|
قبول اليهود للسلام بين المسيح والسادات
إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة
(Ereiny Samir Hakim)
الحوار المتمدن-العدد: 5833 - 2018 / 4 / 2 - 02:36
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قبول اليهود للسلام بين المسيح والسادات فى إحدى اللقاءات التلفزيونية المصرية مع الفنان عمر الشريف حكى عن توسطه الدبلوماسى ما بعد حرب 1973 بين مصر ممثله فى رئيسها حينها "السادات" وبين اسرائيل ممثله فى رئيس وزرائها حينها "مناحيم بيجن"، والوساطة كانت عبارة عن مكالمة تليفون من عمر لبيجن يعرض فيها طلب السادات فى أن يذهب إلى اسرائيل لعقد معاهدة السلام معهم، وجاء رد بيجن الحماسى على عمر (حسب ما ذكر): "هذا إن أتى إلى هنا سنقول انه المسيح .. المسيح قد جاء"
اليهود هم أبطال القصة التاريخية مع المسيح، هم الفئة التى عرفت الله بشفافية روحية اقترنت بكلام الله الموَّجه لهم وعلاقتهم معه وعلاقته بهم المدونة فى العهد القديم "التوراة"، وكانت تعاملات الله معهم بَيِّنة مباشرة ومتسلسلة، لم يكونوا هم البشر الوحيدين فى الأرض الذين تعامل معهم الله، لكن هم كانوا الفئة التى تسلمت جذورهم فى الأرض كلام الله ووعوده فتسلموا وعود الله وقدموا له عهودهم، وسلموا لأولادهم جيلا بعد جيل تلك العلاقة المتبادلة مع الله وذلك العهد.
وبرغم انتظارهم لتحقيق نبؤة مجئ المسيح (المسيا المنتظر) التى تمسكوا بها جيلا بعد جيل، وترقبهم لها لعدة قرون، قوبلت عند تحقيقها بالرفض القاطع والصريح منهم مع اضطهاد للمسيح ذاته وتحريض عليه فى قصة حزينة انتهت معهم بصلبهم له.
إذن ما المشكلة؟ وكيف ترتب ذلك الرد الصادم منهم؟ ولماذا؟
المشكلة تتلخص فى أنها لم تكن حالة جديدة بل كانت متكررة
حيث أن كثيرا ما كان صوت الله لهم وتعاملاته معهم يكون ضد مصالحهم وحين تجسد صوت الله .. كلمة الله .. حب الله فى شخص يسوع المسيح تجسدت المشكلة حرفيا فى صراع ضخم بين المصلحة الذاتية لهم وبين قصد الله وتتميم مشيئته فى العالم باستخدام بشارة الحب فى وسطهم
فكان أنه عندما جاء يسوع صانع السلام .. ملك السلام فى حقيقة معنى السلام فعلا وليس لقبا على مر الأزمان
وعند دخوله أورشليم فى أحد الشعانين (أحد السعف) اختار أن يكون راكبا على جحش، فى صورة انسان بسيط، ليس معه سيف ولا رجال تحمى ظهره من سهم، لا يريد من جموعهم هتاف القائد الملك، لم يرد سوى هتافات الإيمان بعمل الحب الذى جاء لأجله حتى يتم عمل السلام فى حياتهم ومعهم، لم يكن يريد من جموعهم استغلال اعدادهم فى تتويجه ملكا عليهم ليقمع الرومان ويعلن الحرب على دولتهم، ولا أن يستخدم تجمعهم فى ادعاء تنصيبه زعيما عليهم، فلم يكن هذا هو فكر أهدافه فى وجوده على الأرض.
كان يريد يسوع أن يحرر القلب والفكر والروح وبالتالى الجسد سيكون حر
كان يريد أن يحقق فيهم كرامة الفكر أولا، فكان مبدأه دائما أن التغيير يأتى من الداخل، لكن هم كانوا يريدون السير فى طريق التحرير بالعكس.
وهذا الفكر بالنسبة لهم لم يكن ينفع ولا يشفع، فكانوا يحدثونه عن المملكة التى سيكون ملكا عليها وهم أعوان الملك فيها فكان يرد مؤكدا بأن مملكته ليست من هذا العالم، لقد كان المسيح ايمانيّ التعامل جدا وهم أفكارهم عيانية للغاية!
ولأنه كان ثائرا على زعماء رعيته الدينيين ومَن كانوا يملكون قبضة الأحداث والأحاديث المسئولة عن مسيرات ومصائر الجموع الذين تحت أيديهم، وكان يحطم أوهام حُجَجَهُم وسلطان منافعهم بالمنطق الذهنى وسلطان الكلمة الروحى، ويُكسِّر هيبة زيفهم الفريسيّ أمام الناس، فكان الموضوع فى نظرهم يتعارض صراحةً وكليةً مع مصالحهم الخاصة، مصالح المُلك والسُلطة ومحاولاتهم المجنونة فى حِكر تعاملات الله عليهم وعلى مفاهيمهم وتوظيفها فى خدمة اغراضهم!.
