|
الأسس النظرية والتنظيمية للحزب اللينينى - ضد أطروحات العفيف الأخضر - القسم االثانى
سعيد العليمى
الحوار المتمدن-العدد: 5850 - 2018 / 4 / 19 - 09:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(2 ) هل الطبقة من أجل الحزب أم الحزب لأجل الطبقة ؟ على هذا السؤال ، رد لينين فى أحد مقالاته ساخرا من بعض الكتاب البورجوازيين ، الذين حاولوا أن يعارضوا الطبقة البروليتارية بحزبها البروليتاري قائلا : فلنجب على هذا السؤال الحكيم بآخر موجه إلى الكتاب البورجوازيين : "الرأس من أجل المعدة ، أم أن المعدة من أجل الرأس ؟". أما مؤلفنا العفيف الأخضر ، فيعيد الصيغة من ناحية الشكل محافظاً على مضونها الأساسى فيقول : هل الحزب بديل الطبقة ؟ إذا ما كنا نريد وفقاً لآرائه فى المجتمع الإشتراكي ، تسييراً ذاتياً شاملاً ، وسيطرة كلية للمنتجين المباشرين ، وحكما ذاتيا مباشرا من جانبهم ، أى مؤكدين على نشاط البروليتاريا التحررى الذاتى . وفى الواقع فإن طرح القضية على هذا النحو فيما يتعلق بالصلات بين الحزب والطبقة ، يكشف عن وجود مفهوم معين لدى الكاتب عن الحزب ،وأوهاماً تأليهية عن الطبقة البروليتارية ، وتنسحب من ثم تصوراته عن طبيعة علاقاتهما المتبادلة . فما هى المبررات النظرية لدى ناقدنا التى ساقته إلى تبنى هذا الموقف . إنه يزعم أن مبرراته النظرية تستند على مفاهيم مؤسسى الماركسية ، ونظريتهما عن الحزب الثورى ، والطبقة البروليتارية ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر على الخبرة التاريخية السلبية – من وجهه نظره – التى قدمها الحزب البلشفى فى الإتحاد السوفياتى . ويمكن القول بأنه يفهم آراء مؤسسى الماركسية بطريقته الخاصة تصل إلى حد تزويرها كما أنه يحاكم خبرة البلاشفه بمفاهيم مجرده ولا يخلو الأمر من تزييف هذه الخبرة أيضاً . ومجمل آرائه تتقوم فى أن المفاهيم التنظيمية الماركسيه تدور حول مقولة أساسية ، هى أن " الطبقة العاملة حزب نفسها " لآن البيان الشيوعي يقول إن تحرر الطبقة العاملة يجب أن يكون من صنع الطبقة العاملة ذاتها ، كما أنه يضيف أيضا : " لآن تحرر الطبقة العاملة مهمة فوق وسائل حزب أو تنظيم مهما كان ". والشيوعيون لابد أن يسترشدوا بما جاء فى البيان ، من أنهم لا يشكلون حزباً متميزاً فى مواجهة الأحزاب العمالية الأخرى " لأن للطبقة العاملة أحزاب لا حزب واحد . والحزب الواحد تقليد توتاليتاري ستالينى وليس أبداً ماركسيا ". ويواصل كاتبنا نقده : " إن لينين قد تخلى بفظاظة عن تصور ماركس لجوهر ووظيفة البروليتاريا : فى تصور ماركس الأساسى البروليتاريا – هى نفسها صانعه تحررها الذاتى ، وهى كطبقة غير قابلة للإستبدال لا بطبقة أخرى ( الفلاحين مثلا ) ولا بحزب مهما كان . أما لينين فإنه إستبدل البروليتاريا ، كذات ثورية صانعة وحدها لتاريخ الإنسانية المقبل ، بالحزب المركزى الذى يحمل إليها ، كهدية ، وعيها وتحررها من خارجها " ويواصل مؤلفنا " إستبدال البروليتاريا بالحزب ليس مروقا على الماركسية وحسب ، بل هو ردة للوراء ، ردة للمفهوم البورجوازى للديمقراطية ، للإستبدال البورجوازي : إستبدال الشعب بممثليه ، بالبرلمان . وهو المبدأ المضاد للثورة الديمقراطية على الطراز الإغريقى : حكم الشعب لنفسه بنفسه ." ( 8 ) على نفس القاعدة وإنطلاقاً من نفس المبدأ يقوم الحزب البيروقراطي على أكذوبة أن الطبقة العاملة فوضت إليه سلطتها ليعد لها استراتجيتها بالنيابة عنها يقرر كيفية ووقت تحقيق الدكتاتورية عليها فى الوقت المناسب ! أما البروليتاريا كطبقه مبادرة ، كذات صانعة للثورة ، كفعل مستقل ، كسلطة لا تعلو عليها سلطة فليس لها وجود " ، وأخيراً ، "عند ماركس الحزب الشيوعى لا يمثل الطبقة العاملة التى هى حزب نفسها . إنه فقط التعبير المتماسك لنظريتها وممارستها التاريخية ولا شئ غير ذلك . إنه صورة مصغرة للشكل الممكن للمجتمع الثورى المقبل . ولهذا فهو بتميزه عن كل ما هو موجود من أشكال تنظيم الوعى المستلب وبعدائه المبدئى الصريح لكل ما هو قائم من الأشكال الحية لتنظيم الحياة الإجتماعية – هو الشكل المضاد للمجتمع القائم " . لقد اردنا بهذه الإقتباسات المطولة أن نقدم أفكار كاتبنا فى نصوصها الأصلية ، بجمع شتاتها ، حتى نشرع فى مناقشة مفاهيم ماركس عن الحزب الثورى من خلال المنظور المشوش لمؤلفنا . وما ينبغى أن ندركه قبل أى شئ ، هو وجوب تعرية أسلوب الهجوم على الماركسيه من خلال الهجوم على لينين وستالين بعد أن تنسب إليهما أفكارها الأساسيه ، ومثال أولى على ذلك – لأننا سنناقشها فى مواضعها – هو، حزب الطبقه العامله ، فهناك نصوص لا نهايه لها ، ليس لدى لينين فحسب بل أيضا لدى ماركس وإنجلز – وليس ستالين الوحيد الذى يتكلم عنه - ، أما وجود أحزاب عماليه غير شيوعيه فهذا ما لا ينكره احد ، ولكن ما ينكرونه جميعا هو أن الأحزاب العماليه غير الشيوعيه يمكنها ان تقود إلى الثوره الإشتراكيه وإلى الشيوعيه . ولآن مؤلفنا قد فهم دروس وإنحرافات وحتى مآسى بعض التجارب الإشتراكيه بالمقلوب ( أى بطريقه فوضويه) فقد إنتهى إلى أن هذه الإنحرافات والمآسى قد تولدت بصوره محتومه من الصفات والمضامين البيروقراطية المركزية – غير الديمقراطية – لدى الأحزاب الشيوعية فى هذه التجارب ، وهو يحاول البرهنة على أن مثل هذه الأحزاب المركزية لا تأتى منها سوى " الأضرار" والبديل ، إذن ، هو العمل المباشر للطبقة العاملة . ومن كل الخليط الذى قدمناه ، بإقتباس أفكاره فى نصوصها الأصلية ، يبدو ، وكأن حزب الطبقة العاملة السياسي ، إختراع شيطانى من جانب بعض المثقفين ، يهدفون به إلى السيطرة على الطبقة ذاتها لا لتحريرها ، بل لتحقيق أهدافهم الخاصة فى إنجاز آخر لثورات البورجوازية ، أى "الثورة البيروقراطية " ، مهما كان التركيب الإجتماعي للحزب عماليا ، أو خطه السياسي معبراً عن مصالح الطبقة العاملة ، ومادام أولا وأخيراً حزبا لينينيا . وقد فات كاتبنا التناقض الذى أوقع نفسه فيه ، من الناحيه المنطقية ، فإذا كانت الطبقة العاملة هى حزب نفسها ، ومن جهة أخرى يمكنها أن تصل إلى الوعى الإشتراكي بذاتها ، أى من داخلها ( 9 ) ، لامن خارجها ، أى من خارج دائرة النضال الإقتصادى ، ومن خارجها كطبقة عاملة عبر المثقفين الثوريين ، فما هى إذن ضروره الحزب نفسه ممثلا بالتنظيم المجالسي ، وما ضروره تدبيج المقالات عنه التى تحمل وعياً من " الخارج " أيضاً ؟ لقد كان التماسك المنطقى يتطلب من مؤلفنا أن يطرح صيغه تنظيمه المجالسى جانبا ، مادامت الطبقة العاملة تستطيع أن تمتلك وعيها برسالتها التاريخية ، وتضع بنفسها إستراتيجيتها وتاكتيكها ، وأن تقوم بما تتطلبه الأوضاع من ردود ثورية ، فلن تكون لها حاجة بالطبع للوصفة المجالسية التى ستكون زائدة لاضرورة لها ، فما هى حاجة الطبقة العاملة اليها والتى يمكنها ان تحدد وتحقق ما تتفتق عنه طاقاتها المبدعة ؟ . وفى الواقع فإن التأليه اللفظى الثورى للطبقة العاملة ، والتعتيم على أوضاعها الفعلية ، التى لن تكون دلالتها الطبقية – مهما أوحت بوجود طبقة عاملة ، نقية ، مطهرة من آثام المثقفين الثوريين ( اليعاقبة ، البلانكيين ، البيروقراطيين) – سوى إخضاع الطبقة العاملة للأيديولوجية البورجوازية وسياساتها ، وكذا تنظيمها البورجوازى . أى إفقاد البروليتاريا إستقلالها وإنتظامها فى حزب طبقى ، وتحويلها إلى ذيل لا بأس ان إقتفى أثر العفوية المجالسية وبالمناسبة ، فإن منطق كاتبنا يماثل أحد الأساليب التقليديه التى يلجأ اليها بعض الليبراليين ، من أجل فصم عرى الصلات بين الجماهير الثورية ، وطليعتها الواعية طبقياً . ولا يقل عن التناقض المنطقى السابق الذى أشرنا إليه ، تناقض آخر يظهر ، حين يقول أن ماركس وإنجلز كان يقصدان بالحزب البروليتاري الطبقة العاملة برمتها ، بينما يقول فى ذات الوقت أنهما يتحدثان عن أحزاب البروليتاريا ، وليس عن حزبها – فهذا الآخير بدعة ستالينية – والسؤال البديهى بالطبع هو كيف تكون البروليتاريا حزبا واحداً وأحزاباً فى نفس الوقت ؟! وهو يقتبس من البيان الشيوعى مقولة أن " تنظم البروليتاريا نفسها فى حزب سياسي " ويقول ان المقصود هو البروليتاريا برمتها وقد تنظمت . بينما من الواضح أن تنظيم البروليتاريا لنفسها فى حزب – عباره مثل تنظيمها لنفسها فى أمة ففى الحالة الأخيرة ، لا تقضى البروليتاريا على بقية طبقات الأمة ، بل المقصود أنها هى التى أصبحت تمثل الأمة . ولذا فإنه رأى خاطئ ، القول بأن ماركس كان يوحد بين الحزب والطبقة كلها ، أو أنه قصد أن يتطابق الحزب السياسي للبروليتاريا مع الطبقة . فقد أشار على سبيل المثال إلى كومونه باريس على أنها إنجاز "لحزبنا" ،رغم أن قادتها الأساسيين لم يكونوا ماركسيين ، بل فوضويين بلانكيين ، وبرودونيين، ويعلق فرانز مهرنج على ذلك قائلا إنه " كان محقا فى ذلك بمعنى عام هو أن الطبقه العاملة الباريسية كانت تشكل العمود الفقرى للعامية ، وبمعنى خاص هو أن الأعضاء الباريسيين فى الأممية كانوا أشجع وأقدر المقاتلين من أجل العامية ( 10 ) " كما أن ماركس قد تحدث عن الحزب بمعنى إتجاه نظرى ، أو بمعنى تاريخى ، وفى إحدى رسائله إلى الشاعر فريليجارث كتب يقول أنه حين يتحدث عن الحزب فإنما يتحدث وهو لا يعنى " منظمة ماتت منذ ثمانى سنوات ولا هيئة تحرير تبعثرت قبل إثني عشر عاما ، عندما أشير إلى الحزب ، فإننى أفعل ذلك بمعنى تاريخى " ( 11 ) . ونرصد هنا تشابها واضحاً بين آراء مؤلفنا ، وآراء بعض علماء الإجتماع البورجوازيين ، الذين يعتقدون أن مفهوم لينين عن حزب سياسي للطبقه العامله بمثابه فكرة إرادية ، والبعض الآخر ممن رأى تناقضا بهذا الصدد بين الماركسية ، واللينينية ، حيث اللينينية حزبية ، أما الماركسية فلا . لقد دعا ماركس – بالتأكيد – إلى ( تنظيم مستقل سرى وعلنى لحزب العمال ) . ولكن الحزب لم يتحول بالنسبه له الى شغل شاغل ، وقد قلب لينين نظرية ماركس فى الثورة إلى نظرية فى الثوره على النحو الذى يخططه نوع معين من الحزب " (12 ) . لقد أردنا مما سبق أن نبرز التشوش من خلال مسألة جزئية فقط ، وكيف يؤدى التشوش إلى الخلط والتناقض . والآن ، بأى معنى يمكن أن نفهم مقولة البيان الشيوعي حول أن تحرر البروليتاريا يجب أن يكون من صنعها ذاتها ، وهل هى" ذات الثورة أم موضوعهاً " ؟ لقد طرحت هذه المقولة فى البيان 1848 ، ووردت قبلها من جانب ماركس وإنجلز – وقد مثلت رداً على شتى الأشكال والإتجاهات الحلقية التى إنتمت لفترة طفولة الحركة العمالية ، وقد كانت تجد مبررها التاريخى فى هذه الطفوله ذاتها ، ولكن ما أن إستمرت بعد ذلك ، فإن دورها التقدمي السابق الذى كان نقاط إرتكاز وروافع للحركة العمالية ، حتى عادت قوة رجعية تحول دون إنطلاق الحركة العمالية وتراصها فى حركة طبقية شاملة واحدة . لقد كان المطلوب آنذاك ، هو دمج شتى فصائل الطبقة فى جيش بروليتاري واحد ، ومثلت تلك الإتجاهات عقبات فى سبيل تحقيق ذلك . لقد كانت هذه المقولة خطوة إلى الأمام فى مواجهة كافة الشيع والحلقات المعزولة طبقيا ، أو التآمرية ذات الأحلام الطوباوية ، والتى فقدت جذورها داخل الحركة الفعلية التى تنامت فى صفوف الطبقة العاملة . لأنها طمحت من خلال أوهامها الطوباوية ، لان تحقق مهمة التحرر الطبقى لا بالاستناد على الطبقة العاملة ذاتها ، بل بالاستناد إلى قواها الذاتية الخاصة . لقد كانت هذه المقولة شعار الإتجاه الماركسي ، ضد كافة الإتجاهات التى ترفض الصراع الطبقى الجماهيري على أساس الانقلابات التآمرية ، أو على أساس البحث عن حلول لا تتناقض مع أسس النظام الرأسمالي القائم ، أو التبشير بالإمتناع عن العمل السياسي ... نقول لقد كان هذا الشعار إنتصاراً أوليا على الأشكال التنظيمية الحلقية التى رفضت الصراع الطبقى ( على سبيل المثال مازينى وجمعيه الكاربوناري ) ، وعلى الإصلاحية البرودونية التى تقف مطالبها عند حدود النظام الإجتماعي ولاتطال أساسه ، وتتبنى مفاهيما إقتصادية بورجوازية صغيرة ، كما أنها تكرس العفوية . والمحتوى الأساسى لهذا الشعار الماركسي إذن ، هو أن تحرر الطبقة العاملة ، لن يأتى من خارجها ، أى من جانب طوباويين يضعون مواصفات مثالية للمجتمع الإشتراكي يحققها " رجال الخير" من البورجوازيين ، أو من المتآمرين باسم ولحساب الطبقة العاملة . أى بعدم الاستناد على الطبقة القادرة على إنجاز تحررها وتحرر المجتمع بكامله ، بحكم مكانتها كطبقة مجردة من الملكية عدا قوة عملها ، والتى تخضع لأفدح إستغلال ، والتى ينهض على أكتافها النظام الرأسمالي ، لقد كان شعار تحرر البروليتاريا ذاتيا ، يوجه نصله النقدى فى إتجاهين خطرين ، أولهما اللجوء إلى إقناع الطبقات الحاكمه ذاتها بمثاليه المجتمع "العادل والانسانى " الذى يجرى التبشير به ، وثانيهما توهم إمكانية أن يتم هذا التحرر من جانب شيع معزولة عن الحركة الفعلية الجارية للطبقة العاملة ذاتها ، بيد أن هذا التحرر ذاته غير ممكن التحقيق ، إلا إذا تحولت الطبقة العاملة إلى طبقه مناضلة ، واعية لأهدافها ورسالتها التاريخية . إن تحرر الطبقة العاملة هو من صنعها ذاتها ، ولكن من ناحية آخرى هل يعنى ذلك نوعاً من جبرية (13 ) - إجتماعية وتاريخية – ما – تقوم إرتكازاً على موضعها فى عملية الإنتاج الإجتماعى ، بمعنى آخر هل التحرر حتمى ، حتى لو كانت الطبقة العاملة طبقة بالمعنى الإقتصادى فقط – من الناحية الأساسية – آى طبقة فى ذاتها ولم تتحول بعد إلى طبقة لذاتها ، تعى رسالتها التاريخية ، ودورها كحفارة لقبر المجتمع الرأسمالي وبانية المجتمع الشيوعي ؟ إذا كنا قد أشرنا إلى العناصر الكفيلة بتحديد البروليتاريا كطبقة إجتماعية والتى يتعين الأساسى منها فى عدم ملكيتها لآيه وسائل إنتاج ، وخضوعها لعبودية العمل المأجور ، فهناك ذلك العنصر الذاتى ، الذى يتقوم فى إداركها لدورها فى المجتمع الرأسمالي ، وضروة نضالها فى إتجاه الإطاحة الثورية بمجمل النظام الاستغلالى الطبقى ، وإقامة المجتمع الشيوعي . إن هذا الإداراك الواعى هو الذى يحولها من طبقة فى ذاتها بالمعنى الإقتصادى إلى طبقه لذاتها تعى مهامها . والمادية التاريخية ، معادية لآى نزعة جبرية فى مجال قوانين التطور الاجتماعي ، لآن هذه القوانين الأخيره تتميز عن القوانين الطبيعية فى أنها تتطلب تدخل البشر ، أى إسهامهم فى مجرى العمليات الثورية التى يستحيل بدونها ، حدوث التغيرات الثورية ، ولدى مؤلفنا نوع متميز من الجبرية الاجتماعية ، فإذا كانت الإشتراكية ضرورة لا تتحقق على نحو آلى كنتاج لتطور القوى الإنتاجية ، ودون تدخل إراده طبقة ما ، فإنها يمكن أن تتحقق من وجهة نظره بالطبقة العاملة ذاتها بمجملها ، دون حزبها الذى يمثل الفصيلة الطليعية منها ، دون مثقفيها الثوريين الواعين . رغم أن الأفكار السائدة فى عصر ما هى أفكار الطبقة السائدة ، وهذه الأفكار التى تمثل التعبير الأشمل عن مصالح الطبقات الحاكمة لا يمكن أن تكون هى ذاتها أداة وعى الطبقة العاملة بمصالحها الأساسية ، بل أن دورها هو تزييف هذا الوعى . لقد أولى ماركس وإنجلز أهمية شديدة للنضال الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي ، حتى تتحول البروليتاريا بمقتضى هذا النضال إلى ذات التاريخ بعد أن كانت موضوعه – فلا يمكن أن يكون هناك حزب ثوري قوى ، إذا كانت هناك طبقة عاملة متدنية الوعى بمصالحها ومهامها ، وفى صراعها الطبقى – ولذلك خاضت الماركسية نضالا حاداً ضد شتى الأفكار الطبقية السائدة ، التى تغلغلت كتيارات فكريه داخل فصائل الحركة العمالية ، ضد الأيديولوجية البورجوازية التى تتنفسها الطبقة العاملة فى المجتمع الرأسمالي ... ولم يكن ماركس يعتقد بأن وعى الطبقة العاملة لرسالتها يتأتى من خوضها للنضال الإقتصادى ، وإنما كان حاسما فى أفكاره النظرية والسياسية وفى نشاطه العملى ، فى تأكيد أنها لا يمكن أن تتوصل إلى هذا الإدراك إلا من خلال الصراع الطبقى بأشكاله الثلاثة النظري والسياسي والتنظيمي . لقد حدد ماركس على صعيد الإدراك النظرى المهمة الأساسية للبروليتاريا ورسالتها التاريخية ، إستناداً الى المعايير الموضوعية والقوانين التى يجرى وفقها التطور الاجتماعى , وفى كتابهما العائلة المقدسة ، كتب مؤسسا الاشتراكية العلمية : " مادام الإنسان قد فقد نفسه فى البروليتاريا ، ولكنه فى الوقت نفسه لم يحصل على الوعى النظرى لذلك الضياع فقط . بل من خلال العوز الملح الفادح المطلق – وهو التعبير العملى عن الضروة – نجده مندفعاً مباشراً للثورة ضد هذه اللاإنسانية . وينتج عن ذلك أن البروليتاريا لا تستطيع أن تحرر نفسها دون القضاء على شروط حياتها الخاصة . دون القضاء على كل الشروط غير الإنسانية لحياة المجتمع المعاصر التى يلخصها وضع البروليتاريا تلخيصاً مكثفاً . وليس عبثاً أن تختار البروليتاريا مدرسة العمل القاسية ولكنها مدرسة عمل تزيدها قوة. والمسألة ليست مسألة ماذا يتبنى هذا البروليتاري أو ذاك ، أو كل البروليتاريا من أهداف مؤقتة . ولكن المسألة هى : مم تتكون البروليتاريا ؟ وما الذى نتيجة هذا التكوين تضطر أن تفعله . إن هدفها وعملها التاريخي يظهران بشكل حتمى وواضح فى وضع حياتها الخاصة كما يظهران فى كل تنظيم المجتمع البورجوازى المعاصر . ولا حاجه أن تقف هنا عند واقع أن قطاعا كبيراً من البروليتاريا الإنجليزيه والفرنسيه قد وعى مهمته التاريخية . ويعمل بإستمرار على تطور ذلك الوعى إلى وضوح تام ". (14 ) إن مؤسسى الإشتراكية العلمية إذن لا يخلطان بين النضال الطبقى الواعى لأهدافه ، وبين التناحر الطبقى ، وهما يشددان على أهمية الوعى النظرى بالضياع – أى يجب كما قال ماركس فى مكان آخر أن نضيف إلى الإضطهاد ذاته وعى الاضطهاد – الذى يتضافر مع الوضع الإقتصادي اللإانساني فنجد إندفاعا باتجاه الثوره . إن ما يدفع الطبقة العاملة إلى النضال الواعى ، ضد النظام الإستغلالى الرأسمالي ، ليست ضرورة خارجية ، ليست قانونا طبيعيا يفعل فعله بمعزل عن أى إدراك ، وإنما وعى الذات ، أى إدراك مهامها الفعلية . فالمسألة "ليست مسألة ماذا يتبنى هذا البرليتارى أو ذاك أو كل البروليتاريا – من أهداف مؤقتة . ولكن المسألة هى : مم تتكون البروليتاريا ؟ وما الذى نتيجة هذا التكوين تضطر أن تفعله ". ( ن . م ) ياله إذن من "إستبدالى" (15 ) وبيروقراطي" ماركس هذا ، لأنه يغض الطرف عما يحدده هذا البروليتاري أو ذاك ، بل وحتى البروليتاريا قاطبة لنفسها كهدف مرحلى ، ويقرر بأن المسألة تكمن فى معرفه كينونة البروليتاريا ، وما ينبغى عليها تاريخيا أن تفعله بالإنسجام مع كينونتها ، فلم يكن ماركس مولعا بتأليه الطبقه الثوريه ، لم يرها كشئ مقدس نقى مطهر ، كأيقونه فى جدار كنيسه ، فلم ينظر إليها من واقع الأوهام المثاليه، وكان يدرك بخبرته النظريه والعمليه أن " الطبقه العامله إما ثوريه وإما لا شئ " ، على حد تعبيره فى إحدى رسائله التى كتبها إلى شفايتزر – فى 13 فبراير 1865 ، وأنها يمكن أن تحدد لذاتها أهدافا مرحلية قد لا تنسجم مع وضعها ورسالتها التاريخية ، وأنها تتعرض لتأثير أنواع شتى من النظريات والسياسات المعادية لمصالحها ، فقد تمارس التعاون الطبقى ، أو تقبل الخضوع فى إذعان للنظام القائم ...إلخ فلا سبيل إذن للإنتقال من الطبقة فى ذاتها الى الطبقة لذاتها الا عبر الوعى الطبقى الذى يمثل الشرط الجوهرى للوصول الى التحرر . والمسألة هى أن يدرك المناضلون الشيوعيون النظريون والسياسيون ، طبيعه وجودها ومكانتها ، نعنى البروليتاريا وما ينبغى عليها أن تفعله إستناداً الى ذلك ، وأن يندمجوا فى حركاتها الفعلية الجارية ويطورونها ، وأن يشكلوا حزبا من عناصر الطبقة الطليعية يتوحد فيه الجميع بإعتبارهم ثوريين شيوعيين ، وهذا الحزب يمثل إذن أنضج وأكمل تعبير عن الوعى السياسي والنظرى التنظيمي ، الذى يلعب دوره فى إرشاد الطبقة العاملة إلى ما ينسجم مع كينونتها ، وعبر خوضها صراعاتها الطبقية . فمن يريد الثورة ، فلابد أن يريد ما يؤدى إليها من وسائل ، أى بالقيام بـ " العمل السياسي الذى يعد لها ، والذى يقوم بتربية العمال فى الثورة وبدونه سيخدع العمال دائما فى نفس اليوم التالي للنضال " – هكذا كتب إنجلز ، فى مقاله حول العمل السياسي للطبقة العاملة ، فى مواجهة كافة الإتجاهات التى كانت تقلل من أهمية التربية السياسية للطبقة العاملة ، وتحاول أن تنأى بها عن النضال السياسي مرتكزة على عفويتها الخالصة . لقد كان مؤسسى الماركسية يريان الطبقات الحاكمة الرجعية وهى تسحق كل محاولات التحرر التى تقوم بها الطبقة العاملة محافظة على سلطتها بالعنف من خلال دكتاتورية لا يحدها قانون ، ساعية إلى تأبيد سيطرتها الطبقية ، ولم يكن خلع سلطة هذه الطبقات من وجهة نظرهما يمكن أن تتأتى الإ من خلال تشكيل حزب سياسي للطبقة العاملة ، قادر على الدفاع عن نفسه ، مستقل ومتميز عن كافه الأحزاب البورجوازيه والبورجوازيه الصغيره لأن " هذا التشكيل للطبقه العامله فى حزب سياسي لا يمكن الإستغناء عنه لضمان إنتصار الثوره الإشتراكيه وهدفها النهائى – إلغاء الطبقات " ( قرارات كونفرانس مندوبى إتحاد العمال الدولى سبتمر 1871 – ماركس انجلز ) . إن كاتبنا يغفل الدلالة التاريخية للأفكار ويطمس خصوصيتها من زاوية الشروط التى أحاطت بها ، فمن ناحية يخلط بين موقف ماركس من الإتجاهات والشيع الحلقية المعزولة طبقياً التى كانت تهدف إلى تحرير الطبقة العاملة ، إما بخطب مثالية عن المجتمع النموذجى ، أو بالتآمر ، الرافضة لأن ترتبط بحركة الطبقة العاملة الجماهيرية ، وبين الأحزاب الشيوعية التى ترتبط إرتباطا وثيقا بالطبقة العاملة ، ويشكل هيكلها ونواتها القياديه أوعى عناصرها ، وهى لا تهدف إلى تحرير الطبقة العاملة لا بخطب مثالية ، ولا عن