حادثة فاطمة ساهيندال، شأنها شان حوادث بيلا، سارا، مريم، كزال، سيران، وصبحية...كانت حدثاً مفجعاً ملأ قلب كل انسان شريف بالألم والسخط. سخط على أن حياة البشر تصبح في القرن الحادي والعشرين ضحية التقاليد المتخلفة لقسم من المجتمع يقولب ابسط حقوق البشر بقالب منظار ديني و ذكوري، في وقت لم و لن تكون فيه النساء، الشباب، والتحرريون مبتدعي هذه التقاليد والأعراف. ويقتلون فقط لأنهم يتطلعون لتغيير هذه الأطر والقوالب ويريدون العيش حسب معاييرهم الخاصة.
ردود الأفعال ازاء هذا الحدث داخل المجتمع السويدي وبين أوساط اللاجئين الكرد والأطراف الكردية:
أن حدثاً من هذا القبيل كان موضعاً للسخط والنفور والادانة الشديدة سواء من قبل المجتمع السويدي عموماً، أو من قبل المنظمات والأحزاب السياسية من يسارها الى يمينها، وحتى أن الحكومة التي كانت بحد ذاتها أحد الأسباب في تكرار واستمرار القتل غسلاً للعار، دانت وشجبت نفاقاً هذه الحادث. ولكن بقدر تعلق الأمر بوزارة العدل، ووزارة التأهيل والاندماج وعموماً مراكز القرار بصدد اللاجئين والقوانين، فانها لا تعترف بأن هذه الجريمة نفذت بحجة الحفاظ على شرف العائلة. فوزير العدل يقول: (القتل هو قتل في أي مكان كان، وهذه مرتبط بالتصورات والمعايير المختلفة للظواهر في المجتمع، وليس قتلاً لغسل العار، ففي السويد ايضاً تقتل النساء).
وأنا أقول هنا: كلا. قتل المرأة ليس فقط قتلاً للمرأة لأن ما جرى له سوابقه وأسبابه ودوافعه المختلفة. فحين يقتل اوروبي زوجته تكون القضية بين بالرجل والمرأة، وأياً كان الدافع، لا تفتخر العائلة والمجتمع بقتل الرجل لزوجته بل ان هذا سيكون مبعث سخط ونفور، وسيجري الحديث عنه في وسائل الاعلام، وسيعاقب بموجب القانون وليس متعلقاً بانتفاء حرية المرأة. الا أن حالة القتل هذه المرة جاءت غسلاً للعار ولاستعادة شرف العائلة والعشيرة والأمة. واسس ذلك تعود الى أن غشاء بكارة المرأة ورغباتها الجنسية هي ملك لهم واذا تصرفت بها بدون ارادتهم فان مصيرها هو القتل كي يثبتوا أنهم مخلصين لعائلتها وأمتها، وهم سيفتخرون بذلك. الا أن الكثير من أبناء هذه المجتمع ناضلوا وضحوا في صفوف الحركات التقدمية، و الحركات النسوية و الحركات العمالية من أجل تحقيق الحقوق البديهية للبشر، و تلك حقوق مشروعة لكل شخص بغض النظر عن انتماءه القومي، او الديني، أو الجنسي. و من غير شك فان هذه الحركات موجودة في السويد و علينا أن نربط نضالنا معها ضد هذه العنصرية، في نفس الوقت ينبغي على الحكومة أن تبين موقفها و مع اي منا تقف؟
و لكن رغم ذلك فان الحكومة و نتيجةً لضغط الجماهير عموماً و المنظمات الراديكالية و التحررية تحدثت عن (وضع تسهيلات أكثر في متناول النساء اللاجئات لحماية انفسهن، و على العوائل أن تلتزم بالقوانين السويدية ما دامت تعيش هنا، و تلك القوانين التي تنتهك حقوق النساء اللاجئات ستتغير و ان تساعد منظمات اللاجئين أكثر بهدف تغيير التصورات و المعايير المتعلقة بالنساء، وتحدث وزير التأهيل والاندماج عن أنه كان خاطئاً في قوله أن ذلك سيقوي العنصرية و تراجع عن هذا الكلام).