ثم تدور السنوات والسنوات ويأتى شخصية سياسية مثل السادات (سواء نتفق أو نختلف عليه سياسيا فهذا ليس موضوع نقاشنا هنا)، فيتماشى مع مصالحهم
فيقولوا نعم هذا هو المسيا المنتظر اى .. نعم هذا هو المسيح حتى ولو على سبيل الالتفاظ بحماسة الانتصار الطامع
نعم هذا هو المسيح الذى على شكل قالبهم وتفصيلا لمحتوى قلوبهم، هذا هو المسيح على قياس تصوراتهم، على قياس مصالحهم.
وسلامه ليس هو السلام الذى كانوا يريدون، فلقد كانوا يبحثون عن سلام أخر
لقد بحثوا وانتظروا سلام ليس فى جوهره سلام، لقد انتظروا تحقيق مصالح خبيثة ظانين أن راحة كبريائهم هى مفهوم السلام، ولكن حقيقة مفهوم عطاء الله لا يخضع لتقييمات وتوقعات ومفاهيم بشر، فالحق تظل حقيقته ثابتة حتى ولو قوبلت بالمسامير.
وكان يوم ما دخل أورشليم سلام الله المتجسد فى يسوع المسيح فى يوم أحد الشعانين، لم يُرحِب به سوى الفقراء والبسطاء فى الحال والقلب من الشعب، مُلقين أمامه أقمشة قمصانهم البسيطة، وسعف النخيل الذى أخذوه من الطبيعة لإلقاء تحية الحب له هاتفين له بإيمانهم به وبإرسالية سلام حب الله للعالم بواسطته، هؤلاء هم من انتبهوا لمفهوم السلام الحقيقى وكرموه، أما أصحاب المكانة منهم وذو النفوذ فرفضوه طالبين منه اسكات الجموع الهاتفة له ساخرين متهكمين، فهم توقعوه ملكا بمفهومهم ورئيس للسلام بسريالية الطموح العدوانى لإيمانهمـ فتحقيق السلام معهم يعنى اعلان الحرب على أخرين.
بينما مُلكه ليس من هنا ولا لهنا فمُلكه على القلوب وليس على الأراضى!.
وعندما أتوا به ليصلبوه هتفوا أمام يوليوس قيصر دمه علينا وعلى أولادنا، ومن الواضح أن سَريان وعدهم مستمر فى دم أولادهم والذى يبدو أنه يحمل نفس منهجية فكرهم وضمير سعيهم فى الأرض.
ولكن المُلك للسلام الحقيقى فى النهاية سلام القلوب والعقول، كما فى السماء كذلك على الأرض ويظل وعد يسوع قائم بتأثيره الحق سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا
وتظل حقيقة ثابتة باقية عبر التاريخ أن المصلحة الذاتية تتعارض مع عمل الله فى حياة الإنسان تتعارض مع وجود المسيح
وأخيرا فى هذا المقال ليس هدفى أن أُدين اليهود، والإشارة إليهم هنا ليست للتعميم ولا للإختزال كذلك. إنما هنا وبإستخدام مَثَل تاريخى وليس خيالى، أنا أُدين الفكرة، أُدين شر الفكرة التى تتمثل فى أشخاص مختلفين عبر الأزمنة والأمكنة، والتى من الممكن أن تتمثل فى أقرب الأشخاص للمسيح مثل يهوذا فى شره، أو بطرس فى لحظة ضعفه.
#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)
Ereiny_Samir_Hakim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تصدقوا سياسات حناجر المنابر
-
مَن علَّقوا سلامهم على مشانق الهلاك!
-
عرض *مفتاح شهرة* لا تترك مفتاح شهرتك لأخر
-
مسرحية *نزهة فى أرض المعركة* الإبداع فى ميدان التَورية
-
عرض *كأنك تراه* عندما تواجه مرآة إيمانك!
-
يا جان دارك
-
عرض *إن عاش* عندما يُصبح أُناسنا بقشيشاً للشعوب
-
الهجرة النفسية
-
الصبح وليمة الساهرين
-
عودة أوديسيوس!
-
أنا لست آسفة على إزعاجكم
-
يا جمل تاه فى جبال الصبر
-
تقرير عن عرض قطف القاصرات ليس استعراضى وإنما تمثيل صامت
-
إنتقام أوديسيوس
-
فى محراب فلسفة الفن الروحية لفيلم The Perfume ومسلسل ونوس
-
يا من حولتم دماء النساء إلى ذنوب
-
الأم تريزا عطاء الأمومة البتولية
-
لقد رأيت راسبوتين
-
البحث عن الحقيقة باهظة الثمن
-
رسالة إلى المتخفين من العنصريين والمتعصبين فى بلدنا
المزيد.....
-
الكونغو الديمقراطية: غوما تحت سيطرة المسلحين … دمار ونهب وال
...
-
قولوا وداعًا لأمريكا.. ترامب يُعيد تهديد مجموعة -بريكس- إذا
...
-
الخارجية الروسية: إجراءات شطب -طالبان- من قائمة الإرهاب مستم
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على أهداف لـ-حزب الله- في الب
...
-
بريدنيستروفيه ومولدوفا تتفقان على خطة أولية لتوريد الغاز
-
أبرز مواصفات الهاتف الجديد من -Nothing-
-
اكتشاف بكتيريا خطيرة في بعض منتجات الدجاج التي تورد إلى روسي
...
-
-فينشينزو.. رجل المافيا-.. عدالة العصابات وتهجير السكان لاست
...
-
العبور من الثورة إلى الدولة في سوريا
-
سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية العام
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|