طريق التآمر . هو يقلل من أهميه الدور التاريخى للتنظيم المناضل للبروليتاريا ، ويخلط بين الماركسية والبردونية ... فقد كانت الأخيرة تؤمن بأن الطبقه العاملة قادرة على إدراك وإنجاز مهامها التاريخية ، عبر " تثوير نفسها بنفسها " بل إن بعض الصياغات الراهنة التى يدعى حداثتها ، تعود أصولها إلى برودون فقد كان على توافق معه فى بعض مقولاته ، حيث كان برودون يرى أن الإشتراكيه قد سقطت نهائياً فى وهم اليعقوبيه ، لذا صاغ قانون إيمانه الكلاسيكى ، ذو الثلاث شعب ، الرافض للسلطه ، والحزب ، والداعى إلى حريه مطلقه للإنسان . إن التمييز بين الوعى وبين أجنتة الأوليه ، قد ورد عند هيجل ، فهو يقول " بما أن الشعور ، الحدوس ، الرغبات الإرادات ، إلخ ، حين لا تتخطى حدود الوعى ، يمكن أن تسمى تمثيلات ، نستطيع أن نقول بوجه عام ، أن الفلسفه لها كموضوع وهدف أن تضع محل التمثيلات ، أفكاراً pen sees . مقولات ، وبخاصه مفاهيم – فكرات . التمثيلات ، يمكن أن تعتبر بوجه عام ، إستعارات – مجازات عن الأفكار والمفاهيم . لا يكفى أن يكون لدى المرء تمثيلات حتى يعرف الفكرة الحميمة التى تصنع أساسها ، أى المفهوم " (16 ) ومهمة الحزب الواعى أن يقدم الأفكار والمفاهيم منطلقا من إنجاز البلورة المتماسكة للشعور ، للغريزة الطبقية...إلخ .، التى تتحرك على أساسها الطبقة العاملة بشكل عفوى . لقد رفض ماركس التصور العفوى البرودونى ، فأيديولوجيا الطبقة السائدة هى التى تسيطر من الناحيه الأساسيه على الطبقات الإجتماعية داخل المجتمع الرأسمالي بما فيها الطبقة العاملة ، لذا فإن العفوية من حيث جوهرها الفعلى – الذى يتضمن جانبين مزودجين : الإحتجاج والإذعان – إذا تم الإستسلام لها تعنى تآبيد سياده هذه الأيديولوجية على البروليتاريا ذاتها ، وتعويق عملية تحررها الإجتماعي والسياسي . والفضائل الأسطورية التى ينسبها ناقدنا إلى البروليتاريا على نحو إطلاقى إنما تنتمى إلى مثل هذا التصور البرودونى ، ذو الطابع الصوفى القدرى . فالطبقه العامله تعى ذاتها أى رسالتها التاريخيه كطبقه لا من خلال دورها فى عمليه الانتاج الاجتماعى فقط ، ولا كنتاج حتمى لخضوعها للإستغلال الطبقى الموحد من جانب البورجوازيه التى تحصل منها على فائض القيمة بإستغلالها للعمل المأجور ، ولا لمجرد كونها مجردة من ملكية وسائل الانتاج ، وإنما تصل إلى هذا الوعى بتحولها ، صيرورتها ، طبقه مناضله . وذلك بإنخراطها فى النشاط السياسي المناهض للبورجوازية ، والهادف لتقويض سلطتها ، من خلال التقائها بالوعى العلمى ، أى بالماركسية الثورية . وهى لا تستطيع القيام بهذا الدور التاريخى ، دون حزب يحتوى أوعى عناصرها وأجدرها بقيادة الأقسام الأخرى فى الطبقة ... هذا الحزب الذى يقوم بإدماج الوعى فى الحركة الفعلية وفقا وإستناداً إلى درجة تطورها فى لحظة تاريخية محددة ، حيث يحولها إلى قوة طبقية متراصة ، جديرة بالإطاحة الثورية بالنظام الرأسمالي ، الذى تمثل نفيه ، وحين ينخرط الحزب فى القيام بهذا الدور ، فإنما تبدأ الطبقه فى التحول إلى طبقه لذاتها . ففى الصراع السياسي للطبقة العاملة ، يعد التنظيم فى الصراع بين طبقة وأخرى " السلاح الأعظم أهمية" كما يقول إنجلز . وإذا كان المعنى الأساسى لمقولة البيان الشيوعي حول أن تحرر الطبقة العاملة هو من صنعها ذاتها ، يكمن فى معارضة ورفض تلك الاتجاهات والشيع التى لا جذور لها فى الطبقة العمالية ، كما أنها تنزع لتحريرها من خارجها فان هذا لايتضمن باى معنى معارضة المثقفين الثوريين حاملى الوعى الثورى بالطبقة العاملة التى يتشكل الحزب من اوعى عناصرها وأكثرها تقدما . فإذا كان هذا هو المعنى الأساسى للمقولة السابقة ، فإن ما يطرحه كاتبنا إستنادا على صيغة آخرى فى البيان ، التى تقول بأن الشيوعيين لا يشكلون حزبا متميزا عن الأحزاب العمالية الآخرى – وهو يدعم كل حركة ثورية ، وإن لم تكن له مصالح متميزة عن الأحزاب العمالية الأخرى ، الإ أنه يرى من خلال نضاله الآفاق البروليتارية الأممية للحركة العمالية بمجملها ، حتى وإن خيض نضال فصائلها فى الإطار القومى .... وهو المعبر الواعى عن المصالح الإستراتيجية للطبقة العاملة ، أثناء النضال ضد السلطة الطبقية البورجوازية .... وهو أكثر الفصائل وعيا وحزما لإدراكه الأهداف التاريخية ، لأنه يهدف إلى الإطاحة الثورية بالرأسمالية ، والاستيلاء على السلطة السياسية – إنما تعنى فى الواقع تأكيداً لأهمية الحزب الواعى على أساس الإشتراكية العلمية ، وأن الطبقة بمجملها وببعض أحزابها لا يمكن أن تحظى بنفس الدرجة من الوعى الحازم للأهداف التاريخية النهائية ، لأنه يتوخى الاطاحة الثورية بالرأسمالية ، والاستيلاء على السلطة السياسية – انما تعنى فى الواقع تأكيدا لأهمية الحزب الواعى على اساس الاشتراكية العلمية ، وأن الطبقة العاملة بمجملها وببعض احزابها لايمكن ان تحظى بنفس الدرجة من الوعى الحازم للأهداف التاريخية ، وأنها لا يمكن أن ترتقى بكاملها إلى إداراك هذه الأهداف التى تمثل مصالح الحركة ككل ، لتباين وعى فصائلها الذى يستند الى أيديولوجيات غير علمية . فلم يكن يهدف البيان بمقولته إلى أن يكرس نزوعاً ليبراليا ، يساوى بين الأحزاب العمالية ، مهما تباين وعيها ، وإنما تأسس واقع البيان على الشروط الموضوعية التى أحاطت بوجود إتجاهات متباينة داخل الطبقة العاملة ، ولم يكن ممكنا القفز على واقع تعدد إتجاهاتها الفعلى – والإ إنعزلت الماركسية عن الحركة العمالية ، فقد كان ينبغى الإنطلاق من وضع الحركة ذاتها لتطويرها فى إتجاه تبنى الوعى الإشتراكى العلمى . ومع ذلك لم يتوان مؤسسى الإشتراكية العلمية عن خوض النضال النظرى ، سواء ضد إتجاه نظرى ، أو إتجاه يمثل تياراً داخل الحركة العمالية . فالماركسية وهى فى طريقها للتكون ناضلت ضد الهيجيلين اليساريين ، برونوباور وشركاه ، ضد فوضوية شيترنز صاحب كتاب الأوحد وملكيته ، ومعها نزعات الإشتراكية الألمانية الحقة ، ورفض كل من ماركس وإنجلز تمييع الخلافات وعدم تحديد التخوم الواضحة بين الافكار، وقد قالا عن أنصار الإشتراكية الحقه رافضين التمويه على طبيعة الخلافات النظرية والحزبيه معها : " إن من السمات المميزه لتلك النسوه العجائز أنهن يقاتلن على الدوام لتزيين وتحسين صورة الخلافات الحزبية الحقيقية ، ( ماركس) ، كما أنه إنتقد برودون ومعه إشتراكيته البورجوازية الصغيرة الفرنسية إنتقاداً لا هوادة فيه ، دام لفترة طويلة ، وقد كان تياراً سائداً فى حركة الطبقة العاملة الفرنسية . وبما أن مذهب بردون كان مسيطراً على الطبقة العاملة الفرنسية ، الطبقة التى طاولت عنان السماء حين أقامت سلطه الكومونة فيما بعد ، فقد كان من الضرورى أن يعزل خطه النظرى التنظيمي ، فقد كان مذهب برودون يبعدها عن الصراع الطبقى الفعال الذى يستتر وراء الفوضوية اللفظية الثورية وكان إنشاء فصيل ماركسى مناضل فى فرنسا ، يتطلب أول مايتطلب دحض مذهب برودون فى مظهريه النظرى والعملى . وقد كتب ماركس إلى كوجلمان فى هانوفر ، من لندن فى 19 أكتوبر 1866 ، عن البرودونيين قائلا :" إنهم يثرثرون عن العلم ولا يعرفون شيئاً . إنهم يسخرون من كل عمل ثورى ، أى العمل الذى ينبع من الصراع الطبقى ذاته ، ومن