "، تشربُ قهوتها عادةً بلا سكّر. وإنها قهوةُ أمسيات عزاء الموتى، على عادة أهل المشرق، لو شئنا المضيّ في مجازات المعنى.
الآن، فيما هيَ تخط كلماتها على الدفتر الأنيق ( كانت تنضد على الكومبيوتر كل فصل بعد اكتماله ومن ثمّ تنقيحه )، تُدرك أنّ جميعَ من في الصورة ـ باستثنائها طبعاً ـ باتوا في عوالم أخرى. الفرنسيّ " غوستاف "، تعيّنَ عليه أن يفتتحَ صفحة الرحيل الأبديّ، ليقابل عَدَماً شبيهاً بطريقة حياته العدمية. قرينته " شيرين "ـ أو خليلته مثلما كانت تردد في مذكراتها ـ لحقته سريعاً هرباً من عالمٍ ظالم، متطهّرةً من آثامه بآثامها. " سيمو "، شريكها في جريمة قتل الفرنسيّ، يقضي حكماً بالسجن لمدة عشرة أعوام، مؤملاً طوال الوقت بفرصة عفوٍ ملكيّ. طليقته " الشريفة "، اختفت آثارها تماماً، وفي المقابل، خلّفت طيفها وراءها مع ثمرة رحمها. قرينها " فرهاد "ـ أو عشيقها بحَسَب تعبيره ـ لحقها أيضاً في فقدان آثاره حدّ أنه لم يعُد على تواصل مع رعاة طفلتهما الوحيدة. " الأستاذ محمد " وامرأته وشقيقته، غادروا البلاد مع أولادهم كي ينضموا لأقاربهم المتوطنين في السويد. وكانت " لبنى "، شقيقة الأستاذ، قد آثرت الرحيل مع الأولاد بعد وفاة رجلها ( يا للألم! ) بسكتة قلبية، وذلك في أحد فنادق مدينة طنجة.. وإنه " المهدي البغدادي "، كما علمنا قبلاً، مَن ألتقط هذه الصورة.. بقي إذاً خارجَ الصورة، فيما ظله سيهيمنُ على أشخاصها أبداً.
عند شروعه في التقاط الصورة الفوتوغرافية، كان يقبعُ خلفه تاريخٌ شخصيّ حافل بالمجد الأدبيّ. ولكنه كان من التواضع والطيبة، أنّ " سوسن خانم " كانت تسلوَ أحياناً ما في شخصية امرأته من تكبّر ولؤم. لعل مردّ تسامحها ( على الورق غالباً! )، عائدٌ إلى تفهّمها مبعثَ غيرة زوجة الشاعر. تعرّفت عليه في الرباط، خلال أمسية أدبية أقامها في المعهد الفرنسيّ، وكانت هيَ في ذلك الوقت تحصل فيه صباحاً على دروس اللغة. " الشيخ سالم "، كان حينئذٍ في إجازته الصيفية الطويلة بالكويت، يروي ظمأ نسائه الثلاث وهنّ في حجرات القصر، المُشرفة نوافذها على رؤى سراب الصحراء. تقدمت " سوسن خانم " نحو الشاعر، على أثر انتهاء الأمسية، لتطلبَ نسخة من مجموعته الشعرية الأخيرة. الحضورُ، كانوا في الأثناء قد تجمعوا في البوفيه يأكلون ويشربون ويتسامرون. فلما عرفت " لبنى " أنها سورية الأصل، هذه الفتاة الشقراء الأنيقة، فلم يكن منها إلا الالتصاق بالزوج وهيَ تحدجها بنظراتٍ عدائية مواربة. إنها عادة نساء المشاهير، ولا غرو، ممن تنهشهن مشاعرُ الغيرة ووساوسُ الظنون. تلك العادة السيئة، عليها كانَ أن تظهرَ أكثر وضوحاً في مسلك امرأة الشاعر حينَ عادت لتلتقيَ مع مواطنتها السورية في رواق الفنون بمراكش. إذاك، فإن الوساوس ربما أوهمتها بأنّ " سوسن خانم " تطارد زوجها من مكانٍ إلى آخر بغيَة انتزاعه منها.
