أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سمير عادل - الحركة النسوية في العالم العربي من الدفاع الى الهجوم















المزيد.....



الحركة النسوية في العالم العربي من الدفاع الى الهجوم


سمير عادل

الحوار المتمدن-العدد: 420 - 2003 / 3 / 10 - 04:44
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



      استهل مناسبة حلول احتفالات 8 اذار يوم المرأة العالمي، لاسجل بعض الملاحظات حول الحركة النسوية في العالم العربي . وتأتي هذه المناسبة في الوقت الذي يخيم كابوس الحرب التي تريد ان تشنها الولايات المتحدة الامريكية على العراق. فهذه الحرب كما كان الحصار الاقتصادي سيلحق افدح الخسائر بالبشرية في العراق .ولا تكتفي آثار هذه الحرب لو نشبت في حدود الخسائر البشرية بل ستلحق المزيد من التراجع المادي والمعنوي بالمجتمع العراقي، بل وستتجاوز نتائجها ما سببه الحصار الاقتصادي وسياسة النظام البعثي الفاشي في هذا المجتمع الذي كان رمزا للتحرر في المنطقة لعدة عقود من الزمن .
ماذا حدث للنساء في العراق :
سأستعرض سريعا القرارات التي شرعها النظام البعثي كي يكون مدخلا الى مقالي هذا .فلقد سن قانون العشائر لعام 1994 بعد الغائها عام 1958 وتشريع قرار مجلس قيادة الثورة رقم 111 لعام 1991 الذي يخول الرجل قتل كل من يشك في ذويه مثل الزوجة والام والاخت دون اية محاسبة جزائية، في الوقت الذي وقع العراق على قرار الامم الامتحدة لعام 1979 الذي نص في القضاء على التمييز الجنسي ضد النساء .الى جانب تلك القرارات والقوانين المناهضة للمراة اطلق النظام نفسه ما اسماه "الحملة الايمانية" منذ منصف التسعينات من القرن المنصرم من اجل اسلمة المجتمع العراقي وافسح المجال من خلالها لجماعات اسلامية ارهابية معروفة بالوهابيين ومدعومة من شيوخ النفط في السعودية مستغلين ظروف الحصار الاقتصادي التي سببت انهيارا كبيرا في توقعات وتطلعات الانسان في العراق .وكان الغرض من تلك الحملة هو اشاعة الافكار القدرية والخرافات والاوهام الدينية لتقديس اوضاع الجماهير الحياتية والمعيشية المتكرسة بكل اشكال القهر والحرمان والعمل على تحريف نضالاتها عن مسارها الحقيقي من اجل مستقبل انساني .
واول ما وجهت حراب هذه الحملة نصالها نحو النساء ،حيث ابتدأت بالتحريض على فرض الحجاب ،فكان مدراء الدوائر التابعة لقطاع الدولة يعقدون الى اجتماعات مع النساء العاملات والموظفات يطالبونهن بارتداء الحجاب وبالعكس من ذلك يطردن من عملهن .وكان صدام حسين يدعم هذه الحملة المناهضة والسافرة ضد المرأة  عبر احاديثة التي بثتها شاشات التلفزة العراقية منها على سبيل المثال :على المرأة ان لا تزاحم الرجال في العمل وعليها بمجالسة البيت والتفرغ لتربية الاطفال والعمل المنزلي .وفي مكان اخر قال على المرأة العراقية ان تفخر بزوجها او ان يكون زوجها مقاتل او عسكري وان لا تطلب من الرجل الملابس الفاخرة والمكياج وتمارس الضغوط عليه ..الخ
وكما ذكرنا قبل قليل فأن الحكومة البعثية قد جندت جماعات الوهابيين  في حملتها الايمانية ضد النساء،حيث وجهت تلك الجماعات تهديداتها بشكل علني ضد كل امرأة سفور برش ماء النار عليها،وبالفعل نفذت تهديداتها وقد هوجمت عشرات النساء من قبل هذه الجماعات.والملفت للنظر ان الحكومة البعثية غضت النظر بشكل كلي عن نشاط هذه الجماعات سواء من حيث عرض كتبهم الدينية والتبشيرية او عن دعاياتها وتحريضها ضد العلمانيين والمثقفين والنساء السفور من على منابر المساجد والجوامع،اضافة الى ان  العديد من رموز هذه الجماعات كانوا ضباط متقاعدين عملوا سابقا في سلك المخابرات والشرطة والامن والجيش .ورافق كل هذه الاعمال الارهابية لهذه الجماعات التعتيم الاعلامي الكبير سواء من لدن المعارضة العراقية  او من قبل السلطة العراقية .اي خلال سنوات الجوع والمرض وقمع النظام الحاكم،كانت الجماعات الاسلامية المدعومة من النظام قد نظمت حملتها الهمجية  المنظمة ضد النساء في العراق على غرار اخوانهم في الجزائر ومصر وتونس..وكانت الحملة التي قام بها فدائي صدام بالتنسيق مع الاتحاد العام للنساء العراق في المدن بصرة وبغداد والموصل بقطع رؤوس اكثر من 170 امراة  بشكل علني بتهمة "عاهرات" وفي جو من الرقص الهستيري والموسيقى والهتافات تشيد بصدام حسين،تتويجا للاعمال الارهابية التي قام بها حلفائها من تلك العصابات الاسلامية . والذي زاد على ذلك المشهد دراما عندما علق زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق محمد باقر الحكيم من الكويت بأن العمل الذي قام به صدام في قطع رؤوس أؤلئك النسوة هو بدعة .فالاسلام اقر رجمهن بالحجارة حتى الموت وليس قطعها بالسيف .
