أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالهادي الجميل - ما لم يرسمه غويا!














المزيد.....


ما لم يرسمه غويا!


عبدالهادي الجميل

الحوار المتمدن-العدد: 5835 - 2018 / 4 / 4 - 13:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



درَج الفنّانون الأوربيون، قديما، على تمجيد الحروب وإظهارها كأمر ضروري تقوم به الجيوش لأسباب وغايات نبيلة. فنرى في معظم لوحاتهم الحربية، بسالة الجنود وشجاعة الثوار. وكان تجسيد موت الجنود والمناضلين يحظى باهتمام خاص من لدن الرسّام الذي يحرص، دائما، على جعله مشهدا أخلاقيا نبيلا، يعكس بطولة الميت وشجاعته حتى خلال موته، فيبدو وجهه مطمئنا ومبتسما. ويظهر أنيقا لا تبدو الجروح أو الدماء على وجهه أو جسده!

تغيّر كل ذلك بعد 3 مايو 1808م.
كان نابليون بونابرت قد غزا إسبانيا عام 1807م، فقام الإسبان، ككل الشعوب الحية، بالثورة في وجه الغزاة. رد عليهم الفرنسيون، ككل الغزاة، بقسوة ووحشية فارتكبوا المجازر والمذابح لكسر روح المقاومة في نفوس الشعب الإسباني.
وفي تاريخ 3 مايو 1808م ارتكب الفرنسيون مجزرة جديدة في ضواحي العاصمة مدريد، عندما أعدموا مجموعة من الثوار الذين رفضوا الخضوع للمحتلّين.
الرسّام الإسباني فرانسيسكو غويا خلّد عملية الإعدام في لوحته عندما أطلق عليها اسم تاريخ عملية الإعدام كإسم لها.
غويا من المدرسة الرومانسية والمفارقة أن فنّاني وأدباء هذه المدرسة كانوا من أشد مؤيدي الثورة الفرنسية(1789م) التي أتت بالإمبراطور نابليون بونابرت الذي نشر الحروب في أوربا بدلا من أن ينشر قيم العدالة والمساواة والحرية التي قامت من أجلها الثورة!
بل إن غويا كان من المتحمسين للتدخّل الفرنسي في بلاده لرغبته الشديدة بالتخلص من محاكم التفتيش وطغيان وفساد أسرة آل بوربون. لكنه انحاز لوطنه وشعبه بعد أن اكتشف زيف شعارات بونابرت.
قضى غويا 6 سنوات وهو يرسم لوحة الـ 3 من مايو 1808. حيث بدأ برسمها عام 1808 وانتهى منها في عام 1814 لكنها، في نهاية الأمر، استحقت كل هذا الوقت الطويل.
حرص غويا أن يظهر الثوّار في اللوحة بشكل بسيط جدا.. فملابسهم عادية كملابس أي إنسان عادي في أي بلد في العالم.. جعلهم يبدون عمالا أو فلاحين أو رجال دين أو مجرد آباء أو أمهات. وجعل ملامح وجوههم وحركات أجسادهم تخلو من تعابير الشجاعة والثبات والعناد المعتادة في المشاهد المشابهة. بل إنه أطلق العنان لمشاعر الإنسان البسيط الذي يعلم أنه سيصاب بعد قليل بالرصاص في رأسه أو بطنه أو صدره ليلاقي حتفه كمن سبقه من رفاقه الممددين بالقرب منه. فبدا الخوف والحزن على بعض الوجوه، في حين أخفى البقية وجوههم بأكفهم المرتعشة هربا من مشاهدة الموت وهو ينطلق باتجاههم. كما ظهرت الدماء واضحة على الأرض والأجساد.
أجمل ما رسمه غويا في اللوحة هو الشيء الذي لم يظهر فيها!
وهو وجوه الجنود الفرنسيون القَتَلَة..
جعلهم يقفون متراصين في مواجهة الضحايا دون أن تظهر وجوههم لنا!
جعلهم يطأطئون رؤوسهم كي يتقنوا التصويب نحو الأجساد المنهكة، وقد يكون جعلهم يطأطئون رؤوسهم خجلا من ضحاياهم أو هربا من نظراتهم الحزينة واليائسة!
أجاد غويا اختيار الوقت والمكان.. فجعل عملية الإعدام تتم ليلا، فالغزو والاحتلال والقتل والبكاء تحدث غالبا في الظلام الذي لم يبدده، في المشهد، سوى الضوء المنبعث من فانوس الجنود الذين وضعوه أمامهم كي يريهم ضحاياهم وكي يرينا المشهد الدموي واضحا وجليا.
كما اختار بقعة تبدو متوارية، عن المدينة، بما يشبه التل الذي يبدو وراء الضحايا كحائط إعدام، كما يبدو مناسبا جدا لإخفاء فعلة مشينة كإعدام الثوار والوطنيين.

من أجمل ما قيل عن اللوحة أن المشهد باختصار يُظهر جنود كل زمان ومكان، يقتلون مدنيي كل زمان ومكان.



#عبدالهادي_الجميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- شاهد.. رئيسة المكسيك تكشف تفاصيل مكالمتها مع ترامب التي أدت ...
- -لم يتبق لها سوى أيام معدودة للعيش-.. رضيعة نٌقلت من غزة لتل ...
- وزير الخارجية الأمريكي يتولى إدارة وكالة التنمية الدولية، وت ...
- شهادات مرضى تناولوا عقار باركنسون -ريكويب-: هوس جنسي وإدمان ...
- شاهد: الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع يؤدي مناسك العمرة ف ...
- باريس تُسلِّم آخر قاعدة عسكرية لها في تشاد.. هل ولّى عصر -إف ...
- أول رئيس ألماني يزور السعودية: بن سلمان يستقبل شتاينماير
- لماذا تخشى إسرائيل تسليح الجيش المصري؟
- -فايننشال تايمز-: بريطانيا تستعد للرد على الولايات المتحدة إ ...
- الرئيس السوري أحمد الشرع يصدر بيانا إثر مغادرته السعودية


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالهادي الجميل - ما لم يرسمه غويا!