|
امجد حميد... لماذا استعجلت الموت
حامد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 1488 - 2006 / 3 / 13 - 00:17
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
صديق آخر نودعه، فبعد ان اختطف منا الموت، في الأيام العصيبة الماضية، عروسنا (اطوار بهجت) عاد من جديد ليخطف فرحنا (امجد حميد) مدير تلفزيون العراقية الذي وعدني قبل يومين من موته بانه سيترك العراقية لانها قناة خاضعة لأمزجة الطوائف والسياسيين، ووعدني كذلك بأنه سيغير مكان سكنه لانه يعيش في بؤرة الإرهاب، يقصد الجانب الغربي من بغداد، لماذا لم تفي لي بوعدك يا صديقي؟ لماذا جعلتنا نتلقى نبأ موتك الفاجعي بهذه القسوة والذهول، لا زلنا لم نلئم جراحنا بأطوار وبآخرين من الأحبة والزملاء الذي سبقوها، لماذا استعجلت الموت؟ وولدك الذهبي (محمد) الذي قرر ذات مرة ان يقضي ايام العيد الاخير في حياتك معك في التلفزيون لانك رفضت الذهاب الى البيت كي تقود بنفسك برامج القناة، يومها قلت لي اريد ان ادخل الفرحة لقلوب العراقيين، هل تذكر؟ قلت لك: لعائلتك حق عليك. قلت لي: وللعراقيين حق اكبر. والله هذا الكلام صدر من هذا الرجل الذي جاءه قاتل من خارج الزمن ووضع فيه رصاصات الغدر بصمت واحتراف، امجد حميد يحب العراقيين اكثر من عائلته ففضل قضاء ايام العيد داخل الاستوديوهات وكان له فعلا ما اراد، اذ خرجت قناة العراقية من لباسها التقليدي وقدمت برامج عيد جميلة ادخلت بعض الفرح الى العوائل العراقية التي ادمنت الحزن والاكتئاب، لله درك امجد، لماذا استعجلت الموت. في رمضان، وفي غمرة انشغال الشهيد امجد حميد بالتحضير لبرامج العيد، قام بتسجيل حلقة من برنامج ريفيي غنائي قدمته الزميلة انعام الربيعي وقد استضافت فيه المغني الريفي (رعد الناصري)، وقد انتبه امجد الى ان اليوم هو يوم جرح الامام علي (ع) فحرص على ان يغلق بوابات الاستوديو بنفسه كي لا يخرج صوت التسجيل الى خارجها احتراما لمشاعر محبي علي، ولان الامر متعلق بحجوزات مسبقة فانه لم يستطع ان يلغي موعد الحجز. بعد الانتهاء من التسجيل جاءه اتصال هاتفي من هاتف نقال ظهر رقمه بوضوح، تحدث صاحب الاتصال الى امجد بسخرية: "ها يابه لازم فرحان.. شلون تسجل اغاني بيوم جرح الامام علي؟" حاول امجد ان يعالج الموضوع بحكمة، قال لصاحب الاتصال:"اولا انا اغلقت بوابة الأستوديو بإحكام، وثانيا انا شيعي مثلك وأتحسس مثلك مناسبة جرح الامام لكني مسؤل واليوم موعد حجز البرنامج ولا أستطيع الغاء الحجز لان هذا البرنامج من ضمن منهاج العيد ونريد ان نعد لهذا المنهاج جيدا خاصة وان الوقت قد داهمنا" رده عليه المتصل الساخر :"العيد ها؟ شوف، لو تترك منصبك لو تقتل" وقطع الاتصال، عندها ذهب امجد حميد الى مدير عام شبكة الاعلام العراقي السيد حبيب الصدر وروى له تفاصيل الاتصال، واثناء وجوده في مكتب الصدر جاءه اتصال ثاني من نفس الرقم وهذه المرة طلب المتصل ان يتحدث مع حبيب الصدر الذي تلقى هو الآخر تقريعا عنيفا من المتصل الذي علم بتواجد امجد في غرفته وقد طلب من حبيب الصدر ان يصدر امرا بطرد امجد حميد من التلفزيون فورا والا سيكون مصيره القتل هو الآخر. رفض حبيب