وهذا يضيف مسألة  اخرى على عاتق الحركة النسوية في العراق الى جانب نضالها ضد الحرب التي تلقي بضلالها على المجتمع العراقي وويلاتها القادمة ،حيث ان المعارضة العراقية والتي يعتبر المجلس الاعلى احد فصائلها الرئيسية ، تجتمع اليوم في اربيل عشية بدء الحرب الامريكية ، لا تحمل في اجندتها للنساء العراق غير اعادة انتاج القهر والعبودية على المرأة. ولقد عبرت عنها في مؤتمرها الذي انعقد في كانون الاول من العام المنصرم في لندن من خلال الاقرار بدين الاسلام هو دين الدولة .اي بعبارة اخرى التكريس من جديد لدونية المرأة .
الحركة النسوية في خندق الدفاع :
ليست الحركة النسوية في العراق ما عدا "كردستان العراق في عقد التسعينات" فحسب بل في مجمل العالم العربي رزخت وترزخ تحت وطأة افكار وافاق الحركة القومية العربية واليسار التقليدي المتمثلة بالاحزاب الشيوعية العربية سواء من الناحية الحقوقية او على الصعيدين الاجتماعي والسياسي.
ان البرجوازية العربية الصاعدة في بدايات القرن العشرين كانت لها مصالح مادية في زج قوى المجتمع في نضالها ضد الاستعمار .وبعد استقلال بلدانها كانت تحتاج الى قوى بشرية في تنفيذ مشاريعها الاقتصادية .لذلك كان  لا بد للمرأة ان تدفع في خوض هذا الميدان .ان حدود تحسن اوضاع المرأة انحصرت في حق التعليم"وان كان مازال يرواح في عدد من البلدان العربية" وخروجها للعمل والمشاركة الشكلية في الانتخابات ،رغم انه ما زالت في بعض بلدان الخليج العربي مثل الكويت والسعودية تحرم المرأة من حق الانتخاب والترشيح.اي ان المكتسبات التي حصلت عليها المراة  لم تتجاوز حدود استفادة البرجوازية  العربية  الصاعدة منها .
لا شك ان الحركة المساواتية والتحررية للمرأة كانت تدفع وتضغط للمضي قدما في تحقيق  المطالب العادلة للنساء في المجتمع . ويمكن سوق بعض الاحداث على سبيل المثال لا الحصر مثل التظاهرات التي نظمتها وقادتها نساء مثل هدى الشعرواي وسيزا النبراوي عام 1919 لدعم ثورة سعد زغلول حيث استغلتا هذه المناسبات و نزلتا الى الشارع دون حجاب احتجاجا على عدم السماح للمرأة بممارسة حقوقها السياسية والاجتماعية كاملة .كانت الحركة المناهضة للحجاب تقودها منذ الثلاثينات العديد من الناشطات النسوية في العالم العربي.وحيث جادلت نظيرة زين العابدين من سورية  عبر كتابيها "السفور والحجاب" و"الفتاة والشيوخ" الذين يريدون فرض الحجاب على النساء رغم استناد جدلها ومناظرتها على الشريعة الاسلامية في دحضها لدعاة الحجاب . وانظم لهذه الحركة العديد من المثقفين و الشعراء والادباء في البلدان العربية . لكن لم تستطع الحركة النسوية بخطها العام بفصل افاقها عن الحركة المناهضة للاستعمار ولم تتمكن من ان تمضي قدما بطرح اهدافها ومطالبها بشكل مستقل . بل الادهى من هذا راحت هذه الحركة تردد نفس شعارات وكلمات البرجوازية العربية التي مفادها ان تحرر المرأة بكمن بتحرر البلدان العربية من الاستعمار .وان معركتنا الان هو ضد الاستعمار ومن اجل التنمية واستقلال مواردنا الاقتصادية.والكتاب الاخير لسعاد خيري عن المرأة العراقية فأن مجمل المقاطع المهمة من تاريخ الحركة النسوية في العراق يلخص بنضالها ضد الاستعمار والصهيونية .
ومع استكمال البلدان العربية استقلالها،ورويدا رويدا اعلن فشل المشروع القومي العربي الذي ساتناول تبعاته على كاهل المرأة فيما بعد،بدأت البرجوازية في شن حملة لاعادة المرأة الى مكانها القديم . وعبرت عن هذه المسألة بوضوح "ليندا مطر" رئيسة لجنة حقوق المرأة اللبنانية :هي ان المجتمع العربي يسمح للمرأة بل يشجعها على الانخراط بالثورات وحتى الحروب وتنال قسطا من الاعتقال والتعذيب ..وعندما يحل السلام يعود هذا المجتمع ذاته الى وضع القوانين والمحاذير التي تقف حاجزا بوجه المرأة وتحول بينها وبين ممارسة حقها الذي اكتسبته بنضالها ،فتعود الى البيت لتزاول عملها التقليدي وبأحسن الحالات تعمل ضمن جمعيات خيرية .."((الثقافة الجديدة العدد 263 – ملف المرأة)). وفلم "حكايات شرف وعار" انتاج بريطاني يستعرض واقع المرأة قبل تشكيل السلطة الفلسطينية وبعدها. ويروي الفلم بأن المرأة الفلسطينية ناضلت واعتقلت وعذبت وزجت في القتال ضد الاحتلال الاسرائيلي مثل الرجل الفلسطيني لكن عندما تأسست السلطة الفلسطينية اركنت جانبا وبدأت تطبق قوانين تسجل دونيتها عن الرجل وذهبت جماعات حماس بتنظيم حملات اسوة بحملات الوهابيين في العراق ضدهن دون اي رادع من قبل السلطة الفلسطينية .