كل الحركات الإجتماعيه المركزه ، وبالتالي كذلك تلك الحركات التى يمكن مواصلتها بوسائل سياسيه ( وعلى سبيل المثال تقصير يوم العمل بشكل قانونى ) وتحت ذريعه الحرية ، ومعاداة النزعة الحكومية ، أو النزعة الفردية للتسلط ، يبشر هؤلاء الساده بالفعل – وهم الذين تحملوا وبهدوء لسته عشر عاما أسوأ أنواع الحكم المطلقه ، ومازالوا يتحملونها – بالإقتصاد البورجوازي المعتاد – الذى أعطته البرودونية شكلاً مثاليا فحسب " (17 ) ولم يتهاون ماركس فى التأكيد على المفهوم العلمى للشيوعية ، فى معرض نقده للتصورات العفوية البرودونية ، هذه التصورات التى تجاهلت نفوذ الأيديولوجية وتغلغلها داخل الطبقة العاملة ، فهى الأيديولوجية الأقدم والمخدومة جيداً فى فروعها المختلفة ، كما أن وسائلها واسعه الإنتشار ، لم يتجاوز برودون" البورجوازيه الصغيره الفرنسيه" ولم ير أن الأفكار السائدة هى الأفكار البورجوازية آنذاك ، ومن ثم فإن تكريس عفوية الطبقه العاملة ، كان يعنى تركها فريسة للإستلاب النظرى والسياسي المعادى لمصالحها . وبرودون مثل كاتبناً العفيف الأخضر ، يؤله الطبقة العاملة ويقدسها كأيقونة متعالية ، بل لا تخفى نقاط الإلتقاء بين الإثنين ، فبرودون يقول فى أحد كتبه :" إن الشعب هو الذى يعدل ويصحح ، يتمثل على المدى الطويل دونما نظرية ، بمحض إبداعاته العفوية ، مشاريع السياسيين ، ومذاهب الفلاسفة ، وهو الذى يغير بإستمرر قاعدة السياسة والفلسفة بخلقه المتواصل لواقع جديد ،أما الثوره لديه فهى " إنفجار للقوه العضوية ، تطور المجتمع من الداخل إلى الخارج ، وهى لا تكون مشروعة ، الإ بقدر ما تكون عفوية سلمية ، تقليدية " (18 ) وبردون لا يميز بين القوانين الطبيعية ، وبين القوانين الاجتماعية ، لا يميز بين وعى الطبقة العاملة برسالتها التاريخية ، وبين وضعها الذى يجعلها واقعة فى براثن الأيديولوجية البورجوازية ، أما الثوره فينبغى إنتظارها على نحو سلبى مادامت ستأتى عبر "إنفجار للقوة العضوية " وبمحض الإبداعات العفوية . لقد صقل الفصيل الشيوعي الماركسي فى فرنسا فى النضال ضد البرودونية رغم استمرار تأثيراتها طويلا على هذا الفصيل الشيوعي ذاته ، وقد كان ماركس حريصا على تبيان القوانين العلمية التى تحكم العملية الثورية ، على تأكيد أن القانون الإجتماعي يتطلب التدخل الواعى لتحقيقه ، وإن ترك الطبقة العاملة فريسة للعفوية ، أى فريسة للأيديولوجية البورجوازية ، يعنى تركها لتلقى الهزائم المتلاحقة فى إنتفاضتها الثورية . وقد كان هذا حال عديد من الثورات التى شهدها ماركس فى حياته ، والتى إستخلص خبرتها . وإذا كان ماركس قد وجه سلاح النقد الى برودون ، فلم تعرف مواقفه – ولا إنجلز – التهادن مع أى إنحراف يمينى أو يسارى ، ولم يرى فى الجميع أحزابا للطبقة العاملة ينبغى أن يربت على كتفها . فهو قد ناهض كل نزعة تآمرية – وقد رفض الإنضمام لرابطة العادلين على هذا الأساس ، حيث كان مذهب هذه الرابطة خليطا إنتقائياً من البلانكية والكابية – والإشتراكية المسيحيه والإنسانية الفيورباخية ، كما أنها كانت منظمة تآمرية لا جذور عمالية حقيقية لها ، بل حرفية – وقد ناهض النزعات اليسارية التى ظهرت فى أعقاب هزيمة ثورات 1848 ، التى ارتبطت بنزعة تآمرية ، لآنها تجاهلت الواقع الموضوعى ، وازدرت النظرية الثورية ، ولم تقم وزنا للجماهير ، ومشاركتها الثورية . فهؤلاء المتآمرين لا يقتصر عملهم على تنظيم البروليتاريا الثورية . ونشاطهم ينحصر على وجه التحديد فى إستباق الصيرورة الثورية ، وفى جرها بصوره مصطنعه إلى حدود الآزمه ، فى إرتجال ثورة بدون شروط الثورة ، وهم يشاطرون سيميائيي الأزمان الغابرة إضطرابهم العقلي وأفكارهم الثابتة ..." (20 ) – لقد كان الخلاف بين ماركس من ناحية ، وجوتشالك واليساريين من جهة أخرى ، يتقوم فى خلاف حول طبيعة الثورة الألمانية التى لم يكن ممكنا أن تكون سوى ثورة بورجوازية ، لا يمكن إستباقها بثوره بروليتارية ، وكانت الوسائل التآمريه هى أدوات اليساريين التى رفضها ماركس ( 21 ) . وفى خطاب من المجلس العام إلى رابطة الشيوعيين فى مارس 1851 ، يلحظ ماركس دروس التجربة الثوريه عام 1848 ، فأكد على ضروره ضمان الحد الأقصى من التنظيم والوحده والاستقلال لحزب الطبقة العاملة ، حتى لا يقتفى آثر البورجوازية أو أن يستخدم كأداه غير واعية لها . كما رفض مقترحات الديمقراطية البورجوازية الصغيرة لتأسيس حزب معارض واحد مع الطبقة العاملة . كما ندد ماركس وإنجلز فيما بعد ، فى سبتمبر 1879 فى رسالة إلى بيبل وليبكنشت وبراك وآخرين ، حين مال عديد من المثقفين الى الإشتراكية ، محاولات إدماج الآراء البورجوازيه فى المفاهيم النظريه الاشتراكيه التى لم يتبنوها بشكل عميق بعد ، ولآن هؤلاء المثقفين قد أتوا من طبقات إجتماعية أخرى فقد كان " أول ما ينبغى أن نتطلبه منهم هو ألا يحملوا معهم بقايا آرائهم المسبقة البورجوازية والبورجوازية الصغيرة .... وأن يتبنوا بلا تحفظ التصورات البروليتارية ". أى أن ماركس لم يكن ليتهادن مع الاتجاهات والميول البورجوازية حتى وإن تبنتها الطبقة العاملة بل كان ينزع الى قتالها بضراوه ، كما أنه لم يكن ليسمح بتعايش الإتجاه الثورى الماركسى مع الإتجاهات الأخرى ، وهذا الموقف يمثل أبلغ رد على مؤلفنا العفيف الأخضر فى نقده الموجه للينين لرفضه لحريه الانتقاد ، أى حريه مراجعة الماركسية . لم يكن ماركس ليبراليا لا على الصعيد النظرى أو السياسي أو التنظيمي ، وهو قد إنطلق من واقع الحركة الفعلية التى أرشدها بنظريته العلمية وإن الفكرة الريئسية التى يمكن أن نخرج بها من البيان حين يجرى الحديث عن تعدد أحزاب الطبقة العاملة ، هى أن هذه الطبقة ليست كتلة واعية واحدة متراصة ، كأمر مسبق ، وتفاوت وعيها هو ما يوزعها بين أحزاب مختلطة ، ومن ثم فإن الحزب الشيوعي هو ممثلها الأساسى بما يحمل من وعى علمى طبقى ولا يمكن مساواته بأحزابها الآخرى . لقد أولى مؤسسى الاشتراكية العلمية مكانة كبرى للنضال النظرى ، من اجل ترسيخ مفهومهما العلمى الشامل عن العالم ، ومن اجل قيادة الثورة البروليتارية العالمية لإنجاز هدفها الشيوعي ، وقد أدانا وشجبا كل الانحرافات التى حاولت جر الحركة العمالية فى غير الطريق الثورى ، ونحن لم ننس بعد النضال ضد الإنحراف النقابى اللاسالى فى ألمانيا ، ولا النزعة الفوضوية الباكونينية ، وقد كان التقليل من أهميه الوعى يؤدى دائما إلى تكريس العفوية ، بما تحمله من نزعة إقتصادية كما ظهرت فى روسيا مثلا ، أو الي نزعه فوضوية ، كما تمثلت عند باكونين الذى كان يقلل من أهميه تغلغل الوعى فى صفوف العمال فقد كان يرى أن " ماركس مايزال يقوم بالنشاطات العتيقة ذاتها التى لا طائل تحتها ، مفسداً العمال بتحويلهم إلى مناطقة .