عبدالكريم العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 5847 - 2018 / 4 / 16 - 15:12
المحور:
الادب والفن
أنا ابن عزلة. انتميت لها "تسترا" لأتحرر من "مرض التواصل".
ربما ذهب الأمر أبعد من ذلك، لكنَّ عزلتي ازدادت وضوحا، ومناطق التماس بيني وبينها أضحت يانعة، هناك علاقة تواصلية بيننا، عشق قديم.
مآلات هذا الانتماء تبدو فعّالة. اتخذت منحى تصاعدي، تمددت واتسعت، حتى أضحت نُذرا على ضياعي وبشارة على تصدعه، ثم انتهت إلى نوع من حل، حل تكاملي ضامن، أضني وجدته، انه أناي... في "ذروة تواصله"!
اتخذتُ من كويكب في عزلتي مداراً، سبحتُ في عطرها الكوني، حتى غدت كنيتي، في العزلة تتحرر حواسي، أجد مكوناتي فيها. تميزت حياتي بإيلاء العزلة قيمة وجعلها مرجعا. لا بد من التأكيد على سيادة العزلة، ليس لي بديلا سواها. هي مطهر، "مطهر العزلة".
كان علي قياس العزلة وتحملها لقد غدت توسطا بيني وبين الواقع. هي الفاصل الذي لا يني يتزايد باستمرار لدرجة تجعل العالم يبدو صغيراً وواضحاً، وبالإمكان فهمه ومن ثم رفع درجة معقوليته، ورسم معناه.
عزلتي مشاغبة لم أسلم من تحرشاتها المغرية. هي عزلة طوعية وقسرية في آن، ولها حضور وجودي مبكر. هي صاحبة الحضور الأول في التحرر، التحرر الذي عَبَرَ "مطهر العزلة" وغدا شفاءً.
أقسم أن الشفاء من "مرض التواصل" سيقودك الى الضفة الأكثر بهاء منه. ليس العزلة أن تنعزل بل أن تتواصل بـ "عزلة"، ولكي تتعلم كيف تتواصل؟ عليك أن تتقن فاعلية جديدة في التفكير، وهذه الفاعلية ستكتشفها في العزلة، العزلة الداخلية الخاصة بك.
قيمة العزلة هي أن تشعر أنك ما زلت فاعلاً ومتصلا مع الضد. "لن يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس جبل".
النعوت التي أُطلقتْ على العزلة كثيرة، عكست صدى "مجانينها"، كل منهم يبحث عن عزلة خاصة به. وصفها برديائيف بالعزلة المضاءة، ووجدها ألبير كامو في الإقامة في قفص، وريجيه دوبرييه في داخل زنزانة، واختار تيتسيانو ترزاني الكوخ، ولخصها تولستوي بالاهتداء إلى ذاته، وووصفها ماثيو بوكر بعملية داخلية أكثر عمقاً، وانتهت عند الماركيز دوساد إلى إطلاق وحش غرائزه، وظلت عند تميم بن أبي مقبل الى "ما أطيب العيش لو أن الفتى حجرٌ"!
حقا لا تملك العزلة تاريخا بحسب باشلار، لكنها تشبه ما افترضه أبيقور من أن الانحراف التصادفي هو أصل العالم.
ليكن انتمائي التصادفي للعزلة اذن هو أصل المعنى، معنى أن أتواصل.. وكيف أتواصل!
#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