لا شك ان العمل بقانون الطوارئ من قبل الانظمة السياسية الحاكمة في العالم العربي تحت يافطة محاربة الصهوينية والامبريالية تمكن من احتواء وقمع اي صوت ينادي بالتحرر والمساواة في البلدان العربية . تحت هذه اليافطة جندت الاف من الممسوخين انسانيتهم ليعملوا كجلادين وفتحت اكبر المتعقلات واستوردت احدث اجهزة التعذيب لتأديب المعارضين السياسين و سلب الاعترافات واعادة مسخ الهوية الانسانية.وسقفت هذه المؤسسة القمعية بأنتاج واعادة انتاج منظومة الدين والخرافات والتقاليد المتعفنة للحيلولة دون انفلات عيار التحرر .ان الحركة القومية العربية لم تقف حائلا دون تطور الحركة النسوية كجزء من حركة تحررية  بالقمع فقط بل حاولت احتوائها وتفريغها من محتواها المساواتي .فعلاوة على تشكيل او الحاق المنظمات النسوية بالانظمة القومية الحاكمة وترديد شعاراتها ضد الاستعمار والصهيونية ،فراحت تحرف نضالاتها من اجل حقوقها المستقلة عن طريق تنظيم مؤتمرات مثل مؤتمر زوجات زعماء العرب الذي انعقد في العام الفائت رددن نفس الخطابات الجوفاء التي تردد في مؤتمرات القمة العربية لازواجهن.   لقد ساهم بحق ممثلي الحركة القومية العربية  وممثلي اليسار التقليدي في وضع عصا غليضة في عجلة تطور الحركة النسوية .ونتيجة  نفاذ  محتوى مقولة "التحرر" و"الحرية" من وجهة نظر هذين التيارين مع رحيل الاستعمار وان كانت تجادل الان بوجود الصهيونية والعولمة، ومع تزايد نفوذ التيار الاسلامي ، تحولت الحركة النسوية كجزء من حركة تحررية واسعة  الى حركة دفاعية ،تحاول ان تحافظ على مكتسباتها الضئيلة .والابعد من هذا حاولت ناشطات الحركة النسوية مثل ناشطات الدفاع عن حرية الكتابة والابداع والفكر في العالم العربي ان يستمدن  قوتهن بالاستناد على عكازة الدين الاسلامي ومحاولة البحث عن الثغرات والفجوات في القرآن وحياة محمد واحاديثه .فعدد كبير من ناشطات الحركة النسوية ودعاة الدفاع عن حقوق المرأة  يحاولن من خلال الاسلام ان يجدن او يبررن مكانة مرموقة للنساء في المجتمع .
الشرق المحتشم والغرب الفاسد :
وعلى هذا الاساس اصبحت مقولة "التحرر" بكل ما تحملها هذه الكلمة من معاني، بالنسبة لممثلي الحركة النسوية ناقصة ومشوهة.فمثلا "حرية اللبس" هذه المقولة الواضحة البسيطة الفهم،  تعرضت الى سفسطات يساروية كثيرة لاختزالها وتكيفها مع "الواقع العربي ". ويجب ان اذكر نقطة هنا هي ان حقوق الانسان كما معرفة في وثائق جنيف هي حقوق عالمية .اي ليس هناك واقع متخلف لا يقبل بتطبيق هذه الحقوق وواقع متطور يمكن ان تطبق فيها.هذه هي تنظيرات دعاة القوميين العرب واليسار التقليدي وممثلي الحكومات العربية  للحيلولة دون توقف دولايب القمع الفكري والسياسي .واذا ما رجعنا الى مقولة "حرية اللبس" فأن بعض ممثلي الحركة النسوية العربية  تنظر :ان جمال المرأة في عقلها وتصرفاتها .وان اللبس العاري او كما يقولن استعراض الجسد هي من تقاليد الغرب الفاسد الذي لا ينظر للمرأة الا كجسد ويضيف اليسار الى تلك التنظيرات ان الغرب الرأسمالي يتعامل مع المرأة كسلعة لذلك يبيح حرية اللبس  .ولا ادري هل ان الشرق ينظر الى المرأة كأنسانة ! أليس هذا اجحاف ومحاولة للتملص من مواجهة الواقع  ومن ثم تقديس ذلك الواقع المتعفن وتفريغ مقولة الحرية من محتواها، هذا اذا لم نستنتج منها ايضا بأنها كانت مجاملة لمن تقشعر ابدانهم من تحرير المرأة تحريرا كاملا !
وفي الحقيقة ان التيار الاسلامي كأحد الاجنحة  المتطرفة واكثر تخلفا داخل العائلة البرجوازية العربية، يشترك كليا مع الرأسمالية في الغرب في نظرته للمرأة  من حيث المحتوى. ومفاده بأن المرأة ليس اكثر من جسد او اداة جنسية.لكن الفارق الوحيد بينهما هو في كيفية توظيف هذا التصور والتعامل بهذه الاداة .فبالنسبة للتيار الاسلامي بتصوره المتخلف عن السوق وأليات عمله وعدم قدرته عن اللحاق بركب العصر لم يستطع ان يتجاوز اعادة انتاج فرض الحجاب على المرأة  ووضعها بين اربعة جدران .اي يوضع المرأة "كأداة جنسية" في المتحف المنزلي وليس لاحد الحق بالتمتع بتلك الاداة الا من دفع  ثمنها بشكل نهائي . اما في الغرب فأن تطور الرأسمالية ووحشيتها تنظر الى كل شيء كسلعة و لو كان بامكانها لعملت على تعليب الهواء وبيعه من جديد في الاسواق.ومن خلال هذا التصور حولت المرأة الى سلعة لدر الارباح .اي بعبارة اخرى ان جسد المرأة عند التيار الاسلامي والعقلية الشرقية هو اداة جنسية مع انتفائها بتحويلها الى "سلعة"  تجلب النقد في حين ان الراسمالية في الغرب اذكى ممن في الشرق.لهذا ان "الشرق المحتشم" ليس اشرف ولا اكثر انسانية من "الغرب الفاسد"  في نظرته للمرأة كما يحاول ان يصورها دعاة القوميين العرب وممثلي اليساروية والتيار الاسلامي .
