|
الفلسفة ووظيفة التغيير
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5848 - 2018 / 4 / 17 - 20:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وتبقى الفلسفة كونها الأشتغال الفكري الأعظم الذي عرفه الإنسان الرائد العقلي والعلمي المنظم الذي تبنى فكرة التغيير ووضعها موضع التحليل والتأمل والمدارة الإدراكية، متخطيا بذلك الواقع بشقيه المعرفي والعملي بناء على قوانين الجدل أو قوانين الحركة الوجودية التي تفرع كثيرا في إثبات البعض منها ومحاولة نقض الكثير من الأخرى، ومن هنا يمكننا أن نجزم أن التغيير كرؤية خلاقية كلية بلا فلسفة وقوانين منطقها ما هي إلا مجرد محاولات أنية لم ترتق لأكثر من كونها ردات فعل عقيمة، لا تساهم في بلورة منهج قائم بذاته ولذاتية موضوع التحول والتطور في حياة وأفكار ومناهج الإنسان نحو الكمال البشري. كما أن الدين الخط الأخر من علاقة العقل بالوجود عمل من جانبه على تشجع الفلسفة بما قدم من جدليات مثالية تسير في هذا الأتجاه، وطور من أليات العمل الواعي وعكس رغبة في تقنين الضرورة التغييرية ذاتها، أولا من خلال تجديد الفكر الديني أصلا أو من خلال خلق وصنع تجربة مختلفة مع كل تطور ديني ساهمت في ترسيخ فكرة اللا توقف في علاقة الإنسان بوجوده العام والخاص. هناك حقيقتين عن دور الفلسفة والدين في تطور عمليات التغيير وأتجهاتها في الواقع أو على خط التنظير، وعلى مستوى الفروض البرهانية العقلية وعلى مناطات النتائج كخلاصات لتلك الفروض والمتطلبات البرهانية، وكلا حسب دوره كرافعة معرفية تمس فكرة التغيير طولا وعرضا، أو كمحرك تطويري له ساهم في جزء من التجربة البشرية تأريخيا في هذا الأتجاه. أولا نجح الدين أن يترجم عمليا واقع التغيير الوجودي الكلي من خلال تعدد الأديان وتنوعها وأختلاف المضمر والمعلن من جوهر فكرتها، وما يجر ذلك من مقارنات ومقاربات وأحيانا تضاد وتنازع بيني بينها بحاجة لكم من مفاتيح الفهم ضرورية لتفسير الأختلاف والتنوع، وثانيا من خلال الحراك الفعلي من هذا الحال التنافسي وقانون التضاد والبقاء للأصلح فكريا، ليس فقط من خلال التجربة ولكن أيضا من خلال عامل الزمن المتحرك فيها وعليها. ولأن الدين مثلا له طبيعة مثالية مفرطة في جانبه الغيبي والروحي فيتفاعل سريعا مع طبيعة الإنسان المفتون بالإسرار والأحاجي والميل الفضولي له على معرفة ما وراء المغيب، خاصة إذا كان يتعلق في إجابات لإشكالية السعادة والإطمئنان من الخوف والقلق الدائم في لزوميته مع وجوده وحدسه أن الكون لغز كبير لكنه قابل للإكتشاف متى ما فهمنا أساسيات الفك والتفكيك، ولأنه أيضا يملك السلطة الوجدانية الغالبة على حدس الإنسان كعامل قهري فوقي لا يطاق أو لا يترك، فقد أمن بالمجمل أنه لا سبيل لإدراكه أيضا بالمجمل الضبابي أو المشوش فسعى لمعرفة المزيد منه. هذا العامل النفسي لعب دورا تحفيزيا مهما لإكتشاف ما بعد العلم بالأشياء وقوانين حركتها أو حتى قوانين وجودها، أكثر مما يحمله أس المضمر المعرفي المجرد (الفلسفة)، فهو الأكثر قدرة واقعيا على تجسيد التغيير بأدواته الخاصة، فهو أما يستجيب أو يشجع للتغير والتغيير لأرتباطه بقوة خارجية فوقية تفرض ومن خلال المقدس واقعا تغييريا ممنهجا، يراد منه تحريك العقل المعرفي في أتجاه قبول الحركة والتغيير مهما كانت الأدوات لأن النتيجة مرسومة أيضا بذات القدرية التي فهمنا به الدين. في حين أن الفلسفة وخاصة المثالية بشقيها الطبيعية والواقعية التي عبر البعض عنها كقانون تتبنت مشروع الإنسان المتغير الخالق أيضا لوجوده الخاص من ضمن وجود أكبر، لا سبيل للتخلص من حوليته وإحاطته الكاملة بقانوني القدرة والقوة، وهناك أمثلة كثيرة في هذا المنهج وخاصة في تناوله لواقع القوة المطلقة وصاحب القدرة في تحريكها، فمثلا نرى مذهب بروتاجوراس (لا أستطيع أن أعلم إذا كانت الآلهة موجودة أو غير موجودة ولا هيئتها ما هي، لأن أمورًا كثيرة تحول بيني وبين هذه المعرفة: غموض الموضوع وقصر العمر)، هذه المقولة لا تكشف فقط عن عجز الإنسان عن إدراك الماهيات الفوقية أو حتى عن وجودها أو عدميتها، لكنها تفصح عن حقيقة أن