الصدر هذا الطلب محاولا معرفة هوية المتصل الذي سارع الى قطع الاتصال بعد ان وعد بتنفيذ تهديده، عندها كتب امجد حميد استقالته وقدمها الى حبيب الصدر الذي رفضها وطلب منه عدم الاستسلام الى التهديدات، روى لي امجد هذه الحكاية في ايام العيد وعلى وجهه ابتسامة مسالمة، قال لي:" لابد ان المتصل من الذين يعملون في التلفزيون وقريب علي لانه عرف بتوجهي الى مكتب المدير العام حبيب الصدر"، قلت له: امجد، قبلك تم اختطاف ابن احمد الياسري الذي كان يشغل نفس منصبك هذا واشترطوا لاطلاق سراح الرهينة ان يترك الياسري عمله في التلفزيون وان يدفع لهم مبلغ ضخم لتمويل المقاومة العراقية "الشريفة!!!" امجد، اترك الوظيفة، رفض، لماذا رفضت يا امجد؟ الم يكن الاولى بك ان تبقى مع اولادك الثلاثة؟ يا صديقي في الاحلام المؤجلة والمخاوف المتنامية على وطن داهمته الريح واطاحت به وبنا، الم يكن الاجدر بك ان تسمع الى رسالة التهديد، الم يكن الاولى بك ان تأخذ حاجاتك من مكتبك وتودع سكرتيرتك الجميلة وتترك مكانك الى فرسان العراق الجدد، فرسان الدم والغدر؟ ام تراك كنت تتحدى الاشباح من اجل عراق خال منهم؟! قد يكون المتصل الشيعي المتحمس قد قتل امجد حميد، او قد يكون السني الحاقد الذي خطف ابن احمد الياسري هو نفسه الذي قتل امجد حميد، وقد يكون القاتل لا شيعي ولا سني ولا عراقي بالمرة بل عربي تائه قادم من وراء الاباعر والصحراء كي يعلمنا كيف نحرر بلدنا، كيف نعيش، كيف نفكر، نحن صناع الحضارة، احفاد سومر واكد وبابل، قد يكون القاتل انا الذي لم اجتهد باقناع امجد على ترك وظيفته ويذهب يموت جوعا مع العاطلين عن العمل، قد يكون القاتل امجد حميد نفسه لانه لم يعر لمنصبه اهمية تذكر فأخذ يتحرك هو وصاحبه الشهيد السائق انور تركي بلا حماية وبلا سلاح الا محبة الناس ناسيا او متناسيا ان محبة الناس اصبحت تهمة في العراق يقتل على اساسها المرء. رحل امجد حميد، فارس الكاميرا الناجح جدا، والصديق الدافئ والاخ الوفي تاركا وراءه فراغا بحجم الكون كله، رحل كما رحل من قبله علي عبد العزيز وعلي الخطيب وأطوار بهجت و..و...و... ومن ينتظر وما بدلوا عن حب العراق تبديلا.. استعجلتم الرحيل لكنكم في قلوبنا الى الابد.
#حامد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من قتل اطوار بهجت؟
المزيد.....
-
مسؤول مصري لـCNN: وفد حماس بالقاهرة الأسبوع المقبل لبحث المر
...
-
العراق.. تراجع عن مطلب خروج الأمريكيين
-
ضربة جديدة لحكومة ميلوني: إعادة 43 مهاجرا من ألبانيا إلى إيط
...
-
متظاهرون يتصدون لمحاولة طرد أحد المستأجرين من حيّ تاريخي في
...
-
51 مليون يورو .. بيع سيارة مرسيدس للسباقات تعود إلى الخمسينا
...
-
رئيس جمهورية بريدنيستروفيه: احتياطيات الفحم لتوليد الكهرباء
...
-
لافتات في غزة دعما لموقف السيسي ورفضا للتهجير على أنقاض الحر
...
-
الخارجية الروسية تؤكد أهمية عرض الممارسات الدموية للقوات الأ
...
-
-أمريكيون موتى-.. خبير يذكر ماسك بـ-الأهوال- التي رأتها القو
...
-
أسير محرر يعود إلى غزة ليكتشف مصرع زوجته وطفلته خلال الحرب (
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|