  بيد ان مقولة "حرية اللبس" ليس  لها علاقة من بعيد او من قريب بالغرب الفاسد او الشرق المحتشم . ان المرأة هي التي تقرر ماذا تلبس وكيف تخرج وكيف تسير ولها الحق لوحدها بعرض اي جزء من جسدها .ويمكن ان نلاحظ لوحة ديلاكرو بعنوان"الحرية تقود الشعوب" والتي تعرض امرأة نصف عارية الصدر واقفة ومن حولها جثث المضحين من اجل الثورة وهي ترفع راية فرنسا التي كانت يومها رمزا للحرية والمساواة والاخاء كما جاء في شعار الثورة الفرنسية . وهذه اللوحة رسمت في عام 1831 اي بعد الثورة  الثانية عام 1830 .اي عندما كانت الراسمالية في بداياتها لم تبلغ من التطور كما هو في عالمنا اليوم  . وكما تعبر الحركة النسوية في الغرب :ان جسد المرأة ملكها وهي حرة في لبس اي شيء. اما اولئك الذين يقولون يجب ان تحترموا غرائز الرجال فأن هذا اللبس يستفزهم ، فبالحقيقة هذه مشكلتهم وعليهم حلها بانفسهم وليس لهم الحق في مصادرة حقوق النساء في اللبس لانهم يستفزون.وماذا عن النساء الا يستفزون عندما تصادر حريتهن في اختيار نوع الملابس لارتدائها!
القمع الجنسي المنظم للنساء :
ونجد نفس السفسطات لنفس الجماعات حول "الحرية الجنسية للمرأة" . لقد امست عبارة الجنس من الثالوث المحرم كما يقولون الى جانب الدين والسياسة معا . فاذا كانت الحكومات العربية حرمت التداول او التعرض لذلك الثالوث لادامة القهر السياسي والاجتماعي من اجل اطالة عمر انظمتها ،فما بال المدافعون عن حقوق المرأة فلما لم يخوضوا في تلك المواضيع بجرأة .
ان المرأة  في العالم العربي والشرق عموما تعيش باغتراب كليا عن جسدها . ان شعورها بامتلاكها لجسدها وحرية التصرف به كشيء خاص بها وجزء من كينونتها الانسانية تكاد تكون معدومة . ان الحركة النسوية في العالم العربي لم تتجرأ لحد الان في مواجه هذه المسألة بكل جراة وتحدي في المجتمع. في حين ان الحركة النسوية  في الغرب "Feminism " قطعت اشواطا في هذا المضمار واستطاعت ان تفرض قوانين على حكومات بلدانها . فمثلا قانون "Harassment" اي "المضايقة" يعاقب كل رجل ينظر الى المرأة حتى وان كانت زوجته بنظرة ازدراء او اهانة جنسية او الانتقاص منها او يتحرش بها جنسيا. وبموجب هذا القانون يحرم الرجل ايضا  من ممارسة الجنس مع المرأة ان كانت زوجته او صديقته " Friend Girl " بالاكراه سواء كان يمارس ضغوطات معنوية او اجتماعية او مادية او جسدية . وعندما تسأل  الناشطات النسوية  العربيات حول تاثير تلك الحركة على مجتمعاتنا العربية فيجبن ان  الواقع الغربي يختلف عن الواقع الشرقي فأن تأثيره يكاد يكون معدوما .وقبل ان اعلق على هذه العبارة اود ان اذكر ان الحرية لم تمنح ولم توزع مجانا في اي يوم من الايام الحالكة في تاريخ البشرية . ولا داعي لذكر التاريخ البربري لممارسات الكنيسة القروسطية تجاه النساء فالكل يعرفها .لكن اذكر فقط مثلا بسيطا من التاريخ الحديث فلاول مرة عندما طرح مشروع قانون في عام 1967 في برلمان مقاطعة كوبيك الفرنسية في كندا حول تحريم استخدام العنف ضد النساء ، بدأت حملة من السخرية والاستهزاء والضحك الهستيري داخل اروقة البرلمان ليقول احد اعضائها:كيف لا يضرب المرأة . اي ان الواقع الغربي لم يكن واقعا افضل من الواقع الشرقي مثلما نراه اليوم لو لا نضال الانسانية في تغييره .