" كرديّة، وفوق ذلك متزوجة من رجل كويتيّ، فلا غرابة إذاً أن تُعادي العراقَ وتؤيدي الأمريكان! "، قالت لها المرأة الغيورة وابتسامة مسمومة على شفتيها السميكتين. قبل قليل، وخارج إطار النقاش حول أزمة الخليج، كان هنالك حديثٌ مفعمٌ بذكريات الوطن مع " الأستاذ محمد ". إذ كان الرجل قد عبّر عن البهجة، لما أجابت " سوسن خانم " عن تساؤله بخصوص تلك المنطقة، التي تنحدر منها في ريف اللاذقية. قال لها عندئذٍ: " جبل الأكراد، زرته مرةً أثناء رحلة مع الأصدقاء وكنتُ ما أفتأ طالباً بالثانوية. مثلما وطّن صلاح الدين قومَهُ ثمة في الساحل السوريّ، فإنه فعل الأمر نفسه في فلسطين. في منزل الجدّ، هنالك في صفد، كان الأهلُ قبل نزوحهم يحتفظون بشجرة عائلة تمتد جذورها إلى ملوك بني أيوب ". على ذلك، لم يكن بالغريب أن يتدخل شقيق " لبنى " آنَ تورطت في ملاحظتها المغرضة، الخالية من الكياسة: " إنني أشعر بالدهشة، لإقحامك أموراً شخصية في نقاشٍ عاديّ؟ "، خاطبَ شقيقته بشيء من الحدة. وبينما أحجمت السيّدة السورية عن التعقيب على كلام المرأة الغيورة، شاءت التفكّه في سرّها: " إنكِ تفتقدين الثقةَ بالنفس، أيتها المسكينة المصبوغة بمكياج قرويةٍ وجدت نفسها فجأةً في المدينة! ". زوج المرأة، تصدى أيضاً للحديث محاولاً تخفيف اندفاع شقيقها: " اجتياح الكويت، هوَ حدثٌ خطير، يتداول الناسُ أمره في كلّ مكان على الخارطة العربية بل وفي العالم بأسره. فلو أنّ أحدنا أدانَ الاجتياحَ، فلا يعني هذا أنه مؤيدٌ لمساعي الأمريكان في دخول المنطقة عبر ثغرته للسيطرة على ثرواتها النفطية ".
لقد راقَ لها الرجلُ جداً، بقامته الفارعة وملامحه الجميلة الهادئة. طوال ما تبقى من وقت السهرة، كانت تحس بأنفاسه فوق رأسها، لطيفة رقيقة. ما أسعدها حقاً، أنّ أحداً من حضور الأمسية لم يكن على علمٍ بكون زوجها أميراً فضلاً عن تسجيله باسمها شركة كبيرة. آنذاك، كانت ما تني مقيمة في فندق " السعدي "، مشغولة البال بكل شيء إلا من احتمال وقوعها بالحب.آبت تلك الليلة إلى مقر إقامتها، ثم سرعانَ ما خرجت إلى الشرفة. ألقت نظراتٍ حالمة على المشهد تحتها، الغارق في ظلمة بهيمة. شعرت عندئذٍ بالرضا، فيما يدها تتحسس بطاقة الشاعر وكانت قد حصلت عليها في غفلة من امرأته.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلِكْترا: الفصل الأول 2
- إلكِتْرا: الفصل الأول 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل العاشر 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل التاسع 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 3
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 2
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل الثامن 1
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 5
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 4
- ألفُ هُوْلة وهولة: الفصل السابع 3


المزيد.....




- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - إلِكْترا: الفصل الأول 3