إنه التنظير المجنون القديم ذاته " (22 ) وذلك فى رساله كتبها لصديق روسي فى 28 ديسمبر سنه 1848 . وفى مقاليهما – أى ماركس وإنجلز " إنقسامات وهمية فى الأممية" ، أشارا الى تميز نضال البروليتاريا الطبقى فى بداياته بنزعة حلقية ، ورأيا فيه أمراً منطقياً فى وقت لم تكن البروليتاريا فيه قد تطورت كطبقة . وأشار إلى بعض المفكرين الذين إنتقدوا العداوات الطبقية ، وأقترحوا حلولا طوباوية لحلها ، وقد إمتنعت هذه الحلقات عن العمل السياسي ، كما أنها إبتعدت عن أى عمل حقيقي وفعال . ونأت بنفسها خصوصا عن العمل السياسي ، والتحالفات ، والإضرابات ، أى نأت بنفسها عن أيه حركة موحدة . وعانت هذه الإتجاهات إنفصاماً حاداً فى صلتها بالحركة العمالية التى عادتها فى بعض الأحيان . وقد لعبت هذه الحلقات " دور روافع للحركة فى البداية لكنها تتحول إلى عوائق بمجرد أن تتخطاها الحركة ، وبعد ذلك تلعب دوراً رجعياً " (23 ) ، وحين تأسست الأممية ، كان ضروريا أن تمر بهذا الطور السابق . ولأن مؤسسا الإشتراكية لم يضعا نزوعهما الإرادى مكان معطيات الواقع الموضوعى فى وقت لم يكن مذهبهما فيه سوى تيار ضمن تيارت إشتراكية أخرى ، هذه التيارات التى لم تكن ذات طابع علمى لأنها لم تفهم فى مجملها ، قوانين التطور الإجتماعى ، وشروط الإنتقال إلى المجتمع الشيوعي ، ووضع مختلف الطبقات فى المجتمع الرأسمالى ، كما أنها خلف التعابير العامة حول مفاهيم " أخوة الإنسانيه" وضرورات تحقيق العدالة المجردة ، أو الحقوق الانسانية ، لم تتخلص من المفاهيم التى شكلت مقومات المجتمع الرأسمالي ، رغم توهمها أنها تنفيها . وحين تأسست الأممية الأولى أى جمعية الشغيلة العمالية ، لم ينأى ماركس عنها – رغم أن تكوينها قد ضم من الناحيه الأساسيه حرفيين : خياطين و صانعى سلال ، وحلاقيين ( 24 ) - إنطلاقا من وضع الحركة الفعلى ، فقد كان الأساسى هو تجميع شمل فصائل الحركة العمالية بإتجاهاتها نحو وجهة ثورية واحدة ، وقد وجه كما سبق أن أشرنا سلاح نقده صوب هذه الإتجاهات ، من أجل تبلور حركة طبقية واحدة تستند إلى الوعى الثورى العلمى . وقد حاول أن يضع برنامجاً لا يغلق الباب أمام هذه التيارات لا من أجل أن يؤيد وجودها تحت راية تعدد الإتجاهات ، أو تباين أحزاب الطبقة العاملة وإنما لأنه كان مستحيلاً القفز فوقها ، دون نضال نظرى وعملى يثبت إفلاسها ، ومن ثم يهيئ لانتصار الفكر العلمى . وعلى ذلك فلم يهادن ، بل ناضل ضد مازينى ، وبرودون ، وباكونين ، والنزعه التريديونيونيه ، وشتى أشكال الليبراليه الإنجليزيه ، والإنحراف اللاسالى اليمينى فى ألمانيا ، لأنه لم يكن قبل أى شئ من أنصار تزييف وعى الحركه العماليه او توهم أن كل أحزابها . نقف على صعيد نضال البروليتاريا الطبقى ، ولذا لم يكن بالأحرى من أنصار " حريه الإنتقاد" ، حيث لا توجد فى الواقع سوى نظريه ثوريه علميه وحيده ، واجبها ومهمتها الأساسيه أن تنتصر على كافه الإتجاهات الأخرى . كان ينبغى فقط جمع فصائل الحركة العمالية المتباينة فى إتجاه النضال الجماعى الطبقى الأممى المشترك ، ومن خلال الممارسة العملية التى تبرهن على صواب وخطأ الافكار ، يجرى تثبيت وتعميق المفاهيم الثورية . إن مغزى كل ما أشرنا إليه ، هو أن ماركس لم يهادن الإتجاهات الأيديولوجية غير العلمية ، كما أنه كان فى نشاطه يؤكد على أهمية النضال النظرى المثقف للطبقة العاملة بمهامها ، كما يعنى أيضا أنه لم يكن يؤمن بثورة تلقائية عفويه تحقق أغراضها بغير وعى بأهدافها التاريخية الأساسية ، استناداً على قانون نمو قوى الانتاج وتناقضه مع علاقات الإنتاج ، كما أنه قد وضع مكاناً للمبادرة التاريخية التى يتيحها تميز القانون الإجتماعي الذى يتطلب التدخل الواعى من البشر الذى يتميز عن القانون الطبيعى . ومن ثم فإن عبادة العفوية التى يروج لها مؤلفنا ، بتصور أن وعى الطبقه العامله " كامن فيها كمون النار فى الصوان " ، على حد قوله حيث يخرج فى غمار الصراع من الوجود بالقوة الى الوجود بالفعل – أى موضوع عدم فصل كينونة العمال عن وعيهم ، ليس أكثر من إبتذال مطلق من الناحيه الإجتماعية والفلسفية – فإنعكاس الواقع الموضوعى فى الفكر لا يعنى إدراك كل البشر لهذه الإنعكاسات الفكرية ، والإ كان فى مقدور أى شخص أن يكون هيجل أو ماركس مثلاً !- رغم أنه من المؤكد أن لا إنفصال بين الوجود المادى للعمال وبين وعيهم ، لكنه الوعى العفوي ، وهذا الأخير يصقله الصراع بالطبع ، ولكنه لا يتحول إلى الوعى العلمى الذى لا يملكه سوى المثقفون – حتى وان كانوا ذوى أصول عمالى – الذين يتلقون التربية العلمية الماركسية ، والذين يجدون فى الصراع الطبقى العمالى الجاري "فرصة " تاريخية ، لنقل هذا الوعى العلمى الأشد تعقيداً وتطوراً بما لا يقاس بالمقارنه مع الوعى العفوى لدى الطبقة العاملة ، إلى أكثر العناصر تقدماً داخل هذه الطبقة . ومؤلفنا حين يطابق بين الطبقة والحزب فمن الحتمى أن يقوده هذا الى المطابقه بين الوعى والعفوية (25 ) ، مناقضاً لنظرية ماركس وإنجلز ، فهما وإن حدداً القوانين الموضوعية التى تقود إلى الإنتقال الى المجتمع الشيوعى ، وأدركاً ضرورة تقويض وزوال النظام الرأسمالى ، الإ أنهما لم يريا أن هذه الثورة الشيوعية يمكن أن تتحقق إستناداً على القوانين الإقتصاديه والإجتماعيه الموضوعيه ، أى بصوره حتميه دون تدخل إداره البشر فى هذه الوجهه الثوريه أو خارج وبمعزل عن الصراع الطبقى بأشكاله الثلاث النظريه والسياسيه والإقتصاديه ، ومن ثم اعتبرا أن تحقق فاعليه القوانين الموضوعيه يرتبط بالوعى الثورى ، الذى ينتظم فى حزب سياسي مشكلاً نواة تلتف حولها الجماهير المستغلة . ومن هنا تتبدى أخطاء وإنحرافات مؤلفنا الذى لم يضف جديداً فى الإعلاء من أهميه العفوية على حساب الوعى ، وإذا كان يتبنى نزعة برودونية عفوية ، فلم يفوته ، أنه يتبنى عفوية روزا لوكسمبورج التى كتبت فى مقالها ، المسائل التنظيميه للإشتراكيه الديمقراطيه الروسيه ": فى الواقع ليست الإشتراكيه الديمقراطيه مرتبطه بتنظيم البروليتاريا . إنها هى البروليتاريا ذاتها " . وهنا يمكن أن ننتقل إلى نقطه أخرى ، هلى الطبقة العاملة هى ذات الثورة ام موضوعها ؟ وفى الواقع لقد وضح ماركس الإجابة قبلا ، فهى تصبح ذات التاريخ حين تصبح واعيه بمهامها ، آى حين تطيح بنير الأفكار البورجوازيه السائدة ، وحين يشكل فصليها الطليعى حزبا مستقلا مندمجا مع ومرتبطا بالطبقة العاملة بشتى أقسامها . فهى ذات الثوره بمقدار ما تكون واعيه وفاعله ، لا مستلبه الوعى وخاضعة مذعنة . إن هربرت ماركوز يقول فى واحد من مقالاته إن "العامل الذاتى " فى الاستراتيجية الثورية يحتكره الحزب الذى يتخذ طابع ثورى محترف يوجه البروليتاريا وفيه يتم تحويل البروليتاريا من ذات العمليه الثوريه الى موضوع لها" . وهنا يبرز الخلط والتشوش الذى يتجاهل كون أن الحزب هو ذاته جزء يتميز بالوعى من الطبقة ذاتها ، ولأن عملية التحول من "موضوع" الى "ذات" تمر عبر الوعى ، والوعى فقط ، فلا يمكن للطبقة العاملة أن تنجز مهامها الثورية دون حزبها البروليتاري السياسي – وهناك وهم غريب لدى ممثلى الإتجاه السابق يتصور أن العناصر العمالية الحزبية تنعزل عن الطبقة العاملة لمجرد تشكلها فى حزب ! – المستقل والمنظم ، بإعتباره ناقلا للوعى الاشتراكى العلمى ، ومربيا لمجمل الطبقة مثقفاً إياها بدورها وبمغزى صراعاتها الطبقية وأهدافها ، وهو إذ يعمم الخبرة الفنية لحركة البروليتاريا الأممية ، إنما يعمق من وعى الطبقة العاملة بمهامها الإستراتيجية والتاكتيكية ، بمصالحها قريبة المدى وبعيدة المدى ، وهو يقود مجمل روافد الحركة الطبقية منسقا بينها ، موجها كافة