ان التصور الدوني للانسان في "عالمنا العربي" هو التصور السائد ويخيم على مجمل الحركة التحررية فيه . فالحركة النسوية في المجتمعات العربية لم تواجه لحد الان القمع الجنسي المنظم للنساء .وهكذا كما كان ينظّرون حول "حرية الملبس" فنجد نفس التنظيرات المؤطرة فكريا واجتماعيا حول الحرية الجنسية للنساء:الانفلات الجنسي هو من تقاليد الغرب الفاسد والاباحية الجنسية  هي الغرض منها كما يقول اليسار التقليدي والحركة القومية العربية وتيار الاسلام السياسي الذي لا يرضى على الاثنين معا من اجل الهاء الشباب العربي والمسلم وتفكيك انسجته الاجتماعية ومن ثم تدمير القيم والتقاليد وبعدها تستطيع الصهيونية والغرب الصليبي والمعولم ...الخ من تلك الترهات  السيطرة على بلداننا .في حين ان الحرية الجنسية مباحة لرجال في المؤسسات الشرعية التي تحمل عناوين  زواج المتعة والزواج العرفي وتعدد الزوجات ومباحة لذوي رؤوس الاموال ولقادة ورجالات الحكومات العربية  الذين يمارسون "الاباحية" خارج المؤسسات المذكورة .ولم نسمع يوما ان اي قائد عربي او احد الامراء الاسلاميين او احد جلاديهم ورجالاتهم اثناء ممارسة "اباحيتهم الجنسية"، نسى المجتمع او ترك ابواب المعتقلات والسجون مفتوحة  ليهرب مخالفيهم ومعارضيهم او غاب عن بالهم ولم يعتقلوا عدد من الاسماء اللواتي والذين احتجوا ضد انظمتهم وتشريعاتهم السياسية.
اما بالنسبة للمرأة فليس لها الحق بامتلاكها لجسدها واختيار من ترغب ومتى ترغب في ممارسة حياتها الجنسية بعيدا عن سيف الدولة والمجتمع الذي سلب هذا الحق .ان الاغتصاب الجنسي الذي يتعرضن له الملايين والملايين من النساء من قبل الرجال في البيوت التي تباركها مؤسسات الزواج الرسمية اضافة الى التحرش الجنسي الذي يتعرضن له الفتيات من قبل اصدقاء العائلة والاقارب ، ما زالت الحركة النسوية لم تخوض فيه وتناضل ضد هذه الممارسات اللانسانية .
العمل المأجور والعمل المنزلي الغير مدفوع الاجر :
ان فشل المشروع القومي العربي على الصعيد الفكري والسياسي والاقتصادي ،القى بضلاله على جميع زوايا المجتمع . بعد اكثر من نصف قرن من الشعارات والهتافات حول الوحدة العربية طريق لتحرير فلسطين وتحرير فلسطين طريق للوحدة العربية، وتحرير الموارد الاقتصادية للامة العربية من ربقة الاستعمار والطريق اللاراسمالي نحو الاشتراكية ...الخ  ،لم يجد الانسان في العالم العربي غير ازدياد فقره وحرمانه وتنصل جميع الحكومات والانظمة العربية من جميع مسؤولياتها تجاهه .فتداعيات انهيار دلك المشروع جرت تبعاتها الباهظة على مجمل المكتسبات النضالية للعمال والكادحين في العالم العربي بشكل عام والنساء بشكل خاص .وكان غياب حركة تحررية ذي اهداف مستقلة وافاق مرتبطة بنضال الطبقة العاملة عاملا اضافيا كي تعطي الفرصة لخروج الاسلام السياسي من قمقمه كبديل ينهض على انقاض الحركة القومية العربية .وكان من مصلحة التيار القومي العربي الذي ظل في السلطة وهو يجر انفاسه، ان يكون مسندا اضافيا لبربرية التيار الاسلامي السياسي  المعادي بشكل سافر للمرأة.فعلى سبيل المثال ان الحركة النسوية في الجزائر كانت من طلائع الحركات التحررية وقفت ضد البرامج الاقتصادية والسياسية لحكومة الشاذلي.الا ان الحكومة كانت تغض النظر عن الجرائم والاعمال التي كانت تقوم بها الجماعات الاسلامية  منذ اعوام الثمانينات ضد النساء ،وايضا كما ذكرت عن احاديث صدام حسين حول المرأة في بداية مقالي .والهدف هو واضح من اجل احتواء هذه الحركة لطمس ماهية الصراع الحقيقي المتمثل بالنظام السياسي الحاكم من جهة والحركة التحررية في المجتمع من جهة اخرى .ولم تكتفي عند هذا الحد بل ان الازمة الاقتصادية العاصفة في هذه الدول ألقت هي الاخرى بكاهلها على المرأة ودفعتها  بشكل سافر نحو سوق البطالة .
في العراق بلغت اوج الهجمة الشرسة ضد النساء مع بدأ الحرب العراقية - الايرانية في مطلع الثمانينات .وفي عام 1987 اصدر قانون "الفائض من العمل وترشيق مؤسسات الدولة"حيث سرحت الحكومة  الاف من النساء من العمل استعدادا لمواجهة تبعات الحرب العراقية-الايرانية ومئات الاف من الجنود الذين  سيعودون من جبهات القتال ويبحثون عن العمل .هذا اضافة الى ان الالوف من النساء خسرن معيلهن بعد قتله في جبهات القتال او تعويقه او اسره  او يكون في عداد المفقودين .
ومع تفاقم الاوضاع الاقتصادية في البلدان العربية وزيادة مديونيها التي بدأت تفكر بأخذ القروض من صندوق النقد الدولي وبنك باريس وغيره لترقيع ما يمكن ترقيعه .وبطبيعة الحال ان احدى شروط القروض لهذه المؤسسات هي بيع القطاع العام الى الخاص .بمعنى أخر المزيد من العاطلين عن العمل .
ان الحركة القومية العربية لم تجلب غير البؤس لغالبية السكان سواء كانت في عز عنفوانها او عندما بدأ انهيارها.وتحولت الدول العربية بعد الاستقلال الى ارتهان ثروات المجتمع لشروط المؤسسات المالية الانفة الذكر بالتعاون مع المرتشين الذين يبدؤن من رؤساء الحكومات العربية ومرورا بالوزراء الى اصغر موظف في سفاراتها في دولة العالم .
