|
سجن الرّوح -14-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 5850 - 2018 / 4 / 19 - 15:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا أدّعي البطولة، أخاف من الألم الجسدي والنفسي، وهناك قرار داخلي لديّ أنّني مثلاً محايدة في الدّين ، فلا أحبّ أن يكفّرني أحد ويتشدّق العلمانيون العرب بمقالات وقصص ومسرحيات حولي، والعلمانيون العرب هم مختلفون جداً عن علمانيون أوروبا ففي أوروبا هناك كنيسة علمانية أيضاً، والأحزاب العلمانيّة تحتضن في داخلها محجبات، وربما شيوخ شريطة أن يلتزموا بقوانين البلد، وعلمانيّة العرب تقتصر على شتيمة العرب السّنة دون جميع الطّوائف معتبرة أن الطوائف في حدّ ذاتها علمانية. وهذا لا يعني أن السّوريين السّنة أبرياء، وهنا لا أتحدّث في الدين. أتحدّث في المجتمع، فجمعيّة الإمام المرتضى الخاصة بآل الأسد لم تكن لتعش لولا ضخ الأموال إليها من قبل السّنة- ذوي المال والجّاه- وهؤلاء يقفون اليوم كأئمة جوامع يتقاضون رواتبهم من الدّولة، وبعضهم يتقاضى مرتباً ضخماً كمرتّب سفير- مرتب السّفير أقل من مرتب عامل في الغرب، لكن دخله من الخوّة وتسيير الأعمال الوطنية بمقابل يصبح كراتب سفير للولايات المتحدة-وبالمناسبة لا يوجد سفير شريف وسفير غير شريف، هي أعراف المهنة أن تأكل وتطعم وإلا لن تصبح سفيراً، ولا دبلوماسياً-للتذكير فقط كان نزار قباني دبلوماسياً- ليس بالضرورة أن تكون خائناً للقضية عندما تقبل بالأمر الواقع وتناضل بطريقتك دون تحريض. في إحدى المرّات قلت لزوجي: ليتك في السّجن! قال لي: ويحك! لا يتحمّل جسدي كفّ واحد. أجبته ليس من أجلك. بل من أجل أولادنا. فتلك المعلمة وابنتها لم تتأثّرا بسجن الأبّ. بل لهما الأولوية عند أجهزة الأمن وفي المدرسة، وعلامات الشّبيبة. أجاب زوجي-وكان في ذلك الوقت ملتزماً -: "مرغم أخاك لا بطل" قلت له ربما، إذا كان مرغماً على القبول فهل هو مرغم على الإيذاء؟ اختلفنا حول تعريف النّضال يومها، وبقينا على خلاف لعدّة ايّام، وبعد عدّة أشهر قال لي: لقد سقطت في الانتخابات الحزبيّة . قال لي أحد الرفاق أنّهم أعطوا توجيهاً بأنني خائن. قلت له : الأفضل أن تغادرهم. سوف يدمرّون أسرتنا ، فقال أين أذهب بعد أن قضيت عمري معهم؟ . . . مثلما يوجد في تاريخنا العربي قائد إلى الأبد- وهو مصطلح بدأت المكونات غير العربية تستعمله فهي في النّهاية خضعت لنفس التربية – يوجد ثائر إلى الأبد، وربما ذلك الثّائر هو سجين سياسيّ سابق تعاطف معه الكثير منّا كونه سجين، لكن السّجن لم يغيّر في نرجسيته. بل بالعكس نرى بعضهم اليوم قد باعوا ضميرهم مقابل حفلات شعرية مغنّاة، وتجمعات ثورية مبتذلة، والوقوف مع المفهوم الاستبدادي في الحياة الاجتماعيّة، فأحد الثّوّار والكتّاب المعروفين ينتقد نظام الرّعاية الألمانية لأنه سحب حضانة الأطفال من صديقه، هو لا يفقه بذلك القانون