النضالات الجزئية ، هنا أو هناك ، لتصنع مجرى قويا عميقا يصب فى اتجاه تحقيق الثورة الاشتراكية . كما أنه يحدد الخط السياسي الصائب ، ويبين ويقود التحالفات الطبقية الواجبة ، كما يحدد طبيعة الثورة المقبلة . وفى خضم نضاله الطبقى يفرز قادة هذا النضال المختبرين المنصهرين فى بوتقة الكفاح ضد النظام الاستغلالى ، على كافه الأصعدة النظرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية . والحزب هو هيئة الأركان التى تؤمن تواصل وثبات وحزم النضال ، باعتباره المركز الأيديولوجى والتنظيمي الذى يهيئ للثورة الاشتراكية . فلا يمكن إذن للطبقة العاملة أن تكون حزب نفسها ، ومن ثم لا يمكن أيضاً مطابقة الوعى بالعفوية . لآن الحزب هو الفصيله الطليعية الأرقى من الطبقة نفسها والتى ينتمى إليها بحكم أصوله ، ولآنه المعبر عن مصالحها القريبة والبعيدة المدى . كما أن الوعى لا يتطور داخلها بشكل متساو ، لأنه ليس نتاجاً ميكانيكيا ، للوضع الاجتماعى الإقتصادى ، وبحكم تفاوت الوعى داخل الطبقة العاملة ذاتها ، فإن هذا هو ما يدعو إلى أن تلعب عناصرها الأكثر تقدماً دوراً أساسياً فى جذب العناصر الأقل تقدماً ، وأن تمثل الطليعة الواعية لهذه الأخيرة ، وذلك من خلال الحزب الذى تتشكل فيه . ومن الثابت تاريخيا أنه لا توجد طبقة إجتماعية بكاملها قد تماثل وعيها بمصالحها الأساسية ، وبالأحرى شكلت "حزب نفسها" حتى آخر آفرادها ، وينطبق هذا الأمر على البروليتاريا بالطبع . غير أن لوى عنق الأفكار الماركسية قصد أن تخدم المنحى التبريرى ، هى من سمات مؤلفنا ، وذلك بعزلها عن سياقها التاريخى قصد الوصول إلى إستناجات ومفاهيم ليبراليه ، فإستناداً على أنه قد وجدت تاريخيا إتجاهات وتيارات فى فترة طفوله الحركه العماليه وصباها ، وعدم سياده الماركسيه بعد كمفهوم علمى تملكه الطبقه العامله عن العالم ( 26 ) يستنتج ضروره وجود الأحزاب العماليه المتقدمه ، أيا ماكانت حتى إذا ما أصبحت إنتهازيه ، لأن الحزب الواحد " تقليد توتاليتاري ستالينى وليس أبدا ماركسياً ". ويتجاهل مؤلفنا الأوضاع التاريخيه التى إنتهت إلى وجود حزب واحد بعد إنتصار الثوره البلشفيه بفتره غير قصيره ، كما يتجاهل موقف لينين ، الذى دعا إلى أن يكون الشيوعيون فى الطليعه لكنه لم يدعو الى إحتكاريه الحزب الواحد . إن مؤلفنا إذن يعارض بثبات نظرية أن الوعى الثورى يتملكه المثقفون أولا ثم ينتقل إلى الجماهير العاملة ، عبر عمليتين مترابطتين ، وهو تحليل الصراعات الطبقية الجارية " وإعاده إكتشاف الأهداف البروليتارية عبر خصوصية ممارستها ، وبناء مفهومها العلمى عن العالم من خلالها ، وتوضيح المهام التى ينبغى أن يقام بها من أجل تحقيقها ، ولآن الوعى هو القدره على الممارسه الفعاله لتغيير الأوضاع القائمه جذريا ، فإن مهمه المثقفين تتقوم أيضاً فى : " أن يوجدوا التجانس فى الوعى الطبقى بنشرهم تصور العالم الخاص بتلك الطبقه وبنقدهم الأيديولوجيات التى تشوه ذلك الوعى ، كما أنه بدون مثقفين ثوريين لا يمكن أن يجرى تحويل جذرى ثورى فى الأوضاع القائمة " فالحرية عنصر جوهرى فى السيرورة التاريخية ، أما الضرورة المفردة أو الحتمية الميكانيكية فهى لا تاريخية ". وذلك وفقاً لتعبيرات أنطونيو جرامشى . والعفيف الأخضر لا يمل من إقتباس أفكار ماركس حول أن تحرير الطبقه العامله لنفسها إنما هو من عملها هى – والمعروف أن لينين لم يؤيد أفكار ماركس هذه فحسب ، بل أبرزها وشرحها وطورها ، ولكنه أوضح كيف تجرى تاريخيا عملية تحرير العمال لأنفسهم بأنفسهم ، فمتى تبنت الطبقة العاملة هذه الأفكار الأتية من خارجها والتى تبرهن على صوابها ممارستها الموضوعية – أى من مصدر آخر غير مصدر حركتها العفوية فإن هذه الافكار تتحول الى سلاح مادى للتغيير الثورى ، كيف يجرى هذا الإلتقاء ، وكيف يتم نقل الوعى الثورى للعمال ، وماالدور العظيم للمثقفين وبالأخص فى البدايه ، ثم ما أهميه التطوير المستمر للبنيه الطبقيه للحزب الشيوعي على أساس طبقى عمالى ، .. كل ذلك يعنى تنظيم العمال لأنفسهم ، ومساعدتهم على أن يتنظموا ، كشرط ضرورى لقيادتهم بتحرير أنفسهم بأنفسهم بطبيعة الحال . وهنا يمكن القول بأن لينين قد أسهم بقسط راجح فى التراث الماركسى ، حول من الذى يحرك التاريخ ، وحول نظريات النخبة ودور الأفراد . والمؤلف يرتكب أخطاء فلسفيه صارخه ، يجمعها ، عدم إدراكه للعلاقة الجدلية بين الوجود الاجتماعي والوعى الاجتماعى ، هذه العلاقات التى لا يمكن البحث عنها فى شخص مفرد ولا حتى فى طبقة مفردة ، بل فى كامل النظام الإجتماعى بكافه طبقاته ، بوعيه الزائف السائد الذى يسيطر من الناحية الأساسية على كل طبقات الأخرى . ولا نعتقد أن علينا أن نشرح ألفباء : الممارسة – النظرية – الممارسة لكاتبنا . إنه يتوهم عالما : " عالم المثل البروليتاري" هبطت منه الطبقة العاملة إلى العالم الأرضى وما عليها إلا أنه تستعيدها ثانية ، أو يصور الطبقة البروليتارية كفكرة هيجل المطلقة التى إغتربت فى تبديات العالم وتعود فى مسار التطور واعية ذاتها ، أو أنها فكرة تشابه فكرة " الطبيعة الإنسانية " عند مفكرى عصر التنوير فى القرن الثامن عشر ، بعد أن يجرى على يديه تحويرها لتصبح طبقة بروليتارية ، تمثل مقياساً أعلى " وهى تبدو كأنها شئ ثابت لا يتغير ، فالوعى الكامن كمون النار فى الصوان ، الموجود بشكل مسبق ، على نحو مجرد وثابت ، ليس شيئاً آخر غير نوع من أنواع الوهم الصوفى المثالي . فكيف نفسر عبر هذه المقولات التطورات الفكرية التى مرت بها الطبقة العاملة من طفولتها وحتى نضجها ، إذا ما كانت هناك " طبيعة بروليتارية واعية " بمعزل عن تطور واقع مجتمعهاً ، عن مدى نضج مثقفيها النظرى وإكتشافهم لقوانين الممارسة الثورية والتحويل الثوري للنظام الرأسمالي : مامن وجود لطبيعة بروليتارية ، فهذه الطبقة – أى البروليتاريا – هى وحده فى كل من العلاقات الإجتماعيه المحدده تاريخيا ، والحديث عن وعيها الكامن ليس شيئاً آخر سوى نوع من الميتافيزيقا اللاتاريخية ، حيث يتطابق الوعى مع " (الايمان بجبرية غائية ذات طابع مماثل للإيمان الدينى "- جرامشى ) . وقد سبق لماركس أن إنتقد - العامل الألمانى الذى إستطاع بمعزل عن ماركس أن يصل إلى المادية الجدلية وإن لم تخل فى بعض مقولاتها من التشوش – فى إحدى رسائله إلى كوجلمان ، بسبب حديث ديتزجن فى واحد من كتبه عن "فطريه المعرفه". إن النظريه الماديه فى المعرفه هى النظريه التى ترى أن الفكر هو إنعكاس للأشياء التى توجد خارج ذواتنا ، فالوعى إذن ، أى الإدراك والأفكار ليست سوى صور لهذه الأشياء . وإن تصويب الوعى بهذه الأشياء ومعرفتها فى ذاتها ، تحققه الممارسه وفقا لمجال المعرفه النوعى ، التى تتيح التمييز بين الوعى الزائف ، والوعى العلمى الصائب . والمعرفة العلمية لقوانين التطور الإجتماعي والضرورات التى تحكم عملية التغيير الثورى ، لا توجد كاملة ناجزة ، حتى لدى المثقفين الثوريين ، فالعالم الإجتماعى لا يمكن أن يكتشف مرة وإلى الأبد ، حيث يتطور المجتمع وتتغلغل تطوراته فى العقل الجماعى للحزب البروليتاري ، الذى يمثل أنضج تعبير نظرى عن البروليتاريا الثورية ، باعتباره أداة الوعى ، وناقل الوعى فى الوقت