لقد اعيدت المرأة من جديد الى البيت، الى عبودية العمل المنزلي .وبدأت حملة سياسية وفكرية شعواء ضد عمل النساء في خارج البيت.وبدأت الاستوديهات تصنع المئات من الافلام والمسلسلات التلفزيونية التي تثبت ان عمل النساء خارج البيت يفسد تربية الاطفال لابتعاد الام عن بيتها. وبدأت اصوات الغربان ضد النساء تعلو عبر ميكروفونات الجوامع والمساجد الممولة  والمدعومة ماديا ومعنويا من وزارات الاوقاف والشؤون الدينية . وبدأت البرجوازية التي في دفة الحكم والمعارضة استخدام احتياطيها من المنظومة السلفية والمنقرضة التي تتكون من دين وتقاليد واعراف التي هي مناهضة ابدا لتحرر المرأة ،لاضفاء الشرعية السياسية والفكرية على حملتها ضد النساء .
بيد ان العمل خارج البيت لم يكن ابدا حتى في عز صيحات البرجوازية العربية في دفاعها الاصلاحي عن حرية المرأة  هو المفتاح في استقلال المرأة اقتصاديا نحو التحرير الكلي لها .اي لم يكن العمل خارج البيت كافيا في دفع المرأو للشعور بأنسانيتها الكاملة مع الرجل.ولقد تطرقت الى هذه النقطة الدكتورة سناء الخياط في بحثها الذي نشر في كتابها "الشرف والعار في العراق المعاصر" و ترجم ملخص فصله النهائي في الثقافة الجديدة العدد 262  اورد  مقطعين منه "في بحثها حول نساء الهند،وجدت شارما ان عمل النساء خارج المنزل خاضع لدورهن كزوجات لا لدورهن كامهات وهذا يشبه كثيرا ما ظهر في بحثي عن العراقيات ،لعل ذلك يفسر ايضا لماذا لا تترك العراقية عملها بعد ولادة الطفل،اذ انها، هي الاخرى،تعتبر دورها كزوجة هو الاكثر اهمية،(الزوج ايضا يطلب في العادة مساعدة اضافية بشأن وضعها المالي). وفي مكان آخر(قد يوحي ذلك بأن العمل المأجور يزيد المرأة استقلالا وهو ما يناقض الرأي الذي طرحته .حقا ان المرأة تكسب بعض القوة بعملها خارج البيت .غير ان محددات هذه القوة والبطء الشديد في نموها "بالمقارنة مع قوة الرجل مثلا"لا سيما داخل عائلتها يوضح لنا التأثير المعوق الناجم عن تنشئتها .
  صحيح ان المساواة الكاملة للمرأة مع الرجل على جميع الاصعدة لا تصبح واقعا ماديا ملموسا الا في المجتمع الاشتراكي . الا ان هذه المسألة يجب ان لا تعيق نضالنا ضد انتزاع المزيد من الحقوق للمرأة وفرضها على الحكومات البرجوازية.لقد دأب اليسار التقليدي بشكل متعمد في ترديد وتعميم والتنظير بأن المساواة الكلية للمرأة لا تتم الا في المجتمع الاشتراكي .ورددت ايضا معها العبارة:ان اية محاولة علمية في تغيير واقع متخلف تصبح تلك المحاولة بحد ذاتها غير علمية .اي ان ذلك الصنف من اليسار اضاف هالة من السفسطة الفكرية لتقديس الاوضاع  الشاذة المعادية للحقوق الانسانية في المجتمعات العربية .ووقف اليسار التقليدي ككابح عظيم في تطور الحركة التحررية بشكل عام والحركة النسوية بشكل خاص .واذا ما عرفنا على سبيل المثال لا الحصر بأن عدد النساء اللواتي كانوا عضوات في رابطة الدفاع عن المرأة العراقية عام 1959 بلغ 45000 امرأة مع الاخذ بنظر الاعتبار نفوس العراق في تلك الفترة التي لم تتجاوز 8 ملايين وتفشي نسبة الامية بين سكان العراق الى جانب الواقع الاجتماعي الذي كان مفروضا على المرأة في ذلك الزمن .لكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا كانت اهداف هذه المنظمة وما الذي حملته الى نساء العراق .ان هذه المنظمة لم تستطع ان تتجاوز افاقها البرامج السياسية والاقتصادية للحزب الشيوعي العراقي  في تصديه للاستعمار البريطاني الذي كانت تلك المنظمة تابعة له .اي التصدي للاستعمار ..الخ كما ذكرته ونوهت لكتاب سعاد خيري .