و فيما يتعلق بمجتمع اللاجئين الكرد و حركاتهم فقد كان حالها حال أي مجتمع آخر منقسم الى قسمين: طرف تقدمي و متمدن و طرف متخلف و ذكوري و تقليدي. الا أنهم كانوا عموماً ساخطين على الحادث و يشجبوه، رغم أن هناك بعض الأشخاص و حتى في وسائل الاعلام تسمعهم يقولون: "ان أباها لم يربها بشكل جيد و لهذا لم تلتزم بما كان يقول، و أبوها لم يكن يريد أن يتحول الى رجل عديم الحياء و يشعر بالعار و لهذا قام بفعلته تلك". و على العموم فان ما يثير سخط القوميين و يجعلهم يسعون لتبرير جرائم القتل تلك و عدم تحميل الكرد مسؤوليتها، كي "يفقد الكرد حيائهم في اوروبا" فهم يقولون: "الدين هو دين عربي، والكرد يفتقرون لوطنهم المستقل كي يكون لهم ثقافة و معايير و قيم مستقلة، فالثقافة والتقاليد و القيم السائدة في المجتمع الكردي هي عربية و فارسية و تركية أساسا، قتل المرأة ليس له أية صلة بالكرد فهو مشكلة الأفراد الذين لا يستطيعون حل مشاكلهم بالحوار." و لكن ماذا سيقولون ازاء قتل الاف النساء في كردستان العراق؟ و من يقتلهن؟ وتحت ظل أية سلطة تنفذ هذه الجرائم الوحشية و المعادية للانسانية؟ و كم عدد الرجال من قتلة النساء الذين تمت محاكمتهم؟ أن الثقافة و القيم و التقاليد ليست ظاهرة انبثقت فجأةً من فراغ و زرعت نفسها في ادمغة وأذهان البشر، و هي ليست فقط الأغاني والموسيقى و نوع الملبس بل هي الرؤية للحياة. فالذكورية و الدين في المجتمعات التي لم يتحول فيها بعد الى شأنٍ شخصي، تمثل معيارين أساسيين و رئيسيين في تشكيل قيم و تقاليد و ثقافة المجتمع بوصفهما ظاهرتين معاديتين للمرأة و معاديتين للحرية. فمنذ اللحظة الأولى لولادة طفل و حتى نموه و نضجه فان تصوراته و معتقداته ستكون شاء أم أبى مقولبة في العائلة و المجتمع بتلك القوالب المتخلفة التي وضعها له الدين و الذكورية و التشريعات. في نفس الوقت فان تلك الأطراف و السلطات التي ليس له أي عداء لهذين المفهومين و هي تستفيد من الابقاء عليهما في صياغة سياساتها. ففي العراق صاغ النظام البعثي قوانينه على أساس الشريعة الاسلامية و القيم الذكورية، و ربى الأجيال عليها،..و عرف العلاقات الاجتماعية بموجبها.
ان الاحزاب القومية الكردية تقدس التقاليد و الأعراف و القيم المتخلفة الدينية و القومية و العشائرية، أياً كان مصدرها و لا تريد أن يوجه لها النقد، لا تريد تغيير القوانين المصاغة حسب ما تقول بموجب الشريعة الدينية العربية، رغم العداء الواسع لهذه القوانين والتقاليد والمطالبة الواسعة بتغييرها. و يتحدث (كوردو باكسي) كصحفي و عضو في برلمان الاشتراكيين الديمقراطيين و(كيا ايزول) مسؤول المجلس العام للجمعيات الكردية لوسائل الاعلام بطريقة أن "لا ينبغي الغاء ماضي الأكراد"، و يقولان ليس هناك أي مكان لقتل المرأة في الثقافة والقيم الكردية.
نعم. من المؤسف أن قسماً من ثقافة وقيم المجتمع الكردي هي متخلفة، معادية للمرأة، تقدس قيم الشرف، و هذه ليست فقط تقاليد أمة معينة، بل انها تصورات و رؤية و تقاليد مازالت قائمة في الكثير من بلدان العالم في نفس الوقت هناك قيم و تقاليد و ثقافة أخرى هي قيم انسانية و تتمسك اوساط اخرى في مختلف المجتمعات على الصعيد العالمي بهذه القيم و الثقافة. لا تخافوا فالخزي والعار ليس في الاعتراف بها و النضال ضدها، بل بالعكس فان الخزي والعار يكمن في التطاول على المرأة وقتلها و ايجاد المبررات لذلك و التغطية عليه...
انهم يستخدمون ذريعة عدم استقلال الأكراد، و لكن بلدان الشرق الأوسط و أفريقيا تتمتع بدولها المستقلة الا أن السلطات والحكومات تفرض أكثر القيم و القافات تخلفاً و لا انسانيةً على المجتمع. نفس الأشخاص الذين يتذرعون الآن بحجة عدم استقلال كردستان، لو سألتهم من أين أنتم سيقولون لك أنهم من كردستان. و لكنهم و لتبرير تلك الجرائم يقولون الآن كردستان ليست مستقلة كي يكون لها قيمها و ثقافتها و تقاليدها الخاصة!