لكنه أراد كسب التعاطف" الشعبوي" لكن ردّت عليه مهاجرة قديمة وتعمل في الرّعاية بالقانون فهمّش الرّد. حرصت على عدم الدّخول في رابطة الكتاب السّوريين أو الكورد مع أنّني دعيت لهما في الماضي وقلت صراحة : لن أدخل أي تجمع سياسي أو اجتماعي، وكنت يومها بأمس الحاجة إلى المال حيث تكدست علي الدّيون. كان بإمكاني الظهور على أيّة قناة تلفزيونية تدفع لي فقد كانت الأسماء معروفة، وكانوا يحتاجون لرأيي كما هو لكنّني لم أقبل. لكن لكلّ إنسان هفوة، وأنا من النّاس الذين لا يتعلّمون من أخطائهم. فقد أرسل لي الصّديق إبراهيم يوسف الذي أحترمه أن أكتب لرابطة الكتّاب السّوريين ، ولم أشأ أن أخجله فقد كان مقرّباً مني ومن زوجي. فقلت له سوف أرسل لك موضوع ضعه أينما تشاء على صفحة الرابطة أو صفحة الكورد، ووضع الموضوع وهو عبارة عن رواية اسمها خريطة سورية كتبت منها ثلاثة أجزاء قبل أن يتّصل بي. أرسلت الجزء الثّاني، ورأيت أنه لم ينشر. سألته: قال: انتهت مدة إدارتي ولا يد لي، لكن هناك كلام كثير سوف نتحدّث به لا حقاً. شعرت بطعنة نالت من هيبتي، وفتّشت عن رابطة الكتاب السّوريين فرأيت أن من موّلها هو صديق رامي مخلوف. أصدّق إحساسي، فعندما ترى المشرفين على الرابطة يقرضون الشّعر مع الموسيقى في كل دول العالم، والسفر لديهم من دولة إلى دولة يشبه الانتقال من بيتك إلى الجامع أو مقر الحزب. أنا صدّقت الكلام تحت باب " الصداقة" ، لكن سؤالي هو: لماذا أوقعني أحدهم في الفخ؟ هل فعلاً تلزمه كتابتي؟ أم فقط من أجل إظهار نشاطه؟ لم أتلق ولم أعرف الجواب. يمكن أن تزايد على الشّهداء والمعتقلين وترقص نضالاً على بقاياهم. يمكنك أن تكسب. أن تسافر، أن تنشر، لكن للحقيقة يوم وميعاد. . . . لا أبحث عن من كان السّبب في اندلاع الثورة، لكن هذا الكم الهائل من المؤيدين لها يتجاوز موضوع الدّافع ويصبح المشهد يعبّر معاناة كاملة لشعب كامل. كانت الشّعارات " الشّعب السّوري واحد" وأنا لن أتحدّث عن شيء مضى. فقد انتهت المظاهرات على الأرض وجرى ما جرى، وسوف يستمر تفاعل الأفكار زمناً ليس بقليل، ولكن من هم الثّوار اليوم؟ الثوار اليوم بعضهم من جماعة الناصريين ، والبعض من جماعة صدام، والبعض من جماعة أوجلان، وبعضهم من جماعة هيثم مناع، أو. أو. أي لكلّ منهم رمزّ مستبدّ كالأسد، لكن الفريق الأهم من كلّ أولئك هو فريق" اللقلق علا وطار" حيث يغرّد من أعلى وأسفل فمرّة يمدح هنا، وأخرى يتزعّم هناك. هؤلاء أخطر من المستبد نفسه، والتزمير والتطبيل ليس في دمشق فقط فجميعنا نرقص على أغنية علي الدّيك، أو ابتكارات همام الحوت الخرندعية، والحلم هو الوصول إلى العالمّية. وإذا كانت الأكاديميّة السّويدية التي تمنح جائزة نوبل قد تعرّضت لهزّة اضطرت أهم أعضاءها للاستقالة فإنّ الأمر لدينا لا يحتاج لأزمة. نحن ننتقل من مكان لمكان بسهولة وسلاسة، فاليوم نحن شيوعيون أمميون، وغداً