لقد بدأت الحركة النسوية في امريكا الشمالية تطرح الان فكرة "ان العمل المنزلي الذي يمارسهن النساء هو عمل غير مدفوع الاجر". وكما هو معروف فليس هناك من عمل يسبب الكثير من البلادة مثل العمل المنزلي .بيد ان هذا العمل تسرق اجره الدولة ومن ثم المنظومة الرجولية بشكل منظم وسافر ،وتتجاوز السرقة الى حد الحط من قيمة المرأة التي تزاوله .فأذا فرضنا هذه المعادلة الاقتصادية، الرجل يعمل خارج البيت 8 ساعات والمرأة تعمل داخل البيت 8 ساعات ايضا والتي تتمثل بتربية الاطفال والطبخ والتنظيف والتسوق وغسل الملابس .بعد انهاء ساعات عمل الرجل يعود الى البيت .اي خلال تلك الفترة التي عمل فيها الرجل خارج البيت عملت المرأة داخل البيت .هذه المعادلة ما زالت معادلة متساوية وبغض النظر عن ان المرأة لا تقبض اجرا على عملها على اعتبار تقسيم العمل بين الرجل والمرأة .لكن بعد 8 ساعات من عملها ،تستمر المرأة في مزاولة عملها المنزلي الى منتصف الليل. اي ان عدد ساعات العمل التي تعملها المرأة دون ان تأخذ اجرا اكثر من 14 ساعة اي فاقت على الاقل 6 ساعات عمل الرجل .ولا يقف عند حد سرقة اجرة المرأة بل يتجاوز الى ان تصبح المعادلة معكوسة تماما.حيث يمارس الى جانب ذلك العمل المجاني الذي يعبر عن الاستحواذ المادي لقيمة عمل المرأة ، يمارس الاغتصاب المعنوي للكيان الانساني لها .اي بعبارة ادق فعلاوة على التنصل من دفع اجرها المستحق،يسلب حقوقها المعنوية لممارسة ذلك العمل .وعليها بقبول كل اشكال الخنوع والطاعة لان الرجل هو الذي يجلب المال .
ووضعها كانسانة لو عملت خارج البيت لا يتحسن كما قالت سناء الخياط،بل ان كمية سلب انسانيتها ستكون اقل لو عملت خارج البيت. وهذا برأي هو شعور او احساس وهمي .اذ ان الهوة الواسعة في المعادلة الاقتصادية ستكبر، فعلاوة على عملها خارج المنزل 8 ساعات فعند رجوعها الى البيت تزوال عملها المنزلي لمدة 6 ساعات على الاقل غير مدفوع الاجر .في هذه الحالة يزداد شق اللامساواة والاحساس بالاجحاف. ان المنظومة الرجولية  المدعومة من قبل قوانين الدولة والمجتمع ، تحتوي على قيم وتقاليد وافكار ، تقدس وتعيد دونية واستعباد المرأة،وهي التي  تعمل على اضفاء الشرعية على توزيع تلك القسمة  غير العادلة بالتمام بين الرجل والمرأة  . ان مواجهة هذه المنظومة واجتثاث جذورها سياسيا وفكريا واجتماعيا هي المهمة الكلية الواقعة على عاتق الحركة التحررية بشكل عام والنسوية بشكل خاص .
دروس وعبر من انجازات الحركة النسوية في كردستان العراق:
لقد استطاعت الحركة النسوية في كردستان العراق من ان تقطع شوطا واسعا في دفع  المطالب والحقوق العادلة للمرأة في صدارة الهموم والانشغالات والقضايا الاساسية في المجتمع .ان اول مزايا هذه الحركة هو فصل افاقها عن افاق الحركة القومية "الكردية" ونضالها بشكل مستقل عن اهداف الحركة القومية .وكانت الحركة القومية الكردية مثل الحركة القومية العربية عملت من اجل جر واضفاء طابعها على مجمل الحركات التحررية في المجتمع .وان الشيء الذي ميز هذه حركة "الكردايتي"،فبعد استلامها للسلطة في ادارة مجتمع كردستان كشرت عن انيابها لافتراس اية حركة تدعو للحرية والمساواة في المجتمع . فلقد غضت النظر تارة واخرى في اضفاء الشرعية على ارتكاب ابشع الجرائم بحق النساء، حيث بلغ عدد النساء المقتولات تحت عنوان غسل العار الى عام 2000 ،5000 امرأة .ناهيك عن الاعداد التي لم تدخل الاحصائية الرسمية او عتمت عليها.وكان دعاة الحركة القومية الكردية  يدعون بان تقاليد مجتمع كردستان وشرف"كردايتي" لا تقبل بالمرأة التي تمارس الجنس خارج مؤسسة الزواج الشرعية .وهكذا اعدت حمامات الدم للنساء .
الا ان الحركة النسوية في كردستان لم تسكت على تلك الجرائم فاستطاعت ان تنظم حملات سياسية على الصعيد العالمي وعلى صعيد مجتمع كردستان لفضح تلك الجرائم وفضح الحركة القومية الكردية واحزابها السياسية .وتمثلت تلك الحملة بالندوات العلنية والمقابلات التلفزيونية والاذاعية والصحفية وجمع التواقيع الاعتراضية والاحتجاجية من لدن الشخصيات والمنظمات العالمية واستغلال مناسبات مثل 8 مارس لتنظيم تظاهرات واحتجاجات ضد القيم والتقاليد والافكار الرجولية وضد الاطراف التي تدعم تلك الافكار. ولم تقف عند ذاك الحد بل عملت على تشكيل "مركز حماية النساء"استقبلت النساء اللواتي اصبحت حياتهن في خطر .وعمل ذلك المركز في حماية عشرات النساء وانقاذ حياتهن من الموت المؤكد اضافة الى اعادة قسما كبيرا من النساء الى ذويهم بعد حل مشكلاتهم والصعوبات التي واجهتهن .ووقفت تلك الحركة بشكل حازم وحاد ضد تيار الاسلام السياسي وضد اقطابه وطالبت من السلطات القومية الحاكمة في كردستان بالغاء قانون الاحوال الشخصية لحكومة البعث وفصل الدين عن الدولة والمجتمع وقدمت هي قانون جديد للاحوال الشخصية. وهذه السلسلة من النشاطات والفعاليات اشعل الغضب في صدور الملالي وامراء التيار الاسلامي مما ادى الى اصدار فتاويهم في قتل قادة الحركة النسوية والتحررية في كردستان مثل ناسك احمد وريبوار احمد.