قانون المطلق والثابت لا يمكن التسليم به أو الإقرا له بالوجود الاتم وأن كل شيء قابل للتغيير حسب جوهرية الموضوع ودور العامل الزمني الذي يتراكم دوما فيغير بالمفاهيم والصور والنتائج تبعا لكل التجربة البشرية ككل وليس كفعل فردي منفصل. هنا ندرك أهمية الخيارات العقلية المجردة التي تستقي من قراءاتها للواقع وأستنباطها القوانين الفاعلة فيه (التغيير ومن ثم الواقع) أكتشافها لحاجتنا للتغيير، ولحاجتنا أن نستعمل هذا التغيير كطريق أخر متسع لمزيدا من التجارب المؤسسة أو التي أسسنا عليها فهمنا وإدراكنا أن كل تجديد فيها بمثابة تغيير قادم، قد لا أكون مجانبا للحقيقة إذا قلت أن الدين في كل الوجوه والنتائج إذا ما أخذ على أنه فكر مجرد من اليقينيات العبادية أو ما تسمى واجبات الإيمان به، هو فلسفة أخرى أو تطبيق لفلسفة العمل التغييري في الواقع، بينما الفكر الفسلفي بكل أتجاهته وتوجهاته هو تأسيس للمشروع التغييري بأدوات عملية مرسومة بعقلانية المنطق، ومستوحيا الصورة التي يجب أن يكون عليها الواقع لا الصورة التي هو عليها الإنسان في الواقع. قد يعترض البعض عن الربط بين الفلسفة والدين في موضوعية التغيير وقد يكون محقا في ذلك بأعتبار أن ما يفرق بينهما أكبر من الذي يجمع، ولكن من خلال تصنيفنا للفلسفة بأعتبارها أرقى طرق المعرفة ومساراتها، نجد أن الدين أيضا بعيدا عن القداسة التي تصورها خلقا لها من قبل الإنسان، هو أيضا معرفة متعالية ومنهج تعقلي له أهدافه وتجاربه العقلية. الدين من هذا الجانب يشارك الفلسفة هدفها العام المتضمن تغيير شروط الوجود نحو الأفضل، والسير نحو الكمال البشري الذي وضعته الفلسفة في مقدم الغايات الجعلية لها ولوجودها الذاتي، وأيضا أن كلا المعرفتين الفلسفية والدينية تنتهجان العقل كأداة للتغيير بما يطرحانه من مقولات كلية، إلا أن الدين ومن واقع التجربة سريع الفساد في منظومة العمل البشري لما يحمله من مطاطية الفكرة وقابليتها للإشباع الفكري والعملي عكس الفلسفة التي تتزمت دوما بمقولاتها الصارمة، وإن كان ذلك لم يمنع جوانب منها أن تفسد هي الأخرى بتدخل الذائقة المعرفية للبشر وهيمنته على الفهمية والإدراكية الموضوعية والذاتيه لها، لكنها أيضا أحتمت ببعض جوانبها من العبث البشري بأن الفلسفة لها قابلية التنقيح والتصحيح الجدلي عكس الدين الذي يبنى مقولاته على الثوابت في غالب الأحيان.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دروس في الأدب الثوري..... ح1
-
من الأدب الثوري .....ح2
-
المعرفة والتجربة وصورتهما في المدرسة العقلانية
-
هل الأخلاق والأخلاقية ضرورة للمجتمع الإنساني
-
العرب الضاربة والعرب الهاربة.
-
الدين والتوسط الكهنوتي وبدعة المرجعية الفكرية.
-
إشكالية سلطنة الدين في المجتمع.
-
عاهره كبيره تحتفل بعيد الطهر...
-
المؤسسة الدينية وواجب الإصلاح والتجديد الضروري لها.
-
حدث في ذات نهار غير طبيعي
-
العدل والعدالة والشروط السيكولوجية في تحقيقهما.
-
الأعتزال بين فكرة التكليف ومبدأ التبليغ
-
دراسة في نقد الفكر الشيعي . ح6
-
دراسة في نقد الفكر الشيعي . ح7
-
دراسة في نقد الفكر الشيعي . ح5
-
دراسة في نقد الفكر الشيعي . ح4
-
دراسة في نقد الفكر الشيعي . ح3
-
دراسة نقدية في الفكر الشيعي. ح2
-
قراءة نقدية في الفكر الشيعي. ح1
-
موقف العقل المعتزلي من فكر الأخر.
المزيد.....
-
-يا إلهي-.. رد فعل عائلة بفيديو وثق بالصدفة لحظة تصادم طائرة
...
-
ماذا نعلم عن طياري المروحية العسكرية بحادث الاصطدام بطائرة ا
...
-
إليكم أبرز الرؤساء العرب الذين هنأوا الشرع على توليه رئاسة س
...
-
العلماء الروس يرصدون 7 توهجات شمسية قوية
-
أسير أوكراني يروي كيف أنقذ الأطباء الروس حياته
-
على شفا حرب كبيرة: رواندا والكونغو تتصارعان على الموارد
-
ألمانيا تمدد 4 مهام خارجية لقواتها قبيل الانتخابات
-
مرتضى منصور يحذر ترامب من زيارة مصر (فيديو)
-
-الناتو- يخطط لتقديم اقتراح لترامب بدلا من غرينلاند
-
مشهد -مرعب-.. سماء البرازيل -تمطر- عناكب والعلماء يفسرون الظ
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|