أكراد قوميون، وبعد غد أصدقاء لمحطة أورينت، والتي بعدها ننعي أعضاء حزب البعث. مشكلة الغربيون أن الصّحافة هي أوّل من تبدأ في نشر المشكلة، ومشكلتنا أننا ننشر في صحافتنا عن تميّزنا بينما العالم يشكو منّا، وآخر كلام في التميز أن طفلاً في العاشرة أجاد الألمانية في شهر وتوظف مترجماً ، أو أنّ الفنان الذي لم يدخل كلية الفنون لأنه يعرف الرسم بل لكونه متنفذاً، و الذي وصل إلى الغرب منذ يومين أصبح عالميّاً قبل ساعة. . . . أنا سجينة العادات، الطّائفة، القيم الاجتماعية. سورية سجنت روحي على مدار عمري، فكلّما التفتّ جهة أرغب أن أسير تجاهها أشمّ رائحة الزّيف. يؤلمني أنّ الشّباب قدّموا حياتهم، ونحن نتسابق بشكل محموم للوصول إلى ثمن دمائهم. سورية سلبت منّي طفولتي وشبابي ومستقبلي، وعندما أقول سورية لا أعني الأرض. أعني الوضع الاجتماعي والاقتصادي سواء قبل حافظ أسد، أو بعده، وربما لم يكن حافظ أسد ليصل إلى الحكم-حتى عن طريق انقلاب عسكري-لو كان هناك يقظة مجتمعيّة. أحبّ سورية كثيراً، وتمنيّت حقيقة أن لا أغادرها إلى ما قبل عشرين عاماً يوم قرّرت أن أغادر. قلتها يومها في مطار دمشق وكنت وحدي: لن أعود. لقد قتلتم روحي، وفيما بعد كتبت مقالاً عنوانه " سورية مكان غير صالح للعيش البشري" بإمكاني أن لا أكتب حقيقة مشاعري، وأكتب إلى المنابر العربية الضخمة التي تدار بإيديولوجية هذا، أو ذاك. لكنّني أعتبر أنّ الإنسان زائل والحبّ والحقيقة باقيتان، وأنا متمسّكة بالحبّ والحقيقة. . .
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اجتماع مجلس الأمن غير الرّسمي في السّويد
-
سجن الرّوح -13-
-
عن عثرات ترامب وشخصه
-
أيضاً عن سورية
-
حول الضّربة العسكرية على سورية
-
سجن الرّوح -12-
-
عودة للحرب الباردة
-
سجن الرّوح-11-
-
مابعد دوما
-
بشّار الأسد
-
وطن الفقراء المقتولين
-
سجن الرّوح -10-
-
حول قانون زواج الأطفال في السّويد
-
حول تويتر
-
سجن الرّوح -9-
-
مارتن لوثر كنغ
-
حول قيامة المسيح
-
سجن الرّوح-8-
-
سجن الرّوح-7-
-
حول غزو العراق
المزيد.....
-
-45 ساعة من الفوضى-: مصادر تكشف لـCNN كواليس إلغاء قرار ترام
...
-
مستشار ترامب: يجب على مصر والأردن أن تقترحا حلا بديلا لنقل س
...
-
-الطريق سيكون طويلا جدا- لإعادة بناء غزة من الصفر
-
إدارة ترمب تسحب 50 مليون دولار استخدمت لـ-الواقي الذكري- في
...
-
أميركا نقلت صواريخ -باتريوت- من إسرائيل إلى أوكرانيا
-
-الشيوخ- الأميركي يعرقل مشروع قانون يعاقب -الجنائية الدولية-
...
-
مقتل العشرات بتدافع في مهرجان هندوسي ضخم بالهند
-
ترمب يأمر بتقييد إجراءات عمليات التحول الجنسي للقاصرين
-
دفع أميركي باتجاه وقف هجوم حركة -أم 23- على شرق الكونغو
-
توقيف رجل يشتبه في تخطيطه لقتل مسؤولين في إدارة ترمب
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|