وبدأت الاحزاب القومية ترضخ جزئيا شيئا فشيئا لمطالب الحركة النسوية في كردستان العراق،ولقد عملت على تغيير بعض بنود قانون الاحوال الشخصية مثل الغاء تعدد الزوجات والغاء بند غسل العار ، واستطاعت هذه الحركة من ان تضفي بطابعها واهدافها المستقلة على المنظمات النسوية التابعة للاحزاب القومية ،بحيث اصبحت مطالب تلك المنظمات هي مطالب النساء عموما . واصبح الاحتفال بعيد 8 مارس الذي يعبر عن الاحتجاج ضد التمييز الجنسي للمرأة ، من التقاليد السائدة في مجتمع كردستان العراق وتحتفل فيه تلك المنظمات ايضا.
ان احدى نقاط الضعف الموضوعية للحركة النسوية في العالم العربي وحالت دون المضي قدما نحو اهدافها المستقلة،هي سيطرة افاق الحركة القومية العربية عليها والغياب الكلي لحركة تحررية تناضل من اجل المصالح المستقلة للطبقة العاملة متمثلة بحزبها السياسي ،يكون برنامجه تحقيق المطالب العادلة للعمال والنساء والشباب واطلاق الحرية السياسية لجميع الاطراف دون قيد او شرط، الان ، وليس بعد التخلص من الصهيونية والامبريالية وتحرير مواردنا الاقتصادية المستقلة ،التي كانت ابدا المبررات في فرض التراجع على تلك المطالب.
ان تجربة الحركة النسوية في كردستان (( التي هي حركة موضوعية وكجزء من حركة تحررية واحتجاجية واسعة في المجتمع ضد اللامساواة واللاعدالة التي تعانيها المرأة والعامل والطفل والشباب)) تعلمنا كيف اصبحت هذه الحركة  تعي لمصالحها المستقلة وتخلصت من عفويتها وفصلت نفسها عن جميع الافكار القومية واليساروية،بالاسناد والدعم المادي والمعنوي الكامل للحزب الشيوعي العمالي العراقي الذي تمثل فيه ناسك احمد عضو مكتبه السياسي وسكرتيرة منظمة النساء المستقلة التي فتحت "مركز حماية النساء" وريبوار احمد الذي يشغل منصب ليدر الحزب الان .
الا ان هذا لا يعني ليس بامكان الحركة النسوية في العالم العربي ان تتقدم من اجل مصالحها واهدافها المستقلة التي تتمثل في تحقيق المساواة الكاملة للمرأة مع الرجل. ويجب ان نثبت حقيقة هنا حول التفاؤل بأفاق الحركة النسوية وتطورها ،فعلى سبيل المثال حاولت وسائل الاعلام العربية بالتعتيم على المسيرة التي نظمتها الحركة النسوية في لبنان  بمناسبة 8 اذار في العام المنصرم ،حيث رفعت شعار حرية المرأة الان وليس بعد التخلص من العدو الصهيوني، والحركة النسوية في الجزائر التي وقفت بكل صلابة ضد المشروع الاسلامي وبربريته ،والحركة النسوية في الكويت التي تطالب بحق الترشيح والانتخاب،والحركة النسوية في الاردن التي نظمت حملتها وما زالت مستمرة ضد جرائم غسل العار ..الخ 
ان ما تحتاجه هذه الحركة هو توسيع دائرة مطاليبها بشكل جريء والعمل على رفع شعار"فصل الدين عن الدولة".دون رفع والعمل على تحقيق هذا الشعار تحصر الحركة النسوية نفسها في الخندق الدفاعي وسيتراوح عملها النضالي دون فرض الحقوق العادلة للمرأة على المجتمع .


                                                             



#سمير_عادل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهم يموتون في ظل الديمقراطية !
- لعبة اللصوص:التسابق في فرض القهر على المجتمع العراقي لإنقاذ ...
- في ذكرى اضراب عمال الزيوت النباتية
- لحظات الخذلان..ولحظات الخيانة
- الحزب الشيوعي العمالي العراقي في معادلة الاوضاع السياسية في ...
- الحظ العاثر لندوة احمد الجلبي عندما تتزامن مع مكرمة صدام حسي ...
- مرحبا بالمدنية والتحضر ..مرحبا بقتل المزيد من اطفال العراق
- ما بين- مكرمة صدام حسين- والحرية السياسية
- ثلاثة رسائل من الحزب الشيوعي العمالي العراقي في تورنتو
- BBC تسبح عكس أتجاه التيار الانساني
- ان كنت تكذب فأصقله جيدا ! لماذا هذا هذا العويل على -الشعب ...
- -الشيطان الاكبر- عراب الاسلاميين في -تحرير العراق-
- في الذكرى الرابعة لرحيل القائد العمالي والشيوعي الرفيق حكمت ...
- الانهزامية والاوهام في ذلك الفصيل من اليسار العراقي !
- رسالة مفتوحة الى الجالية العراقية في كندا
- دول وانظمة وكوفي عنان والانسان العراقي
- في الدفاع عن المجتمع المدني العراقي
- جريمة التكفير ..من المسؤول ؟ من نجيب محفوظ إلى نوال السعداوي ...
- رسالة مفتوحة الى وزير حقوق الانسان في حكومة اقليم كردستان - ...
- الاستفتاء والحصار


المزيد.....




- وزيرة الخارجية الألمانية: روسيا جزء من الأسرة الأوروبية لكنه ...
- الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن ...
- ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
- مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
- بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية ...
- استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا ...
- الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
- ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية ...
- الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي ...
- تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سمير عادل - الحركة النسوية في العالم العربي من الدفاع الى الهجوم