أسباب هذه الظاهرة و معالجتها:
اسباب هذه الظاهرة ترتكز على عاملين، قسم منها مرتبط مباشرةً بالتصورات و المعايير المتخلفة للقرون الوسطى التي يتمسك بها بعض اللاجئون التي اشرت اليها فيما تقدم، الذين يريدون العمل بها و خلق المآسي في أوربا ايضاً. الا أن السؤال الذي يبرز هنا: حسناً كيف يمكن لهذه القيم و التثصورات أن تجد لها مكاناً في بلدان التمدن و القوانين التقدمية؟ و هذا برأيي له صلة بالتصورات و السياسات المعلنة وغير المعلنة لعنصرية السلطات ازاء اللاجئين. سياسة فصل مناطق سكن اللاجئين عن مناطق سكن السويديين حسب مصالحها السياسية و الاقتصادية، تلك المناطق التي يوفر لها أقل مستوى للخدمات، و توجد فيها أكبر نسبة بطالة، بحجة أن تطلعات اللاجئين في الحياة ومستوى توقعاتهم في هذا المجتمع أقل، وهم راضون بنصيبهم! وب هذا الشكل لا يفسح المجال أمام اللاجئ للاندماج في المجتمع و المشاركة في النشاط الاجتماعي و الاقتصادي، و ممارسة التقاليد و القيم الانسانية السائدة في هذا المجتمع.
من جهة أخرى و تحت اسم (حرية الأديان المختلفة و احترامها و تعدد الثقافات) يفسح المجال أمام سلب الحقوق و مصادرة ابسط الحقوق و اكثرها بديهية و الضرب، وصولاً الى الجريمة التي ترتكب بحق الأطفال و الشبيبة وبنات اللاجئين. فالقيم و التقاليد و الدين الذي يفصل الأطفال عن المجتمع و يقف عقبةً أمام نموهم و تقدمهم سواء الفيزيقي أو الروحي، و يختنهم و يفرض عليهم الحجاب الاجباري.ليس جديراً بالاحترام و ليس مدعاةً للفخر بل ينبغي القاءه في مزبلة التاريخ، و من هو جدير بالاحترام و الحماية، الانسان و رغباته و تطلعاته.
ان هذا نتيجة لحكم مسبق حول اللاجئين خصوصاً أؤلئك القادمين من آسيا، بحيث جعل من اللاجئين والأوروبيين يوضعون في اطارين مختلفين، صيغ لهما سواء بشكل مكتوب أو غير مكتوب قانونين ومعيارين تجري الدعاية لهما في وسائل الاعلام، مما يترك تأثيره على تصورات المجتمع و يتحول الى عقبة أمام الاختلاط والاندماج. و نحن منذ البدية لم نلزم الصمت ازاء انعدام الحقوق و هذه الجرائم، و عملنا بكل ما لدينا من أساليب لبيان و كشف هذه الأوضاع و لفت أنظار المجتمع نحوها، كي يتم النظر اليها كمشكلة جدية و أجتماعية و الضغط سواء داخلياً أو على صعيد أوروبا لوقف هذه التراجيديا و تغيير الأوضاع بصالح النساء اللاجئات.مثل الظهور في وسائل الاعلام، تنظيم الحركات الاحتجاجية، اصدار المجلات، المشاركة في المؤتمرات المحلية و الدولية، و الاتصال بالأحزاب و المنظمات و مساعدتها و تحضير الوثائق و المستندات. الا أن الجدير بالأهمية هو تحميل السياسات و الحكومة و القانون المسؤولية الأولى في معالجة هذه الأوضاع، و ذلك من خلال القضاء على هذا التخلف و الاستمرار في تلك النشاطات و طرح اكثر الاقتراحات راديكالية و انسانية أمام المؤسسات الحكومية و العمل على تحقيقها و هي:
-الضغط أكثر على الصعيد الداخلي والخارجي لتغيير الأوضاع والقوانين المتعلقة بالنساء والأطفال.
-النظر الى مشاكل النساء و الأطفال اللاجئين كمشاكل أي مواطن و امرأة سويدية تمتعهم بكل الامكانات الاقتصادية مثل ضمان البطالة، و تعاون الشرطة، و المسكن و الوسائل الأخرى لحماية لنفسهم.
-المساواة التامة بين الجميع أمام القانون، و وضع أشد العقوبات لجرائم غسل العار، دون الأخذ بنظر الاعتبار الأنتماء القومي السابق و الدين و اللغة..و الغاء قانون مشروعية الزواج في عمر 15 سنة للفتيات اللاجئات، و وضع الفئة العمرية الموضوعة للبنات السويديات في الزواج.
-التصدي لارسال البنات الى بلدانهن بقصد الختان و الزواج.
-منع الحجاب و الختان للفتيات تحت سن السادسة عشر.
-منع الدروس الدينية للأطفال تحت سن السادسة عشر.
-السعي لازالة تلك السياسات التي تشكل عاملاً في وجود و استمرار هذه الأوضاع.
النساء