ذاته ، الذى يتيح تفاعله الداخلى ، وخاصة بين هيئة أركانه ، معرفه الواقع فى حدوده التاريخية المشروطة بمقوماته الذاتية ، وبالشروط الموضوعية المحيطة به . حيث تنطبق نسبية المعرفه على الواقع الإجتماعي أيضاً ، والممارسة هى السبيل الوحيد للمعرفة ، كما انها أداة التحقق من صوابها ، كما أنها المسار الذى تتجه من خلاله نحو التكامل والتبلور . وقد أشار إنجلز إلى كيفية وعى الواقع فى كتابه المعروف ضد دوهرنج - قائلا : " وطالما عنينا بتثقيف حواسنا وبإستخدامها بصورة صحيحة وبإبقاء عملنا فى الحدود التى ترسمها إداراكاتنا التى تم الحصول عليها بطريقة صحيحة ، فاننا سنجد ان عملنا يبرهن علي مطابقة عملنا للطبيعة الموضوعية للأشياء المدركة ". وهذه المهمة لا يمكن أن تقوم بها البروليتاريا بمجملها ، وإنما مثقفيها الثوريين الذين يتملكون المعرفة العلمية العميقة . هذه المعرفة التى لا حدود لها من ناحية ، أى أنها غير قابلة للإستنفاد ، كما أنها تتطور إستناداً الى الممارسة وبإنشاءها الممارسة ذاتها ، ومن هنا تنبع نسبيتها . والحزب باعتباره أداة الوعى ، وناقل الوعى ، يتطور إستناداً الى الممارسه مشروطاً بوضعه التاريخى وبإمكاناته الذاتية ، التى تحدد نطاق وعيه فى لحظة معينة . إن الوجود الإجتماعى والوعى الإجتماعى ليسا متطابقين ، وحين يدخل الناس فى علاقات إجتماعية معينة ، فإن وعيهم الفردى مشروط بمحدودية نظرتهم ، أى بالنطاق الفردى الخاص ، الذى لا يتوصل بمفرده إلى إدراك العلاقات الإجتماعية فى ترابطها وشمولها ، فى كليتها بإعتبارها مكوناً لنظام إجتماعي إقتصادى معين . والوعى الإجتماعي إذا كان يعكس الوجود الإجتماعى فإن ذلك لا يعنى نسخاً تفصيليا كاملاً ناجزاً لواقع محدد ، وإنما إنعكاسا تقريبيا قابلا لمزيد من التعمق فى هذا الواقع المحدد عبر الممارسه . لذا من السخف الحديث عن وعى كامن مجرد ، وعى إجتماعي يطابق الوجود الإجتماعي للطبقة العاملة منذ الأزل وإلى الأبد ، بشكل ساكن لا يتغير الإ من زاوية ظهور الكامن من الوجود إلى الفعل . وفى أحد فصول كتابه المادية والمذهب النقدى التجريبي ، إنتقد لينين – فكرة تطابق الوعى الاجتماعي مع الوجود الاجتماعي – قائلاً : " بأن هذه النظرية عن تطابق الوجود الإجتماعي والوعى الإجتماعي هى هراء محض ، هى نظرية رجعية بصورة مطلقة ". فإذا كان هراءها ظاهراً ، فإن رجعيتها تنبع من أنها تترك الطبقه العامله فريسه لأيديولوجيه الطبقه السائده ، ولأنها تقلل من أهميه الوعى الثورى العلمى الذى يحمله الحزب البروليتاري ، ولأنها فى التحليل الأخير تؤدى إلى نزعه إنتظاريه سلبيه تفترض تقويض دعائم المجتمع الرأسمالي ، تأسيساً على تناقضاته الإقتصاديه الداخليه ، أى من تلقاء ذاته . وهذه النقطة تستند على مفهوم تطورى حتمى للتاريخ ، يقوم على قوانين إجتماعية موضوعية – بإهدار تميز القانون الطبيعي عن الإجتماعي – لا مجال فى تحققها للتدخل الإنسانى الفاعل – وصورت القوانين الإجتماعية وفقا لهذا ، والتى إكتشفتها الماركسية ، وكأنها قوانين طبيعية -- وليست قوانينا تحدد الوجهة تتطلب الوعى المحقق للضروره التاريخيه ، أى تتطلب لتجسدها الاداة الفاعلة للبشر. كتب جان مارك بيوتى عن حدود وعى البروليتاريا من وجهة نظر جرامشي : " وفى نظر غرامشى ، لا وجود لماهية البروليتاريا أو للبورجوازاية محلقة فوق التغيرات التاريخية . فتصور الطبقة العاملة ينبثق من وظيفتها المتجسدة فى وضع محدد . ومن ثم لابد أن يؤدى تبدل الوضع إلى تبدل فى التصور . وبالإضافة إلى ذلك ، ينبغى أن نأخذ بعين الإعتبار أن وعى طبقة من الطبقات هو على الدوام مشروط ومتأثر ومشوه بتصورات الطبقات الإجتماعية الأخرى – علما بأن الطبقة الأكثر نفوذا هى الطبقة السائدة . هكذا نجد أن تصور هذه الطبقة العاملة أو تلك للعالم ، فى هذا القطر أو ذاك ، وفى هذه الحقبة أو تلك ، إن كان يعبر عن الوظيفة التى تمارسها هذه الطبقة فى مثل ذلك الوضع ، فإنه سيتعرض للتشويه تحت تأثير تجارب هذه الطبقة التى ماعادت تتطابق والوضع الحاضر ، تحت تأثير أيديولوجيا البورجوازية والأيديولوجيات التى بقيت على قيد الحياة حتى بعد تبدل الشروط التى جعلتها ترى النور ( المسيحية على سبيل المثال) . إن تصور طبقة من الطبقات للعالم هو بطبيعة الحال إذن مزيج ملفق مما ينبع مباشره من وظيفتها فى داخل بنية معينة ومما يمتح من معين تجارب ماضيه ما عادت تتطابق والوضع الراهن ، ومما ينجم عن التأثير الأيديولوجى الذى تمارسه عليها الطبقات الإجتماعيه الأخرى ". (27 ) من الناحية الفلسفية والتاريخية إذن لا وجود لبروليتاريا خارج وضع تاريخى محدد ، وهى لا تملك وعيا ناجزاً بذاتها عبر كافة مراحل تطورها المختلفة . كما أنها نتيجة لخضوعها لمفاهيم أيديولوجية معادية لمصالحها ، لا تتجاوز فى حركتها العفويه النطاق الإقتصادى وهى فى هباتها وإنتفاضاتها لا تستطيع أن تحقق أهدافا تطال جذور النظام الرأسمالى دون حزبها الواعى الثورى المرتبط بها .
#سعيد_العليمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فى الذكرى السابعة لثورة يناير فى مصر
-
قرامطة وشيوعيون ؟
-
لم يرفض الثوريون التحالف مع الاخوان المسلمين ؟
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
-
من الأدب الفرنسي المقاوم للنازية - القسم الثانى والاخير
-
من الأدب الفرنسى المقاوم للنازية - الفسم الأول
-
من الأدب الفرنسي المقاوم للنازية - مقدمة
-
المنظور اللينينى للقانون - ى . ب باشوكانيس
-
المنظور الماركسى الطبقى للقانون - جانيجر كريموف
-
الحراك الشعبى والمزاج الجماهيرى - حزب العمال الشيوعى المصرى
-
فى ذكرى حرب العاشر من رمضان ( ملاحظات حول حرب أكتوبر 1973)
-
عن بعض وثائق حزب العمال الشيوعى المصرى فى المكتبات العالمية
-
كارل كاوتسكى ونظريته عن العرق اليهودى
-
آليات خطاب السلطة الحقوقى - سامى ادلمان ، كين فوستر
-
علم النفس السياسي البورجوازى - نقد العقل القمعى وميتافيزيقا
...
-
المقولات القانونية ونشأة الراسمالية - يفيجينى ب . باشوكانيس
-
حول مفهوم تأويل النص القانونى - بول ريكور
-
بعض المنظورات الماركسية حول الدولة والايديولوجية القانونية -
...
-
القانون واستبطان العنف - جاك دريدا
-
حدود مفهوم استقلال القضاء فى المجتمع الرأسمالى - بيير بورديو
المزيد.....
-
شركتا هوندا ونيسان تجريان محادثات اندماج.. ماذا نعلم للآن؟
-
تطورات هوية السجين الذي شهد فريق CNN إطلاق سراحه بسوريا.. مر
...
-
-إسرائيل تريد إقامة مستوطنات في مصر-.. الإعلام العبري يهاجم
...
-
كيف ستتغير الهجرة حول العالم في 2025؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي في عملية إطلاق ن
...
-
قاض أمريكي يرفض طلب ترامب إلغاء إدانته بتهمة الرشوة.. -ليس ك
...
-
الحرب بيومها الـ439: اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان وسمو
...
-
زيلينسكي يشتكي من ضعف المساعدات الغربية وتأثيرها على نفسية ج
...
-
زاخاروفا: هناك أدلة على استخدام أوكرانيا ذخائر الفسفور الأبي
...
-
علييف: بوريل كان يمكن أن يكون وزير خارجية جيد في عهد الديكتا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|